أولادنا

الأساليب الفكرية والعوامل النفسية المؤثرة في تنشئة الطفل

تعتبر رعاية الطفل وتنشئته عملية مركبة تتم شيئًا فشيئًا وبالتدرج، حيث يُعدّ البيت المؤسسةَ التربوية الأولى ومدرسة الطفولة الأساسية التي يتم من خلالها صقل شخصيته، وعليه يسعى البحث الحالي إلى دراسة أوجه وجوانب الرعاية التي أحاط الإسلام بها طفولته، وذلك من خلال التعرض لأهم الأساليب التربوية المؤثرة فيه.

وفى دراسة بعنوان: «أهم الأساليب التربوية المؤثرة في تنشئة الطفل ورعايته حسب المنهج الإسلامي»، للباحثة بجامعة خميس مليانة بالجزائر، حورية جميلة تيقرين، حاولت التطرق إلى جوانب التربية التي اهتم بها الإسلام، مستدلةً على كل ما توصلت إليه بأدلة مستقاة من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة ومن منهج السلف الصالح، ممّا ينبغي أن يحتذى به من أمثلة في هذا المجال، مركزةً على اهتمام النبي ﷺ الشديد بتربية الطفل ورعايته، إيمانًا منه أن الطفل هو اللّبنة الأولى في المجتمع. فوضع له منهجًا تربويًا يتناول جميع النواحي الشخصية: جسميةً وعقليةً ونفسيةً وخُلقيةً، مؤكدًا على ضرورة العناية بالتنشئة الأسرية الصالحة.

 

الأساليب الفكرية الإسلامية المؤثرة في عقلية الطفل

رواية القصص

أثبتت التجارب العملية أهمية القصة المحكمة والدقيقة في شد انتباه الطفل، بخلاف الدروس التلقينية التي تورث الملل ولا يستطيع الطفل متابعتها واستيعابها إلا بصعوبة، والأصل ألا يكون الهدف من القصة التسلية والترفيه، وإنما العظة والعبرة وهذا ما أشارت إليه الآيات القرآنية بالنسبة للقصص القرآنية. قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ} (يوسف: 111)، وقال تعالى: {فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} (الأعراف: 176).

  • بعض القصص المفيدة في تربية الأطفال: 
  1. قصص الأنبياء: المذكورة في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، كقصة نوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، ويوسف، ومحمد عليهم جميعًا أفضل الصلاة وأتم التسليم.
  2. قصص القرآن الأخرى: كأصحاب الكهف، ومريم، وأصحاب الأخدود، وغير ذلك.
  3. القصص والأحداث التي وقعت زمن الرسول ﷺ: كالهجرة، وغزوة بدر، وأحد، والخندق، وفتح مكة، والإسراء والمعراج، وغير ذلك.
  4. قصص وبطولات الصحابة وغيرهم: كالخلفاء الراشدين، وبعض العلماء كالشافعي، ومالك بن أنس، وصلاح الدين الأيوبي، وغيرهم.

هذا ولا تكون القصة مفيدة فعلًا للأطفال إلا كانت مناسبة لمستواهم وبالأسلوب الذي يؤثر فيهم.

 

الخطاب المباشر للطفل

أن نخاطب الأطفال بصراحة ووضوح، حيث ينبغي مخاطبة الأطفال على قدر عقولهم، ولا نستخدم معهم الأساليب الأخرى من اللف والدوران، والسر في ذلك أن الطفل له حدوده العقلية والفكرية التي لا يستطيع تجاوزها في أي حال من الأحوال.

 

الحوار الهادئ مع الأطفال

والمقصود بهذا الأصل أن نسمع لآراء الأطفال وأن نصحح لهم أخطاءهم بهدوء، وأن نحذر التأنيب القاتل والتسفيه المخزي والزجر المحطم للشخصية، فإنها ذات خطر جسيم على شخصية الطفل وقد لا يدركه كثير من المربين والآباء إلا بعد انتقال الأطفال من سن الطفولة إلى الشباب.

 

العوامل النفسية المؤثرة في نفسية الطفل

صحبة الطفل

تلعب صحبة الطفل دورًا كبيرًا وهامًا في التأثير في نفسية الطفل، حيث أنها تدخل السرور إلى قلبه وتشعره بالعطف.

ويدل على ذلك مثلًا أحاديث جواز حمل الصبيان في الصلاة، ومنها ما رواه البخاري ومسلم عن أبي قتادة رضي الله عنه قال: «رأيتُ النَّبيَّ يؤمُّ النَّاسَ، وَهوَ حاملٌ أُمامةَ بنتَ أبي العاصِ علَى عاتقِهِ، فإذا رَكَعَ وضعَها، فإذا فرغَ من سجودِهِ أعادَها».

 

إدخال السرور والفرح إلى نفوس الأطفال

 ويكون ذلك بأساليب كثيرة ومتعددة منها:

  1. الاستقبال الجيد لهم.
  2. تقبيلهم وممازحتهم.
  3. مسح رؤوسهم.
  4. حملهم وملاعبتهم.
  5. الاستماع لآرائهم.
  6. الأكل معهم.
  7. شراء الأطعمة الجيدة والألعاب المفيدة لهم.

وقد كان يفعل الرسول ﷺ مثل هذا مع كثير من أطفال الصحابة كما مرّ معنا سابقًا.

وهذا الأساس مهم جدًا في تكوين شخصية الأطفال وتهذيب طباعهم وعاداتهم.. وإشعارهم بالفرح والعطف والحنان الذي يورث الانطلاق والحيوية في نفوسهم وأعمالهم.

 

تشجيع التنافس بين الأطفال

ومن فوائد ذلك:

  1. تحريك مشاعر الطفل وأحاسيسه نحو الفوز، وبذلك تظهر طاقاته الفكرية، والرياضية، ومواهبه الفطرية، التي لا يمكن تحريكها إلا بذلك.
  2. تنمية روح الجماعة في الطفل والابتعاد عن الفردية، وبذلك يتدرب على فهم الحياة البشرية، فتارة يخطئ، وتارة يصيب.
  3. إعطاء الأطفال حرية التفكير منذ الصغر، فيُدلون بآرائهم بما يناسب تفكيرهم.
  4. إعطاء الأطفال فرص كبيرة للتعلم وتصحيح كثير من الأخطاء السلوكية لديهم.

أمثلة من منافسات الرسول ﷺ للأطفال وغيرهم:

  1. ما أخرجه البخاري وغيره عن ابن عمر، أن رسولَ اللهِ ﷺ قال: «إن من الشَّجَرِ شَجَرَةً لاَ يَسْقُطُ وَرَقُها، وهي مثلُ المسلمِ، حدِّثوني ما هيَ؟». فوقعَ الناسُ في شجرِ الباديةِ، ووقعَ في نفسي أنها النَّخْلَةُ، قال عبدُ الله: فاسْتَحْيَيْتُ، فقالوا: يا رسولَ اللهِ، أخبِرنا بها، فقال رسولُ اللهِ ﷺ: «هي النَّخْلَةُ». قال عبد الله: فحدثتُ أبي بما وقعَ في نفسي، فقال: لأن تكون قُلْتها أحبُّ إليَّ من أنْ يكون لي كذا وكذا.
  2. ومن المسابقات الرياضية نجد ما رواه ابن عمر رضي الله عنه، سابقَ النبيُّ ﷺ بينَ الخيلِ، فأُرسِلَتْ التي ضُمِّرتْ- أي صارت قوية- منها، وأمدُها إلى الحَفْياءَ إلى ثنيَّةِ الوَداعِ- مكان يتجاوز عدة كيلومترات-، والتي لمْ تُضمَرْ- أي الأقل قوة-، أمدُها ثنيَّةَ الوداعِ إلى مسجدِ بني زُرَيقٍ- مكان لا يتجاوز الكيلومتر الواحد-، وإنَّ عبدَ اللهِ كان فيمنْ سابقَ.

 

تعزيز الطفل بالمدح والثناء

أكد الباحثون من العلماء والمربين ضرورة تشجيع الأطفال بالمدح والثناء إذا أصابوا في إجابتهم، أو الأعمال الحميدة التي تستحق المكافأة والتشجيع، وهذا من المبادئ النفسية التي تعتمد عليها كل النظريات، وهو مبدأ الترغيب والترهيب.

لمدح الطفل وتشجيعه أثر فعال في تحريك مشاعره وأحاسيسه نحو النشاط والزيادة من أعمال الخير والنجاح، وذلك أن الإنسان بطبعه يحب المدح والثناء من جهة، وشعوره بالنجاح مرة يزيد من نجاحه وإنجازه من جهة أخرى:

  1. ومن ذلك قول الرسول ﷺ لحفصة عن عبد الله بن عمر: «... نِعْمَ الرجلُ عبدُ اللهِ، لو كان يُصلِّي من الليلِ». فكان عبدُ اللهِ رضيَ اللهُ عنهُ يُصلِّي من الليلِ.
  2. منها المكافأة والجوائز المالية التي كانت سائدة في الأوساط التعليمية لدى المسلمين، وكلنا يعرف ممن قرأ الأدب والتاريخ ما كان يخصصه المأمون وغيره من جوائز لطلبة العلم والمتفوقين منهم.

 

تنمية ثقة الطفل بنفسه

ولذلك طرقٌ، منها:

  • تقوية إرادة الطفل: ويكون ذلك بتعويده على الصبر والصيام، وحفظ الأسرار.
  • تنمية الثقة الاجتماعية: ويكون ذلك بتعويد الطفل مجالسة الكبار، والاعتماد عليه في قضاء حاجات المنزل الضرورية من طعام وشراب.
  • تنمية الثقة العلمية: ويكون ذلك بتعليمه القرآن الكريم والسنة المطهرة، والعلوم النافعة الأخرى، لأنها أصل العلوم الصحيحة البعيدة عن الخرافات والأساطير.
  • تنمية الثقة الاقتصادية والتجارية: ويكون ذلك بتعويد الطفل على البيع والشراء وغير ذلك.

 

الترغيب والترهيب

ويعتبر هذا الأساس من أبرز الأساليب العاطفية في تربية الأطفال وتنشئتهم، ولذلك نجده واضحًا تمامًا في القرآن الكريم وفي تربية الرسول الكريم للصحابة الكرام.

والمهم في استخدام هذا المنهج أو الأساس هو أن نختار الأسلوب العاطفي المناسب لتطبيقه في الموقف المناسب والحالة المناسبة، وقد نجمع بينهما أحيانًا كما في أسلوب القرآن الكريم من ذكر الجنة مع النار غالبًا.

ونرى هنا اختلاف أسلوب الرسول ﷺ مع الأعرابي الذي بال في المسجد، والرجل الذي لبس الذهب:

  • موقف الأعرابي الذي بال في المسجد: أتى النَّبيَّ ﷺ أعرابيٌّ فبايعهُ في المسجِدِ ثمَّ انصرفَ، فمحجَ ثمَّ بالَ في المسجدِ، فهمَّ النَّاسُ به، فقالَ النَّبيُّ ﷺ: «دَعُوا الرَّجُلَ، لَا تَقْطَعُوا عَلَيْهِ بَولَهُ»، ثُمَّ دَعا به فقالَ: «ألستَ بِرجلِ مسلمٍ؟» قالَ: بلى، قالَ، «فما حملَكَ على أن بُلتَ في المسجِدِ؟» قالَ: والَّذي بعثكَ بالحقِّ ما ظننتُ إلَّا أنَّهُ صعيدٌ منَ الصُّعداتِ فبُلتُ فيه، فأمرَ النَّبيُّ ﷺ بذَنوبٍ من ماءٍ فصُبَّ على بولِهِ.
  • موقف الرجل الذي لبس الذهب: عن عبد الله بن عباس أنَّ رسولَ اللهِ ﷺ رأى خاتمًا من ذهبٍ في يدِ رجُلٍ، فنزعه فطرحه، وقال: «يعمِدُ أحدُكم إلى جمرةٍ من نارٍ فيجعلُها في يدِه»، فقيل للرجلِ بعدما ذهب رسولُ اللهِ ﷺ: خُذْ خاتمَك انتفِعْ به. قال: لا، واللهِ لا آخذُه أبدًا، وقد طرحه رسولُ اللهِ ﷺ.

 

التكرار

التكرار يؤثر في النفس، ويثبت المعلومات، ويساعد على جعل الأخلاق الطيبة عادة عند الأطفال. ولأهمية هذا الموضوع نجد أن الرسول ﷺ قد استخدمه في أكثر من موقف وحديث:

  • حديث أنس رضي الله عنه: أن النبي ﷺ أنه كان إذا تكلَّمَ بكلمةٍ أعادَهَا ثلاثًا، حتى تُفهَم عنهُ، وإذا أتَى علَى قَومٍ فسَلَّمَ عليهِم، سلَّمَ عليهم ثلاثًا.

-  حديث أبي بكرة رضي الله عنه، أن النبي ﷺ قال: «ألا أنبِّئُكم بأكبرِ الكبائرِ- ثلاثًا-، قالوا: بلَى يا رسولَ اللهِ، قال: الإشراكُ باللهِ، وعقوقُ الوالدين- وجلَس وكان متكئًا، فقال- ألا وقولُ الزُّورِ. قال: فما زال يكرِّرُها حتَّى قلنا: ليتَه يَسكتُ».

 

حسن النداء

أن نكلم الأطفال بعبارات لطيفة وألفاظ قريبة من نفوسهم، وقد دل على هذا الأساس آيات كثيرة وأحاديث نبوية شريفة منها: أمرُ الله الصريح باستعماله مع الناس قال تعالى: {ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} (النحل: 125)، وقوله: {فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ} (طه: 44).

أهمية حسن النداء:

  1. تُشعر الطفل بأهميته عند الكبار، ومن ثم تسهُل عليه الاستجابة للأوامر الموجهة إليه.
  2. تغرس المحبة والمودة في قلوب الأطفال.
  3. تساعد على القضاء على المنكرات والأخطاء عند الأطفال، فيخجل الطفل من عدم الاستجابة لمن يعظه بالحسنى، ويريه حبه وقربه منه. 

أمثلة عملية من تربية الرسول ﷺ بضرورة حسن النداء للأطفال:

  1. قول النبي ﷺ لعمر بن أبي سلمة وهو صغير: «يا غلامُ، سمِّ اللهَ، وكُلْ بيمينِكَ، وكلْ ممَّا يلِيكَ»
  2. قول النبي ﷺ لابن عباس وهو صغير: «يا غلامُ، إني أعلِّمُك كلماتٍ: احفَظِ اللهَ يحفَظْك، احفَظِ اللهَ تجِدْه تُجاهَك ...»
  3. ومنها مناداة الصحابة لأولاد الصحابة والتابعين بقولهم: «يا ابن أخي» ويدل عليه أحاديث كثيرة.

 

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم