تعد اللغة أساس الحضارة البشرية، وعامل من عوامل التكيف مع الحياة، ووسـيلة رئيسة من وسائل التواصل مع الآخرين، بها تتواصل الأجيال، ومن خلالها يكون التفاهم والتخاطب وتشمل اللغة كل ما هو مكتوب ومنطوق بل تتعدى ذلك لتشمل الإيماءات والإشارات وتعبيرات الوجه التي تصاحب سلوك الكلام. ولقد وقر فى أذهان الناس منذ القديم تقديسها وإعظام شأنها.
ولما كانت اللغة من الوسائل والأدوات التي تستعين بها العلوم الأخرى على كثرها وتنوعها – فضلاً عن كونها أصـلاً لـبعض العلوم – لم يعد الدرس اللغوي وقفاً على أهل اللغة، بل امتد الاهتمام باللغـة إلى أهـل العلـوم الأخرى، ومن ثم حظى مفهوم اللغة باهتمام علماء اللغة وعلماء الاجتماع وعلماء الـنفس علـى السواء.
وفى هذا البحث، يحاول الدكتور شريف إبراهيم بحيري الجمل، مدرس العلوم اللغویة كلیة التربیة بجامعة طنطا بمصر، التعرف على اكتساب الطفل للغة، والمراحل التي يمر بهـا؛ لأنها تنهض دليلاً على أن اللغة مكتسبة، وليست غريزة فى الإنسان .
اكتساب اللغة لدى الطفل
إن اكتساب اللغة لدى الطفل البشرى يبدأ باكتساب الأصوات اللغوية، ثم تبدأ تلـك الأصوات فى التمايز لتصبح كلمات لها معنى، ثم يتم تركيب هذه الكلمات مـع بعـضها الـبعض لتكون جملاً نحوية، وتراكيب ذات معنى أيضاً.
والصوت الإنسانى "ينطبق عليه ما ينطبق على غيره من أصوات طبيعية، إذ ينـشأ عـن اهتزازات مصدرها الحنجرة، فعندما تضغط عضلات القفص الصدرى، وتتقلص الرئتان ليندفع منها الهواء عبر القصبة الهوائية فالحنجرة. يحدث اهتزازات، ويستمر فى سيره حتى يخرج من فم المتكلم أو أنفه، فيحمله الهواء الملامس لفم المتكلم أو أنفه متموجاً بالصورة التي خرجت عليها الذبذبات حتى يصل إلى أذن السامع" (.
إن النفس الإنسانية بما يعتورها من حالات الرضـا والـسرور، والغـضب والنفـور، والاستحسان والاشمئزاز، وغير ذلك، ينعكس أثرها على اللغة فى تطورها وحياها، إذ تقبل الـنفس ألفاظاً فتحيا، وتعاف ألفاظاً أخرى فتموت، ويؤدى النبر المعبر عن الرضا أو الغضب، إلى تغـيير فى النطق، فتطول بعض المقاطع الصوتية، وتقصر الأخرى وتتلاشى، وهكذا نرى أن دراسة العلاقة بين نفسية الشعوب المختلفة ولغاتها، من واجبات اللغـوى كذلك.
وينصب اهتمام علم اللغة النفسى على عملية اكتـساب اللغـة لدى الأطفال، والنظريات التي حاولت تفسير تلك العملية، والعوامل المؤثرة فى ذلـك بيولوجيـة كانت أو نفسية أو اجتماعية، وهناك الكثير من المناهج وطرق البحث التي تبناها علم اللغة وعلم النفس فى دراسة لغـة الأطفال، ومن أشهرها منهجان، أو طريقتان:
1- طريقة العينة الطبيعية: وأساس تلك الطريقة تسجيل كلام الطفل، وهو فى وضع مريح، ومكان مفضل لديه، وأفضل الأماكن البيت الذى يعيش فيه الطفل؛ بل غرفته الخاصة به.
وربما يلجأ بعض الباحثين إلى إحضار الطفل فى المركز الذى يعمل فيه؛ حيث يسمح له باللعب بحرية كاملة ببعض الألعاب، وهو يتحدث إلى والديه، أو إلى أطفال آخرين، مع قيام الباحث بتسجيل الملاحظات ذات الاتصال المباشر بلغة الطفل. فهذه الطريقة مثالية، ومن سلبياتها أنها لا تعطى معلومات وافية عن فهم الأطفال لما يسمعونه من حولهم، أن العينات التي تقوم عليها الدراسة لا تحتوى على كل مايتصل بلغة الطفل؛ لأن الباحث ربما يتجاهل بعض الملامح المهمة التي تتصل بالمقدرة اللغوية للطفل . – أن العينات ليس فيها أى توضيح عن تعليم الطفل اللغة .
2- طريقة التجريب أو الاختبار العلمى: وتقوم تلك الطريقة على أساس الانتفاع بالتجريب الذى يعد من مبادئ البحث فى علم النفس، فى دراسة لغة الطفل والكشف عما يتصل ها.
ومن أمثلة ذلك أن يفترض الباحث صيغة حول مقدرة الأطفال على استخدام أو فهم أحد أوجه اللغة، ثم يستنبط أحد الفروض التي تناسب مجموعة الموضوعات التي طرحها، ويجرى، بعد ذلك، عملية تحليل إحصائي؛ حتى يتعرف على الظواهر التي تتصل بلغة الأطفال. وقد لقيت طريقة التجريب هى الأخرى بعض الانتقادات؛ لأنها قائمة على الافتراضـات التي يستغرق إثبات صحتها عدة سنوات، والتأويلات التي قد تختلف باختلاف رؤيـة البـاحثين؛ بالإضافة إلى أن النتائج التي توصلت إليها خاصة بعملية إنتاج الأطفال للكلام فقط، ولاتحتوى على نتائج تتصل بعملية التعلم .
مراحل نمو لغة الطفل
تشير معظم الآراء إلى أن نمو اللغة كأى جانب سلوكى آخر، يسير وفق مراحل مختلفة ترتبط الواحدة بالأخرى حيث لم يعد بالإمكان وصف أى مرحلة من المراحل بشكل منفصل عـن المراحل السابقة لها.
وتمر اللغة فى عدة مراحل إلى أن تصل إلى شكلها المألوف الذى يتـيح للفـرد استعمالها كأداة للتعبير والاتصال وهى تعتمد فى نموها على مدى نضج وتدريب جهـاز النطـق، وعلى مستوى التوافق العقلى والحركى والحسى الذى تقوم عليه المهارة اللغوية وخاصـة فى بـدء تكوينها.
إن مراحل تطور اللغة تنقسم إلى مرحلتين هما: الأولى: وهو الكلام المتمركز حول الذات، هذا النوع يأخذ فى التدهور تدريجياً حتى يتلاشى فى سن المدرسة تماماً. ثم تأتى المرحلة الثانية: وهى الكلام الاجتماعى حيث يتعلق الطفل فى كلامه ببيئته الاجتماعية المحيطة به فى المدرسة والمترل.
ونستطيع أن نقسم اللغة إلى نوعين رئيسيين : النوع الأول: وهو اللغة اللفظية التى نعبر عنها فى ألفاظ، وهى مظهر قوى من مظاهر النمو العقلى والحسى والحركى، ووسيلة من وسائل التفكير والتخيل والتذكر .
والنوع الثانى: هو اللغة غير اللفظية، وتعنى كل الوسائل الأخرى غير اللفظية للتفاهم بين الكائنات الحية، "فحركة اليد لغة، وإيماء الرأس لغة، وقس على ذلك غمز الحاجب، ولمز الشفة، وطرف الجفون، والتصفيق ورفع اليدين للدعاء، والإشارة التى تؤدى إلى فهم معنى ما"، وقد ذهب العالم الدنماركى يسبرسن إلى أن هناك ثـلاث مراحـل متميزة تستغرق النمو اللغوى عند الطفل، وهى: ١- مرحلة الصياح أو الصراخ . ٢- مرحلة الثرثرة أو البأبأة . ٣- مرحلة الكلام أو التكلم.
وهذه المرحلة الثالثة تنقسم إلى فترتين : أ- فترة اللغة الصغيرة التى يقلد الطفل فيها الأصوات التى ينطقها الكبار من حوله . ب- الفترة التى تتضح فيها لغته ويصبح كلامه أشد انتظاماً وأقرب إلى الكـلام الـذى يلفظـه الكبار، ويقول يسبرسن إن اللغة ينظر إليها "عن طريق الفم والأذن وليس عن طريق القلم والعين".
العوامل المؤثرة فى اكتساب الطفل اللغة
تتأثر لغة الطفل بعوامل مختلفة تتصل بعضها بالتكوين العصبى النفسى العضوى، ويتصل البعض الآخر بالبيئة التى يحيا الطفل فى إطارها، فنسبة الذكاء والعاهات السمعية والبصرية والصوتية وجنس الطفل ذكراً كان أو أنثى، كل ذلك يؤثر فى معدل نمو الطفل اللغوى، فتسبق الأنثى الذكر فى بدء نطق الكلمة الأولى، وتظل الفتاة متميزة عن الفتى فى قدرتها اللغوية، كما تدل الدراسات العلمية المختلفة على أن أطفال البيئة الاقتصادية الاجتماعية المرتفعة يتكلمون أسرع وأدق من أطفال البيئة الاقتصادية الاجتماعية المنخفضة.
وفيما يلى مراحل النمو اللغوى : 1 - المرحلة قبل اللغوية ٢- المرحلة اللغوية
المرحلة قبل اللغوية
أ - صيحة الميلاد :إن أعضاء النطق لدى الطفل تصل إلى مستو لا بأس به من النمو ويمكنها أن تؤدى وظيفتها قبل ميلاد الطفل... غير أن مظاهر الحياة عند الطفل تبدأ بصرخة الميلاد الناتجة عن اندفاع الهواء بقوة من حنجرته فتهتز أوتارها، وهكذا تبدأ الحياة بمنعكس يعتمد فى استثارته على دخول الهواء إلى الرئتين. ويرى علماء النفس اللغوى أن صرخة الميلاد هى أول بادرة يعبر الطفل من خلالها عن قدرته على إصدار الأصوات. والصراخ الحاد الانفجارى هو أكثر أهمية بالنسبة للطفل لأنه يفيد فى نمو اللغة لديه وهو شكل من أشكال اللغة غير المتطورة ويساعد "صراخ الطفل فى هذه المرحلة على إشباع رغباته (الأكل – الشرب – الإخراج)، وللصراخ فى هذه المرحلة أهمية كبرى، لأنه يفيد فى نمو اللغة لدى الطفل ويعده العلماء اللغة غير المتطورة.
ب - الصراخ والأصوات الانفعالية :عند الولادة تكون حصيلة الطفل الصوتية قاصرة على الصراخ (البكاء) وبعض أصوات النخير الصادرة عن الخياشيم، وأيضاً أصوات القرقرة الصادرة عن الحنجرة، وهناك أنواع من الصراخ (البكاء) لكل نوع معناه أو هدفه فمثلاً:
- - بكاء الولادة: ويستمر لبضع ثوان ويأتى بعد أخذ الوليد نفسين عميقين يسببان له آلامـاً فى الرئتين فيصرخ.
- - بكاء الحاجة: وغالباً ما يكون بسبب الجوع، ويكون بعد مرور من (٤-٢) ساعات من الوجبة السابقة وهو بكاء يرتفع فيه صراخ الوليد.
- - بكاء الألم: ويكون استجابة لألم أصاب الطفل - من ألم الشك بالإبرة أو ألم السقوط أو الاصطدام- وهو بكاء طويل يعقبه صمت طويل ثم بكاء مرة ثانية بعد استعادة التنفس، ويصاحب هذا النوع من البكاء توتر عضلى فى الوجه وتقلصات فى عضلات مختلفة من الجسم.
- - بكاء الغضب: ويشبه بكاء الحاجة أو الجوع، إلا أنه يكون أكثر حدة نتيجة دفع مزيد مـن الهواء عبر الأحبال الصوتية.
وينقسم الصراخ إلى :
- صراخ عشوائى: وهو يحدث نتيجة الانعكاسات الجسمية وامتداد التنفس .
- صراخ موجة: حيث يصوت الطفل من أجل إشباع حاجته.
- الضحك والأصوات السارة : ومنذ "الشهر الأول يصدر الطفل أصواتاً هادئة تدل على الشعور بالارتياح، وفى شهره الثانى يشعر بصوت المتكلم، وفى شهره الثالث يبتسم عند رؤية وجه أمه أو أبيه، وتصدر عنه أصواتاً.
- الأطفال مرآة التمتع (النمو النفسى والاجتماعي للطفل فى سـنواته التكوينيـة تدل على سروره، وفى الشهر الخامس يصدر أصواتاً ناعمة كهديل الحمام عند شعوره بالارتياح، وتعد هذه المرحلة تدعيماً بالروابط الاجتماعية بين الطفل والمحيطين به إذ يكتسب الطفل القدرة على التمييز بين أنواع التنغيم المختلفة للكلام الصادر من المحيطين به.
ج - المناغاة: وتسمى مرحلة الثرثرة أو الثغثغة كما يطلق عليها مرحلة الصدى الصوتى . وقد اختلفت "الدراسات حول بداية ونهاية مرحلة المناغاة فبعضها يرى أنها تبدأ فى الأسبوع الثالث للميلاد، وتستمر حتى نهاية الشهر الثالث من عمر الطفل، لكن هيرلوك من خلال دراسة تجريبية أثبت أن الطفل يبدأ من الشهر الثالث من الميلاد فى السيطرة على مجرى الهواء إلى حد ما، وفى مطلع الشهر الخامس أو السادس تبدأ المناغاة لديه، بشكل واضح وتستمر حتى الشهر الثامن ثم تتراجع تدريجياً لتدمج مع المرحلة التالية، وهى مرحلة تقليد الأصوات المسموعة ومحاكاها.
وفى هذه المرحلة يبدأ "الطفل بإحداث ترديدات من تلقاء نفسه تكون شبه واضحة وتأخذ شكل لعب صوتى، وتكون هذه الأصوات من أجل إسعاد الطفل لنفسه فيجد الطفل فى ذلك لذة ومتعة، وفى هذه المرحلة – أيضاً- يكتشف الطفل فعالية الأصوات التى يصدرها وذلك فى إطار ردود الأفعال الصادرة من المحيطين وأولهم الأم. وجميع الأطفال يمرون بمرحلة المناغاة بما فيهم الأطفال الصم، والبكم، والمتخلفون عقلياً وغيرهم، وقد تستمر هذه المرحلة من عدة أشهر إلى سنة تقريباً، وما يتلفظه الطفل فى هذه المرحلة يعدل ويتغير ويتمايز وذلك حسبما يتوافر للطفل من مدعمات من حوله.
ويتعلم الأطفال خلال تلك المرحلة "التمييز بين الأصوات الخاصة بلغتهم وتلك التى ليست جزءاً من اللغة، كما يتعلمون المحافظة على الأصوات الصحيحة ويبتعدون عن تلك التى ها أخطاء.
ويبدأ الطفل فيما بين الشهر الثامن والشهر العاشر من عمره فى الثرثرة ببعض الكلمات حتى يصل خلالها إلى الإنتاج الحقيقى للكلام، وبعد ذلك يتمكن من إنتاج بعض النماذج الصوتية التى يمكن معاملتها على أها منطوقات تشير إلى الأشياء والأحداث، وتحتاج تلك المنطوقات إلى بعض الإيضاحات الخاصة بطبيعتها ودورها فى إظهار المعرفة اللغوية عند الطفل والتعبير عنها" . يبدأ الطفل يسمع نفسه "وهو يناغى حيث يبدأ ذهن الطفل يدرك تنوع الأصوات التى يدركها ويربط بينها وبين طريقة إخراجها، وهنا يبدأ عند الطفل مرحلة تجريبية يحرك فيها أجهزته الصوتية بأشكال مختلفة ويستمع لنتائج هذه التغيرات والحركات.
د - مرحلة الحروف التلقائية :تبدأ هذه المرحلة فى النصف الثانى من السنة الأولى حيث يبدأ الطفل فى نطق بعض المقـاطع الكلامية المحدودة. وغالباً ما يبدأ بنطق حروف الحلق المرنة مثل (آ آ) و (غ ع)، وحـروف الشفاة السائلة مثل (ب ب ، م م). - قرب هاية السنة الأولى يمكن للطفل أن يجمع بين حروف النطق المرنة وحروف الشفاة السائلة فينطق كلمة (باب) – (ماما). دون أن يكون هناك دلالة حقيقية للإشارة إلى الأب أو الأم. - بعد ذلك يبدأ الطفل فى نطق الحروف السنية (أسنانية لثوية) مثـل: (د، ت)، ثم الحـروف الأنفية مثل: (ن، خ). - وعندما يتضح الجهاز الكلامى، يتمكن الطفل من السيطرة على حركات لسانه فيستخدم حروف مثل: (ك، ج، ق.. إلخ) وآخر الحروف التى يتمكن الطفل من السيطرة عليها حرفى (ق، ر(.
هـ - مرحلة التقليد :وفى "هذه المرحلة يقلد الطفل صيحات وأصوات الآخرين التى يسمعها وذلك هدف أن يتصل هم أو يصبح مثلهم أو هدف إشباع حاجة ما، وعملية التقليد توجد لدى جميع الناس، واعتبر العلماء هذه العملية بمثابة واحدة من طرائق تعليم اللغة. وعملية تقليد الطفل لألفاظ الآخرين تتوقف على عملية المعززات التى يتلقاها من المحيطين، ويتعلم الطفل فى هذه المرحلة الأشياء الصحيحة التى يجب تقليدها والأشياء الخاطئة التى لا يجب تكرارها، وربط (جان بياجيه) بين التقليد وذكاء الطفل، وقال إن للذكاء أثراً كبيراً فى ظهور عملية التقليد بصورة صحيحة. ويبدأ التقليد كما يقول بياجيه عند الطفل من سن سنة أو بداية السنة الثانية أى أنه فى هاية السنة الأولى من عمر الطفل تتحول عملية التقليد من عملية تلقائية لا إرادية إلى عملية إرادية يصاحبها عنصر الفهم - بعد أن كان عنصر الفهم غير واضح تماماً".
يؤدى التدعيم دوراً مهماً فى تقليد الأصوات: حيث يقوم الكبار بالاستجابة إلى الطفل والكلام معه وإشباع حاجاته وبالتالى (ومن ثم) فإن الأصوات التى يسمعها من الآخرين تقترن بالطعام والشراب والحنان والتخلص من الفضلات أو المضايقات... والطفل لا يقلد جميع الأصوات وإنما تأخذ العملية طابعاً انتقائياً بفعل التغذية الراجحة التى يتلقاها من الآخرين، وغالباً ما تدوم الأصوات التى يتم تدعيمها وتزول الأصوات التى لا تلق تدعيماً .
وتعد المحاكاة من العوامل المهمة فى تعليم اللغة، وبذلك يتسم الأطفال الصم بفروق واضحة عن غيرهم من حيث القدرة على إخراج الأصوات.
ويبدأ الأطفال الأسوياء فى هاية السنة الأولى بإخراج أصوات بعضها شبيه بالكلمات التى ينطق ها الكبار المحيطون هم.
وتشير "الدراسات إلى أن الطفل فى عمر (٦ -٥) شهوراً يمكنه التقليد، وأن عملية التقليد لدى الأطفال تأخذ طابعاً انتقائياً فلا تشمل جميع الأصوات وإنما بعضها، فيكرر كلمة "ماما" أو "بابا" وذلك تقليد للآخرين ثم تقليد لنفسه عندما يجد اهتماماً وتشجيعاً من الآخرين فى أن يعيد هذه الألفاظ مرة أخرى . واعترض "تشومسكى" Chomsky وأتباعه على الفرض القائل "بأن التقليد هو العملية الأساسية فى تعلم اللغة"، ويدلل على ذلك بأن الوليد البشرى هو الوحيد من بين المخلوقات الأخرى – المبرمج بشكل سابق على اكتساب تعلم اللغة – لأنه مزود بقدرة فطرية على اكتساب اللغة وإنتاجها.
و- مرحلة المعانى :وفى هذه المرحلة "يحاول الطفل ربط الكلمة بمعناها أو بمدلولها، حيث إن إنتاج كلمة صوتية يتطلب أن يكون للكلمة معنى، وتصبح رمزاً لشىء آخر. ويتعلم الطفل ربط الكلمات بالأشياء، بأن يكرر الوالدان أسماء أشياء يألفها الطفل، فمثلاً يقول كلمة عروسة فى كل وقت يمسك الطفل فيه عروسته، حيث يحدث تزاوج بين الكلمة وبين الشىء الدال عليها، فيتعلم الطفل الربط بينهما.
عندما يتعلم الطفل النطق تأتى مرحلة المعانى، وبداية خلع المعانى على الألفاظ يتحقق عن طريق التقليد والتعلم، فيحدث توافق بين نمو المدركات الحسية (سمعية- بصرية – لمسية) وبين المظهر الحركى والكلامى. فعن طريق تفاعل النواحى الكلامية والنواحى الحسية يكتسب اللفظ معنى: فعندما ينطق الطفل (با) نجد أن الأم تشجعه، فيكرر الصوت، فتنطق هى كلمة (بابا)، وتشير إلى أبيه فيربط اللفظ بمدلوله أو معناه، فإذا رأى الطفل أباه ينطق لفظ (باب) فينطقه، وعندما تأخذ الكلمة تدعيماً بفرحة الكبار وصياحهم يتم بذلك ميلاد الكلمة.
المرحلة اللغوية
أجمع علماء اللغة على أن"هذه المرحلة تبدأ عند الأطفال العاديين فى سـن (١٥) شـهراً و(٣٨) شهراً عند الأطفال المتخلفين عقلياً... وفى مرحلة السنتين يبدأ الطفل بتركيب جملة بـسيطة مكونة من كلمتين وتكون أكثر الكلمات عيانية حسية ثم تتدرج إلى الأسماء الواردة، ويبدأ الطفل فى أواخر السنة الثانية استخدام الضمائر وخاصة الشخصية (أنا، أنت) فى حين تظهر حـروف الجـر والعطف متأخرة .
وهناك بعض الكلمات التى تظهر مبكراً مثل كلمة (لا) وتعنى بالنسبة له أداة تنبيه، وتأتى بعدها كلمة (نعم)، وتظهر متأخرة بعد كلمة (لا) وهى تكون إجابة عن سؤال. وتتركـز كلمـة (نعم) على عامل الفهم والتمييز . ويبدأ الطفل فى سن ثلاث سنوات استخدام الضمير الغائب (هـو) أو (هـى) وذلـك للإشارة إلى أشخاص بعينهم، وأيضاً فى هذه المرحلة يستخدم الطفل ضمير المتكلم (أنا) وقد يحدث بعض الخلط بين (أنا) و(أنت) عند بعض الأطفال ولكن بالتدريب المستمر يزول هذا الخلط.
أ - مرحلة الكلمة الواحدة :اختلفت "الآراء حول بداية المرحلة اللغوية بصفة عامة، فعلماء اللغة يـرون أن الطفـل العادى يمكنه أن يصل إلى المرحلة اللغوية فى عمر السنة الواحدة، وإن كان بعض الأطفال الممتازين يمكنهم الوصول إلى تلك المرحلة فى سن تسعة أشهر .
إن الكلمة "الجملة" يمكن عدها على هذا النحو جملة مكتملة تنقل فيها الكلمة المعنى الذى يريد الطفل أن يعبر عنه، فالطفل ينطق بكلمة فى حكم المفعول به ويكون الفاعل مستتراً فى قولـه "كورة" ويعنى "أنا عايز كورة" وأحياناً تكون الكلمة فاعلاً لفعل يفهم من السياق عنـدما يقـول الطفل "بابا" ويقصد القول "جاء أبى، كما أن نبرة الصوت للكلمة التى ينطقها الطفل تحدد بقية الجملة المحذوفة فمثلاً إذا قـال الطفل "ماما" بنبرة عالية نسبياً فإن من حوله يترجم هذا بأنه سؤال محتواه أين أمى؟ وهكذا.
ب - مرحلة الكلمتين :يبدأ "الطفل فى الثانية من عمره –تقريباً- فى استخدام كلمتين معاً حين التعبير، وبـالرغم من عدم وجود أى رابط بينهما، وكأن كل واحدة منهما مستقلة عن الأخرى، فهما يكونان جملة لها تركيب نحوى، نستطيع التوصل خلاله إلى معنى معين، وتسمى أحياناً "لغة البرقيات"، وفيها يبدأ الطفل بإصدار أول تعبير من كلمتين، ولا يكون ذلك إلا إذا زادت مفرداته اللغوية ووصلت إلى (٥٠) كلمة تقريباً فى سن العامين.
وتدل بعض الأبحاث التى أجريت على الأطفال فى المراحل الأولى من نمـوهم علـى أن اكتساهم للألفاظ والتراكيب اللغوية عادة ما يبدأ فى الظروف الطبيعية بطيئاً ضعيفاً، ثم ينمو هـذا الاكتساب بسرعة فائقة، فبينما يتراوح حصيلة الطفل من ألفاظ اللغة فى أول ثمانية عشر شهراً بـين350 كلمة، يصل متوسط عدد الكلمات التى يكتسبها إلى أربعمائة كلمة تقريباً عندما يبلـغ سنتين ونصف السنة من العمر.
ج - مرحلة تركيب الجملة :وهذه المرحلة لا تبدأ إلا بعد اكتساب الطفل عدداً من المفردات يكفى لبناء جملة مركبـة من أكثر من كلمة... وهناك ثلاث خطوات لتكوين الجمل لدى الأطفال: الخطوة الأولى: وهى مرحلة الكلمة التى تقوم مقام الجملة، حيث يكون الطفل قد بلغ سنة كاملـة مـن عمره فيقول "حمد" وهو يعنى (تعال يامحمد.(
الخطوة الثانية: وهى مرحلة الجملة الناقصة والمستخدم فيها كلمتان أو أكثر لكن دون وجـود علاقـة بينهما – لغة البرقيات – ويكون عمر الطفل فى هذه المرحلة تقريباً بين الثانية والثالثة كأن يقـول الطفل (ماما التفاحة) ويعنى (هذه التفاحة يا أمى) أو (هذه هى التفاحة التى سقطت منك يا أمى.
الخطوة الثالثة: وهى مرحلة الجملة التامة وهى الجمل المركبة والأكثر تعقيداً، وتزداد الكلمات المكونـة للجمل بحسب الأعمار المختلفة للأطفال.
د - مرحلة ما قبل المدرسة: (الروضة) يظهر "نمو الكلام فى هذه المرحلة وقد أخذ بالاكتمال، ولكن ليس معنى هذا أن الطفل قد أصبح يتكلم كالراشدين، بل إن أقسام الكلام لديه قد اكتملت ويستطيع النطق بشكل جيد، ويبدأ الطفل باستخدام الأساليب النحوية بشكل أفضل، وتنمو اللغة بسرعة كبيرة. تزداد مفردات الطفل بشكل كبير فى هذه المرحلة حتى تصل فى عمر (٧٢) شهراً إلى (٢٥٨٩) كلمة ويسيطر الطفل على التركيبات النحوية للألفاظ التى تتعلق بما يدور فى بيئته وحاجاته. ويلاحظ نمو اللغة الشفهية Oral Language بشكل سريع ومدهش خلال فترة ما قبل المدرسة وفى هذه المرحلة أيضاً يظهـر نمـو سريع فى جوانب لغوية عديدة (كطول الجملة، والتركيب اللغوى تبعاً للقواعد والنطق.
هـ - مرحلة المدرسة الابتدائية :فى بداية المرحلة الابتدائية يزداد محصول الطفل اللغوى زيادة كبيرة، ويقدر عدد الكلمات التى يعرفها الطفل عند انتهائه من الصف الأول الابتدائى بما يقع بين ٢٠ ألفاً إلى ٢٤ ألف كلمة وهى نسبة تمثل من ٥% إلى ٦% من كلمات معجم لغوى عادى، وحين يصل الطفل إلى الـصف االسادس الابتدائي فإن محصوله اللغوي يصل إلى٥٠ ألف كلمة تقريباً.
النتائج
خرجت الدراسة بمجموعة من النتائج، أهمها:
- الطفل فى بادئ الأمر الكلمات التى يسمعها محاكاة غير صحيحة، ويظل يصلح من نطقه شيئاً فشيئاً، مستعيناً بـالتكرار، ومعتمـداً علـى مجهوده الإرادى، ومستفيداً من تجاربه، حتى تستقيم له اللغة.
- فى أواخر السنة الثانية – تقريباً – يظهر لدى الطفل ما يصح أن نـسميه "بالمحاكاة الموسيقية للعبارات"، فيحاكى الطفل أحياناً بعض العبارات التى يسمعها مجرد محاكاة موسيقية، بأن يلفظ أصواتاً مبهمة تمثل فى موسيقى العبارة التى يريد محاكاتها بدون أن تشتمل على كلماتها وكأنـه يحول قطعة شعرية إلى قطعة موسيقية حيث تصدر أنغاماً واضـحة دون كلمات.
- يغلب على لغة الطفل التعلق بالمحسوسات لا بالمجردات (ماما، بابا، لبن... إلخ). أما الأفعال والحروف فلا تظهر فى لغة الطفل إلا بعد الأسماء المحسوسة، أما الأسماء المعنوية (حب، فرح... إلخ) فتختلف فى ظهورها لاعتمادها على خبرات معينة فى مواقف تهيئ للطفل عملية التعميم، وهذه القدرة لا تأتى للطفل إلا متأخرة.
- يغلب على لغة الطفل وعدم الدقة والتحديد للأشياء.
- الطفل قبل سـن المدرسـة غير اجتماعى.
- للطفل مفاهيمه وتراكيبه الخاصة فى الكلام.
- لايتعلم الأطفال اللغة عن طريق تخزين الكلمات، والجمل فى قـاموس أو معجم ضخم داخل الذهن، وإذا كان تخزين عدد من الكلمات ممكنـاً؛ لأن الكلمات محدودة؛ فإن الأمر يختلف تماماً مع الجمل التى لا يمكن تخزينها داخل الذهن؛ لأنها غير محدودة ولا يمكن حصرها.
- يمكن للأطفال تعلم طريقة عن طريـق التلقـين والممارسـة، ويؤدى هذا إلى مقدرتهم على تأليف جمل لم يسمعوها من قبل، وتأتى تلك الجمل- فى الأغلب الأعم – خالية من قواعد النحو.
- لدى الأطفال المقدرة على فهم العديد من الجمل التى لم يسمعوها من قبل، دون الاستعانة بمقارنة تلك الجمل بالجمل المخزونة داخـل الـذهن، إن كانت هناك جمل أصلاً مخزونة لديهم.
- يعرف الأطفال بعض القوانين التى تمكنهم من استخدام اللغة بمهارة دون أن يتعلموا تلك القوانين؛ لأن الوالدين لايهتمان أساساً بالقوانين الـصوتية والتركيبية والدلالية، ويتصرف الأطفال فى الاستعمال اللغـوى بطريقـة تشبه تصرف اللغوى الكفء الذى يعرف نظرية متكاملة عن اللغة.
- هناك بعض الصعوبات التى يجدها الطفل فى تعلـم التراكيـب النحويـة ويتمثل ذلك فى إعادة الجملة التى يستمع إليها عن طريق إعطاء المعنـى فقط، دون أن يكون فى ذهنه شىء يتعلق بقواعد تركيب الجملـة.
.