لعل أشهر بيتٍ من الشعر في مصر قيل في المسألة التربوية هو بيت شوقي:
قُمْ لِلمُعَلِّمِ وَفِّهِ التَّبْجِيلَا .: كَادَ المُعَلِّمُ أَنْ يَكُونَ رَسُولًا
وهو بيت يتردد على ألسنة العامة والخاصة من المصريين، وربما كان له صدًى عميق في نفوسهم.
وتحاول هذه الورقة التى أعدها الأستاذ الدكتور عفت الشرقاوي، بعنوان: «في التربية الأخلاقية القلب قبل العقل أحيانا»، أن تعلق على مغزى هذا البيت من ثلاث زوايا ثقافية:
الأولى: واقع العلاقة السلوكية للتلميذ بالمعلم، كما تصورها وسائل الإعلام المعاصرة، وإلى أي مدى يتحقق هذا التبجيل المطلوب، وما دلالته؟ هل العلاقة بينهما علاقة عقلية صارمة أو علاقة أبوة حانية؟ وأيهما يأتي قبل الآخر في هذه المرحلة المدرسية.
الثانية: واقع علاقة المعلم بالتلميذ، كما تمثلها نصوص الكتب المدرسية المقررة، وهل هي تسعى إلى تعميق معاني التعاطف والأبوة والحوار الأسري، أو تصدر عن استعلاء وغربة وانفصال نفسي؟
الثالثة: حقيقة المعرفة المدرسية، كما يتصورها شوقى في قصيدته التي تتضمن هذا البيت، وهي الجانب المهم في موضوعنا، لأن فكرة المعرفة التي يعبر عنها هذا البيت، كما فهمته جماهيرُ الشعب المصري تحيل العملية التعليمية إلى تلقين مقدس لتحصيل المعروف. وليس استكشاف المجهول. وهذا الاستكشاف إنما يتحقق بالتساؤل المستمر، واستخدام وسائل مختلفة من الشك والتجريب الذي هو الطريق إلى العلم بخواص الأشياء والموضوعات ووظائفها من حولنا.
ومن أثر هذا التلقين الذي جرى عليه الأمر في مدارسنا ترتفع درجة التحصيل المدرسي سنةً بعد سنة، من دون تقدم حقيقي في تنمية الروح العلمية لدى أبنائنا، ما دام الأمرُ أمرُ تسابقٍ في تحصيل حقائق معروفة، وليس تساؤلًا من أجل استكشاف المجهول. أما وضع المعلم في مكانة تقارب مكانة الرسول، فهذا ضرب من تديين المنهج العلمي، وتحويله من التساؤل الباحث عن الحقيقة المتطلع إلى استكشاف سرائر الطبيعة إلى اليقين الروحي أي الانتقال بالبحث العلمي من مجال الطبيعة إلى ما وراء الطبيعة. وباختصار فإن شوقي يتحدث هنا عن إمام ديني، وليس عن عالم باحث في العلوم التجريبية.
لقد كانت فكره المعرفة في المرحلة الأولى من تاريخ الحضارة الإسلامية تنبع من حقيقة الانتماء إلى «الكلمة» والإحساس بها، فبالكلمة كان الوجود، وبالكلمة كان الوحي من الله تعالى بلاغًا إلى الناس، وبها نزل جبريل عليه السلام على النبي ﷺ الذي بلّغ الرسالة، وحملها عنه من بعده جيلٌ بعد جيل في تواتر متصل السند، فحقيقة المعرفة بهذا المفهوم «كلمة» يصدق نقلها عن قائلها الأول.
غير أن انفتاح الحضارة الإسلامية على ثقافات جديدة، واتساع رقعتها المكانية في أواخر العصر الأموي ثم في العصر العباسي ساعدها على التنبه إلى ما أشارت إليه نصوص الوحي، من جهة أخرى، إلى ضرورة البحث في علوم الحياة، من أجل استجلاء الكون الأكبر، فيما يستدل به على غائية الوجود وقدرة الخالق، وحكمته، فتحرر العلم الإسلامي من منهج الرواية، فيما يتصل بأسرار الطبيعة، وقد كانت الطابع الأول لثقافة المسلمين، وتحول إلى فكرة التساؤل في محاولة استكشاف المجهول، اعترافًا بالتعدد والخبرة العقلية متعددة الآفاق، المنبعثة من الوحدة والمنتظمة فيها، فالأصل واحد هو الإسلام أو الكلمة تأتي من عالم الغيب، ولكن آفاق المعرفة بالطبيعة متعددة الألوان وهي تنبثق من خبرتنا الحسية المباشرة، ليصبح هناك الكون المرئي وهو «العالَم»، إلى جانب الكون المقروء وهو «القرآن الكريم».
غير أن فكرة المعرفة ما لبثت أن تحولت في مراحل تدهور الحضارة الإسلامية إلى الوقوف عند منهج الرواية وحدها، ليخلتط المنهج العلمي الذي أقره المسلمون في بحث أسرار الكون بالمنهج النقلي الذي هو أصل في فكرة الوحي.
هذه هي المشكلة في قضية المعرفة في تاريخ الحضارة الإسلامية منذ عصور التخلف، وسقوط بغداد، وانحلال دولة الأندلس، وانشغال الناس بالفتن والحروب، فابتداء من القرن الثالث عشر الميلادي حتى عصر النهضة الحديثة تكاد تكون المعارف والعلوم ترديدًا لما فات: جمعًا لمتفرق أو تفريقًا لمجتمع، ثم ازدادت المحنة بالأمة العربية في العصر العثماني، فأكثر ما كتب في هذا العصر من قبيل الشروح والحواشي والتعاليق، وشرح الشروح بحيث يصح أن يسمى هذا العصر عصر الشروح والحواشي.
إن المعرفة التي يتحدث عنها شوقي هنا هي المعرفة التي يبشر بها الرسول قومه وهي معرفة متعالية، فهي غير المعرفة العلمية التي ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالممارسة العلمية من أجل الوصول إلى الحقيقة الموضوعية. وبالرغم من ذلك تظل هذه الحقيقة العلمية موضع تجريب وتساؤل في سبيل الحصول على صورة أدق للواقع؛ فهي ليست ثابتة، وليس كذلك المعرفة التي تتنزل من عَلٍ ثابتة مطلقة بإرادة منزهة مختارة، تعلم أين تجعل الرسالة ومن هو الرسول الجدير بحملها، هذه المعرفة التي يحملها المعلم لتلاميذه في المدرسة ليست من هذا القبيل، فهي تتزايد بالممارسة العلمية والتساؤل المستمر حول طبائع الموجودات، وذلك بفحص الوقائع وملاحظة الظواهر، ولا يجوز أن يكون الأمر فيها أمر تسليم مطلق، كما هو الحال في شأن الرسالات الدينية.
وبذلك تبقى للمعرفة المقدسة المرتبطة بالكلمة الإلهية في الناس مكانها الثابت في التربية الروحية والأخلاقية للنشء، وهذا حق كما عبر عنه شوقي في قصيدته. ولكن هناك جوانب أخرى من المعرفة لا ينتفي فيها حق المعارضة وعدم التسليم والتساؤل المنهجي المستمر، وهنا لا يكون للمعلم فيها دور الرسول، كما يظن شوقي ولكن دور المستفسر والمشجع لتلاميذه على النظر النقدي فيما يقدم إليهم من معارف، فهو يحفزهم دائمًا على التساؤل والمشاركة في الاستكشاف ومحاولة التجريب المتواصل والتشكيك أحيانًا فيما يبدو للناس أنه من المسلمات في الظواهر الطبيعية من حولهم، فمن المُسَلَّم به أن التجربة الدينية غير التجربة العلمية من حيث طبيعة الوعي بها، ومدى ثباتها.
وبعبارة أخرى، فإن رسالة الأنبياء تقوم على اليقين الصادق، أما رسالة العلماء فتبدأ بالشك، وذلك باختلاف المنهج والغاية، كما نعلم. ويبدو أن الخلط بين التصورين عندنا هو الذي حمل أولادنا على الاجتهاد في حفظ مقررات في الطبيعة والكيمياء والهندسة وغيرها وتقبلها عن ظهر قلب، أخذًا بقداسة المعرفة العلمية قياسًا على المعرفة الدينية، وهي طريقة لم تؤد بنا حتى هذه اللحظة إلى تقدم علمي مشهود يضعنا بين طليعة المكتشفين لأسرار الكون، كما فعل علماؤنا الأوائل الذين اعتمدوا على الشك والتجريب فيما يتصل بالمعارف الإنسانية، وذلك مع يقنيهم المطلق، وربما بسبب يقنيهم المطلق بما جاءت به الرسل من الدعوة إلى النظر والتأمل في أسرار السماوات والأرض. ذلك أن الرسول يحمل رسالةً تعبر عن وعي بوحي متعالٍ حققه بإدارك مباشر، هو فوق الإدراك الحسي للحقيقة، إنه إدراك لا يبلغه إلا النبي المختار بإرادة سماوية متعالية.
أما غير الرسل الذين لا يمكنهم بلوغ مرتبة تلقي الوحي، فإن الحقيقة الدينية بالنسبة لهم تصبح موضوع إيمان. وأما المعرفة العلمية فإنها نتاج للعمل الجماعي والتفكير اللذين يمارسهما الناس، إنها تكرار مثالي في شكل لغة للعلاقات الموضوعية المحكومة بالقانون في العالم الموضوعي الذي تعتريه التغيرات. وهذا يحقق للمعرفة العلمية طابعها العام وكليتها وضرورتها وصدقها الموضوعي، وإن كان كل ذلك قابلًا للتغير وفقًا لزيادة خبرتنا بالواقع. وهكذا يقيم العلم نتائجه على الوقائع ويقيم الدين يقينه الروحي على الوحي بإدراك مباشر هو فوق الإدراك الحسي للحقيقة.
وأعود إلى بيت شوقي فأعتذر ابتداء عن هذه القسمة غير المنطقية بين العقل والقلب، الواردة في عنوان هذه الورقة فهما جانبان لحقيقة واحدة، لكنها على كل حال قسمةٌ شعرية نعتمد عليها هنا للتفرقة بيت ضربين من استقبال الإنسان لتجارب الحياة الاجتماعية من حوله. ومن ذلك التعامل مع الأطفال في البيت والمدرسة، فهناك أولًا القلب، وما يرمز إليه من التعاطف الوجداني أو الحب بين البشر، وهذه حالة إنسانية ندعو إليها من يهتمون بالشأن التربوي في المدرسة المصرية. ومثل هذا الشعور يمثل اهتمامًا بالآخر، ويعبر عن نفسه بنزوع عملي في تحول الاهتمام إليه. وهذا شيء نفتقده في سلوك المعلمين مع تلاميذهم وفي نصوص الكتاب الحافلة بالأوامر المستعلية، ابتداء من عنوان الكتاب إلى تدريباته الحافلة بالأوامر المباشرة الجافية.
فالمعلم المحب لتلاميذه الصغار لا يتعامل معهم بروح اللامبالاة، أو عدم الاكتراث، بل بروح الأبوة الحانية، وكذلك يفعل تلاميذُه، ولكن بروح البُنُوَّة التي تنتقل إلى قلوبهم عن هذا الحب. وكل جانب من الطرفين يُفسح مكانًا للآخر في أعماق نفسه، حينئذ تسود العمليةَ التربوية في المدرسة بهجةُ الفرح بالحياة كوحدة مترابطة بحيث تكون المدرسة أسرة ممتدة للطفل، ويكون الكتاب المدرسي صديقه الأول، وتعلو لذة العطاء بين المعلم وتلميذه، حيث تختفي مظاهر العنف المادي والمعنوي المتبادل بينهما، وهو عنف نسمع عنه أخبارًا غير سارة من آن لآخر ونَحَار في فهم أسبابه.
ومعنى هذا في إجمال أن الجمود العاطفي والمنطق العقلي المباشر لا يجدي أحيانًا في المسألة التربوية بالمدرسة، وخصوصًا في مرحلة الطفولة المبكرة في مراحل التعليم القريبة من دفء الأمومة، بل يجب أن تسود روح التعاطف والحب بين المعلم وتلميذه لتكون هذه هي البداية، كما يقترح عنوان هذه الورقة: القلب قبل العقل أحيانًا.
ومن المؤكد أن هناك من العوامل الاجتماعية والاقتصادية ما يقف حائلًا دون تحقيق هذه المشاعر النبيلة على وجه ما. ومن ذلك ازدحام الفصول والوضع الاقتصادي للمعلم، والأزمة السكانية التي ألهبت مشاعر المنافسة غير المشروعة بين الناس، وأشعلت عوامل المكايدة والغيرة في كثير من نواحي الحياة. وفي جميع الأحوال سوف تظل الدروس الخصوصية وما يقتضيه المعلم من الأجر في ذلك صورة مهينة لبسط يد الحاجة، مما تسقط معه هيبة المعلم ويتبدد الاحترام المتبادل بينه وبين أبنائه التلاميذ، وخصوصًا في أمة تضع معلميها في مرتبة مقدسة تقارب مرتبة الأنبياء، كما نرى في بيت شوقي المشار إليه.
والبيت من قصيدة طويلة، أُلقيت في احتفال نادي مدرسة المعلمين العليا التي أنشئت سنة 1899م باسم مدرسة (المعلمين الخديوية)، ثم تطورت نظمها، فسميت (المعلمين السلطانية) ثم (المعلمين العليا) وكانت تنقسم قسمين: أحدهما لتخريج معلمين للعلوم، والآخر لتخريج معلمين للآداب، وكان عنوان القصيدة في الأصل العلم والتعليم وواجب المعلم، وقد بدأت القصيدة بتقدير العلم والمعلم، مع إشارة إلى ازدهار العلوم في اليونان ومصر قديمًا وضعفها حديثًا.
وهكذا يعترف شوقي بضعف الحالة العلمية في عصره، ويوجه خطابه إلى معلمي مصر يطالبهم ببذل الجهد المتصل لنشر العلوم وتربية الشباب بمصر، ليشير بعد ذلك إلى افتتاح البرلمان الأول سنة 1924م، وكان يوم افتتاحه قريبًا من احتفال المعلمين، ليربط شوقي ربطًا مؤكدًا بين العلم والسعي الديمقراطي في بناء مصر، ويطالب البرلمانيين آنئذ بأن يتوسعوا في الإنفاق على العلم والعلماء فيقول:
مصرٌ إذا ما راجعت أيامها .: لم تلق للسبت العظيم مثيلًا
البرلمان غدًا يمد رواقه .: ظلا على الوادي السعيد ظليلًا
نرجو إذا التعليم حرك شجوه .: ألا يكون على البلاد بخيلًا
وإذا كان شوقي يربط بين الديمقراطية والتعليم في مثل هذه الأبيات، فهو يتحدث من جهة أخرى عن جهاد المعلمين في سبيل رسالتهم المقدسة في الدفاع عن حرية الرأي والدفاع عن الحقيقة فيقول فيما يسميه شجاعة العقول:
إن الشجاعة في القلوب كثيرة .: ووجدت شجعان العقول قليلًا
فإذا انتقلنا إلى الجانب الثاني وهو الجانب العقلي من القضية، وهو يبدأ بالتساؤل هل عجزت الأسرة والمدرسة عن أداء واجبها في تربية أطفالنا، وجدنا من يدافع عنهما، بحجة أن المجتمع الحديث- وعلى المستوى العالمي نفسه- أصبح لا يبالي بالقانون، بل صار أكثر عنفا وأقل انضباطًا. وهذا الاتجاه في رأي بعض الاجتماعيين أكثر وضوحًا في الجيل الناشئ. إذ توضح الإحصاءات العالمية في هذا المجال، أن جرائم التخريب والعنف وتعاطي المخدرات والنشاط الجنسي، ارتفعت وما تزال ترتفع بين المراهقين في المجتمعات الغربية، وهذا له أثره في أولادنا بما يتيسر من وسائل الاتصال الحديثة.
ويدخل في ذلك مظاهر أخرى ربما تبدو أقل أهمية، وإن كانت ذات دلالة خطيرة، من ذلك ما يراه بعض الباحثين من الانحدار الذي يؤدي إلى جعل الأطفال اليوم أقل اهتمامًا باحترام السلطة في المدرسة والبيت وربما المجتمع كله، وكذلك قلة اهتمامهم بما نسميه الأدب والذوق والأخلاق الكريمة.
ولذلك يعتقد بعض علماء المجتمع الأسري أن مثل هذا الانحدار يؤدي إلى جعل الأطفال اليوم أكثر سوءًا في طباعهم وأكثر استخدامًا للغة البذيئة، وأقل عناية بمظهرهم وملبسهم من ذي قبل. وفي هذا الصدد يمكن أن تكون المدرسة والأسرة محل لوم، فقد أخفقت كل منهما في تحقيق المعيار المرغوب بنقل القيم الصحيحة إلى الأطفال وفي تأكيد ضرورة أن يكون سلوكهم مقبولًا اجتماعيًا.
وفي هذا الإطار الذي يحيل التجربة التربوية إلى قضية عقلية تقوم على الاعتقاد الجازم بأن من الممكن تعليم الأطفال ما يجب عليهم أن يلتزموا به من الأخلاق الفاضلة، يأتي في رأيهم دور التعليم الديني أو الأخلاقي اللذين يؤدي تناقص الاهتمام بدورهما إلى الانحراف الخلقي- كما يقولون-، ولكن السؤال الذي يطرحه الباحثون هنا هو: هل العلاقة بين المعرفة العقلية بالدين أو الفلسفة وبين الأخلاق والسلوك العملي هي علاقة تطرد إيجابًا في كل حال؟ مثلا هل الفلاح الأمي أقل التزامًا بالأخلاق من العالم بالدين؟ وبعبارة أخرى سوف يظل السؤال قائمًا: هل نستطيع فعلًا تعميم الأخلاق للأطفال بالمناهج العقلية أي عن طريق تعليمهم أسس الأخلاق، هل العلم الكامل بالأخلاق النظرية هو الطريق إلى الأخلاق السلوكية؟
هذا الجدل المنطقي في سبيل التعليم الأخلاقي يتردد على ألسنة باحثين كثيرين، ويكتسب تأييد كثيرين غيرهم، ومع ذلك فلا بد من الاعتراف- في رأي بعضهم- بأن معايير السلوك الاجتماعي لدى الصغار قد تقاعست في المدارس عن تقديم القدوة الخلقية، ولم تعد تعطي الوقت الكافي لتعليم الأطفال أن يكونوا فاضلين.
غير أن شيوع هذه المقولات التي قد تبدو صحيحة في رأي بعض الباحثين، لا يعنى صحتها أو قبولها بصفة كلية. والسؤال مرة أخرى هو: هل تعني هذه الدعاوى هبوط المستوى الخلقي للأطفال فعلًا، وأن المعلمين والآباء يخفقون في أداء واجباتهم الخلقية والاجتماعية والتربوية؟
يبدو أن هذا الكلام عن معايير السلوك الأخلاقي كلام غير واقعي في رأى كثير من الفلاسفة، وهو يحتاج إلى تحديد، فالأمر الأخلاقي قد يكون في بعض مجالاته نسبيًا باختلاف الثقافات، أو بمحدودية الأحداث، كما يقولون.
وهنا يمكن التساؤل مرة أخرى: هل يمكن العثور على مقياس عقلي عام متفق عليه نستطيع تطبيقه على سلوك الأطفال، لنعرف ما إذا كانت مرتفعة أو منخفضة؟ ويأتي قبل ذلك السؤال: ما المقصود بالقيم الخلقية في الحقيقة؟ وكيف تصدر أحكامنا الخلقية على هؤلاء الأطفال؟
وأخير نتساءل معًا: ألا يجوز أن يكون الحب هو المقياس الأخلاقي الأول الذي يجب أن نبحث عنه دائمًا لتأسيس فلسفة في الأخلاق صادقة وفعالة في البناء الاجتماعي الذي نتطلع إليه؟ فالقلب قبل العقل أحيانًا، لأن المحبة شرط المعرفة دائمًا، وهي الطريق إلى الوعي الروحي بقيم الدين والوعي الفلسفي بحقائق لوجود.
.