طبّق البشر العديد من النظم والفلسفات التربوية على مدار التاريخ وما تزال تطبق بهدف الوصول إلى صياغة نهائية تمثل التكامل الأخلاقي الذى يجب أن يتحقق للانسان، ولكن ابتعدت تلك الفلسفات والنظم التربوية عن الأصول والأسس وركزت على الفروع، دون أن تستمد أصولها من هدى الدين.
ويظل الإنسان أينما كان محدود القدرات، قاصر عن معرفة الحقائق، عاجز عن إدراك الأسباب والمسببات العديدة والتى لا يحيط بعلمها إلا الله، ولذلك كان الاعتماد على كلمات الله وحكمه وأمره تعالى ضرورة حتمية.
فاستمداد النظم الحياتية بعامة وفلسفات التربية بخاصة من كلمات الله وهدى رسوله الكريم، هو بمثابة الاستضاءة بالنور بعد الظلمة وبالصلاح بعد الفساد .
ويعقد كتاب "التربية النفسية فى المنهج الإسلامى" للدكتور حسن الشرقاوى، دراسة مقارنة تبين تفوق المنهج الإسلامى فى التربية على المناهج والنظم والفلسفات البشرية الوضعية، وهو بهذا يعين المسلم فى سلوكه نحو التكامل الأخلاقى والتربوي.
مفهوم التربية فى النظرية الإسلامية
تهتم التربية الإسلامية بالكون والاإسان والحياة جميعاً، فهى تواكب الفطرة السليمة وتتمشى مع مفاهيم المسلم وقيمه الدينية.
وولذا فإن التربية الإسلامية هى تلك المفاهيم التى يرتبط بعضها ببعض فى إطار فكرى واحد، مستنداً إلى المبادئ والقيم التى أتى بها الإسلام، والتى ترسم عدداً من الإجراءات والطرائق العلمية التى يؤدى تنفيذها إلى أن يسلك سالكها منهجاً يتفق وعقيدة الإسلام.
أهم ما تنادى به التربية الإسلامية
تعمل التربية الإسلامية على اقتران الدين بالدنيا فى الفكر والسلوك والأخلاق، ذلك لأن إهمال الجانب الدينى فى العملية التربوية إنما يعكس ظلمة القلب واتباع الهوى والشهوات، ولا يمكن أن يتأتى ذلك إلا بالفهم والاقتناع والإيمان، والبعد عن طريقة التلقين، والبعد عن الجوانب السلبية التى تشتت أذهان الطلاب.
ومن ثم التركيز على الجونب الايجابية فى العقيدة الإسلامية والتى يمكن أن تؤثر على السلوك، كما يجب استخدام وسائل اقناعية ليتعرف الطالب على الحقائق اليقينية، ليزداد ايمانا ويقينا بالمنهج الإسلامى.
فالتربية الإسلامية إذاً، هى تلك المفاهيم العظيمة التى تؤدى بالإنسان إلى عملية التحلية والتخلية.
فطرة التربية الإنسانية
انفرد الإسلام عن غيره من الأديان والفلسفات الأخرى بأنه دين يواكب الفطرة السليمة والعقل الرشيد، والخلق القويم، والنفس المطمئنة، وأهم ما يظفر به المتأمل فى التشريع الاسلامى، أنه يستهدف الإصلاح والصلاح.
غاية التربية الإسلامية
يتفرد المنهج الإسلامى بمفاهيم تربوية لا نجد لها مثيلاً فى المناهج والنظم والفلسفات التربوية الأخرى، لأن هذه المفاهيم الربانية تستهدف خير الإنسان فى الدنيا والآخرة، ويتبين للمتأمل فى الآيات القرآنية، أن أساس التربية يكمن فى عدم الشرك بالله، وإقامة الصلاة والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر.
التربية النفسية الإسلامية
التربية هى الوسيلة التى يملكها الإنسان لتحقيق التطور الاجتماعى، وتثبيت المثل والقيم الأخلاقية، ولكى يتحقق ذلك فلابد من تحويل المظاهر الخارجية إلى عقيدة إيمانية راسخة، وتعمل التربية النفسية على تكوين الرجال والتحلى بمكارم الأخلاق والفضائل العليا.
وخروج الانسان متكاملاً واعياً عارفاً بربه، سليماً فى معاملته مع إخوانه، غاية للتربية الإسلامية، ولكى تتحقق هذه الغاية لابد من الانطلاق من محركين أساسيين، هما الترغيب والترهيب، لأن النفس تنزع إلى الهوى والشهوة بما جلبت عليه من صفات مذمومة، كما تقوم التربية على محرك الترغيب فى الأخلاق المحمودة.
ومن هنا كانت أهمية الرياضة النفسية لتقوية العزيمة، والعزيمة باب الصحة النفسية، والنسيان آفة مطبوع عليها الانسان، وعليه مغالبتها بالرياضة النفسية.
وللتربية الإسلامية جانب يختص بتربية القلوب، وهى رياضة نفسية عملية، تهتم بالنيات والخواطر، فتدفع الخواطر والنوايا السيئة بعيداً، ثم تدفع إليها مكارم الأخلاق.
آداب التربية
وكما ركّزت التربية الإسلامية على الوفاء للمربى، ويرى المؤلف أن الرابطة بين المربى والطلاب لها آداب وشروط منها:
-
النصيحة الخالصة التى لا ترتبط بمصلحة ولا منفعة.
-
أن يتحقق فى المربى الحلم والشفقة والرحمة بمن يتولى تربيتهم.
-
أن يترفق بهم ويقوى عزائمهم على المجاهدة والعمل على مخالفة العادات والطبائع الرذيلة.
-
أن يأخذ المربى من يربيهم بالسهل، فإذا قويت عزائمهم أخذهم بالأشد.
-
ألا يهون علي المربى أمر طلابه عندما يقعون فى المخالفات، ولا يترفق بهم حتى لا يقعوا فى المخالفات.
-
أن يحسن تربيتهم وتأديبهم ولا ينتظر على ذلك عوضاً.
-
إذا وجد فيه خللاً فعليه أن يحفظ سره لأنه عنده أمانة.
-
أن يكون ملجأ المريد عند الحاجة، ومرشده وموجهه وأن يعظه فى السر.
-
أن يصغّر له أحواله وأعماله، لأن التعجب يفسد المجاهدة، ويذكّر المريدين بالمفاسد ويحذّرهم منها.
-
الفن الإسلامى والتربية النفسية
من المعروف طبياً، أن الأجسام تعالج بأضدادها، كأن يكون به حرارة فيعالج بالبرودة، كذلك النفس الإنسانية لا تعالج إلا بأضدادها، أى بمخالفة شهواتها وحظوظها وحاجتها التى لا تشبع، وليست الأضداد معالجة خيالية لأمراض النفس، إنما هى طريق عملى يمكن به تغذية النشاط الفنى فى مختلف صوره، بمعنى أن نعرض لشخصية بها آفة من الآفات، ثم نسرد الحوادث التى تبين أن الطريق الوحيد لسعادة الإنسان إنما هو فى مخالفة أهواء النفس.
وإذا تصدى الفن لتطبيق قاعدة الخير الفاضل، أعطى بذلك العمل نموذجاً للحكيم الذى يتوجب على المشاهد أو المستمع أو القارئ، أن يجعله قدوة له فى حياته الواقعية، وشخصية الحكيم ينبغى ألا تتكلف الأعمال والأقوال والحوادث، وإنما تسيّرها أنوار الله وأوامره وحكمه.
القيم الفنية الإسلامية
فعلى المهتمين بالفنون المختلفة، أن يتبينوا سلامة الطريق إلى تغذية النفس الإنسانية بالخير والفضيلة، ولن يتم ذلك إلاّ بتعميم المفاهيم وغرس المبادئ والأخلاق، والتبصير بالطرق المختلفة لعلاج آفات النفس وتطبيق أحكام الشريعة الاسلامية، وذلك عن طريق الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، وتنمية الذوق السليم القائم على الصدق، والسبيل إلى ذلك يكون بالتربية الاسلامية الصحيحة.
ولا شك أن وسائل الإعلام تستطيع أن تلعب دوراً خطيراً فى ذلك المجال، عن طريق غرس العادات الصالحة فى نفوس القراء والمشاهدين والمستمعين، كما يمكن من ناحية أخرى عرض مثالب النفس والطرق التى يوقع بها الشيطان فريسته.
الفنان المؤمن
ويتوجب على الفنان أو الأديب أن يكون سائراً فى طريق الحق والاستقامة، مخلصاً للأسس التربوية الاسلامية، يعرف أنه يؤدى رسالة تربوية لا يشذ عنها، فلا يميل إلى منفعة شخصية أو شهرة ذاتية، وإنما يستهدف فى عمله وجه الله تعالى.
فالفنان مثله مثل المربى الأخلاقى الفاضل، ويمكن له أن يؤثر فى الأخرين لاكتساب الفضائل وتجنب الرذائل، عن طريق غرس القوى الإيمانية وتدعيم الصلة بالله.
خصائص النفس الإنسانية
للنفس البشرية خصائص مختلفة وأوصاف متعددة، قام المؤلف بتحديدها ليتبين الطريق الواجب الاتباع للنجاة من مكائد الشيطان والأهواء، ونجملها فيما يلى: النسيان، والغفلة، النفس الكذوب، الاعتراض، والتحدى.
والنفس الإنسانية يمكن أن تسلك المواقف الصحيحة، وتتصف بالصفات الحميدة، وبذلك يزيدها الله تثبيتاً وتأييداً فى القول والعمل، ويمكن توضيح هذا السلم النفسى فى المواقف والأوصاف النفسية الآتية:
-الموقف الأول: المحاكاة والتقليد، يبتدأ السلم النفسى بمحاكاة القدوة الحسنة والاقتداء بأفعالها وأعمالها وسلوكها، وترتبط المحاكاة بالثقة وحسن الظن بالقدوة.
-الموقف الثانى: الاقتناع، بعدما يكتمل نضوج الطفل العقلى فإنه يبدأ فى طرح أسئلة يريد لها جواباً شافياً، فإذا وجد الناصح الأمين والمربى الذكى، ترتب على ذلك اقتناعه بما يحاكيه من أفعال وسلوك وتصرفات، ووقر فى قلبه سلامة الطريق.
-الموقف الثالث: الاعتقاد، الاعتقاد يوصل الاإنسان إلى بر الآمان والدخول فى حظيرة الإيمان.
-الموقف الرابع: الاعتناق، إذا ما أخلص الإنسان فى اعتقاده بالله، واتبع ما أمر به وانتهى عما نهى عنه، بدأ دور القلب بالظهور وشارك العقل فى اعتقاده، وترس الاعتقاد بالاعتناق.
-الموقف الخامس: الإيمان، هو الحظيرة الآمنة التى ينتهى إليها المسلم، وما قبلها مراحل يبلغ بها الطالب الصراط المستقيم، وهداية الله، والمسلم تستقر نفسه ويطمئن قلبه فى رحاب الله وتشمله السكينة فلا يجد غير الله معيناً ونصيراً.
وظيفة الطبيب المربى
توجيه طالبه إلى السلوك العملى الواجب اتباعه ضد ركون النفس إلى التكاسل عن القيام بالحقوق، ولذلك فإن مخالفة حظوظ النفس هو الأولى بالاتباع.
.