كان علينا أن نستعين بقصة بسيطة، ومباشرة في أحداثها ومفرداتها، ومناسبة للأطفال، فلا تحمل سوى قيمة واحدة، نحاول ترسيخها في نفس الأطفال، ولم يستغرق الوقت أكثر من ساعة، حيث خلالها قمنا بقراءة القصة الصغيرة وعمل السيناريو البسيط، إذ حرصنا على ألا يشتمل السيناريو على تفاصيل كثيرة؛ فلم نكن نحتاج إلا إلى بعض الأشخاص كي نوزع عليهم أدوار القصة التي قمنا بتحويلها إلى مسرحية، ولم نحتَجْ في الديكور أشياء تُذكر سوى شجرة، فقد كانت الشجرة عنصرًا رئيسيًا ومحوريًا في مجريات الأحداث، إذ بها بدأت أحداث القصة المسرحية وبها تتفكك عقدة الحدث المسرحي، وحيث أن الأداء المسرحي كان داخل إحدى غرف البيت، فقد استعضنا عن الشجرة بأصيص زرع من تلك الموجودة في البيت.
واجهتنا بعض العقبات الصغيرة، مثل عدم حماس بعض أفراد العائلة في التجاوب معنا لأداء الأدوار المطلوبة منهم بالمسرحية، مما اضطرنا إلى أن نجعلهم يؤدون أدوارهم من فوق الأَسِرَّة التي كانوا يتمددون عليها.
ورغم حماس الأطفال الشديد للعمل وسعادتهم البالغة به إلا أن جميعهم رفض أداء دور الرجل الشرير، وآثروا أن يأخذوا أدوارًا ثانوية على أن يقوم أحدهم بتجسيد دور الشرير!
أيضًا، كانت هناك عقبات أخرى بسيطة، تمثلت في السرعة، وضيق الوقت، وذلك لأننا حرصنا على أداء المسرحية المنزلية كتجربة أولى لنا، فقد كنا نريد أن ننجزها حتى لا تدفعنا التسويفات إلى إلغاء الفكرة برمتها.
القصة كانت تدور حول خيانة الأمانة، حيث تحكى أن رجلًا قصد صديقًا له لحفظ مبلغ من المال إلى حين عودته من سفره؛ لخوفه من قُطَّاع الطرق أن يخرجوا عليه أثناء السفر ويسرقوا ما معه من مال، وبعد عودته من السفر، يطلب من صديقه أن يعطيه المال، فيرفض الصديق، وينكر أنه أخذ منه مالًا، فيجد الرجل ألا مخرج أمامه إلا الذهاب إلى القاضي.. الذي بدوره يرسل في طلب الصديق المضيع للأمانة، وأمام إنكار الصديق، يطلب القاضي من صاحب المال أن يذهب إلى الشجرة التي أعطى صديقه المال عندها ويحفر.. لعله يكون قد دفن المال تحتها ونسي، ويستجيب الرجل فعلًا ويذهب، في الوقت نفسه يطلب القاضي من الصديق أن يمكث بمجلس القاضي إلى حين عودة صديقه، ويقول له سوف تنتظر طويلًا حتى يعود الرجل، فيجيب الصديق موضحًا للقاضي أن الشجرة ليست بعيدة إلى هذا الحد، وبهذا يقع الصديق في شرك القاضي، والذي يتأكد له أنه بالفعل خان الأمانة التي استودعها عنده صديقه، وتتوالى أحداث المسرحية إلى حصول صاحب المال على أمواله ومعاقبة خائن الأمانة.
كانت تجربة المسرحية المنزلية والعائلية أكثر من رائعة، وكان تأثر الأطفال بأحداثها وشخوصها مفاجئًا، إذ بدوا متجاوبين وسعداء إلى أقصى حد، بل إلى حد لم يكن يمكننا الوصول إليه حتى لو جلسنا نشاهد ألف فيلم كرتون، أو قرأنا له ألف كتاب، ليس هذا فحسب، بل كان استيعابهم للقيمة أكثر سرعة وأكثر وضوحًا.
لقد كانت تلك المرة هي المرة الأولى التي تتشارك فيه العائلة أداءَ مسرحية كهذه، ولم أكن أدرك أنه سيكون لها هذا التأثير الساحر على نفسية الأطفال وربما على نفسية الكبار أيضًا، وخرجنا من المسرحية وكلنا عزم على أن نكرر التجربة ولو مرة واحدة في الأسبوع، على أن نطور الفكرة سواء فيما يخص المكان أو القصة أو الشخوص أو الأزياء والديكور، وقلنا إنه يمكن أن نكون بحاجة إلى مكملات شخصيات مثل الشوارب واللحى والجلابيات وغيرها، وتبرع الصغار أن يقوموا بصنعها بأنفسهم.
إن التجربة تضيف إلى التربية بُعدًا جديدًا، ووسائل جديدة خاصة حين يَمَل الطفل من الكتاب والقصة المرئية، أو التوجيه المباشر؛ لأنه في هذا العمل تحديدًا صار عنصرًا فاعلًا وليس مفعولًا به، وهو ما يمنحه الشعور بالثقة في قدرته على العطاء والتوجيه وصناعة النموذج القيميّ.
.