من أعزه الله فلن يذله أحد

 

من ابتغى العزة في غير الإسلام أذله الله. بهذا المفهوم عاش كل فرد في جماعة الإخوان، وعملوا على تربية الشعوب على هذا المعنى، ورسخوا في أنفسهم ألا يقبلوا الدنية في دينهم، ولقد ضرب الإمام البنا المثل في ذلك، ففي أغسطس 1940م زار الجنرال (كولونيل وقتئذ) كلايتون الإمام البنا، وقد حضر اللقاء الأستاذ أحمد السكري وكيل الجماعة، وهيورث دان الذي تولى الترجمة لمعرفته العربية.

وقال كلايتون للأستاذ البنا: «لقد التقيت كثيرًا بأصحاب السمو وأصحاب الدولة في كل البلاد العربية لم أجد فيهم شيئًا من هذه الصراحة ولا من هذه المكاشفة والإباء في الحديث، والذى أعتقد أنه سيكون مفتاحًا لطريق التعاون فيما بيننا ويعود على الأمة البريطانية والأمة الإسلامية بالخير».

لكن الإمام البنا رد عليه قائلا: «ستجد التعاون معي هو أصعب الطرق على بريطانيا؛ لأنى لا أستطيع إلا المكاشفة»، فقال كلايتون: «وأنا أتعهد بالعمل لذلك، وليكن برهان صدقي على ما التزمت به أن أعرض عليكم كل ما أستطيع أن أقدمه لتقوية جماعتكم لإعطائها الفرصة للانتشار والقوة». فقال له الإمام البنا: «كيف ذلك؟»، قال: «أنتم جماعة مجاهدة، لو وجدت وسائل مستحدثة لحققت للإسلام أضعاف ما تحققه الآن، فبدلا من جريدتكم المتواضعة يكون لكم جريدة يومية، وسأضع تحت تصرفكم ما تشاءون من المال ومن أجهزة الطباعة وتجهيز المكاتب التي تصلح للجريدة، ولا بأس أن نبدأ بدفعة أولى خمسين ألف جنيه أو مائة ألف، ويتوالى الأمر بعد ذلك كل شهرين أو ثلاثة أو أربعة نزيدها أو نقدم مثلها».

وعندها قال الإمام البنا: «يؤسفني يا مستر كلايتون أن أقول لك: إننا الآن في أشد درجات الافتراق؛ فالإخوان المسلمون هم أغنى هيئة على وجه الأرض، وعندهم من الثروة ما يزيد على ما هو مرصود في خزائن الإمبراطورية البريطانية؛ لذا فهم في غنى عن كل ما قدمت».

قال كلايتون: « كيف وحالكم كما هو معروف لنا؟!» -وخاف أن يكون الإخوان يحصلون على المال من دول المحور- قال الإمام البنا: «نعم، فإنك إذا فتحت خزائن الإخوان فقد لا تجد فيها خمسين جنيهًا أو أقل؛ إن الرجل من الإخوان يدفع اشتراكًا في الدعوة خمسة قروش في الشهر، وأيسر الإخوان حالًا قد يدفع جنيهًا، هذا في الظروف العادية، أما عند الحاجة فالرجل من الإخوان لا يملك إلا أن يقدم نفسه وماله وبيته للدعوة؛ لذا فنحن لسنا في حاجة إلى أن نملأ هذه الخزائن الحديدية؛ لأن خزائننا هي قلوب الإخوان؛ ولهذا فلو شئت سأجمع من هؤلاء الرجال مئات الآلاف في أقل من أسبوع، فنحن لسنا كأي هيئة لقيتها من قبل. وأمسك الإمام البنا بعباءته وجلبابه وقال له: هذه العباءة بمبلغ ثمانين قرشًا مصريًا، وهذا الجلباب بمبلغ عشرين قرشًا مصريًا؛ فثمنهما جنيه واحد؛ فالذي يلبس بجنيه ويوفر ما بقى من راتبه للدعوة ومعه الآلاف من الإخوان على شاكلته لا يحتاجون لمساعدة أحد والحمد لله. وأنصحك أن توفر كل قرش لخزينة بلادك؛ لأننا لن نقبل شيئًا من مثلكم، كما أن الزعماء الذين تشترونهم بأموالكم لا يملكون إلا أنفسهم، أما الشعوب فلن تقبل بغير استقلالها التام مهما كلفها من ثمن، ووفروا أموالكم هذه أو اشتروا بها معدات، وواجهوا بها أعداءكم بعيدًا عنا».

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

جريدة الإخوان المسلمين اليومية – السنة الثالثة – العدد 724 – صـ7 – 7ذو القعدة 1367هـ / 10سبتمبر 1948م.

كلايتون: السفير البريطاني في مصر في الأربعينيات.

جيمس هيوراث دان: رجل مخابرات انجليزي ولها كتابات عن الإخوان وكان ضمن من حاول شراء الإخوان لمصلحة الإنجليز.

أحمد السكري: هو وكيل جامعة الإخوان المسلمين – قبل أن يترك الجماعة- وقرين الأستاذ البنا منذ الصغر وتوفي في التسعينيات.

 

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم