Business

المؤثرات الفكرية على التربية الأسرية وسبل مواجهتها

 

 يتشكل السلوك الإنساني بتفاعل مكوناته عبر سلسلة متلاحقة ومتكاملة يتصدر الفكر فيهـا أولى الحلقـات؛ وبذلك تعظم مسؤولية التربية في توجيه الفكر وضبطه وتنقيته عما قد يشوه الصورة الصـحيحة لمكانـة الأفـراد ووظائفهم الفطرية التي خُلقوا من أجلها، فتعمر المجتمعات بكافة مؤسساتها؛ وأبرزها ما يتعلق بالوحدة الأولى للبناء الاجتماعي ألا وهي الأسرة.

وتشكل الأسرة المعين الأول الذي ينـهل منه الأفراد ما ينبغي أن يكونوا عليه في المستقبل نموذجا متكاملًا للزوجية والوالدية المنشودة، وما هم عليه في واقع الحال من تعلم السلوك الصحيح وتجنب المنحرف بما يحقق للمجتمع أمنه وترابطه وينأى به عن التفكك المعنوي أو الحقيقي الذي ألقت آثاره بظلالها على أسرنا اليوم سيما مع غياب النموذج الإسلامي في مستواه التطبيقي.

إن غياب النموذج الإسلامي المشار إليه أضعف القدرة على المقاومة والمغالبة لكثير مما تسرب إلينا من مذاهب وتيارات فكرية سيما في خضم التحديات المعاصرة، وإن كان الشك في القدرة على المغالبة كبير ما لم تتحرك جميع القوى وتستنفر مؤسسات المجتمع طاقاتها للعودة إلى الأصول الثابته مـن الكتاب والسنة التي رسمت منهجًا قويمًا للأسرة إنشاءً وضبطًا. ويعظم التحدي في ظل التحول نحو عولمة المـذاهب والتيارات الفكرية وتصديرها في أحادية إلى العالم رغم تنوع أيديولوجية شعوبه وثقافتهم وعاداتهم.

وفى دراسة بعنوان «المؤثرات الفكرية على التربية الأسرية وسبل مواجهتها»، للباحثة: سميرة عبدﷲ الرفاعي، بينت مفرزات المؤثرات الفكرية في التربية الأسرية وعلاقتها بتراجـع الكفـاءة الوظيفيـة للأسرة، واقتراح ما يمكن أن يكون خطوات في طريق حل الأزمة.

 

تعريف العلاقات الأسرية

العلاقة الأسرية هي: «تفاعل منظم بين أفراد الأسرة الواحدة بتدرج في مستويات متعددة، كل في موقعه ومسؤوليته، تحكمه المنظومة القِيَمِيّة النابعـة مـن الوحي، وما يتراضى عليه الأفراد تبعًا لاختلاف حاجات الزمان والمكان وتحدياتهما، بما لا يخـالف توجيهـات الوحي».

 

أولًا: التربية الأسرية

اصطلح العلماء أن التربية بشكل عام تشير إلى الجهود المخطِّطـة لإحـداث تغـيرات مرغوب فيها للفرد والمجتمع، كما يهدف إلى تعليم الفرد وإكسابه المهارات والعادات الحسنة من جميـع النـواحي «الجسمية والعقلية والنفسية والاجتماعية» اللازمة للمواطن الصالح، فيتمكن الفرد من التفاعل الإيجابي مـع بيئـة وأسرته، وهناك مؤسسات عديدة تقوم بهذا الدور من التربية، ومن أهمها الأسرة، باعتبار الأخيرة المنبـع الـرئيس والحضن الأول للطفل.

وفي ضوء ما سبق، يمكن تعريف التربية الأسرية أنها: «جهود مخططة بصورة واعية مقصودة سواء على المسـتوى الفـردي أو المؤسسي، بهدف إلى تنمية سلوك الفرد وترقيته في شتى جوانب الشخصية؛ بما يمكنه من القيام بمسـؤولياته وأدواره المنوطة به في أسرته الحالية والمستقبلية، وبما يُبَوِّؤه مكانته الفطرية في الأسرة.

إن الحفاظ على المستوى التنظيمي والقيمي لأفراد الأسرة يتطلب وحـدة المعيـار في التربية الأسرية، الذي يعني في أحد وجوهه اتفاقًا على الثوابت مع مرونة التطبيق، وإلى مثل هذا المعنى يشير أحد الباحثين بقوله: «والأصل بأن التربية الأسرية تجمع بين الأصالة والمعاصرة، والتي يمكن تسميتها بالتربية الانتقالية، فالتربية التقليدية لا تتفق مع مجتمع يتجه نحو المعاصرة، والتربية الحديثة لا تتفق أيضًا مع مجتمع لم يصل إلى درجة المعاصرة تمامًا؛ فإن عدم الاتفاق على أسس حياتية واضحة ينشأ عنـه تباين وتصادم بين ما هو تقليدي وبين ما هو حديث والنتيجة المتوقعة من ذلك هي الفوضى التربوية».

 

ثانيًا: المؤثرات الفكرية

1- الداروينية الاجتماعية وقيم ما بعد الحداثة:

تعددت المذاهب الفكرية في الغـرب بتعـدد الانحـدارات الفلسفية الثلاثة في النظرة إلى الوجود والتي تسمى Ontology، والنظر إلى مصـدرية المعرفـة والـتي تسـمى Epistemology، وما يتعلق بالمنهجية والتي تسمى Methodology، وهي كلمات لاتينية الأصل يعـنى الأول منها علم الوجود، والثاني نظرية المعرفة، والأخير علم المنهج أو المنهجية. إن ظهور المذاهب الفكريـة ارتـبط في أوروبا بما يسمى عصر النهضة أو عصر التنوير، وكان ذلك تقريبًا في القرنين السابع عشر والثامن عشر الميلاديين، أي بعد إحكام سيطرة الكنيسة في القرون الوسطى التي دامت ما يقارب العشرة قرون، أي: من القرن السادس إلى السادس عشر الميلادي؛ ولذا، نجد أن البعض قسم تلك الحقب في التاريخ الأوروبي إلى خمسة، هـي: التـاريخ، والتاريخ القديم، والعصور الوسطى، والعصر الحديث، وما بعد الحديث.

إن التسلط الكَنَسِي الذي حجر على العقل، والذي تشهد به أقلام مفكرو أوروبا حتى هذا العصر، تزامن في عقوده الأخيرة مع الانفتاح على الحضارة الإسلامية في الأندلس وغيرها، مقابل الظلام الذي تحياه أوروبا في كـل مناحي الحياة، وبذلك تهيأت البيئة للثورة على الكنيسة وجعل منها النُّصُب الذي يراد تحطيمه.

وسمي عصر النهضة أو التنوير بذلك لأنـه أريد فيه لأوروبا أن تخرج من الظلام إلى النور، ومن الجهل إلى العلم، ومن اللاهوت إلى العقل المستقل عن الكنيسة. وهكذا، فقد تغيرت ظروف الحياة في أبعادها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والدينية لتكون مقدمة مهيئة فيما بعد للقرن المقبل وهو القرن التاسع عشر، فيصطلح فيه على مسمى لمذاهب جديدة هو امتداد للمذاهب السابقة- برأي الباحثة- يسمى مذهب الحداثة، خلافًا لآراء البعض الذين اعتبروا الحداثة فقط مـن مـذاهب القرن التاسع عشر كظهور حقيقي، إلا أن الباحثة وإن صادقت على رسمية الظهور في القرن المذكور إلا أنها ترى أن ما سبقها من ظروف في القرنين الماضيين ممهدا لها.

إن التغييرات المرتبطة بالتمهيد لظهور الحداثة في علم الاجتماع «أي الفكر» تبعها تغييرات أخرى في مجـالات شتى- ومنها الاقتصادية-؛ لضمان توزيع عادل للثروة، وإنصاف طبقة الشعب التي عانت من سلطة نظام الحكم، وبدأت حركات آدم سميث والماركسية والشيوعية بالظهور.

أما الدين، فإن الغضب المُلِحّ علـى رجاله الذين حكموا عقول الناس باسم سلطة الدين مروجين لتفسيرات عن العلم والحياة في حيز الدين، ليس للعقل البشري فيها أدنى إرادة أو قدرة على الفهم أو المخالفة، فعندما بدأ التقدم العلمي وقوانين نيوتن في الفيزياء بالظهور، ونظرية داروين في علـم الأحيـاء والبيولوجيا؛ كان ذلك المخرج لإمكانية الاستقلال عن الدين وتنحيته عن دائرة الحوار والحياة؛ لينتقل مباشرة إلى تأليه العقل والاعتماد عليه، بما يكذب ادعاءات رجال الدين.

إن ما سبق ذكره من ظروف حياتية عاشتها أوروبا خلال قرنين من الزمان مهدت لظهور ما يسمى بالحداثة في القرن التاسع عشر- بصورة رسمية- على يد الأديب الفرنسي شارل بـودلير، إلا أن جـذورها ضاربة من عصر التنوير، فكلها امتدادات تاريخية ثقافية كل حقبة تمهد للتي تليها، ووجدت الباحثة لهـذا الـرأي موافقات من قبل باحثين آخرين.

2- مذهب ما بعد الحداثة

يعد التمهيد السابق لظهور مذهب الحداثة وما بعد الحداثة، وسائر المذاهب الفكرية في أوروبا ضرورة منطقية، إذ أن الحديث عما بعد الحداثة يستلزم التفصيل في مذهب الحداثة الذي سبقه ولا يـزال ينافسـه في الظهـور والتأييد.

إن لفظ الحداثة في أصله اللاتيني يعني «الآن» أو «في هذه اللحظة»، وأول مـن اسـتخدمه الإنكليز، ليكون مقابلًا لمعنى «قديم»، سيما في عصـر الملكـة إليزابيـث الأولى «1523م-1603م» ثم شـاع استخدامه في سائر أوروبا.

إن الحداثة المنحدرة من فلسفة الأنوار، أعلنت مركزية الإنسان في الكون واستقلاله عن الوحي وأنه بعقله قادر على تقديم تفسيرات لنفسه وبيئته والكون. وبالإمكان وضع أبرز معتقـدات مـذهب الحداثة وأفكاره في أربعة أبعاد، تلخص ثلاثة مظاهر «فوقية العقل، وكرامة الإنسان، ونسبية المصالح»، وهذه الأبعـاد هي:

العقلانية: بالإعلاء من شأن العقل ومقايسه؛ لاعتبار الإنسان مركز الكون.

الحرية والفردية: لتأكيد حق الإنسان في تقرير مصير شؤونه المدنية، سيما المرأة.

العلمانية: فصل السلطة السياسية عن المؤسسة الدينية، والانطلاق من الإنسان كمفهوم مرجعي للممارسـات الإنسانية في شتى مجالاتها.

التاريخانية: اعتبار معقولية التحول والتغيير للمجتمع، وهو نمو خاضع لمعايير التقدم سيما العلمـي منـها.

وبالإمكان اعتبار أن العلاقة المفترضة في المذهب الحداثي بين الإنسان والطبيعة، هي علاقة صراع ابتداء.

وبعد القراءة لما بعد الحداثة، يمكن القول إن أبرز الأفكار التي دعت إليها تتخلص بما يأتي:

  • التشكيكية ونقض المسلمات.
  • التوجه إلى مثلث «الجسد والجنس واللذة».
  • نفي الحقيقية المطلقة على المستوى «الأنطولوجي»، وهـذا يترتـب عليـه: الإيمـان بالتعدديـة والنسبية مقابل الوحدة.
  • نفي الموضوعية والعقلانية على المستوى «الإبستمولوجي»، وهذا يترتب عليه: الذاتية.

3- الداروينية الاجتماعية:

إن عالم الأحياء الإنجليزي تشارلز داروين من علماء النصف الثاني للقرن التاسع عشر، أسس لنظرية مادية في تطور الكائنات الحية لم يقف أثرها عند ميادين العلوم الطبيعية بل تعداها إلى العلـوم الإنسـانية والاجتماعية فيما بعد.

ويعد البعض أن نظرية دارون مستندة إلى أفكار كهنة بابل وآشور اللذن اعتقدوا أن بـدء التكوين الإنساني كان بكتلة لزجة لا شكل لها ولا صورة، إلا نفخة من الخالق، ثم تقلبت تلك الكتلة بفعل الطبيعة إلى مراحل متعددة حتى وصلت إلى صورة الشكل الإنساني على ما يبدو عليه الآن. وترتكز نظريـة التطـور إلى عوامل رئيسة تعطي بدورها المعنى المراد للداروينية إذا أطلقت، وهي:

  • التغير والتحول: أي أن الأنواع ينشأ بعضها من بعض سيما النوع الإنساني، والمنحدر من أنواع حيوانية شبيهة بالقرد، ويؤدي ذلك التحول إلى ظهور صفات ووظائف جديدة.
  • الوراثة: إن الصفات التي نشأت عن التغير والتحول ترسخ وتورث في الأجيال اللاحقة للكائنات الحية.
  • الانتخاب الطبيعي: إن التغير والتحول المذكور من الصفات والوظائف يشير إلى قدرة تلك الكائنـات علـى التكيف مع البيئة من أجل البقاء.

وبعد القراءة في الموضوع، تبين أن الانتخاب الطبيعي يتضمن- على حد تعبير الباحثة- متلازمتين تلقـائيتين المعنى له، هما:

  • الصراع من أجل البقاء: حيث إن الكائنات تحمل نزعة نحو التضاعف العددي مع ثبات أعداد النوع الواحـد في النهاية، مما يعني أنها تعيش حالة مستمرة من الصراع والنتافس الحاد فيما بينها على احتياجات الحياة مـن أجل البقاء، مما يؤدي إلى هلاك بعضها في النهاية.
  • بقاء الأصلح «الأقوى»: والتي تشير أن الكائنات التي تمتلك قدرة أكبر للتغير في صفاتها بحيث تصبح صـفات إيجابية من أجل التكيف مع بيئاتها، تيسر لها فرص أكبر للبقاء من بين المخلوقات التي لا تمتلك تلك الصفات، وبالتالي، تنتخب الطبيعة- على حد تعبيرهم- الأنسب في الصراع الدائم من أجل البقاء، وتقضي على الرديء منها على اعتبار أن الحياة معركة صراع من أجل البقاء، والمنتصر فيها هو الأصلح للبقاء.

وبالإمكان تلخيص أبرز أفكار الداروينية الاجتماعية، بما يأتي:

  • في كل جيل يصمد الأفراد الأكثر ذكاء وقدرة على الاتزان في الحياة، في حين يموت الأضعف قدرة، وهكـذا تتحسن المجتمعات وتنمو.
  • إن العملية سابقة الذكر تسمى الاصطفاء «الانتخاب» الطبيعي.
  • إن مساعدة الفقراء والمحتاجين تعتبر تدخلا سلبيًا في عملية الاصطفاء سابقة الذكر، لأن الاصطفاء الطبيعي يعنى الأفراد الأكثر ملائمة.

ارتبط رواج النظرية الداروينة وانتقالها من الحس البيولـوجي إلى الاجتمـاعي بالمعنى الذي سبق بيانه بتغيرات شهدها المجتمع الأوروبي آنذاك في شتى المجالات، منها: ازدياد الاتصال بالشـعوب البدائية جراء حركات الكشوف الجغرافية والاستعمار وتكوين الإمبراطوريات، بالإضافة إلى الكتابات السياسية إما لتبرير نظام قائم «متمثل بالرأسمالية» أو تبرير الثورة عليه «بديمومة الاشتراكية»، وإن كان الأمر قد انتهى في نهايـة المطاف إلى الجيب الرأسمالي الليبرالي تحت مسمى العولمة.

وتحتل الداروينية الاجتماعية في عصر العولمة مكانا بارزًا في برامج الرأسمالية الإمبريالية وخططها، التي آلت إلى تعاسة المجتمع بدلًا من تحقيق الرفاه المنشود. إن تعاسة المجتمع الدارويني- إن صح التعبير- نتجت عن إسقاط مبادئ التطور الدارويني وعوامله على القيم الإنسـانية والسـلوك الإنساني، باعتماد مبدأ التطور المستمر للقيم والصراع من أجل البقاء للأصلح «الأقوى» فيمـا يتعلـق بالسـلوك الإنساني.

يعد تعويم القيم الإنسانية وإخضاعها للتطور المادي المرهون بالوضع الاقتصادي لمجتمع ما إقصاء لها عن الثبات أو تبوء مركز المعيارية المحققة لذاك المجتمع، وبالتالي، لا معنى للعفة أو الرذيلة إلا بما يحكمه الوضـع الاقتصـادي للمجتمع في حيز الزمان أو المكان، فقد تكون العفة رذيلة، وتارة تنقلب الرذيلة إلى عفـة، وهكـذا.

وأن يحكـم السلوك الإنساني بمعركة التنافس والصراع من أجل البقاء، كحافز وحيد للعمل والإنتاج باعتبار الإنسان حيـوان متطور يتضمن افتراضه كمخلوق شرير ابتداء يحمل نزعة العدوان، وهذه الأخيرة سلاحه الآكد في محاربة الآخرين وشق طريقه نحو النجاح ليكون الأصلح- الأقوى- الذي تنتخبه وتصطفيه الطبيعة، فيضمن البقاء.

إن افتراض نزعـة العدوانية وعلاقات الصراع مع الآخرين والكون من حولهم آلت بأصحابها إلى نهب مقدرات الكون الـتي تعـد مشاكل التلوث البيئي جزء منها.

 

ثانيًا: الحركات النسوية العالمية للمطالبة بالمساواة المطلقة

يشير مصطلح الحركة عمومًا إلى معنى ديناميكي ضد الركود، ويعبر عن نشاط العناصر داخلها، والذي يحقق درجة من الاستمرار والتنظيم بهدف التغيير تقوم به فئة معينة

ويرى المهتمون في البحث في الحركات الاجتماعية أن الحركات النسوية تستمد بواعث قوتها ووجودها من السخط على الحالة السائدة، بالإضافة إلى الرغبات والآمال المتطلعة إلى تخطيط وضع جديـد، وتنمو الحركات الاجتماعية بتدرج واضح في الوظائف والقيادات والتنظيمات حتى يصبح لها شكل راسـخ مـن القيم والقواعد الاجتماعية، وعليه، تم تقسيم الحركات الاجتماعية إلى أنواع، هي:

عامة: مثل الحركات النقابية والعمالية.

خاصة: الحركات المضادة لنظام الرق.

تعبيرية: كالحركات الدينية، وحركات تجديد الأساليب والأنماط والطراز السائد، وأهمها حركة تحرير المـرأة والمطالبة بحقوقها.

ويمكـن تقسـيم الحركات النسوية إلى نوعين هما:

أ- النسوية القديمة: التي برزت في القرن التاسع عشر، وشعارها المساواة في الإنسانية مع الرجل، والتي تعبر عـن مأساة عاشتها المرأة في ظروف المجتمع الغربي في القرن المذكور وما سبقه، وبالإمكان تسميتها «نسوية النشأة»، علمًا بأن البعض قد يسميها نسوية المساواة، وآخرون يسمونها النسـوية التقليديـة.

ب- النسوية الحديثة أو المعاصرة: وقد يطلق عليها البعض مسميات أخرى مثل: العصبوية النسوية، والحركة الأنثوية- أي أنها تنحاز للأنثى لمجرة أنها أنثى-، ونزعة التفوق النسوي، أو الفيمينيزمية، وهذه الحركة قائمة على أيديولوجية شاذة ومنحرفة تستند إلى المطالبة بالمساواة المطلقة مع الرجل، وسماها الـبعض المساواة القانونية والاستقلالية الجنسية. ويعد تيار الجندر النسوي هو الأكثر بروزًا وشهرة، وبه سميت الحركة- من باب تسمية الكل بالجزء-، ويدل ذلك على قوته ونفوذه في الأوساط الاجتماعية.

أما النسوية النفسية وأن صح التعـبير النسوية الفرويدية، فتدعو إلى تعويم الهوية الشخصية والدعوة إلى الحرية في الميول الجنسـية للوصـول إلى إباحيـة العلاقات الجنسية- سيما المثلية منها- وعدم اعتبارها صورة من صور الشذوذ. أما الراديكالية فهي التي تنحـى منحى نزعة التفوق النسوي على الرجل.

أما نسوية ما بعد الحداثة، فأول ظهور لها كان في التاريخ الأدبي في القرن العشرين، والتي تقدم نقدًا لاذعًا لما اعتبرته مفاهيم اجتماعية مرتبطة بالدين البطريركي، والتي تحصـر دور المـرأة بالزواج والأمومة كوظائف رئيسة لها، ومن أبرز الأدب الدال على الفكر المذكور كتاب الوعاء الزجـاجي للكاتبة والشاعرة الأمريكية سيلفيا بلاث.

رغم تنوع الأساليب التي تتخذها التيارات النسوية سابقة الذكر، إلا أنها كتيارات تجمعها حركة نسوية، فإنها تتوحد وتشترك في قاسمين رئيسين، هما: مفهوم النوع. ومفهوم الضحية. أما مفهوم النـوع فيدعو إلى إلغاء الفوارق بين الجنسين، بل لأكثر من ذلك، وهو إلغاء تام لوجود مسمى ذكر أو أنثـى، وبالتالي، التشكيك في مفهوم الزواج الشرعي وفطرية العلاقات الأسرية القائمة على ارتباط رجل بامرأة، وهذا ما يبرر شيوع استخدام مصطلح «الجندر» في مؤتمراتهم.

أما مفهوم الضحية فقائم علـى تعميق الشعور بكراهية الرجل؛ لأن المرأة على حد قولهم «ضحية لوجود الرجل»، وبالتالي، تتخـذ الحركـات في توجهها آلية الانتقاد للرجل، مفترضة أن العلاقة بينهما تقتضي تسلط أحدهما على الآخر حسـبما نـادت بـه الداروينية الاجتماعية والتي لم تقف عند الحد المذكور بل اعتبرت البقاء للأقوى، تاركة قيم التراحم الإنساني هائمة في حيز الزمان والمكان، فما يسلكه الأقوى هو القيمة المثلى.

 

تيار الجندر النسوي

ومن أبرز تيارات الحركات النسوية الحديثة وأكثرها تغلغلا وسـطوة : تيـار الجنـدر النسـوي، الذي بدأت إطلالته التسللية الأولى في مؤتمر القاهرة للسكان والتنميـة عـام 1994م، وإقـراره الحقيقي في مؤتمر المرأة في بكين عام 1995م، والذي بلغت سطوته إلى تغير مفردات ودلالات اللغة بنقل التعريف الأصلي للجندر والذي يعني الفوارق بين الجنسين إلى معنى إلغاء الفوارق تمامًا بين الجنسين، وعدم الاعتراف بها أو بما يتبعها من خصائص توزيع أدوار الجنسين في الحياة، وشعاره إعادة صياغة العالم بعيون النساء، الذي تبناه مـؤتمر المرأة في بكين.

واستندت فلسفة الجندر في هذا التيار إلى النظرة الماركسية القائمة على الصراع بـين الطبقـات، الذي يؤكد أن على المرأة النضال المستمر للقضاء على النظام الأبوي السائد بتسلط الرجل لاسـترجاع النظـام الأمومي الذي يعيد لها الاعتبار، وفي ضوء ما سبق يمكن استخلاص أبرز مبادئ وأطروحات التيـار الجنـدري النسوي، بما يلي:

النظرة الفردية المطلقة للمرأة: بمعزل عن السياق الأسري والمجتمعي الذي تعيش فيه، مع إخلائها مـن كامـل المسؤولية تجاه الآخرين «الزوج والطفل...» وبالإمكان القول أن: التيار الجندري النسوي= سياق فردي للمرأة + اللامسؤولية. وعليه، من حقها الكامل اتخاذ قرار الإنجاب أو عدمه دون الرجوع إلى الزوج، وكذا قضـية الإجهاض وغيرها.

القول بتماثل الجنسين: أي المناداة بإلغاء كامل الفوارق بينهما بما فيها الطبيعية وإنكارها والادعاء أن الفوارق بين الرجل والمرأة فيها نوع من التضخيم جراء التربية الاجتماعية، واعتبار الزواج التقليدي على حد زعمهـم «رجل وامرأة» من أسباب قهر المرأة. وعليه، اختير بمعنى نوع ليحل محل جنس، إذ الأول محايد في حين الثاني غير محايد، كما ازدرى التيار نظرته إلى وظيفة الأمومة والزوجية والتربية وسـائر الأدوار الأسرية للمرأة، واعتبارها ظلم اجتماعي وإعاقة لنهضتها، واعتبارها أدوار هامشية لها وتسلطية مـن النظـام الذكوري.

المثلية الجنسية أو هوية الجندر: وهي مستندة إلى فلسفة فرويد التي ترتكز إلى فكرة الحرية في الميول الجنسية، أي: تعدد الهويات الجنسية في الشخص الواحد وأنها غير مرتبطة بالتكوين البيولوجي، ممـا يعني إطلاق العنان للعلاقات المثلية الشاذة والمطالبة بإقرارها كحق فردي للشخص. وهذا بدوره يقوض البنية الفطرية للأسرة؛ سيما مع تراجع معاني العفة بل وتلاشيها، كما أشارت الداروينية الاجتماعيـة أن القـيم في تطور مستمر وليست ثابتة، وهو ما أيدته ما بعد الحداثة التي اتخذت من التشكيك والثورة على الثبات سبيلها الأول.

تكريس مفهوم الضحية: باعتبار المرأة ضحية للتسلط الذكوري، سواء كان ذلك ضحية لاغتصابه أو تحرشه الجنسي وغيره، لدرجة اعتبروا فيها أن أي علاقة لا تخضع لرغبة المرأة تعد اغتصابًا ولو كانت من قِبَل زوجها. وهذا يؤكد استناد مثل هذه الحركات إلى دعاوى الداروينية التي افترضت الصـراع في العلاقـات والكل يتنافس في الحصول على ما يريد.

تمكين المرأة: ولكن ليس بالمعنى النبيل الأولي الذي يشير إليه ظاهر الكلمة، وهو رفع كفاءتها والأخذ بيـدها؛ لتتمكن من أخذ فرصتها المناسبة في الحياة، وإنما يعني التمكين في سياق التيار الجندري الالتزام بمبدأ مناصـفة الحصص النسبية بين الرجل والمرأة باعتبار 50% لكل منهما في كل مجالات العمل، مما يعني اتكائهـا علـى القرار دون محاولة تطوير كفاءتها.

 

ثالثًا: الآثار السلبية للمؤثرات الفكرية على التربية الأسرية وسبل مواجهتها

أ- الآثار السلبية للمؤثرات الفكرية على التربية الأسرية:

إن مفرزات المذاهب والتيارات الفكرية يعد معيقًا أمام التربية الأسرية النموذجية والمنشـودة بحـق الأسـرة الإنسانية، وقد قامت الباحثة بعد النظر في الآثار بتقسيمها إلى ثلاثة أبعاد، يتناول الأول منها الآثار على الأسـرة عمومًا من حيث: البنية والأيديولوجية؛ والوظائف والأهداف؛ والمنظومة القيمية والأخلاقية؛ والصحة النفسية للأسرة.

تم تقسيم الآثار على الأسرة من حيث ما يلي:

1- البنية والأيديولوجية: ويندرج تحت هذا البند ما يأتي:

  • استبعاد المرجعية الدينية أو الاحتكام إليها في كل شؤون الحياة بما فيها الأسرة، سيما وأن نظرية موت الإلـه وتأليه الإنسان بفكره أو جسده التي أطلقتها التيارات الفكرية أكدت أن الإنسان هو وحده مركز الكون وله السيطرة والملكية المطلقة بلا منازع.
  • استنادًا للداروينية الاجتماعية والحركات النسوية، بُنِيت العلاقة بين الرجل والمرأة في مستوى العلاقة الزوجيـة على الصراع، فحل النزاع والخصومة محل المودة والرحمة باعتبار أن الصراع والتقدم اللا نهائي هما مـن أبـرز صفات الوجود الإنساني.
  • انحسار مشاعر الاحترام بين أعضاء الأسرة الواحدة، إذ يفترض كل عضو منهم أن وجود الآخر يفرض عليه علاقة من التصادم والقهر مما يعني اتخاذ الموقف الدفاعي دائما.
  • تعرض الأسرة للطلاق والتهتك والتفكك بمستوييه: المعلن والمخفي، أو الاجتماعي والنفسي؛ جـراء تراجـع معاني الثقة وارتفاع نسب الخيانة الزوجية وغيرها.
  • الانفلات والتسيب في العلاقة بين الرجل والمرأة على حساب العلاقات الأسرية المنضبطة، باعتبار ذلك نـوع من الحرية الشخصية عبر الدعوة إلى ما يسمونه «الزواج الحر»، و«الحب المفتـوح»، و«الاكتفـاء بـالجنس المماثل»، و«الزواج المشاعي»، و«العلاقات الحرة»، وغيرها من المسميات التي لا تحمل إلا معـاني الشـذوذ ومصادمة الفطرة.

 

2- الوظائف والأهداف: ويندرج تحت هذا البند ما يأتي:

  • ازدراء مؤسسة الأسرة والصورة القانونية أو الشرعية للزواج، واعتبارهما من الأسباب الرئيسة لظلـم المـرأة وقهرها الذي تعرضت له عبر التاريخ؛ وذلك نيل من قداسة الأسرة وروابطها المتينة، ومما زاد الأمر سـوءا، وتعالت الأصوات التي اعتبرت وظيفة الأمومة ورعاية الأسرة صورًا أخرى لظلم المرأة وقهرها.
  • تقنين قضايا الإجهاض والحمل والسفر وغيرها، لتكون قائمة على اعتبار رأي المرأة وحـدها دون مشـورة الزوج أو من له حق قانوني أو شرعي أو طبي في ذلك؛ لاعتبار مذاهب ما بعد الحداثة والحركات النسوية في النظر إلى الفرد وحده بصورة مطلقة بغض النظر عن مسؤولياته تجاه الآخرين في الأسرة، بل الدعوة إلى الحرية الفردية مدمجة مع اللامسؤولية؛ ولذا تعالت أصوات المؤتمرات والاتفاقيات باسم الحقوق وليس الواجبات؛ أي تقديم نظرية الحق على نظرية المسؤولية.
  • الدعوة إلى إلغاء كامل الفوراق بين الرجل والمرأة، بما يعني انتفاء الدور المتوقع لكل عضو في الأسرة، وبالتالي، انتفاء العلاقة التكاميلة لأعضائها.
  • انتقال مفهوم السلطة من الأسرة إلى الدولة، بمعنى أن الأخيرة حلت محل الأسرة في صـيانة حقـوق الآبـاء والأبناء، مما يعني تقهقر مكانة الأسرة، وما تؤديه من وظائف تربوية واجتماعية.

 

3- المنظومة القيمية والأخلاقية: ويندرج تحت هذا البند ما يأتي:

  • النظام الأخلاقي في فلسفة ما بعد الحداثة لا يخضع إلى اعتبارات مطلقة أو معايير ثابتة تأخذ بعين الاعتبار ديانة الشعوب وعاداتها وقيمها، إنما هو نظام مشغول الحيز في إطاره النفعي وليس له معنى ثابت، فقيم الإخـلاص والعدالة ليست بالضرورة أن تحمل المعنى الموروث والمتعارف عليه بين الناس، إنما توظف في بعـدها النفعـي البحت من وجهة نظر الشخص وليس الجماعة، على ألا يعيب أحد على أحد فيما ارتضى واختار.
  • إطلاق العنان للغرائز والشهوات، والتحول من مركزية العناية بالإنسان وفكـره إلى تلبيـة حاجـات لذتـه وجسده، بما يؤثر على قضايا أسرية دقيقة مثل: اختيار زوج المستقبل والتعامل معه ليكون بعيدا عن توجيهات الدين والأخلاق ملتصقا بلذة الجسد والشكل، سيما وأن داروين أكد لهم أن الإنسان انحدر من أصل حيواني هو القرد.
  • رفض مسمى رجل وامرأة، أو ذكر وأنثى واعتبار ذلك نوع من التعصب اللامحمود، بل الإنسانية هي النـوع فقط وأسموه الجندر، وبرأيهم أن ما سبق من مسميات رجل وامرأة تندرج ضمن البنية اللغوية الـتي وقفـت التربية الاجتماعية عائقا أمام حرية الأفراد في تفسير مرادها. إذ لا توجد حقيقة ثابتة أو مسـلمة، فالحقـائق يصوغها الإنسان بنفسه ويختار منها ما يناسبه ويتوافق معه وإن كانت في منتهى الانحراف والشذوذ.

 

4- الصحة النفسية للأسرة: ويندرج تحت هذا البند ما يأتي:

  • إن ما سبق ذكره من شذوذ العلاقات خارج إطار الأسرة سواء المثلي أو غير المثلي، ما هو إلا مصادمة حقيقية للفطرة أفقدت العلاقات الأسرية معناها، ولا ينكر تأثير ذلك على الصحة النفسية لأفرادها، سيما إن تـزامن هذا وأضيفت إليه الخيانات الزوجية والصراع، ولا يتسع المقام لذكر حالات الجرائم الأسرية.
  • العنف: استبدلت أساليب المودة والسكينة بالعنف والشدة، لما يخبؤه كل طرف للآخر؛ لأن الحياة ما هـي إلا معركة، المنتصر فيها هو المسيطر، والذي لا يمتثل إلى الآخر إلا بمقدار ما يحقق له ذاك الامتثال مـن انتصـار جديد؛ فالبقاء للأقوى. وبات العنف ضد الرجل محل حوار وبحث بعد أن كان العنف ضد المرأة هو المحـور، فقد وقعت المرأة في شباك ما كانت تطلب دفعه عنها.

 

ب- البعد الثاني: المرأة؛ ويندرج تحت هذا البند ما يأتي:

  • الانتقال بوظائف المرأة الفطرية التي يعمر الكون بها وهي الأمومة والزوجية الصالحة إلى مجرد موظفة في مصانع التجار ومروجة للإعلانات التجارية، وإن تسمت بأسماء وهمية مكذوبة في المنصب والمكانة.
  • انحدار المعاني النفيسة للمرأة بكل ما تحمله أنوثتها من معان إلى شخصية متشنجة تنظر إلى نفسها بعين الضحية والمظلومة دائما، وبالتالي، استلاب حقها من الرجل بغض النظر عن الكم والكيف.
  • التبرير الدارويني للتفاوت الطبقي بين الناس، وحق الأقوى في السيطرة على الأضعف مع عدم الشـفقة علـى الأخير، حفز المرأة ودفعها لاستجرار أكبر قدر ممكن من المال بأي طريقة كانت؛ حتى لا تندرج ضمن الطبقة المنكوبة التي تستحق الموت إن لم تقوَ على مواجهة صعاب الحياة وحدها، دون أية معونة أو كفالـة مـن أحد، حتى وإن كان الثمن عِرضها الثمين الذي بات بابًا من أبواب ارتزاقها؛ بخلاف المثل العربي القائل: «تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها».
  • استبدلت بذلك المرأة الحرية الحقيقية التي طالبت بها بما يسميه البعض «إحساس الحرية»، والأخير ما هـو إلا حالة نفسية كاذبة من الوعود التي أخرجت المرأة من بيتها وأطاحت بمهامها الأسرية.
  • إن الانعتاق في فلسفة ما بعد الحداثة لا تكمن في العدالة الاجتماعية والدخل الاقتصادي، إنما بالقـدرة علـى التعبير عن كامل الرغبات وإن خالفت منظومة المجتمع وقيمه وحاولت الأخيرة قمعها؛ لذا، يرون قمة الانعتاق في تحقيق اللذة. فبات الشذوذ الجنسي بكافة أشكاله أعلى درجات الانعتاق، واستخدمت فيه المرأة لتكـون المروج لإعلام السحت وتحقيق لذة الانحراف.

 

3- البعد الثالث: الأبناء، ويندرج تحت هذا البند ما يأتي:

  • ضياع الطفولة البرئية بين أزقة الشوارع ووسائل الإعلام بغثها وسمينها؛ لغياب التربية الأسرية الحقيقية.
  • التشرد المعنوي والحقيقي للأبناء، بعيدًا عن الأب والأم الفعليين.
  • إجهاض الأجنة وإزهاق الأرواح البريئة للطفولة قبل قدومها.
  • حضور الأمية الدينية والتربوية لدى الآباء؛ مما يعني أن الأسرة لم تعد المصدر الرئيس للتربية والتوجيه واستقاء المعاني الفاضلة، بالإضافة إلى تراجع مراقبة الآباء للأبناء.
  • اتساع الفجوة بين الآباء والأبناء في الفكر والممارسة.
  • تمرد الأبناء على قيم الأسرة الفاضلة في الإنشاء والضبط والشكل؛ باعتبارها على حد تعبيرهم باتت تقليديـة وتعيق حركة الحضارة والمدنية.
  • توجه الأبناء إلى اللاهوية سواء بمعانيها الشخصية أو الثقافية، مما أحدث الانشقاق الواضح والحقيقـي بـينما يدعيه الفكر وما يصدقه السلوك.

 

سبل المواجهة

بالإمكان تقديم جملة من المقترحات لمواجهة الآثار السلبية التي أفرزتها التيارات الفكرية باعتبارها تحد، وإعادة الاعتبار للأسرة في عالم تسارعت فيه المتغيرات وعظمت فيه التحديات، تتلخص بما يأتي:

  •  سبل المواجهة حلقات متداخلة ومتكاملة، تبدأ بالفرد وتنتهي بالأمة وبينها مسيرة تضافر جميع مؤسسات المجتمع وفي مقدمتها التربية. وعليه، لا بد من تداعي مؤسسات المجتمع الرسمية والمهنية لإعـداد خطـط ممنهجـة في تشخيص التحديات الموجهة للأسرة وعلاجها.
  • سلاح المواجهة الرئيس التربية، ومطلوب منها بناء إنسان قادر على مواجهة التحديات، حيث الأخيرة في العصر الحاضر منطلقها أيديولوجي يستهدف الفكر في الدرجة الأولى؛ مما يزيد مسؤولية المؤسسات التربوية في تصفية الفكر الوارد وبناء فكر جديد. وعليه، لابد من إبراز جهود مؤسسات التعليم في إعادة النظر في المناهج التعليمية من حيث الأهداف والمحتوى والوسائل.
  • المسلم مطالب أمام هذه المذاهب والتيارات الفكرية أن يعي بها أولًا؛ حتى يمد نفسه بطاقة صمود وقـدرة على المغالبة والمقاومة، وهذا ترجمة لقانون الفعل في مواجهة التحديات ضـمن ثـلاث خطـوات «الإدراك ثم الانفعال ثم السلوك العملي»، وهي على الترتيب إدراك التحدي وفهمه؛ ليتولد عنـه انفعال يدفعنا للتحرك الإيجابي نحو مواجهته، وبذلك ندرك الحكمة في قوله تعالى: {وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ}.
  • الانتقال من مرحلة الاكتفاء بالدفاع عن قضايا المرأة والأسرة لحظة الهجوم إلى لحظـة المبادئـة بتقـديم النموذج الإسلامي النظري والعملي للأسرة المنشودة. وعليه، فالمطلوب من جمعيات المرأة وسائر المؤسسـات المعنية أن تتداعى لبناء مشاريع ترفع من سوية المرأة، وتؤكد قداسة وظائفها في الأمومة والتربية.
  • تفعيل مشاريع التوعية الأسرية، سيما الموجهة للمرأة بكافة الإمكانات المتاحة: «مؤتمرات، نـدوات، مواقـع إلكترونية وغيرها»؛ ليتسنى رسم حقيقة الصورة والموقع الفطري للمرأة في الأسرة والمجتمع.
  • الانتقال من مرحلة التنظير إلى مرحلة التطبيق بإلزام الشباب الجامعي والمقبلين على الزواج بـدروات تثقيفيـة أسرية تطرح من منظور إسلامي. وكذا تفعيل التخصصات الجامعية المتعلقة بالأسرة والدراسات الأسرية، سواء على مستوى جعل مساق الأسرة إحدى المواد الإجبارية في الجامعة أو علـى مسـتوى تـوفير الكفـاءات المتخصصة.
  •  العمل على تحويل الإعلام من وظيفته الترفيهية والتدجينية بما يتوافق مع قيم النظام العالمي الجديد إلى الإعـلام الهادف، وتفعيل وثيقة الشرف القانونية بما يتعلق بوسائل الإعلام؛ وذلك بمخاطبة مالكي القنـوات وصـناع القرار فيها لتوظيف سائر وسائل الإعلام وسبل الاتصال على المستوى الداخلي بالتثقيف والتوجيـه والتوعيـة الأسرية، والمستوى الخارجي في تقديم النموذج المطلوب.

 

 

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم