Business

ملامح تربوية في بيت النبوة

نقلت لنا أمهات المؤمنين كل شأن من شؤونه ﷺ في بيته، لنقتدي به ونتأسى ونسعى إلى تكوين وتقويم أسرنا على نهجه فقد تركنا على المحجة الصافية النقية، فالله سبحانه علق سعادة الدارين بمتابعته، وجعل شقاوة الدارين في مخالفته، فلأتباعه الهدى والأمن والفلاح والعزة والكفاية والنصرة والولاية والتأييد وطيب العيش في الدنيا والآخرة، ولمخالفيه الذلة والصغار والخوف والضلال والخذلان والشقاء في الدنيا والآخرة.

وفي هذه الدراسة، يعرض د. وسيلة حماموش، النصوص الصحيحة من سنة رسول الله ﷺ في بيته لنهتدي بهديه، ونعيش حياة التوسط والاعتدال ونبتعد عن حياة الجاهلية التي شغلتنا عن الغاية العظمى التي من أجلها خلقنا، قال تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ (56)، في زمن طغت فيه الماديات كما قال تعالى: (اْعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ)، تباهى فيه الناس بأغلى الأثاث، وتنافسوا في بناء الدور والقصور، مجملة الظاهر مزينة بالنمارق ولكنها خاوية الروح وفاقدة الأنس بالله.


 

هدي الرسول ﷺ في عبادته

يرصد الباحث أن بيت النبي الله ﷺ كان بيت تقى وعبادة بكل أنواعها؛ فهذا المغيرة بن شعبة يصف لنا اجتهاده ﷺ في العبادة فيقول: قام النبي ﷺ حتى ورمت قدماه، قالوا: قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، قال: (أفلا أكون عبدًا شكورًا).

ومن العبادات التي كان النبي ﷺ مجتهدًا فيها الصيام فقد وصفت عائشة رضي الله عنها شدة اهتمامه بها فقالت: (كان رسول الله ﷺ يصوم حتى نقول: لا يفطر، ويفطر حتى نقول: لا يصوم، فما رأيت رسول الله ﷺ استكمل صيام شهر إلا رمضان، وما رأيته أكثر صيامًا منه في شعبان).

أما عن الصدقة؛ فقد كان ﷺ أجود الناس لما ورد عن عقبة ابن الحارث رضي الله عنه أنه قال: (صليت مع النبي ﷺ العصر، فلما سلم قام سريعا، دخل على بعض نسائه، ثم خرج ورأى ما في وجوه القوم من تعجبهم لسرعته، فقال: (ذكرت وأنا في الصلاة تبرًا عندنا، فكرهت أن يمسي أو يبيت عندنا، فأمرت بقسمته).

ولقد كان بيت النبي ﷺ بيت عبادة وذكر وحث على ذلك، قال تعالى: (وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا (34).

إن العبادة طريق السؤدد والتمكين، فأين نحن اليوم من عبادة رسول الله ﷺ في بيوتنا؟ وقد ضيع الناس الفروض قبل النوافل إلا من رحم الله!


 

هدي الرسول ﷺ مع زوجاته

عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله ﷺ: (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي).

ولقد كان ﷺ في خدمة أهله؛ فعن الأسود قال: سألت عائشة ما كان النبي ﷺ يصنع في بيته؟ قالت: (كان يكون في مهنة أهله. تعني خدمة أهله، فإذا حضرت الصلاة خرج  إلى الصلاة)، وليعلم أن الرجل الذي يعين زوجته فهو علامة على صلاحه ودينه وخلقه وتأسيه بالنبي المصطفى صلى الله عليه وسلم.

وكان عليه الصلاة والسلام مرحًا، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: أتيت النبي ﷺ بحريرة قد طبختها له، فقلت لسودة والنبي ﷺ بيني وبينها: كلي، فأبت؛ فقلت: لتأكلن أو لألطخن وجهك فأبت فوضعت يدي في الحريرة فطليت وجهها فضحك النبي ﷺ فوضع بيده لها، وقال لها: (الطخي وجهها)، فضحك النبي ﷺ لها فمر عمر، فقال: يا عبد الله؛ يا عبد الله؛ فظن أنه سيدخل فقال: (قوما فاغسلا وجوهكما)، فقالت عائشة: فما زلت أهاب عمر لهيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وكان ﷺ يعدل بين نسائه ويتحمل ما قد يقع من بعضهن من غيرة. فعن أم سلمة رضي الله عنها أنها أتت بطعام في صحفة لها إلى رسول الله ﷺ وأصحابه، فجاءت عائشة متزرة بكساء ومعها فهر ففلقت به الصفحة، فجمع النبي ﷺ بين فلقتي الصفحة وهو يقول: (كلوا، غارت أمكم)، مرتين. ثم أخذ رسول الله ﷺ صحفة عائشة فبعث بها إلى أم سلمة وأعطى صفحة أم سلمة عائشة.

بل إن بعض الرجال يضربون زوجاتهم ضرب البعير دون شفقة وهذا مخالف لهديه ﷺ فإنه لم يضرب في حياته كلها ﷺ خادمًا ولا امرأة من نسائه رضي الله عنهن، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: ما ضرب رسول الله ﷺ شيئا قط بيده ولا امرأة ولا خادمًا إلا أن يجاهد في سبيل الله، وما نيل منه شيء قط فينتقم من صاحبه إلا أن ينتهك شيء من محارم الله فينتقم لله عز وجل.


 

هدي الرسول ﷺ مع أولاده وعشيرته

كان النبي ﷺ مشفقًا على أهله وعشيرته، يدعوهم ويبين لهم فقد كان حريصا على إسلامهم ودعوتهم خوفا عليهم من عذاب النار فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قام رسول الله ﷺ حين أنزل الله: (وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ (214)) قال: (يا معشر قريش– أو كلمة نحوها. اشتروا أنفسكم، لا أغني عنكم من الله شيئا، يا بني عبد مناف لا أغني عنكم من الله شيئًا، يا عباس ابن عبد المطلب لا أغني عنك من الله شيئًا ويا صفية عمة رسول الله لا أغني عنك من الله شيئًا، ويا فاطمة بنت محمد سليني ما شئت من مالي لا أغني عنك من الله شيئًا).

بل كان النبي ﷺ راعيا لأبنائه رعاية كاملة تامة حتى في الأوقات الحالكة والصعبة فقد ذكر البخاري أنه لما أراد الخروج إلى بدر أمر عثمان بن عفان رضي الله عنه أن يبقى عند زوجته رقية بنت الرسول ﷺ لأنها كانت مريضة.

فعن ابن عمر رضي الله عنه قال: وأما تغيبه- أي: عثمان بن عفان- عن بدر؛ فإنه كانت تحته بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم- وهي: رقية. وكانت مريضة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن لك أجر رجل ممن شهد بدرًا وسهمه).

نعم إنها المسؤولية الحقة التي لا تحتاج إلى بيان وتوضيح بل إلى اقتداء وعمل؟ فإلى من يلجأ للبحث عن كيفية رعاية أهل بيته بين صفحات علم النفس التربوي الحديث الذي أغلبه مصادر التربية الغربية التي لا تزيد الأمر إلا تعقيدا، هلا رجعت إلى منابع دينك ففي السنة وشروحها ما يغنيك كل الغنى، ففيها الصفاء والنقاء والصدق والهناء والراحة والسعادة.

وكان ﷺ رحيما بأولاده؛ فقد أخذ ولده إبراهيم فقبله وشمه وعاتب بعض الناس على قسوته وترك رحمة الصغير، كما فعل مع الأقرع بن حابس، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن الأقرع بن حابس أبصر النبي ﷺ يقبل الحسن، فقال: إن لي عشرة من الولد ما قبلت واحدًا منهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أَوَأملكُ لكَ أنْ نزعَ اللهُ من قلبك الرَّحمة! من لا يَرحَمُ لا يُرحم).

فمن الآباء والأمهات من هم غلاظ شداد على أولادهم فلا رحمة ولا شفقة عليهم يضربونهم ضربا مبرحا لقيامهم بأخطاء يسيرة يمكن التجاوز عنها مع التوجيه لهم والتبيين متناسين أن الراحمين يرحمهم الرحمان.


 

هدي الرسول ﷺ مع خدمه

أما خلقه ﷺ مع الخدم فلم يختلف عن معاملة غيرهم، فعن أنس رضي الله عنه قال: خدمت رسول الله ﷺ عشر سنين، والله ما قال أُفًّا قط، ولا قال لي لشيء: لم فعلت كذا وهلا فعلت كذا؟.

ومن مكارم أخلاقه أنه كان يطعم الخادم فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا صنع لأحدكم خادمه طعامه ثم جاءه وبه وقد ولي حره ودخانه فليقعده معه فليأكل، فإن كان الطعام مشفوها قليلًا فليضع في يده منه أكلة أو أكلتين).
 

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم