لقد ضربت الأخوات المسلمات نموذجا في الفهم يحتذي به حيث أعدن سيرة الصحابيات في تصرفهن.
كانت كل فتاة تحلم بحياة آمنة مستقرة في بيت يرفل فيه الخير والنعيم على زوجها وأولادها، لكن الله اصطفى نساء حملن هم هذا الدين وأذين من اجله فضربن أفضل نموذج في الرضى بقضاء الله وقدره، وفهمن معاني شمولية الإسلام وطبقنه عمليا فر حياتهن.
ومن هؤلاء الحاجة أم معاذ –زوجة الأستاذ عباس السيسي- والتي قالت لابنها الأكبر عبد المنعم بعد اعتقال زوجها عام 1965م يوما من الأيام:
"استمع إليّ جيدًا، إن أباك غائب ولابد له من عودة في يوم ما، فعندما يعود يجب أن يراكم رجالاً يفخر بكم، أريده أن يرى فيكم المستقبل، أريد أن تكون أنت من الآن رجل البيت، وتكون أبًا لإخوتك، وتكون رجلي في غيبة أبيك، وأخًا لأبيك في غربته، وأريد أن تتابع أخبار أبيك وهو داخل السجن ولا ننقطع نحن عن زيارته ما حيينا حتى يأتي الله بالفرج ويخرج أبوك من السجن، وأن تهتموا بدراستكم. لقد حكم على أبيكم بخمسة عشر عامًا، فإن كان في العمر بقية وخرج أبوكم فيجب أن يراكم كما يراكم في أحسن حال، فهذه أمنيتي وأمنية والدكم.
فقال لها: اطمئني يا أمي سوف أكون عند حسن ظنك".
و في إحدى الزيارات عندما وجدت الضباط يتهكمون على والدها قالت لابنتها: "اسمعي يا غالية إن أباك من خيرة الرجال والآباء، وأنت تعلمين جيدًا أنه دائمًا نموذج للمجاهد الحر الأصيل، والإرادة الصلبة، فمثله يكره التزلف والنفاق الذي يورث الذل والمهانة؛ لذا تجدينه يلوذ بالصمت أحيانًا أمام من يهاجمه من أمثال الذين سمعتيهم بأذنيك الآن، لا عجزًا منه ولكن لأنه دائمًا يكره الجدل، إن أباك يؤثر العمل على الجدال والثرثرة، وهذه شيمة العقلاء".
لقد صدق أحمد شوقي حينما قال:
الأم مدرسه إذا أعددتها أعدت شعب طيب الأعراق
هذه الزهرة هي زوجة الأستاذ عباسي السيسي (أحد الرعيل الأول للإخوان والذي ولد في 28 نوفمبر 1918م برشيد والتحق بالإخوان وكان له دور كبير في انتشار هذه الدعوة وأحد أشهر دعاة الجماعة الذين كتبوا في الذوق والسلوكيات والدعوة ومات في 8 من رمضان 1425ﻫ الموافق 22 من أكتوبر 2004م).
اسمها نعناعة السيسي -وهي ابنة عم الأستاذ عباس السيسي وزوجته أصيبت في صغرها بحمى تركت تأثير على سمعها، تزوجت الأستاذ عباس السيسي في أول صفر 1367ﻫ الموافق 14 ديسمبر 1947م، ولقد أرسل الإمام حسن البنا برقية تهنئة للعروسين.
بعد زفافها بخمسة أشهر نقل زوجها للعمل في غزة وبعد حل الإخوان نقل لأسيوط حيث كان يعمل في الجيش المصري ثم تم اعتقاله وزج في السجن عام 1948م ثم محنة 1954م ثم محنة 1965م وظل حتى 14 أبريل 1974م معتقلا. وفي هذه الفترة مات أبوها ولحقت به أمها، فصبرت على البلاء وشكرت الرحمن على النعماء ورضيت دائما بالقدر والقضاء. ويذكر زوجها في أيام المحنة وخاصة في أولها .. كانت الأهالي تعيش في فزع مستمر ليلاً ونهاراً.، فهذا يأتي إلى المنزل يسأل عن الأسرة ومن يأتي إليه؟ .. من يدفع لها؟ .. من يزورها؟. فكانت الأسرة تعيش في رعب مستمر. وذات مرة قدم إلى الأسرة اثنان من غير أهل المدينة حضرا لأداء واجب الزيارة والاطمئنان على الأسرة. وكانت الزوجة تعرف من قبل هذه الأسماء – ولكنها لم يسبق لها أن رأتهما رأي العين – وحين استراحا في حجرة الجلوس .. دخلت عليهما وبعد لحظات .. قالت لهما: لا تؤاخذاني – فأنا أعرف الأسماء من قبل ولكني أريد أن أطمئن بنفسي – وأرجو أن تقدما لي البطاقات الشخصية، وكانت مفاجأة غير متوقعة، وقاما بتقديم البطاقات، ولما أطمأنت تحدثا معها، وقد أعجبا بشجاعتها وأثنيا على تصرفها.
لم تتوقف المحنة عند زوجها ووالدها وأمها بعد حيث وصلت لابنها البكر محمد فداء الدين الذي توفاه الله وهو في عامه الأول بعد أن اصيب بالحصبة، كما ابتليت بإصابة ابنها معاذ بشلل أطفال فما كان منها إلا أن صبرت، وكان مصابها عظيمًا في مرض ابنتها الكبرى محاسن والتي أصيبت بمرض الحمى الشوكية حتى شرفت على الموت بعد أن كانت زهرة متفتحة، فصبرت الأم وسألت ربها أن يعافي لها ابنتها، ففرج الله عنها وشفيت ابنتها وخرج زوجها.
وفي أواخر عام 1965م، وأول أيام عيد الفطر المبارك، كانت المباحث العامة تزورها في بيتها، ليس هذه المرة من أجل زوجها لكن من أجل القبض عليها وترحيلها وسط صراخ أبنائها إلى السجن الحربي، بتهمة حيازة قنابل، وهي تهمة لا تعرف عنها شيئًا، وتعرضت على مدار أسبوعين قضتهم داخل السجن للتعذيب البدني والنفسي والعصبي، ولاقت ما لم يحتمله بشر، حتى إنهم ساوموها للإفراج عنها مقابل أن تطلب الطلاق من زوجها، فما كان منها إلا أن أعطتهم درسًا في الوفاء، فصاحت في الضباط الذين كانوا يساومونها قائلة: "كيف تطلب من زوجة عاهدت زوجها على الوفاء إلى آخر العمر أن تطلب منه الطلاق لمجرد تهمة، إن زوجي رجل صالح وأب أولادي وهذا يكفي" تعرضت لتعذيب شديد حتى تم الافراج عنها وعاشت مع زوجها حتى توفاه الله.
.