خلق الله سبحانه الكون وما فيه، وخلق المخلوقات وجعلهم شيعًا وقبائل على اختلاف أطرهم، وخلق الناس وجعلهم شعوبًا؛ ليتعارفوا فيما بينهم ويتعاونوا على إعمار الأرض، وقد جعلهم الله شيعًا وجماعات مختلفة، بلغات وديانات ومعتقدات ومتوارثات مختلفة، وجعل بينهم صفات التراحم والتلاقي على الصالح العام ونبذ الأنانية، وكان لا بد من توطيد أواصر الصلة بين الناس بعضها البعض بتربية أشخاص يحسنون التعامل بالكلام مع الجميع، ويعملون على تقريب وجهات النظر بين الشعوب، وغرس القيم التي تربي عليهم وسط الشعوب التي يتعامل معها.
فكان منهم السفراء والوجهاء الذين جعل الله لهم القدرة على تعميق المفاهيم بين الشعوب، والتلاقي على مصلحة تعود على الجميع بالخير.. وظل ذلك في كل عصر ومكان، وتغيرت المسميات حتى أصبحنا نرفع شأن الدبلوماسية بين الشعوب وفي كل المحافل.
وجماعة الإخوان المسلمين ومنذ نشأتها وهي جماعة تعمل على غرس مفاهيم الإسلام بالوسائل والطرق التي شرعها الله والوسائل التي يفهما الناس ويحبونها.
لم يكن تفكير الإخوان هو الصراع على الدنيا أو غرس بذور الدين ثم تركه دون رعاية، لكنهم أحسنوا رعاية البذرة فأينعت نماذج تركت بصمات وآثار في كل وجدان الناس.
لم يتوقف الإخوان بدعوتهم عند مدينة أو دولة لكنهم انطلقوا في كل مكان ليصلوا بها إلى مشارق الأرض ومغاربها، مما أضفى عليها صفة الدعوة العالمية والتي جاء بها الإسلام.
كان العالم الإسلامي واقع تحت براثن المحتل الذي أذاق أهله سوء العذاب وعمل جاهدًا على طمس الهوية الإسلامية، بعدما أطمئن أنه لن يقف في وجهه في هذا السبيل أحد غير أنه فوجئ بصخور عاتية من شباب مسلم تربى على أدبيات دينه فأصبح أغلى عنده من حياته فقدمها رخيصة لهذا الدين.
ولذا سعت الجماعة لمساعدة الشعوب الإسلامية على التحرر من المستعمر الغربي، ففتحت مركزها العام وشعبها لقادة وزعماء الحركات التحررية في البلاد الإسلامية، وأرسلت الوفود الدبلوماسية، واستقبلت وفودًا رسمية وشعوبية، وخاطبت الجهات والمؤسسات بلغة جديدة من منطلق القوة الإسلامية، فأينعت كل هذه الجهود العملية والتربوية انتشار وترسيخا لمعنى الفهم الحقيقي للإسلام– ليس في مصر فحسب- لكن في كل شبر من هذه الأرض وصلته وسمع عن هذه الدعوة، وأيقظت شعورًا وكونت رأيًا عامًا نحو قضايا الأمة.
والدبلوماسية تعكس قيم الشعوب والأمم وخصوصيتها الثقافية والحضارية واختياراتها السياسية وعقائدها الدينية وأعرافها وتقاليدها.
تعود جذور الدبلوماسية إلى التاريخ البشري القديم حين نشأت استجابة لضرورة تنظيم العلاقات بين القبائل والشعوب، كما استخدمها الرسول ﷺ في إرسال الوفود لتبليغ دعوته أو قبل المعارك لعرض شروطهم، ولهؤلاء المبعوثين حصانة يحترمها الجميع حتى الأعداء([1]).
دعوة عالمية
تميّزت رسالة الإسلام عمّا سبقتها من الرّسالات السّماويّة أنّها كانت رسالة عالميّة، فقد أرسل الرسول ﷺ للناس كافة، ولم يكن الإسلام يومًا للعرب، كما لم يكن القرآن يومًا لقريش.
إن هذا الدين ليس إعلانًا لتحرير الإنسان العربي، وليس رسالة خاصة بالعرب، فموضوعه هو الإنسان.. أي إنسان.. ومجاله هو الأرض.. كل الأرض.
فالقرآن الكريم الدّستور العظيم لم يفرّق بين عربيّ أو أجنبيّ، بل لم يفرق بين أبيضٍ أو أسود، فكلّ المسلمين في ميزان الإسلام واحد، وإنّ معيار التّفاضل بينهم هو التّقوى والالتزام بشريعة الرّحمن.
ومن هذا المنطلق انطلقت دعوة الإخوان المسلمون بهذه المفاهيم التربوية وغرستها في نفوس ووجدان أتباعها، يقول الإمام البنا: «وأما أنها عالمية فلأنها موجهة إلى الناس كافة لأن الناس في حكمها أخوة: أصلهم واحد وأبوهم واحد ونسبهم واحد.. فنحن لا نؤمن بالعنصرية الجنسية ولا نشجع عصبية الأجناس والألوان ولكننا ندعو إلى الإخوة العادلة بين بني الإنسان» ([2]).
كان لعناية الإخوان بتربية الشعوب أن وضعوا الخطط التربوية والإستراتيجية للنهوض بالوعي المجتمعي في نفوس كل فرد، وبث روح الهمة في القلوب، وغرس قيم العزة والكرامة في الوجدان، ولذا عمدوا لإنشاء قسم يعمل على هذه المهمة أطلق عليه اسم قسم الاتصال بالعالم الإسلامي، وكان من أهدافه:
- العمل على ربط الأقطار الإسلامية بعضها ببعض، وتوحيد السياسة العامة لها.
- توحيد مناهج الثقافة الإسلامية، والقوانين والتشريعات الاقتصادية والصناعية.
- العمل على تقوية روابط التعرف والإخاء بين الشعوب الإسلامية كأمة واحدة ألَّف بينها الإسلام، والعمل الدائم على إزالة الفرقة والانقسام بين صفوف المسلمين: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: 10].
- الروح الوطنية، والعناية بالثقافة القومية والمقومات الاجتماعية لكل قطر من هذه الأقطار.
- العمل على إيثار العادات والمظاهر الإسلامية في كل شيء، والبعد عن كل مظهر غير إسلامي، والتحدث باللغة العربية الفصحى، ما أمكن ذلك.
- الاعتصام بالوحدة العربية والإسلامية، وإظهار محاسن الإسلام، والاعتزاز بتعاليمه، وحملها إلى الناس جميعًا.
- تعاون هذه الأمم جميعًا على استكمال استقلالها وحقها الكامل، وتقديم كل معونة لكل جزء من أجزائها، ودرء أي عدوان داخلي أو خارجي على حق من حقوقها السياسية والاجتماعية.
- دعم الحركات التحررية في العالم الإسلامي.
- نشر قضايا البلاد الإسلامية في المحافل الدولية والمؤسسات الرسمية.
- تصحيح المفاهيم المغلوطة لدى الغير نحو الإسلام، ونشر الإسلام الوسطي الشامل بين الشعوب([3]).
وسائل احترافية
لم يعتمد الإخوان في توصيل دعوتهم إلى كل مكان بالوسائل التقليدية، لكنهم شرعوا لاستخدام كل الوسائل التي كانت متوفرة في هذا العصر الأولى منذ نشأة الدعوة، كما أنهم للغرس الذي غرسوه في مصر والثمار التي أينعت بها فرض عليهم أن ينقلوا هذه الروح بالوسائل المحببة إلى نفوس الناس ومخاطبتهم باللغات التي يدركونها وتشعل فيهم جذوة الغيرة على دين الله.
لم يقتصر الإخوان في التعامل الدبلوماسي التربوي على الشعوب فحسب لكنهم خاطبوا الملوك والرؤساء والوزراء والذين توسموا في فكر الإخوان الخير ففتحوا له منافذ لبلادهم.
ففي القضية المصرية نجد الإخوان المسلمين يرسلون أحد أفرادها– مصطفى مؤمن- ليصدع بكلمة الحق في مجلس الأمن بالأمم المتحدة أثناء عرض القضية المصرية عليه عام 1947م، مما دفع العديد من الدول لمعرفة الحقائق التي تجري على أرض مصر وفلسطين، بل ويتعاطف البعض معها.
لم يكتف بذلك بل حرك المظاهرات في شوارع نيويورك وخرجت معه جموع من العديد من الدول نصرة للقضية المصرية.
ويكتب الأستاذ البنا رسالة لرئيس مجلس الأمن يقول له فيها: «القاهرة الدامية، والشعب المصري الثائر يستنكر كل قرار ينتقص من حقه، ويرفض العودة إلى المفاوضات الثنائية، ويعلن سقوط معاهدة 1936م، ويهيب بمجلس الأمن أن يحافظ على صيانة الأمن المهدد في الشرق([4])».
وحينما أعلن الملك عبد الله– ملك الأردن- الوحدة مع سوريا ولبنان والأردن في مشروع سوريا الكبرى؛ كتب الأستاذ البنا برسالة مطولة يطالبه بالعزوف عن هذا الأمر خاصة أن سوريا ولبنان أصبحتا حرتين لكن الأردن ما زالت محتلة من قبل بريطانيا ويخشى أن تكون بريطانيا تعمد لذلك لبسط نفوذها على سوريا ولبنان بعد خروج فرنسا منهما بحجة مشروع سوريا الكبرى، ومما جاء فيه:
«إن مواصلة الدعوة إلى هذا المشروع بعد أن ثبت أنه ليست هناك وسيلة مشروعة تؤدى إلى تحقيقه لا يعنى إلا بإعطاء الحجة لمن يقولون إن جلالة الملك عبد الله شديد الإصرار على عرش دمشق ولو كلفه ذلك أن يزحف عليها بجيشه، بل لو اضطر أن يدخلها في أكناف الجيوش الأجنبية».
وقد رد الملك عبد الله ملك الأردن على رسالة الأستاذ حسن البنا هذه حيث شرح فيه كل الملابسات، ووعده بعدم استخدام هذه القضية فيما يضر الشعوب الإسلامية([5]).
الأثر التربوي على الشعوب العالمية
لقد كان للعمل الدءوب والمتواصل من الإخوان المسلمين، وحرصهم على الشعوب الإسلامية والتفاعل مع قضاياهم أثر عظيما في نفوس الجميع حيث وضح منها:
1- انتشار الدعوة وتحمس الناس لها
ففي رحلة الحج التي قام بها الإمام البنا عام 1354ﻫ- 1936م، كان من ثمار هذه الرحلة ما ذكره الأستاذ محمود عبد الحليم فقال: «إن الأستاذ حسن البنا كان همه كله منصبًا على الالتقاء بوفود المسلمين من مختلف الطبقات من كل بلد إسلامي في العالم، والتحدث معهم، ودراسة أحوالهم، ومناقشة مشاكلهم، والتعرف على مستواهم الحضاري والثقافي والديني، ومعرفة مدى تسلط المستعمر على بلادهم، ومستوى فهمهم للإسلام وعلاقته بالحياة»([6])
وقد تكلم الإمام البنا أمام مؤتمر الشباب العربي السعودي؛ فبعد انتهاء جميع الوفود الرسمية من كلمتها، اعتلى البنا المنصة، وتكلم بحديث فياض دفع الجميع لأن يقبلوا ويتعاهدوا على العمل لدين الله([7]).
وكان لهذه الكلمة صدًى كبير في المجتمع السعودي؛ لذلك حرصت جريدة أم القرى السعودية على نشر كلمة الإمام البنا كاملة، وكان ذلك في عام 1936م([8]).
وفي بعثة حج عام 1945م قامت بعثة الإخوان المسلمين حفلًا بفندق بنك مصر بمكة المكرمة، ودعت علية القوم من الوزراء وكبار رجال الأعمال بمكة والقائمين بشئونها الحكومية والتجارية والعملية، ودعت إليه مبعوثي الأقطار الإسلامية كالهند وفلسطين والمغرب والشام، ولبنان، وشرف الحفل صاحب السمو الملكي الأمير منصور، والأمير عبد الله الفيصل نيابة عن جلالة الملك عبد العزيز، واحتشدت جموع الحجيج بعد خروجهم من صلاة العشاء في عرض الميدان يستمعون إلى ما يلقى من كلمات وخطب.
وأشرف على تنظيم الحفل بعثة الإخوان بالاشتراك مع شباب مكة، ولا شك أن ذلك أعطى فرصة كبيرة للتعارف والتآلف بين الإخوان المسلمين وأهالي مكة والحجاز خاصة، ووفود الحجيج من البلدان الإسلامية عامة مما يساعد على انتشار الدعوة([9]).
2- نصرة الملوك واستجابتهم لهذه الدعوة
كان من أثر هذه الدبلوماسية التربوية التي عمل عليها الإخوان أثرًا كبيرًا على معظم الملوك والرؤساء أمثال محمد على جناح أول مؤسس للدولة الباكستانية، وأيضا على الملك عبدالله ملك الأردن الذي استقبل عبد الحكيم عابدين– سكرتير الجماعة- وأصدر قانونًا بالموافقة على إنشاء جماعة الإخوان المسلمين بالأردن، ولا ننسى موقف الملك عبدالعزيز الذي توسط لوقف الإعدامات ضد الإخوان عام 1954م، كما توسط الملك فيصل لدى عبد الناصر بخصوص الشهيد سيد قطب ومن معه عام 1966م"([10]).
3- معرفة الناس معنى إسلامهم الحقيقي
كان هدف من أهداف الإخوان في الانتشار بدعوتهم حول العالم غرس بذور التربية فيها.
يقول الأستاذ محمد عبد الحميد عن لقائه الأول بالطلبة العراقيين: «وأذكر أنني أول ما دخلت الفصل استقبلني الطلاب بمظاهر الترحيب، وكنت محتفظًا دون زملائي المدرسين المصريين بالطربوش تمسكًا بمصريتي، ولاحظت أن العراقيين بوجه عام يحبون مصر، وكان أول سؤال سُئلته في أول حصة درستها للتلاميذ: إيش لون أسمهان؟ أي: كيف حال هذه المغنية المشهورة في ذلك الوقت.. فقلت للسائل: إن مصر قد أسكرها طويلًا صوت أسمهان وصباح وأم كلثوم، وهي اليوم قد عرفت أنها أحوج ما تكون إلى أصوات جديدة وألحان فريدة، قالوا: وما هذه الأصوات وتلك الألحان في مصر؟ قلت: إن الأصوات الجديدة التي عرفتها أمتنا العربية والإسلامية في مصر هي أصوات الحق والقوة والحرية... هي أصوات الدعوة الإسلامية الخالدة التي انبعثت هذه الأيام من جامعات مصر.. الله أكبر.. إسلامية ربانية لا شرقية ولا غربية.. إنسانية قرآنية لا قومية ولا حزبية..
إن الأمم -يا شباب العراق- لا تحيا بالأغاني والأماني، وإنما تحيا الأمم بروح أبي بكر، وجهاد عمر، وبذل عثمان، وكفاح صلاح الدين.. فأجاب الطلاب: إن هذه التوجيهات خير لنا من موضوع الدرس، وحبذا لو كان حديثكم معنا دائمًا حول هذه الموضوعات التربوية النافعة، وقد لاحظت أن الطلاب قد تأثروا بهذه الكلمات تأثرًا عميقًا»([11]).
ثم يحكي قصته مع بعض الطلبة العراقيين فيقول: «وقد حدث أن زارني في مسكني بالعراق خمسة طلاب من المعجبين بكلماتي وتوجيهاتي، وأخذوا يوجهون إلي الأسئلة الكثيرة حول الدعوة الإسلامية، وكيف يؤدون رسالتهم نحوها، وما لبثنا أن سمعنا أذان الظهر، فدعوتهم جميعًا إلى صلاة الظهر جماعة، فاستجابوا لدعوتي، وقد فهمت أن صلاتهم هذه هي أول صلاة لهم، وأنهم لم يتلقوا من آبائهم وأمهاتهم أمرًا بالصلاة، ولا من أساتذتهم؛ وذلك لأنهم لم يجدوا القدوة الصالحة لهم في أداء هذه الفريضة.
وقد سألني بعض إخواني في مصر بعد عودتي في أجازة صيفية عن حال الدين في العراق فقلت له: إن الدين في مصر «يتيم»، ولكنه في العراق «لطيم»، واليتيم هو الذي فقد والده صغيرًا، وأما اللطيم فهو الذي فقد والديه جميعًا»([12]).
4- القدوة الواقعية
لم يكتف الإخوان بالأقوال لكنهم غلفوا تربيتهم بالأفعال التي تنطلق من معين رباني، حتى تصل لقلوب الناس.
فقد تركت بعثة الإخوان الطبية، ومن قبلها تظاهرات الإخوان في القاهرة للتنديد بالعدوان الفرنسي الغاشم، وعرض الإخوان عشرين ألفًا من المتطوعين للجهاد في سوريا ولبنان، كل ذلك ترك للإخوان صيتًا ذائعًا في سوريا ولبنان، حتى إن بعض المصريين لم يعرفوا الإخوان في مصر، وتصادف سفرهم إلى سوريا بعد البعثة الطبية بشهور قلائل، فبهروا بما يتحدث به الناس في سوريا عن الإخوان في مصر، وكتب أحدهم مقالًا ضافيًا عما لاقاه من العجائب من أثر الإخوان المسلمين في سوريا ولبنان وفلسطين([13]).
ويعضد هذا الأمر قول الشيخ سعيد حوى عن الشيخ محمد الحامد الحموي؛ كان الشيخ محمد الحامد يعتبر الإخوان المسلمين هم الفئة التي يجب أن تدعم، وكان حريصًا على إيجاد صيغة من التلاقي بين الإخوان المسلمين والعلماء والصوفية([14]).
وعندما حضرت الوفود العربية إلى مصر لدعم سوريا ولبنان في محنتيهما ضد فرنسا استقبلها الإخوان، كما احتشدوا في جامع الكخيا، وخرجوا في جموعهم وقد رفعوا أعلامهم وانتظموا في مظاهرة سارت من مسجد الكخيا إلى ميدان إبراهيم باشا، ووصلت طلائع المتظاهرين إلى فندق شبرد حيث كانت الوفود العربية مجتمعة، بينما كانت المؤخرة ما زالت أمام مسجد الكخيا، وتحولت الشوارع إلى كتل بشرية تخفق من فوقها أعلام الإخوان المسلمين من أنحاء القطر المختلفة، ومن فوق فندق شبرد تحدث المرشد العام: «ها أنت تحيون المجاهدين من أبناء سوريا ولبنان»([15]).
ولقد أينعت بذور الدعوة في العراق حينما أعلنوا عن أنفسهم بوصفهم نحن أنصار الإصلاح الحقيقي، ونحن الشباب الإسلامي، نحن إخوان الجهاد المسلمون، نحن أركان البلاد المؤمنون.. الله أكبر ولله الحمد.. صوت يدوي في الآفاق وتردد صداه السماوات وعوالم الغيب، قضي الأمر.. هذه جيوش الحق تتقدم منتصرة فطوبى للعساكر المتقدمين، والجحافل الغالبين، والإخوان المسلمين»([16]).
5- رفع همم الشعوب وبث روح الكرامة
حرص زعماء الحركات التحررية على عرض قضيتهم من فوق منبر الإخوان، فقد حكى الأستاذ عبد الحكيم عابدين في مذكراته قوله: «زارني الدكتور حسني عباس ذات يوم، ودعاني للعشاء عنده لمقابلة الحبيب بورقيبة رئيس الحزب التونسي الدستوري الحر.
قلت له: هذا الرجل ما سمعنا عنه أبدًا.
قال: لقد ذهب إلى فرنسا يدافع عن الحركة التونسية ويحارب الفرنسيين في عقر دارهم، ولما علم أني ذاهب لمصر قال: ليتني أستطيع أن أذهب معك لأتعرف على الإخوان المسلمين.
قلت له: وماذا يعنيك من الإخوان المسلمين. قال: ليس هناك دعوة يمكن أن تنجح إلا إذا جاءت من مصر، ومصر ليس فيها أحد مهتم بالقضايا الإسلامية إلا الإخوان»([17]).
التربية في الدول الغربية
حينما أنزل الله دينه أنزله للناس كافة، وكان كثير من العلماء ينتشرون وسط المسلمين متغافلين الأمم الأخرى، لكن كان من تأثير الإخوان نظرتهم إلى الجميع نظرة موحدة وأن الإسلام لعموم الناس لا خواصهم، ولذا هاجروا إلى الدول الغربية وأظهروا سماحة الإسلام فكان نموذجا طيبا.
يقول الأستاذ مهدي عاكف:
«كان من المشكلات التي واجهتنا في العمل بألمانيا وجود بيت دعارة لا يفصله عن المركز إلا سور من النباتات والنساء كن يقفن في النوافذ عرايا كما ولدتهن أمهاتهن، وينمن في الشمس عرايا فرفعنا دعوي قضائية وتضامن معنا أهل الحي، والبيت كان ثمنه 750 ألف مارك فعرضنا على المحكمة شراءه جمعنا 250 ألفا وبقي نصف مليون ودبره الله لنا وتم شراء البيت.
وفي يوم من الأيام فوجئت بسيدة ألمانية ومعها ابنتها تأتي للمركز الإسلامي وتطلب منى أن أجد لابنتها زوج مسلم لما وجدته من حسن خلق ومعاملة المسلمين»([18]).
مصادر:
([1]) عبد الوهاب الكيالي: موسوعة السياسة، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، طـ2، مارس 1993م، جـ2، صـ:662-658
([2]) مجموعة رسائل الإمام البنا: رسالة دعوتنا في طور جديد.
([3]) لوائح وقوانين الإخوان عام 1945م، عبده مصطفى دسوقي: نشأة التنظيم الدولي للإخوان المسلمين من البداية حتى السبعينات، مؤسسة «اقرأ للنشر والتوزيع والترجمة»، عام 2013م، صـ10
([4]) جريدة الإخوان المسلمين اليومية، العدد (401)، السنة الثانية، 7شوال 1366/ 23أغسطس1947، ص(1).
([5]) جريدة الإخوان المسلمين اليومية، العدد (413)، السنة الثانية، 22شوال 1366ﻫ- 7 سبتمبر 1947م، ص(1، 5).
([6])محمود عبد الحليم: الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ، (1/80-83).
([7]) الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ، (1/83-84) .
([8]) جريدة أم القرى، الجمعة 19ذو الحجة 1354ﻫ- 14مارس 1936م.
([9]) أنور الجندي: مع بعثة الحج للإخوان المسلمين عام 1364ﻫ، دار الطباعة والنشر الإسلامية، ص(44-47).
([10]) المركز العربي للدراسات الإستراتيجية: الأحزاب والحركات والجماعات الإسلامية، طـ3، 2000م، صـ (446).
([11]) محمد عبد الحميد أحمد: ذكرياتي، دار البشير للثقافة والعلوم الإسلامية، سنة 1993م، ص(90-91).
([13])مجلة الإخوان المسلمين الأسبوعية، العدد (68)، السنة الثالثة، 22رمضان 1364ﻫ- 30 أغسطس1945م، ص(9، 10، 18، 22).
([14])سعيد حوى: هذه تجربتي وهذه شهادتي، مكتبة وهبة، 1987م، ص(39).
([15]) مجلة الإخوان المسلمين نصف الشهرية، العدد (62)، السنة الثالثة، 18رجب 1364ﻫ- 28يونيو 1945م، ص(12).
([16]) مجلة الإخوان المسلمين الأسبوعية، العدد (79)، السنة الثالثة، 26 من ذي الحجة 1364ﻫ- 1 ديسمبر 1945م، ص(2).
([17]) مذكرات غير منشورة للأستاذ عبد الحكيم عابدين، ص(256).
([18]) حوار مع الأستاذ مهدي عاكف، إخوان ويكي
.