Business

أبو العربي مصطفى يكتب: مجاهدون تربويون رحلوا في يناير

خاطب  الله سبحانه وتعالى الأمة المحمدية بقوله: {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ} (المائدة: 54)، وهو الخطاب الذي سطر التربية الجهادية في نفوس المؤمنين، وحرص النبي الكريم صلى الله عليه وسلم على غرسه في نفوس صحابته والذين انطلقوا بها في ربوع الأرض، ينشرون فيحاء هذه المعاني حتى سادوا العالم بدينهم وبعزة جهادهم.

وما سلك أحد درب المجاهدين الصادقين إلا ورفع الله ذكره، وأخاف منه عدوه، وهي المعاني التي أدركها المستعمر الغربي، فعمد إلى طمسها ومحاولة حذف آيات الجهاد من نصوص ديننا.

ولذلك كان الجهاد كعقيدة، ضمن أركان حركية أخرى في الإسلام تم الطمس عليها، مثل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إلا أن الله سبحانه سخر رجالًا بين الحين والآخر يحيون هذه المعاني، وينشرون مياه الحياة على بذور التربية الجهادية التي سرعان ما تثمر ثمارًا يانعة في سماء العزة والكرامة، والتي لا تتوانى عن التضحية بنفسها في سبيل عزة دينها.

وفي هذا الشهر رحل الكثير من المجاهدين التربويين، بعدما سطروا أحرفًا من نور على كتاب العزة والكرامة، تكاد تجمعهم أرض واحدة وقضية واحدة وهي أرض فلسطين وقضية القدس.

 

عبداللطيف أبو قورة

يعد الحاج عبداللطيف أبو قورة واحدًا من الذين أرسوا دعائم الدعوة في أرض فلسطين، حينما حملها وعاد لأرض وطنه ليربي الناس ويعرفهم معنى دينهم الحي الذي تفتح قلبه عليه حينما التقى بالإمام الشهيد حسن البنا.

ولد عبداللطيف أبو قورة في مدينة السلط بالأردن عام  1324هـ/ 1906م من أسرة كريمة حرصت على تربيته التربية الإسلامية على يدي العلماء، ثم أكمل تعليمه في القاهرة– وهي المدينة التي التقى فيها بحسن البنا.

مارس مهنة التجارة، فكان أول من أسس شركة لتجارة السيارات في الأردن حيث كان وكيل سيارات شيفروليه، وروفر، وإسكس في مطلع الثلاثينات من القرن العشرين، إلا أنه بعد ذلك أخذ يعطي معظم وقته وجهده وماله للعمل الوطني والنشاط الإسلامي الذي تربى عليه منذ نعومة أظفاره، فما لبث أن شارك بنفسه وماله وجهوده في مختلف الميادين في ثورة 1936م، فاشتغل في جمع السلاح وإذكاء الهمم، وإثارة النفوس، وحمل السلاح بنفسه، وشارك كتائب المجاهدين في محاربة الإنجليز والصهاينة.

كان لاهتمام الإخوان بالقضية الفلسطينية موقفًا لافتًا لنظره، فقام بزيارة مصر ولقاء الإمام البنا، وعاد ليؤسس العمل الدعوي الإخواني في الأردن في 13 رمضان 1364هـ الموافق 19/11/1945م.

شارك الإخوان في الحياة العامة والسياسية، فكان للحاج عبد اللطيف وإخوانه ممن قامت الدعوة على أكتافهم وعواتقهم الفضل في التبرع لشراء وتأسيس وبناء دور ومدارس ومساجد ومراكز وجمعيات خيريه إسلامية؛ لخدمة الشعب والوطن والأمة في كافة المجالات الإنسانية، وظل على العمل التربوي وسط إخوانه حتى رحل في العشر الأواخر من رمضان 1384هـ الموافق 2/1/1967م.

 

نزار ريان

نزار بن عبد القادر بن محمد بن عبد اللطيف بن حسن بن إبراهيم بن ريَّان، أبو بلال، أستاذ الحديث فى كلية أصول الدين بالجامعة الإسلامية فى غزة، والذي وازن حياته بين الدفاع عن ثغور وطنه والفيض العلمي الذي تركه خلفه رغم مشاغله بالجهاد وتربية المجاهدين.

ولد ريان يوم الجمعة الموافق 26من شعبان 1378هـ/ 6 من مارس 1959م بنِعِلْيَا من قرى عسقلان بفلسطين، قبل أن يجبره الاحتلال بالنزوح مع أهله إلى معسكر جباليا في غزة.

أصبح نزار ريان أبا للاستشهاديين، وقائدًا عظيمًا للمجاهدين، ويتمتع بشعبية كبيرة في الشارع الفلسطيني، واشتهر بالتصاقه الشديد بالحياة اليومية للمواطنين، وقام بمشاركة اجتماعية في الوسط الذي يعيش فيه، ولم يقابله أحد داخل أو خارج فلسطين إلا وترك في قلبه بصمة رائعة، وقد قدم ابنه شهيدًا لله تعالى.

يعدّ أحد رجالات الإصلاح الاجتماعي في قطاع غزة، من خلال ترؤسه (لجنة إصلاح ذات البين ولم الشمل) لاحتواء وحل المشكلات التي تقع بين الناس.

كان يجوب مساجد القطاع ينشر فيها رحمة الإسلام، ويزكي فيها همم الشباب، فكان من نتاجها خروج أمثال صلاح شحادة الذي سبق معلمه في ساحة الشهادة.

لا يسع المجال لذكر مفاخر المجاهد العلمية فهي كثيرة، لكنه قبل أن يترك كتبًا ومحاضرات ترك رجالًا حملوا هم وطنهم، وضحوا في سبيله بأنفسهم، وجادوا بأغلى ما يمتلكون من أجل عزة دينهم، فكان نزار ريان أستاذًا وقدوة لهم، وظل يتحين فرصة اللحاق بتلاميذه في جنات النعيم.

لقد أرّق مضاجع الاحتلال، ومضاجع أذنابه من السلطة الفلسطينية، فاعتقل في سجون المحتل وسجون السلطة التي عذبته على يدي دحلان ورشيد، أبو شباك، عذابًا شديدًا.

لم يترك ريان مجالًا إلا ارتاده، فكان أستاذًا علميًا في الجامعة، ومجاهدًا عسكريًا، وعضوًا سياسيًا في القيادة السياسية لحركة المقاومة الإسلامية حماس، ومصلحًا اجتماعيًا وسط الناس، وداعيةً في المساجد، ومع ذلك قدم أبناءه ليكونوا قدوة في الشهادة والتضحية من أجل دينهم ووطنهم، قبل أن تحيط به وبأهل بيته طائرات المحتل فتقصف بيته فيستشهد كل من كان فيه: ريان، وزوجاته الأربعة، في عصر اليوم الخميس 4من المحرم 1430 هـ الموافق 1/1/2009م.

 

يحيى عياش

اسم عشقه الشباب والرجال والأطفال، وتغنوا باسمه في خلواتهم وطرقاتهم وبيوتهم، لما تركه في نفوس الجميع من أثر رغم صغر سنه، لكن لما قام به من إذاقة المحتل الصهيوني معنى الذل الحقيقي.

ولد يحيى عبد اللطيف عيّاش في 6 مارس عام 1966، في قرية رافات، جنوب غرب مدينة نابلس، في الضفة الغربية المحتلة، لعائلة عرفت بتدينها وبساطة أفرادها وماضيها الجهادي.

عياش الذي وصفته أمه بأنه لم يترك المسجد منذ بدأ أول خطواته إليه وهو في عمر الرابعة، وكبر يحيى والتحق بالمدرسة ونال المرتبة الأولى دائمًا خلال دراسته لاثنتي عشرة سنة في رافات والزاوية وبديا، حتى تخرج في كلية الهندسة في جامعة بيرزيت عام 1993م وكان وقتها مطلوبًا لجهاز الشاباك.

بداية علاقة يحيى مع الكتلة الإسلامية في جامعة بيرزيت تعود إلى يوم 2 أكتوبر عام 1984م حيث نشط في الجامعة ولفت بنشاطه الأجهزة الصهيونية.

نشط عياش وقام بإرساء الأساسات وشكل أنوية لمجموعات من الشباب المسلم الملتزم، ونظراً للدور الريادي الذي قام به، وحكمته في حل المشاكل وتصفية الخلافات بين الشباب من مختلف الانتماءات السياسية والأيدلوجية، فقد اعتبرته الفصائل الفلسطينية (شيخ الإخوان في رافات).

جاء الاحتلال يزوره فجرًا للقبض عليه مما دفعه للاختباء عنهم، وبعيدًا عن زوجته وابنه عامًا ونصف حتى استقر في غزة.

بدأت رحلة عياش في تسطير سطور النار في وجه المحتل الذي أفزعته العمليات التي خطط لها، وأصبح يحيى عياش شبحًا يتراءى أمام جنود المحتل في كل مكان، حتى قال عنه شمعون رومح- أحد كبار العسكريين الصهاينة: «إنه لمن دواعي الأسف أن أجد نفسي مضطرًا للاعتراف بإعجابي وتقديري بهذا الرجل الذي يبرهن على قدرات وخبرات فائقة في تنفيذ المهام الموكلة إليه، وعلى روح مبادرة عالية وقدرة على البقاء وتجديد النشاط دون انقطاع».

وبعد مطاردات طويلة، ولنفاق بني جلدتنا استطاع المحتل أن يحقق بغيته بالعثور على عياش ويقتله عن بعد في 5 يناير عام 1996 الموافق 15 من رمضان المبارك 1414هـ باستخدام عبوة ناسفة زرعت في هاتف نقال كان يستخدمه الشهيد.

لقد سطر هؤلاء المجاهدون سطورًا بمداد من دمائهم، لعزة دينهم وحرية أوطانهم، وإن كانوا تركوا في نفوس من عاصروهم والأجيال القادمة صورةً مشرفة للمجاهد المربي، فقد لحق بهم في نفس الشهر مجاهدون آخرون زادوا من ثمار الجهاد التربوي، أمثال: المجاهد سعيد صيام، الذي ولد في مخيم الشاطئ في غزة في عام 1959م، وكان اسمًا مرعبًا لجنود المحتل الصهيوني خاصة حينما أصبح وزيرًا لداخلية حماس لتاريخه الذي يعرفونه عنه من تربيته للشباب المجاهد، ولا أدل على ذلك من فرحهم يوم استشهاده في  يوم 15 يناير 2009م.

ثم لحق بهم الشاب المجاهد محمود المبحوح بعد رحلة من الجهاد في يوم الجمعة 29/1/2010م بدبي.

وهكذا يرحل المربون بعدما غرسوا سنابل أينعت شبابًا مجاهدًا ومحبًا لدينه ووطنه، مضحيًا بأغلى ما يمتلكه إنسان.

 

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم