Business

المهددات الداخلية والخارجية للبحوث العلمية التربوية في الوطن العربي

 

يكتسي البحث التربوي أهمية استراتيجية وتعول عليه الدول المساهمة في تنفيذ سياسات التغيير الاجتماعي والثقافي التي ترسمها، فما لا شك فيه أن تحقيق أي قفزة نوعية لا يتحقق إلا من خلال مدرسة متميزة تقوم على الاهتداء والوعي بالبحث التربوي الذي يلزم كافة أنشطة المنظومة التعليمية ويرصد نتائجها ويقوم خطاها. وهذا ما أدى إلى الحرص على دعم البحث التربوي وموضوعاته بما يؤدي إلى تقدم المجتمع ونموه.

وإذا كانت العملية التعليمية تمثل الجناح الرئيسي لأدوار ووظائف الجامعة فإن البحث العلمي يمثل جناحها الثاني وتتجسد مهمات البحث العلمي في مختلف مستويات التنظيم الجامعي؛ حيث يوجد نائب لرئيس الجامعة مختص في مجال البحوث والدراسات العليا، وكذلك يوجد وكيل للعميد للبحوث والدراسات العليا على مستوى الكلية.

وفى دراسة للأستاذ الدكتور صلاح الدين عرفة محمود، أستاذ المناهج وطرق التدريس بكلية التربية جامعة حلوان، بعنوان: (المهددات الداخلية والخارجية للبحوث العلمية التربوية في الوطن العربي) -2014-، يرصد الواقع التربوي العربي وكيف أنه لم يخضع للفحص العلمي بالقدر الكافي ولم يستوف حقه من الفحص الدقيق والاستقصاء. والأزمات التي يمر بها نتيجة للضغوط الاجتماعية والتربوية والسياسية، فضلا عن عوامل ومهددات عالمية وخارجية. وكيف يستطيع البحث التربوي العربي مواجهة التحديات التي تعوقه عن أداء مهامه في تحقيق أهداف المجتمع العربي بثقة وفعالية.

 

التربية والبحث العلمي

وتعتبر التربية مجالا واسعا من مجالات البحث العلمي إلا أن المتابع لنتائج البحث التربوي في البيئة العربية يلاحظ بوضوح أن النتائج ليست في مستوى الطموح، وبدون الخوض في أرقام ودلالات البحوث التربوية العربية فإن عوائد التربية العربية لا تحظى بثقة صانعي القرار فضلا عن عدم قدرتها على الاستجابة للتغيرات المعاصرة داخليا وخارجيا والقدرة على تحقيق وظيفة المدرسة العربية.

وتتسع الفجوة اليوم بشكل لافت ومؤثر بين عالمنا العربي وعالم الدول المتقدمة في مجال البحث العلمي من حيث نوعية الأبحاث وكميتها، فضلا عن تدني الإنفاق المخصص لها مما ينعكس على مختلف جوانب الحياة.

وتشير الدراسات القليلة والتي تناولت قضايا البحث العلمي في مصر والعالم العربي إلى تفاقم أزمة البحث العلمي في الجامعات بسبب ضآلة الميزانية المخصصة للبحوث. فضلا عن أن معظم رسائل الماجستير والدكتوراه وبحوث ترقية المعلمين غير موجهة لخدمة أهداف التنمية في المجتمع. إذ أن أغلب الأنشطة البحثية تستهدف تحقيق منافع فردية؛ مثل الحصول على درجة أكاديمية أو الترقية إلى وظيفة علمية أعلى. فضلا عن أن معظم نواب رؤساء الجامعات والوكلاء بالكليات ينغمسون في الدراسات العليا وشروط القبول وبرامج الدراسة دون إبداء اهتمام جدي بالبحوث وآلياتها وسلامة موضوعاتها فضلا عن إغفال البحوث الجماعية والبحوث البينية بين الأقسام.

كل هذا أدى إلى شيوع البحوث النمطية التي تكرس لإعادة إنتاج المعرفة وليس اكتشافها، ويدعم كل هذا الخلل الواضح في العملية التعليمية.

ويمثل الاهتمام بالبحث العلمي ركنا أساسيا في السياسات التعليمية للدول المتقدمة إذ تتميز الدول المتقدمة بحجم الإنفاق المادي للبحوث التربوي فضلا عن الدعم المعنوي له. مما انعكس هذا الاهتمام على القدرة التنافسية لتلك الدول والقدرة على إحراز مزيد من التقدم في المجال التربوي والتعليمي وبالتالي ينعكس ذلك على مختلف قطاعات الحياة التربوية والسياسية والاقتصادية.

مقابل ذلك ظل الاهتمام بالبحث التربوي والعلمي في عالمنا العربي في أدنى مستوياته وأقل مقبولية له من حيث الإنفاق والدعم المادي والمعنوي والتقني. مما دفع العديد من الدول العربية أن تلهث خلف دول العالم المتقدم وانتظار ما تجود به من أفكار ونظريات ورؤى في معظمها لا تناسب البيئة العربية وخصائص المتعلم العربي.

في الوقت الذي تتفق فيه الدول العربية الأموال لاستيراد الأجهزة والتقنيات دون توظيفها بكفاءة في البحث التربوي الفعال.

إن مصطلح البحث العلمي يشتمل على نقاط عامة تحدد المفهوم الدقيق لهذا المصطلح تتمثل في:

  • أنه عبارة عن عملية تطويع الأشياء والمفاهيم والرموز.
  • أنه وسيلة للاستعلام أو الاستقصاء المنظم الدقيق.
  • أنه يفرض اكتشاف معلومات أو علاقات جديدة.
  • أنه يهدف إلى تطوير أو تصحيح أو تحقيق النظريات أو المعلومات المتاحة.
  • أنه يعتمد على منهجية علمية وخطوات وإجراءات تتسم بالدقة العلمية السليمة.
  • وتعد مرحلة الدراسات العليا في كليات التربية والمراكز البحثية التربوية أحد الجوانب الرئيسة في أزمة البحث العلمي.
  • وقد طرحت الصحافة المصرية في العديد من مداخلات المتخصصين، ومنهم المرحوم لبيب السباعي أن أحد المهددات الداخلية للبحث العلمي التربوي هو اختراق قواعد القبول في مرحلة الدراسات العليا في الجامعات المصرية لصالح الطلاب الوافدين فضلا عن الدور المسؤول عن تردي البحث التربوي في بلادنا والذي يؤديه المجلس العالي للجامعات الذي يوافق على خروقات قوانين التقدم والدراسات العليا.
  • بل الأدهى والأمرّ هو موافقة بعض مجالس الكليات والجامعات على إعفاء الطلاب الوافدين من نسب الحضور في قاعات الدراسة.
  • ولعل من أبرز مهددات البحث العلمي التربوي في البيئة العربية- هجرة العقول والكفاءات المصرية إلى الخليج أو إلى الدول الأوربية والأمريكية.
  • قضية أخرى تهدد البحث العلمي التربوي: هي غياب دور الإعلام العلمي حيث لا يخصص الإعلام لقضايا البحث العلمي إلا قدرًا هامشيًا مقارنة بصفحات الفن والرياضة.

 

المشكلة وأهميتها:

سر التقدم في المجتمعات المتقدمة تعليميا وتربويا هو اهتمامها بالبحث العلمي والتربوي من خلال بذل الجهود لتحقيق أهداف الجامعة الرئيسية: كأعداد الطلاب، وإجراء البحوث العلمية، وخدمة المجتمع.

فبلد مثل الولايات المتحدة الأمريكية تتفق على البحث العلمي مقارنا بما تنفقه الدول العربية مكتملة في المجال التربوي يمثل 1 إلى 121% كما يصل معدل الإنفاق على البحث العلمي في اليابان 191 دولار مقابل أربعة دولارات في العالم العربي و231 دولار في ألمانيا، كما يبلغ المخصص للبحث العلمي من ميزانية الولايات المتحدة الأمريكية 01% وفي إسرائيل 6.6% مقابل 1% للجامعات العربية مكتملة وتشير بعض الدراسات إلى التباين في الاستثمار في البحث العلمي إذ نجد أن الدول المتقدمة تتفق 1.1% من مجمل الإنفاق العالمي على البحث والتطوير. بينما الدول العربية كاملة تتفق على البحث العلمي التربوي لا يتجاوز 1.2% من مجمل الإنفاق العالمي علما بأن الوطن العربي يشكل 0.1 من سكان العالم ويشغل حيزا من الأرض مساحته تعادل 11.6% من مساحة العالم.

وتمثل عدم كفاية الموارد المالية المخصصة للبحث العلمي فضلا عن الأجهزة والأدوات والمصادر العلمية، وهذا أحد المهددات الداخلية للبحث العلمي التربوي العربي فضلا عن تدني المحفزات الداعمة لإجراء البحوث العلمية، كل هذا يقود لنتيجة مؤداها ضعف الدور البحثي للجامعات والمؤسسات التربوية العربية، وقلة وضآلة إنتاجية أعضاء هيئة التدريس، فضلًا عن ضحالة الفكر وتكرار عدم وجود رؤية.

ورغم ما يعانيه نظامنا التعليمي من تدن وضعف مؤسساته التربوية، وابتعاد المخرجات النهائية للنظام التعليمي عن مستويات التفكير العليا وغياب الاستراتيجية التدريسية القائمة على الاستقطاب والبحث وحل المشكلات واتخاذ القرار، فضلا عما أظهرته البحوث من ارتفاع مستويات التحصيل مع قلة المشاكل السلوكية للطلاب كما في الصين وسنغافورة وماليزيا وفنلدا والبرازيل مما جعل نظام التعليمي يحد من دافعية الطلاب للبحث العلمي والتقصي والاستكشاف والاقتصار، على ثقافة الذاكرة مما يغلف البحث العلمي التربوي بقشور زائفة.

 

أهداف البحث:

 تعرف واقع البحوث العلمية في البيئة العربية، وأبرز المهددات التي تعوق فعاليتها. ولعل أبرز ما أشارت إليه البحوث السابقة والأدبيات التربوية من مهددات مثل:

  • غياب التنسيق بين هيئات التخطيط والتنفيذ المعنية بالبحوث العلمية.
  • ضعف الإنفاق على البحث العلمي الذي لا يتجاوز 1.3% من الدخل القومي
  • عدم وجود سياسة واضحة للبحث التربوي وعدم توافر شبكة وقاعدة بيانات بحثية.
  • ضعف التفاعل بين البحث التربوي والنظام التعليمي والميدان التربوي ومؤسساته.
  • تدني الموارد المالية المخصصة للبحث التربوي.
  • ضعف التواصل بين المدرسة ومؤسسات البحث العلمي.
  • عدم فعالية نتائج البحث العلمي التربوي في حل المشكلات التعليمية والسلوكية للمدرسة ومشكلات المعلم.
  • انطلاق البحوث من صفة ذاتية في المقام الأول.
  • عزوف الباحثين عن البحوث الميدانية والمرتبطة بمشكلات الصفوف الدراسية.
  • تدني مستوى الباحثين التربويين غالبا في استخدام الإنترنت في البحث العلمي وعدم تلقيهم التدريب المناسب على استخدام الإنترنت وقواعد البيانات.
  • غلبة البحوث الوصفية بأدواتها الكمية، ولاسيما الاستبانات والاستفتاءات.
  • عدم تحقق الجامعات والكليات من أهلية الباحثين للبحث العلمي والتساهل معهم مما يضر بفعالية البحث العلمي التربوي.
  • الأعباء التدريسية على الأساتذة وارتفاع عدد نسب الإشراف العلمي لكل عضو هيئة تدريس.
  • ضعف المصادر والمراجع العلمية التي يلجأ إليها الباحثين فضلا عن تقادمها.
  • انشغال الأساتذة بالكتب والمذكرات الجامعية على حساب البحث العلمي.
  • ضعف الندوات العلمية بحيث أصبحت تأدية واجب وخلوها من النقاش العلمي الجاد.
  • عدم المتابعة العلمية الدقيقة للباحثين وتركهم لأنفسهم أو للمدرسين غير المؤهلين للإشراف العلمي.

 

كل ما سبق يبين ضعفًا عامًا في البحث العلمي التربوي والتعليمي العربي فضلا عن:

  • انفصال البحث العلمي في الوطن العربي عن المجال التطبيقي ومشكلات المجتمع كنتيجة لغياب التنسيق بين المسؤولين عن اتخاذ القرار ومراكز البحث التربوي.
  • تدن نسبة الإنفاق على البحث العلمي.
  • عدم توافر قاعدة البيانات والمعلومات، وغياب المراجع العلمية الرصينة.
  • ضعف إنتاجية البحث العلمي التربوي مقارنة بمثيلاتها في الدول المتقدمة.

 

مهددات البحث العلمي التربوي في البيئة العربية:

  • النظرة غير الواقعية للمعرفة العلمية:

 فلا يوجد تعريف عربي لما هو معرفة علمية وما هو لا يدخل في نطاق المعرفة العلمية؛ فكثيرا ما نلاحظ اهتمام المؤسسات التربوية بأنشطة رسمية غير المعرفة العلمية وقد تكون بدايات للمعرفة العلمية، فمع اهتمام الأنظمة التربوية العربية على اختلاف إمكانياتها وتوجهاتها بنشر التعليم، ورغم ما حققته الأنظمة العربية من نجاحات في ميدان نشر التعليم إلا أنها أهملت الأنشطة الخاصة بإرساء قواعد البحث العلمي وتشجيع الأنشطة البحثية لذا تهتم الأنظمة التربوية العربية ومؤسساتها بنشر بيانات مفصلة عن عدد المدارس وأنواعها وعدد التلاميذ وعدد المعلمين، وتستخدم البيانات كمقياس للتقدم الذي أحرزته في مجال نشر التعليم والمعرفة، وهذا لا يعد مؤشرا دقيقا لتطور المعرفة العلمية في المجتمع؛ فالتعليم مجرد معارف أولية، أما ما يتطلبه البحث العلمي التربوي من معرفة أكثر تطورا.

 

  • اتساع دائرة الموضوعات الممنوعة:

 حيث تقع العديد من الموضوعات البحثية ضمن دائرة الممنوع وتضييق مجالات البحث في نقاط معينة.

 

  • تهميش البحث العلمي التربوي:

 رغم ما توليه المجتمعات المتقدمة لنتائج البحث العلمي من اهتمام، وتوظيفها للتعامل مع القضايا والمشكلات التربوية والتعليمية والسلوكية وتصميم البرامج المستقبلية- وإن اختلفت درجة التوظيف وكيفيته- وعلاقة كل ذلك باتخاذ القرار، وقد اضطرت العديد من الدول العربية للاستعانة بالخبرة الأجنبية في العديد من البحوث والتقارير المرتبطة بمشكلات التعليم في الوطن العربي- والأمثلة كثيرة على ذلك محليا وإقليميا، وقد أفرز ذلك إلى استعانة الهيئات الأجنبية العاملة في الوطن العربي إلى الاستعانة بالخبرات التي تتوفر في مجتمعاتها دون اعتبارٍ للخبرات المحلية مما أدى لإفراز وظهور نتائج سلبية كثيرة.

 

الدراسات العليا والبحث العلمي:

  • القصور في اختيار الباحثين وإعدادهم وموالاة تنميتهم واستمرار عطائهم.
  • ضعف مستوى المعامل ومصادر المعرفة والمعلومات، وعدم الاهتمام بالدراسات الدقيقة والدراسات المستقبلية.
  • غياب التنسيق بين الأقسام والجامعات ومراكز البحوث.
  • ضعف الاهتمام بتخطيط البحوث على مستوى الدولة؛ بما فيها الجامعات ومؤسساتها البحثية، وعدم ربطها أساسا بحاجات المجتمع والدولة من خلال خطة وسياسة ملزمة.
  • خطورة الاعتماد على المعونات وبرامج التعاون مع الجهات الأجنبية وهي قضية من أشد القضايا خطورة.

في شأن الدراسات العليا:

  • اختيار طلاب الدراسات العليا على أساس الدرجات والقدرة على التحصيل فقط دون الغوص في كفاءة الأداء والتعمق فيه بموهبة الاستقصاء والابتكار.
  • برامج الإعداد تعني الاهتمام بالنظريات البحتة على حساب الجوانب التطبيقية والميدانية.
  • البرامج لا تتواكب مع التطورات الحديثة، ولا تتعمق في مشاكل المجتمع بالدراسة والتحليل واقتراح الحلول.
  • ارتباط أساليب التقييم بالقدرة على الاستيعاب وليس بالإبداع العلمي والتطور التكنولوجي، مع افتقادها لجدوى المرونة والتنوع.

 

القدرات المطلوب توافرها في طالب الدراسات العليا قبل تأهيله

  • الاهتمام بقيمة النتائج العلمية والمعرفية دون التوقف عندها أو قبولها دون تمحيص؛ إذ يزداد التركيز على الانتقاء من المستحدثات العلمية مع الاختيار من كل جديد في العلوم الحديثة.
  • التدريب على البحث والتنقيب ثم التحليل الموضوعي مؤهلا للتعلم الذاتي، والقدرة على الاعتماد على الذات في الأداء والإبداع والابتكار، وذلك يرفع عن كاهل المدرس الكثير من الجهد لكن كل ذلك يقتضي توفير مصادر معلومات للطالب والأستاذ.
  • تطوير أساليب التعلم في مجموعات يتعاون فيها الطلاب في تحضير مشروع بحثي برؤى متكاملة ونمو مشترك مما يؤهل الطالب على العمل في فريق.
  • الاجتهاد في استيعاب المعارف دون التوقف عند الكتاب والسبورة ولكن بإتقان استخدام المصادر التكنولوجية من خلال الواقع التخيلي ودوره في التدريب على المهارات والتصورات.
  • القدرة على التأثير في الآخرين بالحوار والإقناع إضافة إلى غرس سلوكيات حميدة وقدرات مثمرة تلزم الطالب والمتلقي بالقيام بالدور المجتمعي.
  • تعزيز التوجه لاكتشاف أصحاب المواهب والكفاءات وتوجيههم إلى المجالات البحثية المفيدة، والتي تؤهلهم للتميز والريادة والقيادة والابتكار ليكونوا قادة للمجتمع مستقبلا.
  • تنمية الإحساس لدى الباحثين بالهم المجتمعي والقومي في تربية وطنية مستمرة.
  • تكوين الباحثين من خلال أسلوب متطور ينظر إلى العالم متوائما مع العولمة كظاهرة عالمية قائمة، مما يتطلب من بحوثنا وباحثينا محاكاة المستويات التعليمية العالمية في الجامعات والمراكز البحثية المرموقة.

 

 

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم