الكثير منا، حين يكبر، يجد نفسه مثلا عاجزا عن إتمام مشاريعه الشخصية دون أسباب موضوعية واضحة، والبعض الآخر ينسحب من العلاقات العاطفية، دونما سابق إنذار، ودون تبريرات مقبولة، في حين يعاني الكثيرون من أزمة ثقة بالنفس تنسف كل مجهوداتهم، وتثبط عزائمهم، دون إدراك أصل المشكلة وعلاجها!
وأرجعت الدراسات النفسية سبب تلك المشكلات غالبا إلى أخطاء في التربية والتنشئة الاجتماعية، لتروي اللاوعي، الذي يتحكم بدوره في الكثير من تصرفاتنا واتجاهاتنا وأفكارنا!
وحدد علماء النفس خمسة أخطاء في التربية تقع خلال المراحل الأولى لحياة الإنسان، ويظل أثرها ملازما له طيلة حياته وهى:
تعتبر تجربة الهجر أو التخلي من أكثر التجارب قساوة في حياة الطفل، فالأشخاص الذين يعيشون هذه التجربة في طفولتهم، يتكون لديهم فيما بعد رهاب الوحدة، والخوف من أن يُتخلى عنهم، وفي المقابل، وكاستراتيجية دفاعية للعقل الباطن، يميل هؤلاء لأن يَهجُروا قبل أن يُهجَروا، فتجدهم يتخلون عن الأشخاص الذين يحبونهم في منتصف الطريق، أو المشاريع التي بدأوها دون إتمامها.
يعد شعور الطفل بأنه شخص غير مرغوب فيه، بمثابة جرح عميق حين يختبره في سنواته الأولى، ويطبع بالتالي سلوكه لما تبقى من حياته، مما يجعله في آخر المطاف ينزوي في عالمه الداخلي، بعيدا عن الحياة الاجتماعية.
عندما ينعت الآباء أطفالهم بالأغبياء أو ما شابه ذلك من الكلمات، فإنهم حتما لا يدركون أنهم بهذا الفعل يدمرون ثقتهم بأنفسهم، فتعرض شخص ما لمعاملة مهينة في صغره، تنشئ لديه آلية للدفاع عن النفس عن طريق إعادة إنتاج الإهانة في حق الآخرين، كما يتميز هؤلاء الأشخاص أيضا بالسلطوية والأنانية المفرطة.
فالطفل الذي ترعرع وسط أبوين يعاملانه بقسوة مبالغ فيها، ويُحَملانه فوق طاقته، ينتابه شعور بالعجز وعدم الجدوى، فالأشخاص الذين عانوا في طفولتهم من مثل هذه المعاملة القاسية يتميزون بميلهم المرَضي نحو النظام والمثالية، وبافتقادهم للمرونة، واستماتتهم في الدفاع عن أفكارهم وقناعاتهم، وسعيهم المتواصل نحو امتلاك السلطة.
من عادة الكثير من الآباء إصدار العديد من الوعود لأطفالهم، وهم يعلمون يقينا أنهم لن يلتزموا بها، ومع تكرار هذا؛ تنشئ في الطفل شخصية مناورة وتميل إلى السيطرة على الآخرين والتحكم فيهم.
.