مائدة طعام العائلة.. فوائد تربوية لا تحصى

 

تعتبر مائدة الطعام طقسا بشريا تقليديا موجودا في كل الثقافات والتجمعات الإنسانية المختلفة، وراسخا في وجوده برسوخ فكرة التجمع البشري والكائن الاجتماعي، حتى أن الدراما تحرص على وجود مشاهد مائدة الطعام بوفرة لجذب الجماهير نحو محبة الأجواء العائلية الدافئة، وبرغم ما تمثله مائدة الطعام والالتفاف العائلي حولها بالنسبة لجميع أفراد الأسرة، إلا أنها تعتبر ضرورة ملحة في البناء الصحي والنفسي والاجتماعي والتربوي للأطفال والمراهقين.

 إن هذه الجلسة العائلية التلقائية لها أهمية كبيرة في التربية وتنمية مهارات الطفل واكتساب الخبرات والحب المتبادل، فمن خلالها يتعلم الأطفال بالمثال. وليس بالتوجيه المباشر. وإذا جعلنا منها مناسبة مريحة وممتعة فإن الأطفال سيكونون أكثر صحة وأكثر تهذيبا وأكثر قدرة على التكيف والتعلم.

وقد كشفت دراسة حديثة قامت بها كلية الصحة العامة، وباحثين في جامعة مينيسوتا أن المراهقين الذين يتناولون وجباتهم بانتظام مع أفراد عائلاتهم يكتسبون عادات غذائية أكثر صحة، وشملت الدراسة استبيان 303 من المراهقين و374 من المراهقات حول عادات الأكل عندما كانوا يبلغون من العمر 12 إلى 13 عاما، ثم مرة أخرى بعد ذلك ب 5 سنوات، وأظهرت النتائج أن الذين يتناولون الوجبات المنتظمة مع الأسرة، يكونون أكثر عرضة للأكل بشكل صحي فيما بعد؛ وشملت هذه الوجبات الصحية تناول وجبة الإفطار، والخضروات، والأغذية الغنية بالكالسيوم، والألياف الغذائية، والعديد من العناصر الغذائية بما فيها الكالسيوم والماغنسيوم والبوتاسيوم والحديد والزنك.

 

صحة نفسية

ويحمل جلوس العائلة لتناول الطعام معًا على المائدة، مذاقًا وطعمًا خاصين، بالإضافة إلى التأثير النفسي الكبير على أفراد الأسرة، خصوصًا على الأطفال فهو يساعدهم على الحصول على نمط حياة منتظم. وهو مفيد جدًا للأبناء في سن المراهقة، فهو يساعد على التخفيف من خطورة تعرضهم لمحاولة استعمال المخدرات أو تدخين السجائر.

كما أنه يساهم في نشر السعادة، خصوصًا لدى الأطفال، حيث لوحظ ان الأولاد الذين يتناولون الغداء مع عائلاتهم، ثلاث مرات في الأسبوع على الأقل، هم أكثر سعادة من الأطفال الذين يتناولون الطعام بمفردهم أو مع فرد واحد من الأسرة.

كما أكدت دراسات حديثة أخرى بأن وجبات الطعام التي يتناولها أفراد الأسرة معا لها دور في تحقيق الصحة النفسية والاستقرار العاطفي في الأسرة.

 ونشرت جامعة هارفارد دراسة تقول فيها إن الوجبات التي يتشارك في تناولها أفراد الأسرة لها فوائد غذائية واجتماعية وعاطفية وتعليمية لأطفال الأسرة.

 

فوائد تربوية

 ويؤدى جلوس الأطفال على الطاولة والاستماع لحديث الأب والأم إلى تحسن المهارات اللغوية حيث يتعلمون كلمات جديدة ويسألون عن معناها وبذلك يتعلم الطفل كلمات جديدة كما أثبتت الدراسات أن الأطفال الذين يتناولون الطعام مع آبائهم أكثر من 5 مرات بالأسبوع يكتسبون الأخلاق الحميدة.

 وأيضا يساهم الجلوس مع الوالدين إلى مائدة الطعام في تعليم الأبناء آداب السلوك كالإنصات إلى الآخر أثناء كلامه وتناول الطعام بشكل لائق، كما يمنح الطفل فرصة التعبير عن نفسه أمام الكبار ومشاركتهم أحاديثهم، وبذلك تصبح الروابط العائلية واضحة ومتينة.

 ويقول الدكتور رشاد عبد الله، أستاذ علم النفس التربوي: «الاجتماع على مائدة الطعام من الأشياء الضرورية التي من شأنها تدعيم أواصر المحبة والترابط بين أفراد الأسرة».

وشدد على ضرورة أن يحرص الأبوان على الاجتماعات الأسرية وأن لا يجعلا الانشغال الدائم بالعمل مبررًا لترك هذا الأمر، مؤكدًا أن هذه الاجتماعات تمثل فرصة كبيرة لحل الكثير من المشاكل ولتصحيح الكثير من المفاهيم، كما أنها فرصة لتراكم الخبرات التي يكتسبها الأبناء من الآباء.

فتناول الطعام مع أفراد الأسرة يعزز الإحساس بالثقة والانتماء بينهم، ويشكل فرصة لتطوير آداب المائدة عند الأطفال، ويخلق فرصا للتواصل وتبادل الأفكار والمشاعر بين الكبار والصغار في الأسرة، ويشجع الصغار على التعبير عن أفكارهم في جو من الاحترام يوفر فرصة لمناقشات في مسائل مختلفة أخلاقية وفكرية واجتماعية.

 

تعزيز الاستفادة

 ونظرا لأهمية الوقت الذي نقضيه مع أفراد الأسرة  فإنه يتحتم أن نقدر له قدره وننزله المنزلة اللائقة به، إذ علينا أن نحضر لهذا اللقاء سلفا وأن ندخل تعديلات على المكان والزمان ليتفق مع ظروف كل أفراد الأسرة فيمكننا أن نغلق جهاز التلفزيون أثناء تناول الطعام، وإذا لم يكن هذا ممكنا بشكل كامل في بادئ الأمر فإنه بإمكاننا أن نحققه بالتدريج.

 ثم ليكن الطعام مناسبا لجميع أفراد الأسرة، وليأكل الأطفال من نفس الطعام الذي يأكل منه الكبار، وإذا كان الأطفال غير جائعين أثناء الوجبة فهذا يعني أن على الأم أن تنظم طعامهم وتقلل من الوجبات التي يتناولونها بين الوجبات الرئيسية.

لتكن الموضوعات التي يتناولها الحديث موضوعات لطيفة وشيقة. لنركز على الجانب الإيجابي من الأشياء، وبإمكاننا أن نسأل أحد الأطفال أن يحدثنا عن أحسن شيء حدث له اليوم.. ويجب أن نصغي جيدا، ويجب أن يشعر المتحدث بأنه يلقى الاحترام اللازم، فالوقت الذي نقضيه على الطعام ليس وقتا للنقد والتوبيخ وتصحيح السلوك.

ولنشرك الأطفال في الإعداد والتخطيط وفي تقديم الطعام فإن هذا من شأنه أن يخلق جوا من التعاون ومن روح الفريق.

ومن الممكن أن نستعمل أزهارا ملونة على طاولة قريبة، فهذا يخلق جوا ممتعا وبالإمكان أيضا أن نرافق الأسرة إلى وجبة في مطعم هادئ.

 

 

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم