Business

بيوتنا سكن ومودة لا حرب وصراع

{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم21]

بهذه الآية وضع الله سبحانه أسسًا لإقامة الأسر على السكن والمودة والرحمة، وليس على الصراع والحروب بين الطرفين، ولذا أحاط الإسلام الأسرة بجملة كثيرة من التشريعات لتؤدي وظيفتها على الوجه الأكمل، وهي نفس الأطر التي وردت في جميع الشرائع السماوية.

يقول الشيخ ابن عاشور رحمه الله: (فإن المودّة وحدها آصرة عظيمة وهي آصرة الصداقة والأخوة وتفاريعهما: والرحمة وحدها آصرة منها الأبوّة والبنوّة، فما ظنّكم بآصرة جمعت الأمرين، وكانت بجعل الله تعالى، وما هو بجعل الله فهو في أقصى درجات الإتقان. [التحرير والتنوير (1/ 626)]

وجاء في التفاسير: وجعل بينكم مودّة ومحبّة، وصلة روحية قويّة، قد تفوق في غالب الأحيان صلتك بأقرب الناس إليك، والشرع الشريف يلاحظ هذا جيداً في تقدير الميراث والنفقات والمخالطة الداخليّة، والإسرار إلى الزوجات بذات الصدور.

والبيت متى خلا من السكن واعتلاه الخوف، تتقوض أركانه مع مرور الزمن، وللأسف بعض بيوتنا تهدمت بفقد السكن، وبعضها وإن استمرت فاستمرارها على مضض.

ولكي يتحقق السكن من قبل الزوج إلى الزوجة لا بد من أن يود الزوج الزوجة ويرحمها ومن ثم ترتقي تلك المودة والرحمة لتحقق السكن.

فيصبح ذاك البيت ملاذا لهما معا للأنس والسكن والطمأنينة، وإن ضاقت بهم الأرض خارج ذلك البيت الصغير، فبيتهما رغم صغره يعدل بسكونه وروحانيته بقاع الأرض.

وحياة الزوجين في ظلال الجفاء والعنف تصبح عذاباً وألماً وكابوساً يتمنى المظلوم منهما أن يفيق منه، أو تنتهي حياته تلك بأي صورة كانت.


 

حتى تعود المودة والرحمة إلى بيوتنا

من المطالب التي باتت ملحة على أذهان وقلوب الكثيرين اليوم – خاصة في ظل ارتفاع نسبة الطلاق إلى مستوى خطير ينذر بانهيار المجتمع والأسرة معا - تلك الرغبة الصادقة في العيش في بيت الزوجية الذي تغمره المودة الخالصة، والرحمة الظليلة الحنون، بعيدًا عن القلق والضيق، وأشباح الكراهية والسآمة والخلاف والفراق، ولتحقيق ذلك كما يذكر يوسف إسماعيل سليمان:

  1. استشعار الزوج أن القوامة مسؤولية لا استعباد: فالزواج سفينة والزوج رُبَّانها، المسؤول عن توفير الراحة والأمان، وحل مشاكلها، والصبر على ما يلقاه في الطريق من مشقة، أو عناء، أو رياح عاتية، أو أمواج عالية حتى يصل بها إلى بر الأمان، لكن ذلك يكون بمشاركة زوجته.

  2. كن أفضل الأزواج: فالزوج المسلم الذي يسير على هداية من تعاليم الإسلام السامية الراقية في معاملاته وسلوكياته مع زوجته، حتمًا سيكون أروع الأزواج، إذ حض الإسلام على تكريمها والإحسان إليها، ففي الحديث: (استوصوا بالنساء خيرًا، فإن المرأة خلقت من ضلع، وإن أعوج ما في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته وإن تركته لم يزل أعوجَ، فاستوصوا بالنساء) [متفق عليه].

  3. خياركم خياركم لنسائهم: فالزوج آتاه الله القوة للبطش أو غيره لكن الإحسان أولى وحسن العشرة وإن كرهها، قال صلى الله عليه وسلم: [أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا، وخياركم خياركم لنسائهم] [ رواه الترمذي].

  4. الابتسامة والمساعدة: يعود الزوج من العمل متعبا فيجب على الزوجة أن تعمل على توفير الراحة وتهيئة البيت، واستقباله بابتسامة، كما أنه يجب على الزوج الابتسامة لا النكد، بل ويعمل على معاونة الزوجة بقدر استطاعته لأنها أيضا تتحمل كثير من المهام، ويواسيها باللطيف من القول إن آنس فيها شكوى من تعب أو سأم أو ضيق، ويشعرها أنها أغلى الناس عنده، وأكرمهم على نفسه، ولهذا فهو يهتم بها، ويألم لألمها، ويبذل وسعه لراحتها.

  5. على الزوج والزوجة استحضار وتطبيق شرائع الدين وأخلاقه وأن يكون الحكم بينهما فيما اختلفوا فيه كتاب الله وسنة نبيه حتى يصلوا إلى شاطئ يملؤه الاستقرار.

  6. لا تكن عبوسا متجهما: فكثير من الأزواج أو الزوجات يحولون حياتهم لشكل عبوس وضجر يظهر على وجههم وتصرفاتهم فيصير بيتهم جحيما، فيجب أن تُنثر جوانب العيش والمعاشرة الدائمة بينهما بالمداعبة اللطيفة الممتعة، والنكتة المُرفِّهة السارة، يطلقها بين الحين والحين، متأسيًا بنبيه الكريم.

  7. الاحترام سيد الأمور: فالرجل يحب أن تحترمه زوجته وتقدره، ويفقد كل معاني الهدوء إذا انتقصت الزوجة من كرامته واحترامه، والمرأة كذلك، ومن ثم وجب عليه/ عليها أن لا يتفوه بكلمة نابية جارحة لأحد من ذويها؛ مراعاة لشعورها، كما أنه لا يفشي لها سرًّا ائتمنته عليه، ولا يذيع خبرًا أفضت به إليه.

  8. بين رضاء الوالدين ورضاء الزوجة: وهي معضلة كثير من البيوت التي تتهم الزوجة زوجها بظلمها لحساب أبويه، أو ربما يظلم أبويه لصالح زوجته وبذلك ينال سخط الله، ولذا وجب على الزواج أن يستخدم ذكاءه ولباقته في القيام ببر والديه على أكمل وجه، وخاصة أمه، دون أن يقصر في حقوق زوجته، بحيث لا يجور على أحد الطرفين لحساب الآخر، وهو قادر على ذلك ما دام مسترشدًا بهدي الإسلام.

  9. سلمت الأيدي المتوضئة: كلمة كان يقولها الأستاذ مصطفى مشهور لزوجته حتى آخر العمر من باب الثناء عليها وعلى مجهودها وتعبها، ولم يمنعه ذلك أيضا من اصطحاب هدية بسيطة لها، بل وتدليلها والدعاء لها.

إن الزوج المسلم لا يسعه حين يقف أمام نصوص الشريعة الرحيمة السمحة بالإحسان إلى زوجته متأملاً إلا أن يكون الزوج الكريم الحليم البشوش الذي تنعم زوجته وأسرته بعشرته الطيبة، وتسعد برفقته المهذبة الراقية، وكذلك الزوجة.

 

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم