إن الشیخ بن بادیس اعتمد الفلسفة الواقعیة فلسفة له وأولى اهتمام كبیـر بالإنسان وجعلـه محـورا لخطتـه التربویة وغایتها كما اهـتم بالتربیـة البدنیـة وأكـد علـى الـصلة بـین الجـسم والعقـل واعتمـد مـصادر التربیـة الإسـلامیة فـي ذلـك، اهـتم بالریاضة وكتب عنها، واهـتم باسـتثمار طاقـات الـشباب وتوجیههـا الوجهـة الـصحیحة بطریقـة تـستهوي میـولهم ورغبـاتهم، وسـاعد الشباب في اتخاذ قراره في كل مشاكلهم.
اشترك فى الدراسة كلا الباحثين: الدكتور سعود عبد المحسن والدكتور آلاء عبد الله حسين، بهدف التعرف على الشیخ بن بادیس وآراءه الفلسفیة وأفكاره في تربیة الإنسان والعلـم والمعرفـة والتعـرف على التربیة الریاضیة عند بن بادیس، وأيضًا، بیان دوره الفعـال في التربیة الریاضیة.
دور التربية الریاضیة
تؤدي التربیة الریاضیة دورا بارزا في تحقیق التربیة المتكاملـة مـن خـلال تربیـة الـنشء تربیـة متكاملـة جـسما وعقـلا وروحا داخل إطار مـن قـیم المجتمـع وتقالیـده وأعرافـه بهـدف تهیئـة وتنـشئة المـواطن الـصالح، وقـد نـادى الكثیـر من الأساتذة والفلاسفة فـي جمیـع العـصور بالتربیـة فجعلوهـا عنوانـا لكتـبهم ومقـالاتهم ومدارسـهم، وكمـا كتـب الغـرب عن التربیة والتربیة البدنیة فإن تاریخنا العربي والإسلامي یزخر بمبـدعین ومفكـرین ومجاهـدین تـأثروا بهـذا الـدین وأثـروا فیـه.
فكانت الدنیا بعدهم لیست كما كانت قبلهم فتركـوا بـصمات واضـحة وجلیـة للعیـان اعتـرف بعظمتهـا الأعـداء قبـل الأصـدقاء وكانوا انعكاسـًا لهمـوم الأمـة وطموحاتهـا فأصـلحوا الـبلاد والعبـاد ونـشروا الثقافـة والعلـم والفلـسفة وغیرهـا مـن میـادین المعرفـة فتـأثر بهـم النـاس واتخـذوهم قـدوة حـسنة.
ومـن هـؤلاء النوابـغ الـذین كتـب عـنهم التـاریخ الـشیخ بـن بـادیس الـذي یعـد تاریخـا طـویلا مـن العمـل المـضني الـدؤوب المثمـر المقـرون بالتوكـل والتوفیـق علـى االله سـبحانه وتعـالى ومثـالا صـادقا لكفـاح رجـل یقتدى به وقصة جهاد طویلة شعارها الجد والإخلاص والصدق والتعـاون والمثـابرة والبـر والإحـسان والعمـل الطیـب الممـزوج بالرحمــة والتــسامح والعطــف والعفــو عــن النــاس.
كــان مــن العلمــاء الــذین أخلــصوا الله وترفعــوا عــن الغایــات الدنیویــة لــذلك انتفعـت بـه الأمـة، انتفعـت بـسلوكه وانتفعـت بـه مدرسـا وعالمـا وناصـحا ومرشـدا إذ كـان قـوي الـنفس صـادق العزیمـة كبیـر النشاط محبا للانتصار للحق وللمجتمع الذي یعـیش فیـه وكـان یجمـع بـین العلـم الراسـخ والعمـل المجـد، وقـد كتـب الكثیـرین عـن الـشیخ عبـد الحمیـد بـن بـادیس عـن حیاتـه وأعمالـه ومبادئـه ودوره فـي تحریـر الـبلاد والعبـاد؛ وعـن آثـاره فـي الـصحافة والجهاد والتربیة وقد غفل أكثرهم دوره في نشر التربیة الریاضـیة بـین النـاس وتـشجیعه لممارسـتها؛ وآراءه وأفكـاره فیهـا وتـأثیره الكبیر في نشر التربیة والتربیـة البدنیـة بـین صـفوف النـاس كبارا وصـغارا، مـن هنـا ظهـرت أهمیـة البحـث فـي التعـرف علـى آراء عبد الحمید بن بادیس في التربیة والتعلیم والریاضة.
اهـتم الإعـلام والنـشر الغربـي بفلاسـفته ومفكریـه فكتـب عـنهم الكثیـر وروج لأفكـارهم وفلـسفتهم ودورهـم فـي إحـداث التغیر في المجتمع والتربیة فأدخلت أفكارهم ومؤلفاتهم في المناهج الدراسية فـي المـدارس والجامعـات.
التعریف بالـشیخ بـن بـادیس
ولـــد الـــشیخ عبـــد الحمیـــد بـــن بـــادیس بمدینـــة قـــسطنطینیة عاصـــمة الـــشرق الجزائـــري ســـنة (١٣٠٨ هــــ) الموافـــق (١٨٨٩م) كـان والـده محمـد مـصطفى بـن مكـي بـن بـادیس حـافظا للقـران الكـریم، وكـان یـشتغل بالتجـارة والفلاحـة، ویعـد مـن أعیان الجزائر وكانت والدته من عائلة اشتهرت بالعلم والتدین وهـي زهیـرة بنـت علـي بـن جلـول وقـد كانـت أسـرة ابن بـادیس مشهورة في شمالي أفریقیا وقد نبغ منها عظماء الرجال وكانت تجمع بین العلم والجاه وتنحدر مـن العائلـة الـصنهاجیة التـي سطع نجمها في میدان الإمارة والملك في المغرب الأوسـط فـي القـرن الرابـع الهجـري.
نـشأ ابن بـادیس فـي أحـضان أسـرة تبنـت العلـم وحرصـت علـى الـدین، وعهـده والـده واحتـضنه وربـاه تربیـة إسـلامیة خاصـة فأرسـله إلـى الـشیخ (محمـد بـن المداسـي) فحفـظ علـى یدیـه القرآن وجوّده وعمـره لا یتجـاوز الثالثـة عـشر، نـشأ منـذ صـباه فـي رحـاب القرآن فـشب علـى حبـه والتخلـق بأخلاقـه ثـم مـا لبـث أن وجهـه إلـى المربـي الكبیـر والعـالم الجلیـل الـشیخ حمـدان الونبـسي فتلقـى منـه العلـوم العربیـة والإسـلامیة ومكـارم الأخـلاق فنـال إعجـاب أسـاتذته بمـا أظهـر مـن اسـتقامة فـي الخلق وطیبة في السیرة وشغف كثير في طلب العلم.
كـان ابن بـادیس مدرسـة أخلاقیـة بـسلوكه وتـصرفاته ومعاملاتـه وكانـت أقوالـه ونظریاتـه صـورة هادفـة لواقـع حیاتـه وعـصارة خالـصة لأعمالـه ومعتقداتـه، كـان أسـوة فـي التواضـع والتقـشف والزهـد والانصراف عـن متاع الدنیا فقد كان متواضعا تواضع العلماء العارفین.
كـان یتـصف بـالحلم والتـسامح كما سـار علمـاء الـسلف والخلـف علـى هدي رسول الله في حلمه وتسامحه فكانوا خیـر مـن حمـل إلینـا هـذه الأخـلاق العالیـة والـصفات الـسامیة. كـان یتـصف بالـشجاعة والـصرامة فـي الحـق. فقـد كـان فـي مواقفـه لینـا دون ضـعف فهـو فـي الحـق صـارم وكـان شـجاعا شـجاعة مـن لا یخـاف فـي االله لومـة لائـم ولا غطرسـة ظـالم متجبـر. كـان القـدوة الحـسنة بـالاعتراف بالخطـأ والرجـوع إلـى الحـق متـى بـدا لـه وجه الصواب فیه.
یرجع الفـضل فـي تكوین ابن بـادیس العلمـي إلـى والـده الـذي ربـاه تربیـة صـالحة ووجهـه وجهـه سـلیمة ورضي له العلم طریقا یتبعه ومشربا یرده ولم یشغله بأعباء الحیاة فكفله وحماه.
- أول معلـم لـه الـشیخ محمـد بـن المداسـي أشـهر مقـريء فـي مدینـة قـسطنطینیة فـي زمانـه تلقـى علـى یدیـه حفـظ القـرآن وتجویده. (حمید، اتو، ٦٣ ،١٩٩٧).
- الـشیخ حمـدان الونبـسي الـذي علمـه العلـم وأثـر فـي نفـسیته فطبـع حیاتـه العلمیـة بطـابع أخلاقـي روحـي.
- الشیخ محمد الطاهر بن عاشور الذي لازمه قرابـة ثـلاث سـنوات فأخـذ عنـه الأدب العربـي ودیـوان الحماسـة لأبـي تمـام.
- الـشیخ محمـد النخلـي القیروانـي أسـتاذ التفـسیر فـي جـامع الزیتونـة، إذ اسـتقى ابن بـادیس الحكمـة مـن بحـر الخیـر الـذي كان یتدفق من صدر العالم العامل فكان لذلك أثر عمیق في توجهه العلمي والعملي.
- الشیخ البشیر صفر أبرز علماء تونس ومن القلائل التي جمعت بین التعلیم العربي الإسـلامي والتعلـیم الغربـي الأوربـي مع إتقان عدة لغات حیة وهو من أشهر أساتذة التاریخ العربي الإسلامي.
- العلامـة الكبیـر الـسید حـسین أحمـد الهنـدي الفـیض أبـادي الـذي كـان بـن بـادیس یـذكره كثیـرا ویـرجح إلیـه الفـضل إلـى توجیهه للعمل في الجزائر. عنـدما التقـى بـه فـي المدینـة المنـورة وكـان الـشیخ الهنـدي یـشرح صـحیح مـسلم فـي المـسجد النبوي (حمید اتو،٧١-١٩٩٧،٦٨).
وهكذا تنقـل هـذا الـشیخ یـتعلم عنـد هـؤلاء الأعـلام فنهـل الكثیـر وأخـذ عـنهم وتـأدب بــأدبهم وســار علــى نهجهــم وكــان نــصب عینــه أبیــه وأصــبح مــن الطــلاب المتمیــزین وحــوى فــي قلبــه ینــابیع الحكمــة وخواص الهدایة وأصول الدعوة والإرشاد والتواضع؛ فأرشده الله إلى الطریق فسار به وأنار الدرب للسائرین.
رحـل ابن بـادیس فـي طلـب العلـم فـشاهد الـبلاد وتعـرف علـى أحـوال أهلهـا وتقالیـدهم وعـاداتهم واختلاف طبائعهم فأخذ عن شیوخها وأعیانها یتلقى العلم علیهم فكثر اطلاعه وثقافته ومن أهم رحلاته:
- رحلته إلى تونس، رحل إلـى جـامع الزیتونـة، لتلقـي العلـم مـن الـشیخ محمـد النخلـي، ومحمـد طـاهر بـن عاشـور، ودرس طیلة أربع سنوات ثم عمل مدرسا في الجامع سنة واحدة (حمید اتو، ٦٣ ،١٩٩٧).
- رحلتـه إلـى المـشرق فـي موسـم الحـج عـام ١٩١٣م وارتحـل إلـى الـشیخ حمـدان الـونبـسي وكـذلك التقـى بعـالم الهنـد الكبیر الشیخ حسین أحمد الهندي والشیخ البشیر الإبراهیمي وقد تلقى دروسا خلال ثلاثـة أشـهر فـي مـسجد رسـول االله.
- وفـي أثنــاء عودتــه إلـى الجزائر طــاف بعــدة بلـدان أخــرى فزار سـوریا ومــصر التي التقــى فیهـا بالــشیخ محمــد نجیــب المطبعي والشیخ أبي الفضل الجيزاوي (ابن بادیس، ٤٨١ ،١٩٨٤).
- قـام بالتـدریس فـي جـامع الزیتونـة بتـونس بعـد تخرجـه منـه إذ جـرت العـادة أن یـدرس النبغـاء مـن الطلبـة سـنة فیـه بعـد إنهاء دراستهم وذلك سنة (١٩١٢ -١٩١١)م.
- وفـي أثنـاء إقامتـه فـي المدینـة المنـورة ألقـى دروسـا عدیـدة فـي المـسجد النبـوي الـشریف ولـم یكتفـي بتعلـیم الكبـار فـي المساجد بل كان یهتم بالناشئة والصغار (حمید اتو، ٧٦-٧٥ ،١٩٩٧).
- الإفتاء: بدء بـن بـادیس الفتـوى مـع انتـصابه للتـدریس إلا أن هـذا الأمـر توسـع واشـتهر عنـد قیـام الـصحافة الإصـلاحیة فكانت الأسئلة ترد إلیه من كافة أرجاء القطر فكان یجیب علیها. (الطالبي، ١٩٦٨، ج٣٠٨ ،٢).
- اشـتغل بالـصحافة وكـان مـن مؤسـسي جریـدة النجـاح ثـم تخلـى عنهـا وأسـس سـنة (١٩٢٥) جریـدة المنتقـد وتـولى رئاسـة تحریرهــا وأســند إدارتهــا للــشهید أحمــد بـو شــمال ثــم أصــدر جریــدة الــشهاب ثــم تحولــت مــن جریــدة أســبوعیة إلــى مجلــة شـهریة.
- وتمهیـدا إلـى جمـع شـمل العلمـاء فـي الجزائر بـادر إلـى تأسـیس جمعیـة التربیـة والتعلـیم الإسـلامیة بقـسطنطینیة سـنة 1931، وتولى رئاستها حتى وفاته.
- تفسیر ابن بادیس الذي نشره الأستاذان محمد العـالم وتوفیـق محمـد نقـلا عـن مجـالس التـذكیر الـذي طبـع ونـشر سـنة (١٩٤٨).
- مجالس التذكیر في حدیث البشیر النذیر طبعته وزارة الشؤون الدینیة سنة (١٩٨٣).
- العقائــد الإســلامیة مــن الآیــات القرآنیــة والأحادیــث النبویــة: وتــشمل الــدروس التــي یملیهــا الاســتاذ بــن بــادیس علــى تلامیذه، وقد جمعها تلمیذه الاستاذ محمد العالم رمضان.
- كتاب (رجال السلف ونساؤه) مجموعة مقالات ترجم فیها ابن بادیس لبعض الصحابة رضوان االله علـیهم ومـالهم مـن صفات وأعمال في سبیل الإسلام نشرت في مجلة الشهاب.
- حقق ابن بادیس كتاب العواصم من القواصم للإمام ابن العربي.
- تـرجم ابن بـادیس الكثیـر مـن أعـلام الإسـلام مـن الـسلف والخلـف فـي صـفحات مجلـة الـشهاب تحـت عنـوان (تـراجم وأعلام).
التفكیر الفلسفي عند بن بادیس
فلـسفةً واقعیـة تنبـع مـن تفكیـر إنسان واع مـرتبط بوطنـه وملتـزم بحقـائق دینیـة إن الفلـسفة التـي تطبـع ابن بـادیس مستوعب أسباب معاناة بلاده متطلع إلى معایـشة عـصره، فلـسفة تلـح علـى تمتـین الـصلة بـین الفكـر والعمـل والمزاوجـة بـین النظریـة والتطبیـق وسـمات تفكیـره تمتـزج بهـا الجوانـب الدینیـة والـسیاسیة والأخـلاق والعملیـة الوجدانیـة والعقلیـة ولكـن الـسمة البـارزة فـي تفكیـره هـي الـسمة الدینیـة المطعمـة بالعقـل. كـون العقـل میـزة الإنسان وأداة عملـه.
وقـد جـسد ابن بـادیس أفكـاره ومواقفه وآراءه وبنى علـى أساسـها مـشاریعه الإصـلاحیة وبرنامجـه التعلیمـي وفلـسفته عملیـة أكثـر منـها نظریـة وفلـسفته تـستمد روحها من روح الإسلام وأصوله وتجعل هدفها تجسید هذه الأصول وتقریبها من النـاس والاسـتفادة منهـا وتـصحیح المفـاهیم والاعتقادات وتهذیب السلوك الفردي والاجتماعي ودفع الناس إلى الإسهام فـي تغیـر واقعهـم وتحـسین ظـروفهم لیكونـوا أهـلا للاستخلاف الذي استخلفه الله في أرضه.
فلسفة التربیة عند بن بادیس
یمكن أن تتعرف على التربیة عند بن بـادیس مـن خـلال قولـه: لـن یـصلح المـسلمون إلا إذا صـلح علمـاؤهم لأنهـم بمثابـة القلـب الذي لن ينصلح إلا إذا رجعنـا بـه إلـى التعلـیم النبـوي فـي شـكله وموضـوعه ومادتـه وصـورته فقـد صـح عن النبي: «إنما بعثت معلما».
ویقول ابن بادیس: العلم قبل العمـل ومـن دخـل العمـل بغیـر علـم لا یـأمن علـى نفـسه من الضلال.
فلسفة الإنسان عند بن بادیس
جعل بن بادیس الإنسان محور خطته التربویـة وغایتهـا. فنظـر للإنسان نظـره واقعیـة لا تجـزئ حقیقـة الإنسان ولا تخترقهـا فـي بعـد واحـد بـل تـشمل جمیـع مـا یكـون بـه الإنسان إنسانا مثـل الفكـر والـروح والـدوافع (الغرائز) والاعتقادات التي تحصل عن طریق العلـم وإعمـال الفكـر فالإنسان فـي نظـر بـن بـادیس كـلٌّ متكامـلٌ فكرا وغریـزة وعقیدة وعملا ویوضح ذلك في قوله: «إن الإنسان إنمـا هـو إنسان بفكـره وغرائـزه وعقائـده وأعمالـه المودعـة كلهـا فـي جزئـه المحسوس الفاني (هو الجسد) وفي جزئه المعقول الباقي (وهو الروح) وبهذه الأصول الأربعة ینهض الإنسان أو یسقط».
فلسفة العلم والمعرفة عند بن بادیس
المعرفة التي اهتم بها ابن بادیس ودعا إلى تلقینها للنـاس كونهـا مـادة التربیـة وأداة التثقیـف والتهـذیب هـي المعرفـة التـي ترسـخ الإیمـان وتعـصم الاعتقـادات مـن الانحـراف والأخـلاق مـن الفـساد والفكـر مـن الضلال وتقید الإنسان في حیاته الدینیة والدنیویة. وقد كان یهتم اهتمام بالغا في العلوم المتعلقة بالحیاة فـضلا عـن اهتمامـه بالعلوم الشرعیة.
الاهتمام بالعلوم الشرعیة وإهمال باقي العلوم الأخرى سـببا مـن أسـباب تأخرنـا وانحطاطنـا وكـان یعیـب على العلماء الذین أهملوا هذه العلوم التي أوصلت أوروبا إلى ما هي علیـه.
وكـان مـن فلـسفة الخاصـة فـي تعلـیم المـرأة أنـه نبه العلماء وأولیاء أمور البنات إلى أهمیة تعلیم البنت ضمن الإطار الحضاري الإسلامي منـسجمة متماسـكة وتـستطیع أن تضطلع بوظیفتها التربویة داخل الأسرة وفـي المجتمـع اضـطلاعا كـاملا.
وقـد دعـى إلـى تحریـر المـرأة التحریـر الحقیقـي وهـو تحریرهـا مـن الجهـل فقـال: «إذا أردتـم إصـلاحا فـارفعوا حجـاب الجهـل عـن عقـل المـرأة قبـل أن ترفعـوا حجـاب الـستر عـن وجهها؛ فإن حجاب الجهل هو الذي أخرها وأما حجاب الستر فإنه ما ضرها في زمن تقـدمها، فقـد بلغـت بنـات بغـداد وبنـات قرطبة مكانة عالیة ما ضرهن في العلم وهن متحجبات».
وهو بذلك انتهج المنهج الإسلامي الذي یخص المرأة علـى سـتر نفـسها بالحجـاب ویأمرهـا فـي الوقـت نفـسه بطلـب العلـم.
التربية البدنیة عند بن بادیس
تعد التربیة البدنیة جزءًا من التربیة العامة التـي تـستثمر دوافـع النـشاط الطبیعیـة الموجودة في كل فرد لتنمیته من الناحیة العفویة والتوافق العضلي والعـصبي والناحیـة العقلیـة والعاطفیـة.
ومنـذ القـدم أدرك العلمـاء المـسلمون أهمیـة الـصلة بـین الجـسم والعقـل ولهـذا عنـو بالجـسم والتربیـة البدنیـة وخففـوا عنـه الإعیـاء لیـستطیع أن یـساعد العقـل علـى الـتعلم والتعلـیم ولـم یجیـزوا أن یـرهق الإنسان قـواه الجـسمانیة عـن طریـق الحرمـان، وحذروا من إرهاق الإنسان في سبیل العلم ومن مواصلة الدرس والجهـد دون أن یتخلـل ذلـك راحـة وریاضـة. فـإن نـشاط الجـسم یقظــة للعقـل وصــفاء للـذهن.
وقــد اتبـع ابن بادیس نهج سلفه في الاهتمام بالتربیة البدنیة للمحافظة علـى الجـسم سـلیما فكانـت مـصادر التربیـة البدنیـة عنـده هـي نفـسها مـصادر التربیـة الإسـلامیة مـصداقا لقـول رسـول الله: «تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما ما تمسكتم بهما، كتاب الله وسنتي، ولن يتفرّقا حتى يردا على الحوض»، وهـو بـذلك انـتهج الفكـر الفلـسفي التربـوي الإسـلامي الـذي یـشمل الجـسم والعقــل والــنفس. ولــم یخــص فئــة محــددة بــل شــمل الــصغیر والكبیــر والرجــل والمــرأة كمــا شــمل العلــوم الدینیــة والطبیعیــة والاجتماعیـة.
فكتـب ابن بـادیس فـي الریاضـة والـصحة والفـراغ، واهـتم باسـتغلال طاقـة الشباب وتوجیهها وجهتها الصحیحة بطریقة تستهوي میولهم ورغباتهم وتبـث فـیهم المـرح والحیویـة؛ إذ أن الفتـوة والـشباب مـن أصعب مراحل الحیاة الإنسانیة وقد لا تخلو حیاة أي فتى أو شاب عادي من مـشكلة سـطحیة لا تلبـث أن تـزول أو مـشكلة عمیقة قد تقضي على مستقبله الدراسي أو المهني أو الاجتماعي فهو في مفترق طرق الحیـاة المـستقبلیة ولا بـد أن یقـدم لـه المـساعدة لیقـوم هـو باتخـاذ قـراره الـذي یحـدد مـصیره ویجــب رعایتـه مـن الناحیـة الـصحیة ومتابعـة النمـو الـسلیم والــسلوك الحسن خلقیا لضمان السلامة والصحة.
وفي قضیة الشباب والفتیات أولى الإسـلام اهتمامـا بالغـا فیهـا فقـد أوصـى النبي صلى الله عليه وسلم أصـحابه إلـى طـرق رعایـة الـشباب عـن طریـق تـوجیههم نحـو ریاضـات مختلفـة مثـل سـباق الخیـل البعیـد عـن العبـث؛ فالحقیقـة إن الطاقـة المتولـدة لـدى الإنسان عمومـا والـشباب خـصوصا ینبغـي إطلاقهـا وتوجیههـا نحـو عمـل ایجـابي بنـاء وأن كبحهـا وتخزینهـا مـن غیـر مبـرر تخـل بالتوازن الجــسمي والنفــسي للإنسان، والتربیــة الریاضــیة تحقــق مــن خــلال ممارســتها الــسرور والـسعادة بـصفة عامـة والرضـا وإشـباع الرغبـات والمیـول بـصفة خاصـة ویتـضح ذلـك عنـدما یـتعلم الفـرد مهـارة جدیـدة نافعـة كمــا أن في إحــدى هــذه المهــارات قــد یعــوض الفــرد عــن بعــض مظــاهر الفــشل فــي مجــالات أخــرى دراســیة أو مهنیــة أو اجتماعیة تقابله، وهـذا كلـه یـساعده علـى الالتزام النفـسي ویحـسن مـن مـستوى الـصحة النفـسیة.
إن التمتع بحیاة صحیة جیدة تسمح للفرد أن یحیا بشكل أكثـر سـعادة كمـواطن یتمتـع بالـصحة الفعلیـة والشخـصیة فـي بیئتـه وفـي مجتمعـه.
وقــد أدرك الإمـام ابن بـادیس (رحمـه االله) الأهمیــة البالغـة لعملیـة توجیـه طاقــة الـشباب المخزونـة وتفریغهـا فـي مـا یعـود علـیهم بالمـصلحة لحمـایتهم مـن الانحـراف والـشذوذ فكـان ينهـى متعلميه عـن تبـذیر أوقـاتهم وجهـودهم فیمـا لا فائـدة فیـه ویرشـدهم إلـى التـرویح عـن أنفـسهم بمـا یطیـب لهـم المباحات والمـستباحات كالـسباحة والخـروج إلـى الطبیعـة والاسـتمتاع فـي أحـضانها والتفكیـر فـي مبـدعها.
ونـرى أن ابن بـادیس كـان مربیـا محنكـا لـه حـس مرهـف وعبقریـة متدفقـة فـي فهـم نفـوس متعلمیـه ومعرفـة میـولهم وحاجـاتهم إلـى مـا یبحـث المـرح والحیویـة والتفـاؤل. فاللعـب والریاضـة لهمـا أهمیـة نفـسیة فـي التعلـیم والتـشخیص والعـلاج إتاحـة ووقـت فـراغ للعـب والریاضـة واختیار الألعاب والریاضات المتنوعة والمشوقة.
واللعب والترویح هـو تعبیـر عـن ذات الفرد ونواحي تفكیره ویحل الفرد عـن طریـق اللعـب والریاضـة مـشاكله النفـسیة وهـي طریقـة للتنفـیس عـن حـالات نفـسیة یشعر بها الفرد من الكبت والمضایقات التي تصادفه في حیاته الیومیة.
اهـتم ابن بـادیس بالتغذیـة مـن خـلال تفـسیره للآیـة الكریمـة: { يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًاْ} وقـال ابن بـادیس مـن خـلال تفـسیره للآیـة إن الأعمـال تتوقـف على سلامة الأبـدان فكانـت المحافظـة علـى الأبـدان مـن الواجبـات.
ولهـذا قـدم الأمـر بالأكـل علـى الأمـر بالعمـل فلـیس مـن الإسـلام تحـریم الطیبـات التـي أحلهـا االله كمـا حـرم غـلاة المتـصوفة اللحـم.. كمـا أنـه اتبـع الأحادیـث النبویـة فـي الأكـل ففـي الحدیث الشریف قال رسول االله صلى الله عليه وسلم في الأكـل: «مـا مـلأ ابن ادم وعـاء شـرا مـن بطنـه، بحـسب ابن آدم لقیمـات یقمـن صـلبه، فإن كان لا محالة فثلث لطعامـه، وثلـث لـشرابه، وثلـث لنَفَـِسهِ».
فقـال بـن بـادیس إن الإنسان بجزئـه الترابي (بدنه) وهو مخلوق أرضي، وبجزئـه النـوراني (روحـه) وهو مخلـوق سـماوي. والجـسد آلة الـروح ملازمـة لهـا فـي الـدنیا وملازمة لها في الآخرة ومـن العـدل والواجـب علـى الإنسان أن یعطـي الجـسد حقـه كمـا یعطـي الـروح حقهـا فـي التغذیـة بمـا ینیـر عقلهـا مـن العلـوم والمعـارف والأخـلاق والأدب. وقـد جعـل االله فـي الإنسان وعـاء وهـو المعـدة وهـو مخـزن الغـذاء وبیـت الداء وعلى الإنسان أن یحفظ على الوعاء فعلیـه ترتـب الـصحة والمـرض والـسقم والـشفاء فـإذا مـلأ ابن ادم بطنـه كـان علیـه وإذا اقتـصر فـي أكلـه علـى أكـلات تحـسن البـدن وتحفـظ سلامة البدن من الألم المرضي وتنعم بالعافیة، فإذا غلبت الشهوة الإنسان فلیقـف عـن الأكـل دون الـشبع ویمـلأ كـل المعـدة وبذلك یكون قد عدل بـین أصـول الحیـاة البدنیـة الثلاثـة طعامـه وشرابه ونَفَسِه فـأعطى لكـل واحـد الثلـث.
وممــا لا شــك فیــه أن التقــاریر الحدیثــة مــن المعهــد العلمــي للــصحة أكــدت أن الــسمنة والبدانــة تــؤثر علــى عمــر الإنسان وزیـادة الـوزن تـؤدي إلـى عواقـب صـحیة خطیـرة فالبدانـة مـرض فتـاك فـإن زیـادة الـدهون فـي الجـسم تـسبب مـرض الـشرایین القلبیـة تزیـد خطـر الإصـابة بـضغط الـدم المرتفـع والكولـسترول والـسكر، كمـا أن هنـاك مـضاعفات للبدانـة منهـا أن الأشـخاص البـدناء یعـانون مـن الهبـوط النفـسي والقلـق والـشعور بالحرمـان العـاطفي وكثیـر مـن الناس البدناء یتضایقون من شكلهم الخارجي وهذا یقود إلى مـشاكل جنـسیة ونفـسیة.
إن هـذا المبـدأ الـذي انتهجـه ابن بـادیس مبـدأ الوسطیة قام بتطبیقه على جمیع أمور حیاته فالإسلام یعد المسلم ویربیه تربیة خلقیة وصـحیة وروحیـة؛ ویحـدث التـوازن بـین القـیم المادیـة والروحیـة وبـذلك یمـنح الإنسان مجـالا واسـعا تنتفـع فیـه قابلیاتـه ویـسهم بالحـد الأقـصى مـن الإبـداع الـذي یرفـد العطاء الحضاري في شتى الاتجاهات لأنه فـي أي عمـل یمارسـه لا یتجـاوز مطالـب منهجـه الـدیني مـن جهـة ویتحـرك مـن جهـة أخـرى صـوب مـصیر متوحـد یـستقطب القـیم الطبیعیـة والروحیـة والعقلیـة والحـسیة ویتجـه إلیـه بكلیتـه دونمـا أي شـعور بالتفكك أو الضیاع، كمـا أنـه یتجـاوز سـفوح الـدنیا للنـشاط البـشري إلـى القمـم التـي تلیـق بمكانـة الإنسان البـشریة فـي سـاحة العلـم وبهـذا تـسقط كـل الـسلبیات التـي یمكـن أن تعلـق بـأي نـشاط حـضاري لا یعتمـد برنامجـا شـاملا ولا یسعى إلى هدف واضح ولا یلتزم أخلاقیة.
وفاتـه
إن لمـسیرة الحیـاة بدایـة ونهایـة ولـیس للإنسان أن یختـار أحـدها وذلـك هـو القـدر المحتـوم الـذي قهـر بـه االله البـشر.
فانتقل إلى العزیز الغفار في عام ١٩٤٠م ودفن في مقبرة آل بادیس بقسطنطینیة. وبـذلك فقـدت الأمـة رجـلا طیـب القلـب صـافي المعـشر، سـاعيا فـي سـبیل الخیـر والإصـلاح بـین النـاس؛ رجـلا عـرف الحـق ودعـا لـه ودافـع عنـه ولـم تأخـذه فـي الله لومة لائم وترك لنـا تراثـا علمیـا وثقافیـا لطـلاب العلـم والمعرفـة.
كرمتـه الحكومة الجزائرية اعترافا بدوره العلمي والتربوي بتسمیة (جامعة بن بادیس) في مستیغانم في الجزائر باسمه.
الاستنتاجات والتوصیات:
١- اهتم ابن بادیس بریاضة الفراغ وكتب عنها.
٢- اهتم باستثمار طاقات الشباب وتوجیهها وجهتها الصحیحة بطریقة تستهوي میولهم ورغباتهم.
٣- ساعد الشباب في اتخاذ قرارهم في حل مشاكلهم.
٤- أوصى بتوجیه طاقة الشباب المخزونة وتفریغها في ما یعود علیهم بالمصلحة.
٥- اهتم بالتغذیة وقدم الأمر بالأكل على الأمر بالعمل وأوصى بالاعتدال في الأكل أي الوسطیة.
٦- أهتم بالتربیة وجعلها في مرتبة قبل العمل.
٧- أهتم بالمعرفة ودعا إلى تلقینها للناس.
٨- جعل الإنسان محورا لخطته التربویة وغایتها.
٩- اهتم بالتربیة البدنیة وأكد على الصلة بین الجسم والعقل أي التوازن بین القیم المادیة والروحیـة واعتمـد مـصادر التربیـة الإسلامیة في ذلك.
١٠- اهتم بالمرأة وأكد على تعلیمها.
.