تعد الأخلاق موضوعًا محوريًا في منظومة التشريعات الإسلامية، وقضية مركزية في خطاب الوحي ومضمون الرسالة الإلهية؛ لقول الرسول ﷺ: «إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق»، وهذا يعني أن الأخلاق على صلة وثيقة بالدعوة الإسلامية وبحملة هذه الدعوة، وأنه لا يقبل في المنهج الإسلامي البتة أن تقدم الدعوة للناس مفرغة من محتواها الأخلاقي، ولا يرتضى أبدًا أن يكون حامل الدعوة عاريًا من لباس الأخلاق الإسلامية.
ويعنى هذا البحث الذي أعدّه الدكتور عدنان مصطفى خطاطبة- جامعة اليرموك، بدراسة مرتكزات التربية الأخلاقية للداعية المسلم في ظل الواقع المعاصر، ويهدف إلى توضيح أهمية التربية الأخلاقية للداعية، وبيان سبلها ودوافعها، وأثرها في نجاح الدعوة.
ولا شك أن الداعية والمربّي والقدوة في كل مقام هم أولى بأن يمتلكوا البصيرة الأخلاقية؛ يقول الخياط: «إذا كان التمسك بالأخلاق الحميدة والتحلي بالإيمان الصحيح ضروريين في حق كل إنسان لنيل رضا الله والنجاح، فإنهما في حق من يتقلد أمانة التعليم والتربية- وكذلك الدعوة- ضروريان من باب أولى، بحكم وظيفته كمرب للأجيال، وصانع لرجال الغد المنشود».
لماذا التربية الأخلاقية للداعية؟
أولًا: لأن التربية الأخلاقية للداعية جزء من التربية الإسلامية الشاملة.
ثانيًا: الواقع الأخلاقي للأمة المسلمة هو جزء من الواقع الحضاري المأزوم الذي تمرّ به الأمة المسلمة في زماننا.
ثالثًا: الأخلاق مقصِد من مقاصد الدعوة النبّوية.
سبل تربية الداعية أخلاقيًا
إن مسألة بناء الأخلاق مسألة ممكنة الحصول، وشرط بناء الأخلاق وحدوث التغيير الإيجابي الأخلاقي في شخصية الإنسان، هو أمر مرتهن- بالدرجة الأولى- بمدى استعداده لذلك، وبمدى بذله للجهد. وإن سبل بناء الأخلاق وتربيتها، تقع تحت دائرة الاجتهاد من حيث أنواعها، فهي متعددة ومتجددة، وترجع إلى الخبرة البشرية؛ لأنها وسائل وأساليب، وفيما يأتي بيان لتلك السُّبُل:
- التعليم: القائمين على بناء أخلاق الدعاة، يجب عليهم أن يسلكوا سبيل التعليم من أجل الوصول إلى أهدافهم، فيعملوا على تعليم الدعاة الأخلاق الفاضلة، وتدريسهم إياها بمختلف أساليب التدريس التقليدية وغير التقليدية.
- الاعتياد: الخُلق سلوك عملي وحيوي أكثر منه فلسفة نظرية، والتربية عملية تغيير وبناء.
- الصُّحْبة: تعد الصحبة أو المعاشرة من ضمن العوامل البيئية التي تؤثر في شخصية الإنسان؛ لأنه عامل خارج عن التركيبة الوراثية، وهو عامل قويّ الأثر، شديد الفعالية.
- القدوة: المفترض في الداعية أن يكون قدوة للمدعوين، ولكن قبل أن يصير قدوة لا بد له من معلم ومربي قدوة يتلقى عنه الأخلاق كما يتلقى عنه العلم.
- الدعاء: من السبل المفيدة والعجيبة في تحصيل الداعية للأخلاق الحسنة.
- المحافظة على أداء العبادات: من السبل العملية التي تساعد على تحقيق الخلق الحسن، والابتعاد عن السيئ.
- التعهد: يعد التعهد من السبل التي تحفظ أخلاق الداعية المسلم من الانهيار أو التراجع والضعف. والمراد به: أن يتعاهد الداعية أخلاقه، ويتفحصها، ويراقبها بصورة مستمرة.
أثر تربية الداعية أخلاقيًا
أثر شخصي:
- تحقيق العبودية لله.
- تزكية الداعية باطنه، وهذا من أهم أنواع تزكية النفس.
- ضبط سلوك الداعية وتصرفاته الظاهرة.
- تحقق الأخلاق الحسنة للداعية، الشخصية المتكاملة البعيدة عن التناقض بين القول والعمل.
- تحقيق القدوة الأخلاقية للمدعوين
أثر في حقل الدعوة:
- تؤدي أخلاق الداعية المسلم إلى تحقيق التآلف بين الدعاة أنفسهم.
- تترك الأخلاق الحسنة التي يتجمل بها الدعاة، السمعة الحسنة للمؤسسات وللجماعات الدعوية، وللمعاهد العلمية وغيرها ممن ينتسبون إلى الدعوة إلى الله– تعالى– وهذا من شأنه أن يجذب الناس، ويرغبهم في الانضمام إليهم، والاستماع إليهم، والاقتداء بهم، والسير على دربهم.
أثر في المدعوين:
- تحبب إليهم دين الله- تعالى-.
- تجعل أخلاق الدعاة الناس أكثر تهيؤًا واستعدادًا لسماع كلامهم، وقراءة كتبهم.
- في استمرار المدعوين بالالتزام والاستجابة.
- تعمل على منع الرافضين للدعوة من معاداتها، وتحييدهم على الأقل.
- تزيد أخلاق الدعاة من نسبة المدعوين القابلين لدعوتهم.
- تساعد على سرعة انتشار الدعوة بين المدعوين؛ لأن الناس تكثر من الثناء على أصحاب الخلق الحسن، وترغب بعضهم بعضًا في السماع منه.
أثر مجتمعي:
- تنشئ أخلاق الدعاة مجتمعًا يتسم بالتآلف والتكافل وأداء الحقوق والقيام بالواجبات: كقيم الأخوة، والعدل، والإنفاق، والاحترام، وغير ذلك.
- تقلل من الأثر السلبي للعولمة التي تسعى إلى فرض أنماطها الأخلاقية المادية والفردية والسطحية في المجتمع المسلم.
- تحافظ على خصوصية المجتمع المسلم وملامح هويته الحضارية.
- تعمل على إيجاد جسور التواصل الحضاري بين حضارة المسلمين وسائر الحضارات الأخرى، وتقوي أوجه التفاهم فيما بينها.
- تعمل على إشاعة أخلاقيات العمل التعليمي والمهني والثقافي في المجتمع المسلم.
.