في هذا البحث يعمل د. خالد إبراهيم المحجوبي، أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة الجبل الغربي بليبيا، على مقاربة ودرس جزئية متعلقة بالتعليم الديني، من خلال التعرض لعلم التربية الروحية، وهي المتصلة بأرواح وقلوب المكلفين، وطلاب العلم، لا جرمَ أن علومَ الشريعة والدين لم تَقتصِر على دراسة ظاهر الإنسان وسلوكاته، من أعمال وعبادات، بل توغلت في روح وقلب الإنسان.
بناء على هذا، لن يكون من المبالغة القول إنه لا تكتمل فائدة علوم الشريعة، إلا بتركيز الاهتمام على علم السلوك الروحي، وطرحه بوصفه مادة علمية يؤتاها الطلاب في مراحل تعليمهم الأولى في الأساسي، والمتوسط.
ويهدف هذا البحث إلى تشخيصِ واقعٍ مقررٍ علم السلوك الروحي (التربية الروحية)، من حيث وجوده أو عدمه، ثم وضعِ تصورٍ لمنهج تعليمي مجمل، لكل من مرحلة التعليم الأساسي، والمتوسط. وهي مرحلة تأخذ من عمر الطالب ثلاث عشرة سنة كاملة، سيصرفها في تلقي مناهج وعلوم المرحلة الابتدائية، ثم الإعدادية، ثم الثانوية.
مقترح بفحوى المقرر لمادة (التربية الروحية)
أولًا: التعليم الابتدائي:
يرى الباحث أن تظل المقررات الدينية للمرحلة الابتدائية قاصرة على تعلم نصوص القرآن، والحديث، ومكارم الأخلاق، من خلال قصص وحكايا مقربة للمعاني، ومرسخة للمبادئ في قلوب ووعي التلاميذ، من غير أن نفرد لهم كتابًا خاصًا بالتربية الروحية، ولا أن نفرد فصلًا له ضمن كتاب التربية الإسلامية، وهنا تقع المهمة الأكبر على المعلم، الذي تبرز أهمية دوره وكفاءته لإيصال تلكم المعاني والمبادئ ورصفها في عقول وقلوب التلاميذ.
ثانيًا: التعليم الإعدادي:
لا يحسن عندي أن يفرد لعلم (التربية الروحية) في هاته المرحلة كتاب خاص بها، بل الأجدى أن تسبك المواضيع والمباحث، مشفوعة بأدلتها ونصوصها، وقصصها ضمن فصل خاص، بين غضون كتاب التربية الإسلامية.
حيث تتوزع مباحث ومواضيع التربية الروحية على ثلاث سنوات، على النحو التالي:
السنة الأولى: الإخلاص، مفهومه، وثوابه، وفائدته، التقوى: مفهومها، وفضلها.
السنة الثانية: الزهد، معناه، وفضله. الورع: مفهومه، وفضله.
السنة الثالثة: صفاء القلوب، وتزكية النفوس.
ثالثًا: التعليم الثانوي:
هذه المرحلة تتحمل أن يفرد للتربية الروحية كتابًا خاصًا بها، على نحو موجز ميسر، إلى جانب كتاب التربية الإسلامية. ويكون الكتاب مقررًا على طلاب السنة الثالثة (بالثانوية العامة).
ويكون الكتاب منطويًا على مواضيع أهمها:
- حقيقة العبادة، وفضلها، وشروطها. وأغراضها قلبيًا، وسلوكيًا.
- أهمية صفاء القلوب والنفوس.
- أعمال القلوب: وأمراضها مثلًا: (الغل، والحقد، والحسد، والكراهية) خطرها وطرق الخلاص منها.
- مفاهيم: الورع- الزهد - التقوى - الإخلاص.
- أعلام التربية الروحية في الإسلام، من الصحابة والتابعين، ومن تلاهم.
حاجة الطلاب لعلم التربية الروحية
انطلاقًا من مسلمة أن الإنسان كائنٌ حي ذو عنصر مادي، وعنصر روحي، نرى أن من المهم اصطناع توازن بين ما يحصله الطالب من علوم المادة والطبيعة، وعلوم الدين والروح.
ولم يغفل قدماء الفلاسفة، والتربويون التركيز على المساحة الروحية في الإنسان، وبخاصة في حالة التعلم، فقد ظهر ذلك الاهتمام منذ كونفشيوس، ثم أفلاطون الذي رأى أن تستمر مرحلة تعلم الطالب ما بين سن السابعة، وسن السادسة عشرة، واهتم بأن يتعلم فيها الرياضة البدنية، والموسيقى، وقد جعل الرياضة مخصصة للجانب الجسمي البدني، وجعل الموسيقى مادة لإغناء وإشباع الروح، وهذا ما تميزت به الفلسفة المثالية في نهجها التعليمي عن نهج المدرسة الواقعية التي اجترحها أرسطو.
أما في ساحة الفكر التربوي الإسلامي فلم يكن غائبًا مدى الأهمية التي خصصها التربويون للمجال الروحي، كما هو ظاهر - مثلًا - في طروح مسكويه، والغزالي، وابن خلدون.
شروط نجاح المقرر الدراسي لمادة التربية الروحية
- متانة تأسيسه العلمي.
- وثوق مصادره المرجعية.
- ربطه بالحياة والواقع، وفي هذا السياق يرى (رالف تايلور) أهمية دراسة (نفسية المتعلم، وحاجاته، وبيئته، ومجتمعه، وقيمه، ومكوناته الثقافية.
- تنزيهه عن الأيديولوجيا، والتوجهات الفكرية المغرضة.
- تنقية المنهج من آفاته التي تسنح أمامنا، أهمها: حمولات الخرافة والخيالات المؤثرة في التفكير العقلي الواقعي، ثم آفة تقديس الأشخاص، مضادة الشريعة، ومخالفة الدين من أفكار وسلوكيات.
ما يجب أن يتصف به مقرر التربية الروحية للمرحلة الأساسية والمتوسطة
مع مراعاة كل ما سبق يجب أن يكتسي مقرر مادة (التربية الروحية) الصفات التالية:
- أن يكون شموليًا نائيًا عن الاستدقاق والاستعماق.
- بعيدا عن عرض الاختلافات والتباينات والتوجهات الفكرية والحجاجية.
- أن يدعم بالشواهد النصية من القرآن، والحديث، والقصص الهادف والنافع.
- ربط معلوماته بالتربية الذاتية الحياتية اليومية والسلوكية للمتعلم (الزهد - الورع – الرحمة - التقوى - العبادة – الإخلاص).
.