الشيخ سامح الجبة يكتب: سمات الغاية والأهداف في دعوة الإخوان ودورها في عمل المربي (2)

 

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد........

تحدثنا في مقال سابق عن صحة ووضوح الغاية في حياة المربي وأهمية ذلك، ولكن هل هناك فرق بين الغاية والهدف؟ وهل لهذه الغاية من سمات؟ وهل من سمات لهذه الأهداف؟ لأن بيان ذلك له أثر كبير على عمل المربي والداعية فهذا الوضوح يجمع الجهود ويحشد الطاقات في الاتجاه الصحيح الذي يؤدي إلى أعظم الثمار وأفضل النتائج التي ترضي الله أولًا، وتحقق ما نصبوا إليه من التمكين لدين الله وتحقيق الأهداف المنشودة، ولهذا أقول وبالله التوفيق:

 

أولًا، الفرق بين الغاية والأهداف:

إن الغاية ثابتة لا تتغير بتغير الأشخاص والأحوال والمراحل التي تمر بها الدعوة، فهي مستمرة، وعلى المربي أن يجدد في نفسه وفي نفوس إخوانه هذه الغاية بشكل مستمر حتى لا تنحرف البوصلة وتتغير الوجهة، فتتبعثر الجهود وتتشتت وقد يصادم بعضها بعضا، أو قد يحدث الخلط بين الوسيلة والغاية، أو بين الهدف والغاية، ولهذا جاء الأمر القرآني: «وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ۖ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا». فإن غياب الغاية الصحيحة أدى إلى فرط الأمر.

أما الأهداف فهي متحركة ومتغيرة قد تتغير من مرحلة لمرحلة وقد يُقدَّم بعضها ويُأخَّر البعض الآخر لفترة من الزمن حسب ما تقتضيه المصلحة.

 

ثانيًا، سمات الغاية:

1 ـ إن غاية المؤمن هي إرضاء الله- عز وجل- بالتمكين لدينه في الأرض، وهداية البشرية إلى الحق، وإرشاد الناس إلى الخير، وإنارة العالم كلِّه بشمس الإسلام.

 2 ـ إن السبيل إلى تحقيق هذه الغاية العليا تتطلب غايةً أخرى، وهي تكوين جيلٍ جديدٍ من المؤمنين بتعاليم الإسلام الصحيح، يعمل على صبغ الأمة بالصبغة الكاملة في كل مظاهرها.

3 ـ وإن غاية الإخوان المسلمون تتم على محورين:

غاية قريبة: المساهمة في الخير العام أيًّا كان لونُه ونوعُه والخدمةُ الاجتماعيةُ كلما سمحت بها الظروف.

وغاية بعيدة: إصلاحٌ شاملٌ كاملٌ، تتعاون عليه الأمة جمعاء، وتتجه نحوه الأمة جمعاء، ويتناول كل الأوضاع القائمة بالتغيير.

4 ـ أن هذه الغاية لم يبتدعها الإخوان المسلمون ابتداعًا، ولم يختلقوها من أنفسهم، وإنما مصدرها القرآن الكريم والسنة المطهرة وسيرة الصحابة الكرام والسلف الصالح.

5 ـ أن هذه الغاية تحتاج إلى تضحياتٍ كثيرةٍ بأن يجعل المسلم حياته وقفًا على دعوته ليكسب آخرته جزاءَ تضحيته.

 

ثالثًا، سمات الأهداف:

1 ـ تكامل الأهداف:

 فبداية الإصلاح هو الفرد والبيت والمجتمع، ولا يمكن بناء مجتمع دون بيوت مسلمة، ولا نستطيع تكوين بيوت مسلمة إلا بوجود الفرد المسلم (الزوج والزوجة) أساسًا للبناء والنهضة والتغيير، وهذه المراتب الثلاثة تسير جنبًا إلى جنب بصورةٍ مترابطةٍ ومتكاملةٍ، كما أنها تسلِّم بعضها بعضًا.

2 ـ شمول الأهداف:

فمراتب ركن العمل التي ذكرها الإمام البنا تناولت كل عناصر النهضة؛ فلم يكتفِ الإمام بمرتبة إصلاح الفرد وتكوين البيت وإرشاد المجتمع، بل كان حريصًا على تحرير الأوطان، وإصلاح الحكومة، وإعادة الكيان الدولي للأمة الإسلامية وأستاذية العالم، فتصبح هذه الأهداف الشاملة لجميع جوانب الإصلاح المنشود تمثِّل الإطار العام لجهود المصلحين والدعاة والمخلصين من أبناء الأمة.

3 ـ واقعية الأهداف:

 لأن هذه الأهداف تسعى إلى إحداث تغيير تدريجي لا فوريّ، تغيير جذري لا فوقي، وعميق لا سطحي، تشارك فيه الأمة ولا ننوب عنها. ولقد تحققت هذه الأهداف بنسبٍ متفاوتة، ولكن إجمالًا يمكن تحقيقُها وتطبيقُها، بالبذل والصبر والتضحية، فهي ليست خيالًا وآمالًا صعبةَ المنال.

4 ـ دقة الأهداف:

فصياغة كل هدف مُحكَمةٌ ودقيقة ومُعبِّرة عن المقصود، فعندما تحدَّث الإمام عن مرتبة الفرد وصفها بـ(إصلاح الفرد نفسه)؛ لأن بناء الفرد وشخصيته تحتاج إلى إصلاح تنمية الجوانب الإيجابية وعلاج جوانب القصور والضعف، وعندما تكلم عن مرتبة البيت وضع تكوين البيت المسلم الذي يتكون من الزوج المسلم والأخت المسلمة، وهما أساسا تكوين هذا البيت المسلم.

وعندما تحدث عن مرتبة المجتمع وصفها إرشاد المجتمع؛ لأن المجتمع يحتاج إلى الإرشاد والتوجيه حتى يتصف بالمجتمع المسلم الراشد، ثم يتبع ذلك مرتبة تحرير الوطن من كل سلطان أجنبي غير إسلامي، سياسي أو اقتصادي أو ثقافي، وهو وصفٌ مُعبِّر عن تحرر الأوطان والشعوب من الهيمنة بكل صورها السياسية والعسكرية، والاقتصادية والثقافية.

وعندما تناول مرتبة الحكومة وصفها بإصلاح الحكومة حتى تكون إسلاميةً بحق، وهذا يحدد طبيعة هذه الدعوة بأنها تسعى للإصلاح من أجل تكوين حكومة إسلامية بحق، بغض النظر من يحكم؛ لأن العبرة بتطبيق المنهاج والنظام، وليس بالأشخاص والدعوات، ثم يصف الإمام الخلافة الإسلامية بإعادة الكيان الدولي للأمة الإسلامية، وهذا تعبير دقيق عن واقع الأمة التي كانت لها خلافة واحدة وخليفة واحد، تمزقت بعد ذلك إلى دول ودويلات صغيرة، فكان الهدف هو إعادة هذا الكيان الدولي لهذه الأمة، ثم مرتبة أستاذية العالم، وهو تعبير حضاري راقٍ عن أمة وحضارة إنسانية رائعة تنطلق من سموِّ دعوتها وصلتها بالله- عز وجل- حتى يسود الحب والوئام في العالم أجمع.

 5 ـ معيارية الأهداف:

 فنجد أن الإمام البنا في كل مرتبة من مراتب ركن العمل يحدد لكل مرتبة أو هدف مظاهرَ تُحقِّقه والتي يمكن القياس عليها في مدى تحقق الهدف؛ ففي مرتبة الفرد المسلم يحدد صفات المسلم العشر- مثقف الفكر، متين الخلف...إلخ- كمظاهر تحقُّقٍ لها، وفي مرتبة البيت المسلم يحدِّد الإمام البنا مواصفات هذا البيت بأن يحمل أهله على احترام فكرته، والمحافظة على الآداب الإسلامية، وفي مرتبة إرشاد المجتمع يحدِّد مظاهر تحقق ذلك بنشر دعوة الخير ومحاربة الرذائل والمنكرات، وكسبه الرأي العام إلى جانب الفكرة الإسلامية، وهكذا في باقي الأهداف.

6 ـ مستويات تحقيق الأهداف:

 فمرتبة إصلاح الفرد لنفسه وتكوين البيت المسلم مهمةُ كل أخٍ على حدته، ومرتبة إرشاد المجتمع مهمة كل أخٍ على حدته ومهمة الجماعة كهيئة عامة، ثم باقي المراتب الأربع تجب على الجماعة متحدةً وعلى كل أخ باعتباره عضوٍ فيها.

وبالتالي يستطيع الفرد- كل فرد- أن يحدِّد دوره ومهمته في تحقيق هذه الأهداف بصورةٍ متكاملةٍ ومتوازنةٍ بين الدور الفردي والجماعي.

وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

 

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم