عبده مصطفى دسوقي
خلق الله السماوات والأرض وما بينهما وخلق كل شيء فيهما ليسبح بحمد خالقه وليبقى لاهجا بشكر نعم ربه عليه. ثم كانت حكمة المولى عز وجل من خلق الإنسان بعد أن استوت الأرض واستقامت، وثبتت السماء وازينت بالنجوم، أن يكون خليفة الله في الأرض، قال سبحانه: «وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً» (البقرة:30)، ووهبه صفات الخير والشر ليتلمس طريقه ويعرف الحق من الباطل، ووضع له فتنًا ومحنًا ليختبره ويمتحنه، قال تعالى: «الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ» (تبارك:2)، وترك الاختيار للإنسان بعد أن بين صفات وجزاء طريق الحق ووضح صفات وعقاب طريق الشر، فقال سبحانه: «فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ» (الكهف:29)، ووهبه معينات كثيرة ليتعرف على الطرق ومنها بذور التربية التي تترعرع في قلب كل إنسان فتنتج أشجارا وثمارا يانعة يرفل في نعيمها كل فرد.
التربية
للتربية دورٌ مهمٌ في حياة المجتمعات والشعوب، فهي عماد التطوّر والبنيان والازدهار، وهي وسيلةٌ أساسيّةٌ من وسائل البقاء والاستمرار، كما أنها ضرورةٌ اجتماعيّةٌ تهدف لتلبية احتياجات المجتمع والاهتمام بها، كما أنها أيضاً ضرورةٌ فرديّةٌ من ضرورات الإنسان، فهي تكوّن شخصيّته وتصقل قدراته وثقافته ليكون على تفاعل وتناسق مع المجتمع المحيط به ليسهم فيه بفعاليّة.
والتربية هي العمل المنسَّق المقصود الهادف إلى نقل المعرفة، وتكوين الإنسان، والسعي به في طريق الكمال من جميع النواحي وعلى مدى الحياة.
لكني أريد بالتربية تلك التي تتوافق مع شريعة الرحمن سبحانه وهي عملية بناء الإنسان وتوجيهه لإعداد شخصيته وفق منهج الإسلام وأهدافه في الحياة.
والتربية في كل أحوالها لا تهتم بالفرد منعزلا عن المجتمع بل تهتم بالفرد والمجتمع معا وفي وقت واحد ومتزامن من خلال اتصال الفرد بمجتمعه وتفاعله معه سلبا وإيجابا.
أهمية التربية
هناك أهميّة كبيرة لدور التربية في المجتمعات على اختلافها، وتبرز أهميتها في جوانب متعددة يلخصها إبراهيم ناصر بقوله:
- عامل مهم في التوازن البيئيّ، وذلك من خلال دور التربية البيئيّة التي تثقّف الفرد في تعامله مع البيئة والطبيعة من حوله، حيث إنّ البيئة تعرّضت لمخاطر كبيرة من التلوّث البيئيّ الذي قام به الإنسان، لذا أصبحت التربية تولي البيئة المكانة اللازمة في نفوس الأفراد للمحافظة عليها، وتكوين الإنسان الصالح للبيئة.
- أصبحت التربية إستراتيجية وطنيّةً لشعوب العالم، يتمّ وضع الميزانيّات والخطط والكوادر البشريّة من السياسات والبلدان لتحقيق الأهداف المرجوّ أن يسير الأفراد عليها من خلال التربية.
- عاملٌ مهمٌ من عوامل التنمية الاقتصاديّة، عن طريق تكوين أفرادٍ مؤهلين واستثمار القوى البشرية وإعدادها وتأهيلها للعمل في الاقتصاد.
- عاملٌ مهمٌ من عوامل التنمية الاجتماعيّة، حيث تربي الفرد على تحمل مسؤولياته الاجتماعية، ومعرفة حقوقه وواجباته. عاملٌ مهمٌ في بناء الدولة العصريّة الحديثة التي تتماشى مع الحضارة، وتواكب التقدم العلميّ والتكنولوجيّ، ويعيش الفرد فيها حياةً كريمةً برفاهيّةٍ وعدالةٍ اجتماعيّةٍ بين جميع الأفراد.
- عاملٌ مهمٌ من عوامل إرساء الديمقراطيّة الصحيحة، حيث تدلّ الأفراد على حقوقهم المدنيّة والسياسيّة، وتحرير الأفكار من الجهل ليؤمن الأفراد بالرأي والرأي الآخر، ودور المشاركة الفعالة في تطوير المجتمع.
- عاملٌ مهمٌ في التماسك الاجتماعيّ والوحدة الوطنية والقوميّة من خلال توحيد القوى والاتجاهات في المجتمع لخلق وحدةٍ فكريّةٍ تؤدي إلى ترابط المجتمع وتماسك أفراده.
والتربية بذلك عملية تنمية للأفراد ذات اتجاه معين، ويترتب على ذلك أنها تحتاج إلي وكيل تربوي يوجه الشخص الذي يمر بهذه العملية، أي أنها تقوم على أساسين وهما التلميذ والوسيلة التربوية التي تشكل طبيعته الإنسانية. ويقوم على هذه الوسيلة التربوية ويوجهها أفراد لهم بعد تربوي، وبذلك تكون التربية عملية تنمية للأفراد.
غير أنى أرى أن التربية لابد أن يقوم بها كل فرد في المجتمع كلٌ حسب سنه ووضعيته، لأن التربية تعتبر من مشتقات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي لم يستثنى الله منه أحد حينما وصف ذلك بقوله: «كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ» (آل عمران:110)، بل هي أيضا تندرج تحت مفهوم التدافع والذي ينشد الإصلاح لأن الله سبحانه ربطه بدفع الفساد دائما قال سبحانه: «وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ» (البقرة:251).
وبقدر اختلاف المجتمعات وتباينها تختلف التربية في أنواعها ومفهومها وأهدافها وطرقها والسبب في ذلك فعل وتأثير القوى الثقافية التي تؤثر في كل مجتمع على حدة.
والعملية التربوية ليست يوما أو ساعة ولكنها عبارة عن تراكمات من الخبرات والسلوكيات التي رضيت عنها الشعوب على مر الزمن فبواسطة العملية التربوية عرف الفرد الحقائق الموجودة في العالم وتعلم المهارات التي تفيده في الحياة وبواسطتها نمت قدراته وتشعبت ميوله وحُققت رغباته.
كما أنها ليست حكرا على أحد ولا هي مهمة إنسان دون آخر كما أنه عملية عامة قد يقوم بها الأب أو الأم أو المدرس أو المدرسة أو السائق أو البائع أو أي مخلوق قد تأهل لذلك.
أهدافها
مما سبق اتضح مدى أهمية التربية في المجتمعات ورقيها والحفاظ على سلوكيات أفرادها، ومن ثم نستفيد منها ببعض الصفــــــات والسمـــــــات للشخصية ومنها:
القدرة على تحمل المسئولية، مراعاة حقوق الآخرين، القدرة على العمل، القدرة على التعاون، تقدير عمل الآخرين، تقبل النظم، ضبط النفس، الابتعاد عن المؤثرات الشخصية.
البلاء
البــــلاء سُنَّة الله الجارية في خلقه؛ فهناك من يُبتلى بنقمة أو مرض أو ضيق في الرزق أو حتى بنعمة.. فقد قضى الله عزَّ وجلَّ على كل إنسان نصيبه من البــــلاء؛ قال تعالى: «إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا * إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا» [الإنسان: 2،3]، فمنهم من سيفهم حكمة الله تعالى في ابتلاءه، فيهون عليه الأمر، ومنهم من سيجزع ويتسخَّط، فيزداد الأمر سوءًا عليه.
إذًا البلاء في حق المؤمن كفارة وطهور، كما أنه يبلغ بالمؤمن المنازل العلا (إذا رضى وصبر)، وهو دليل لحب الرحمن لعبده إذا كان العبد صابرا محتسبا أما إذا سخط وضجر يتحول البلاء لعقاب دنيوي ولا ينال عليه أجر وينفذ فيه البلاء، ولذا وجب على المسلم أن يتلقى البـــلاء بالرضا بقضــاء الله وقدره لأن البلاء من قدر الله المحتوم، وقدر الله لا يأتي إلا بخيـــر، والاستعانة بالله واللجوء إليه وطلب المعونة منه.
فنجد في زماننا من يبتلى بالأمراض ومنهم من يبتلى بالنعمة فليس البلاء فقط في الضراء لكن لربما يبتلى الله العبد في الرخاء والسراء، ومنهم من يبلى بالاعتقال والحبس من أجل فكرته ويزج به في السجون دون واجه حق ولا جريرة ويستشعر مرارة الظلم الواقع عليه وعلى أسرته، حتى أنه يرى الظلم مجسدا أمامه في كل كلمة ينطقها خصمه أو كل فعل يصدر عنه، وهذا من أشد أنواع البلاء لأنه لا يستطيع دفع الظلم عنه ولا عن أهله ولا يملك مقومات التدافع في حياته الداخلية، ولذا قلَّ من يصبر ويرضى بقلبه على هذا الوضع وتسليم تام لله رب العالمين والبعض يرضى لأنه لا يملك لنفسه شيء لكن إذا انفجرت جراحات الحبس تجده يتحول لوحش كاسر في محاولة منه للخروج بأي وسيلة، ومع هؤلاء نجد من يظل ساخطا ويحاول أن يحول حياة الأمينين لقلق واضطراب وضغط عصبي ونفسي.
وهنا تظهر علامات التربية التي عاشها وترعرع وسطها سواء في بيته أو مدرسته أو مجتمعه وغيره، فالفرق كبير بين من تربى وتعلم وعلم وعرف وعاش وتدرب على المعاني التي تربى عليها بل وتعايشها وأصبحت جزءا من حياته وبين من عاش حياته لنفسه لا يعبأ بتربية أو غيرها.
علامات التربية وقت المحن
حينما تنزل بالمرء شدة أو ضيق أو حتى رخاء تبرز علامات التربية في سلوكياته والتي لخصها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حينما قال للمرأة التي توفى عنها زوجها: «اتقي الله واصبري»، قالت: «إليك عني، فإنك لم تُصب بمصيبتي!» ولم تعرفْه، فقيل لها: «إنه النبي -صلى الله عليه وسلم- فأتت باب النبي -صلى الله عليه و سلم- فلم تجد عنده بوابين! فقالت: لم أعْرِفْكَ! فقال: «إنما الصبر عند الصدمة الأولى» (البخاري ومسلم).
في هذا الحديث تلخيص لعلامات التربية والتي تتجلي على الفرد وقت المحنة ومنها:
- تلقى البـــلاء بالرضا بقضــاء الله وقدره.. فهو يعلمَ أن الله قد ارتضاها له واختارها وقسَمَها، وأنَّ العبودية تقتضي رضاه بما رَضِيَ له به سيده ومولاه.
- تعلق قلب العبد بربه حتى أنه يشعر بحب جارف لربه وتسليم مطلق لما يحدث، يقول ابن القيم: هذه المصيبة هي داءٌ نافع ساقَه إليه الطبيبُ العليم بمصلحته الرحيم به؛ فليصبرْ على تجرُّعِه ولا يتقيَّأه بتسخُّطِه وشكْوَاه فيذهبُ نفْعُه باطلًا.
- لا تراه غاضبا لحدوث البلاء أو جازعا لنزوله عليه أو أحد من أهله. ويعلمَ أن المصيبةَ ما جاءَتْ لتهلِكَه وتقتُلَه، وإنما جاءت لِتَمْتَحِنَ صبْرَه وتبْتَلِيَه؛ فيتبيّن حينئذ هل يصلح لاستخدامه؟ وجعْلِه من أوليائه وحزبه أم لا؟
- إدراكه أن الدنيا بمثابة القنطرة التي يعبر بها إلى الدار الآخرة، وأن الله يربّي عبدَه على السراء والضراء والنعمة والبلاء؛ فيستخرج منه عبوديَّته في جميع الأحوال؛ فإن العبدَ على الحقيقة من قام بعبودية الله على اختلاف الأحوال، وأما عبدُ السرَّاء والعافيةِ الذي يعبد الله على حرفٍ؛ فإن أصابه خير اطمأنَّ به، وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه؛ فليس من عبيده الذين اختارهم لعبوديته.
- يقينه بثواب الصبر والرضا وحينها يهون عليه كل بــلاء، قال تعالى: «...إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ» [الزمر: 10].
- ثِقته بحدوث الفرج من الله سبحانه وتعالى، فإذا رأي أمرًا لا يستطيع غيره، صبر وانتظر الفرج.. قال تعالى: «فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا» [الشرح: 5،6].
- ترك الشكوى.. فلا تراه حينما يحل به البلاء شاكيا لكل من يقابله، معترضا على حدوث ذلك له دون غيره ولذا ينبغي أن يحفظ لسانه عن الشكوى لأي أحد، سوى الله عزَّ وجلَّ.
قال ابن الجوزي: «أما بعد؛ فإني رأيت عموم الناس ينزعجون لنزول البلاء انزعاجًا يزيد عن الحد، كأنهم ما علموا أن الدنيا على ذا وضعت! وهل ينتظر الصحيح إلا السقم؟ والكبير إلا الهرم ؟ والموجود سوى العدم؟!».. وقال أيضًا: «ولولا أن الدنيا دار ابتلاء لم تَعْتَوِرْ فيها الأمراضُ والأكدار، ولم يضق العيش فيها على الأنبياء والأخيار.. ولو خُلِقت الدنيا للذة لم يكن حظّ للمؤمن منها».
أهمية التربية وقت المحن
إذا تمت التربية بالشكل المرجو منها خلال كل مؤسسة يتلقى الفرد منها أسس ومسار حياته أصلح حاله وحال المجتمع، على العكس إذا هجر التربية وهجرته تجد كالذي يتخبطه الشيطان من المس فيهلك الأخضر واليابس ولذا كان لها العديد من الأثر على الفرد والمجتمع:
- أثرها على الفرد
للتربية أثر عظيم على الفرد وقت المحن والصعاب سواء كانت أثارا نفسية أو سلوكية أو غيرها، فإذا نال الفرد قسطا من التربية كان له وِجاءًا في محنته، وتخصه:
- بالسكينة والأمن وأصل السكٌينة هي الطمأنٌينة والوقار والسكون الذي ينزله الله على عبده عند اضطرابه من شدة المخاوف.
- الرضا والٌيقيٌن: وليٌس معنى الرضا الاستسلام للأوضاع والتقاعد عن العمل، وإنما الرضا هو: «سرور القلب بالقضاء، وارتفاع الجزع في أي حكم كان».
- الثبات وقت الأزمات: فالتربية الصحيحة تجعل القلب ثابتا لا يجزع، والمؤمن بالله والموقن بلقائه، لا تلهه متاع الدنيا، كما لا ترهبه مصائبها، فإنها أيضا لا تزعجه بلاياها.
- تدفعه لاستشعار نعم الله التي كان يرفل فيها قبل المحنة.
- تغرس في نفس الفرد سنة التدافع والتي بها يرفع المرء الظلم عن نفسه وقومه ويدفع الفساد.
- حرص الفرد على الإصلاح من أجل رفع البلاء ونشر الخير.
- تجعل الفرد لا ينزعج فلا يصدر عنه تخريب أو انتشار آفات القلب كالحسد وغيره.
- تدفع الإنسان لتحري الحلال في مكسبه حتى يرفع به بلاء نازل أو سيئة صاعدة.
- أثرها على المجتمع
- التلاحم والترابط بين الأفراد وقت المحن والصعاب
- علو الشعور بالإخوة والمحبة بين أفراد المجتمع لدفع البلاء وجبر المحن
- سمو روح التضحية والبذل بين أفراد المجتمع وقت المحن والصعاب التي تقع على الأفراد.
- التكافل والتضامن سواء كان معنويا أو ماديا، ولقد ظهر مفهوم التكافل الاجتماعي في كثير من الآثار القرآنٌية والأحادٌيث النٌبوٌية منها قوله سبحانه: «وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ» (التوبة: 71).
- التسامح والتناصح، لأنه من حق الأخ على أخيه المسلم أن يبصره وينصح له؛ إبقاءً على حق الأخوة، ودفعا للأذى عن أخيه وعن المجتمع كله.
- رعاية الحقوق وأداء الواجبات، فالمعلوم أن المجتمع مكون من راع ورعيته، ولكل منهما واجبه وحقه، وأكثر من في الأرض مطبوع على إهمال الواجبات ومطالبة الحقوق.
معضلات تربوية
هناك بعض المعضلات التي يظنها الناس فيمن ظن أنه يحمل العلم، فواقع بعض المتعلمين الربط بين ثبات المربي وقت المحن، وبين علمه وخبرته، فهو يعتقد أن القاعدة الحاكمة في فقه الدعوة أنه كلما كان المربي عالما خبيرا، فهو في الحق أشد ثباتا وعلى المحن أكثر تحملا وصلابة.
و هذا الربط بين الأمرين وفق هذه القاعدة ليس على إطلاقه، وإنما له استثناءات واقعية تجعلنا لا نجزم بها على وجه اليقين، فكم من علماء أفذاذ كان يشار إليهم بالبنان، ملئوا شاشات التلفاز بفصيح الكلام، ومنظوم السجع والبيان خاروا وقت المحن والشدائد، واتخذوا العلم للسلطان تزلفا، والتغاضي عن الباطل وانتهاك الأعراض وسفك الدماء وإهانة الدين للسلطان تقربا، ولنا في قصة خلق القرآن وأحمد بن حنبل المثل فكم من عالم ثبت في هذه المحنة رغم أنه من المعروف أن العصر العباسي الأول هو أزهى العصور الإسلامية التي أنجبت عددا وفيرا من علماء الأمة لكن كم منهم ثبت حتى انجلت المحنة، قليلا ممن عرفوا معنى التربية الحقيقية.
وأيضا ترك منهج التربية لأن أهل التربية لا يثبتون على مبادئهم، خديعة من وحي الشيطان يصد بها السالكين عن الطريق. وسبيلك للفكاك منها أن توقن يقينا لا شك فيه أن كل إنسان معرض لفتن الحياة، ولا يؤمن منها إلا من ثبته الله تعالى بفضله وكرمه حتى يموت.
ومن الواقع الشائع ظن بعض المتعلمين أن التربية يمكن أن يستعاض فيها عن المربي بكتب التربية والسلوك، وأن مجرد القراءة والعكوف على سير الصالحين كفيل بتحقيق الهدف، وهذا وهم لأن التربية شأنها شان سائر العلوم الأخرى أصلها المعلم، وفرعها الكتاب وقديمًا قال علماؤنا: «لَا تَأْخُذُوا الْقُرْآن من مصحف».
مما سبق اتضح لنا أثر التربية وأهميتها في حياة الفرد والمجتمع، لأنه إذا استقام الفرد استقام المجتمع.
للمزيد:
- (مقدمة في التربية) إبراهيم ناصر، دار عمار للنشر والتوزيع، الأردن، طـ 1، 1999م، صـ 206.
- علي خليل أبو العنين وآخرون: تأملات في علوم التربية كيف نفهمها: القاهرة – الدار الهندسية، 2004.
- محمد منير مرسي، التربية الإسلامية أصولها وتطورها في البلاد العربية، عالم الكتب، القاهرة 1421هـ.
- (طريق الهجرتين وباب السعادتين) ابن القيم الجوزية، دار السلفية، القاهرة، طـ 2، 1394هـ
- (التربية الإيمانية وأثرها في الفرد والمجتمع) تيرنو سعد جالو، بحث استكمالي لنيل درجة البكالوريوس، الكلية الإفريقية، دكار السنغال، 2010م.
.