Business

الدور الوقائي للأسرة في مواجهة الإلحاد

الأسرة المسلمة ليست بمنأى عن المتغيرات المتسارعة في هذا العصر، فهي جزء متفاعل مع المنظومة الكونية إيجابًا وسلبًا، ومن جملة هذه المتغيرات الوافدة على الأسرة المسلمة: المتغيرات الفكرية، بشتى أنواعها ودوافعها ومتغيراتها، وفكر الإلحاد من هذه الأفكار الوافدة تحت دعوى الحرية الشخصية المطلقة.

وفى هذه الدراسة التي أعدّها الدكتور عمر بن حسن بن إبراهيم الراشدي، أستاذ أصول التربية الإسلامية والمقارنة- جامعة أم القرى، تناول فيها الدور التربوي الوقائي في حياة الأسرة المسلمة لحماية الطفل من فكر الإلحاد المعاصر، مع اقتراح مجموعة من الإستراتيجيات التربوية التي تساعد الأسرة في وقاية الطفل من فكر الإلحاد.

 

نشأة عارض الإلحاد وتطوره

إن مشكلة الإلحاد ليست مشكلة دولة أو دين أو نظام، كما أنها ليست نتاج أجواء الانفتاح الفكري والثقافي فقط، إنما هي في حقيقة الأمر مشكلة نفسية تتعلق في الأصل بوجود حالة خواء ديني ومعرفي تتراكم آثاره عبر السنين حتى تنتهي بصاحبه إلى الإلحاد.

وقد كان من أهم النتائج التي خلص إليها الباحثون هو أن الإلحاد كان وما يزال مشكلة وظاهرة أوروبية بامتياز، لم يكن للعالم الإسلامي فيها دخل أو نصيب، فقبل ثلاثة قرون لم يكن الإلحاد معروفًا أو ظاهرًا بحيث يصل لأن يكون قرابة الـ 16% من سكان العالم مصنفين تحت خانته، وأرجعت غالب الدراسات الميدانية الظاهرة إلى الكنيسة الأوروبية كسبب رئيسي في ظهور المشكلة وتضخمها حتى وصلت لهذا المستوى المخيف، فكانت سببًا مباشرًا وغير مباشر في نشر الإلحاد والزندقة والكفر الكامل بوجود الله.

 

أسباب تفشي الظاهرة الإلحادية المعاصرة

  1. النشأة في بيت لا يعرف آداب الإسلام ولا يهتدي بهداه، لا يسمع فيه الناشئ ما يدله على دينه.
  2. قراءة كتب في الإلحاد دس فيها السم بألفاظ منمقة، وصدرت بشبهات مضللة.
  3. عرض الشهوات بطريقة جذابة، وصور فجة تدعو الشباب لممارستها، والأطفال لرؤيتها وقبولها واستمرائها، وربطها بالحرية الشخصية.
  4. العالم الفضائي بشقيه– القنوات والإنترنت– وما يبث فيهما من شهوات وشبهات.
  5. ممارسات وتطبيقات بعض المتدينين والمحسوبين على أهل التدين سواء بالاسم، أو المظهر والرسم.
  6. عدم عناية الإعلام ووسائله الرسمية بإبراز القدوات الصالحة.
  7. عدم قيام مؤسسات التربية بأنشطة تذكر للوقوف في وجه موجة الإلحاد الجديدة، وبطء استجابتها للمستجدات العالمية والحراك الاجتماعي.
  8. دور النشر وما تبثه من روايات إلحادية، وتجارب منحرفة وكتب فكرية وفلسفية تصادم ثوابت الإسلام.
  9. انتشار ظاهرة المقاهي الثقافية التي تروج للثقافة الإلحادية.
  10. المواقع المشبوهة التي يدعمها كبار الملاحدة على الإنترنت وتدعي نصرة المظلومين وتبث ضمن ذلك أفكارًا إلحادية.
  11. إشكاليات الحضارة وأزمة الهوية السائدة بين الشباب مع عدم وجود المحاضن التربوية المقنعة التي تحوي الفكر.

 

الآثار السلبية للإلحاد في حياة الجيل

  1. القلق والصراع النفس.
  2. الأنانية والفردية.
  3. نمو النزعة الإجرامية.
  4. هدم النظام الأسري.
  5. الإجرام السياسي.

 

حماية الطفل من الإلحاد من خلال القرآن والسنة

سلك الأسلوب القرآني طرق عدة في تفنيد الإلحاد والوقاية منه، حيث يعتبر التنوع في القرآن الكريم للوقاية من الفكر الإلحادي مدرسة في التربية الوقائية، تحمي عقول الناشئة من الوقوع في المرض الإلحادي، إذ تعالج أصل الفكرة بسلامة الفطرة، وتفند الشبهة الإلحادية بالرد المقنع، وتحث العقل على التفكر والتأمل، وتستخدم الدلالات العقلية والحسية على توحيد الخالق، وجاءت السنة منسجمة مع هذا السياق ومفسرة لمجملة، وموضحة وشارحة لمحكمه، ويمكن تلخيص هذا المنهج الوقائي في نقاط على النحو التالي:

أولًا: الوقاية بالمحافظة على سلامة فطرة الطفل من الإلحاد، من خلال:

  • ربط فتيان وشباب المسلمين منذ نعومة أظفارهم بالله تعالى، من خلال تنمية فطرتهم السليمة، وتدعيمها في كل مناسبة، من خلال تشجيعهم على التأمل والتفكر في عظمة الله وقدرته، وبديع خلقه وحكمته، في النفس والكون والحياة.
  • عقد جلسات دورية مع أولادنا ومن تقع مسؤولية تربيتهم على عاتقنا– وخاصة المراهقين منهم والشباب– للتأكد من سلامة فطرتهم، والإجابة عن كل تساؤلاتهم.
  • عقد لقاءات إيمانية لتلاوة القرآن وذكر الله تعالى، فإنه من أكبر المساعدات على تقوية الفطرة الإلهية، ومن أشد موانع انحرافها وزيغها.

ثانيًا: الوقاية من الإلحاد بحث العقل على التفكر في مخلوقات الله لتأكيد العقيدة الصحيحة وتنمية روح التأمل والتدبر وربط القرآن بحركة الكون.

ثالثًا: الوقاية من فكر الإلحاد بدحض الشبهات وتفنيدها.

 

الإستراتيجيات التربوية الوقائية الداعمة للأسرة المسلمة

أولًا: إستراتيجية البناء والتأسيس:

  1. تأسيس أصل التوحيد في قلب الطفل والشعور برقابة الله للإنسان.
  2. بناء مفهوم الرقابة الذاتية، الذي يربى المسلم على رقابة الله عز وجل في جميع أعماله وأحواله كأنه يراه، قال تعالى: {الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ (218) وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ}.
  3. المحافظة على سلامة الفطرة من الانحراف بالملوثات الفكرية في طفولته سواء من خلال الكتابة، أو الصورة وهي الأشد خطرًا، فلا بد من الحذر والرقابة الواعية على كل ما يقع تحت يد الطفل، دون تقييد لحريته.

ثانيًا: إستراتيجية الدعم والمساندة والتعزيز:

  1. تربية الأبناء على مبدأ الاستشارة في الأمور التي تشكل حياتهم، وأن يكون الوالدان هما المستشاران الأساسيان في حياتهم بثقة وقناعة.
  2. إشباع الغرائز لدى الأولاد بالطرق السليمة والشرعية وعدم تجاهل هذا الأمر.

ثالثا: إستراتيجية المتابعة واليقظة:

  1. التفريق بين مفهوم اليقظة والرقابة من الوالدين، فليس الذي نعنيه هنا هو الرقابة على الأبناء ورصد أخطائهم وسلوكياتهم، وإنما المقصود هو المتابعة وعدم الغفلة عن كل ما يطرأ على الأبناء من سلوكيات.
  2. معرفة الشبهات التي تنتشر في أوساط الأبناء في كل مرحلة وسن معين وطرحها في جلسة عائلية أسبوعية ومناقشتها من الأسرة بكل أفرادها، وترك الحرية للأبناء لإبداء رأيهم بكل شفافية، والمناقشة الهادئة مع التوجيه السليم.

 

 

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم