التعامل النبوي مع الأمثلة والأسئلة

يحتاج المربي أن ينوع من أساليبه ووسائله مع الناس حسب المتربي والموقف حتى يؤثر فيمن حوله.

ولعل في سيرة النبي – صلى الله عليه وسلم – ما يعين على تعلم الكثير من هذه الأساليب الهامة، منها:

ضرب الأمثال

للمثل أثر بالغ في إيصال المعنى إلى العقل والقلب، وذلك أنه يقدم المعنى في صورة حسية فيربطه بالواقع ويقربه إلى الذهن، فضلاً عن أن للمثل بمختلف صوره بلاغة تأخذ بمجامع القلوب، وتستهوي العقول، وبخاصة عقول البلغاء؛ ولذلك استكثر القرآن من ضرب الأمثال، وذكر حكمة ذلك في آيات كثيرة، فقال تعالى: "وَتِلْكَ الأمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ الْعَالِمُونَ" [العنكبوت: 43].

وقال تعالى: "لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللهِ وَتِلْكَ الأمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ" [الحشر: 21].

إلى غير ذلك من الآيات، وعلى هذا المنهج الكريم سار النبي صلى الله عليه وسلم فاستكثر من ضرب الأمثال، فقد قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: (حفظت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ألف مثل).

 طرح المسائل

إن طرح السؤال من الوسائل التربوية المهمة في ربط التواصل القوي بين السائل والمسئول، وفتح ذهن المسؤول وتركيز اهتمامه على الإجابة، وإحداث حالة من النشاط الذهني الكامل، ولذلك استخدم النبي - صلى الله عليه وسلم - السؤال في صور متعددة لتعليم الصحابة، مما كان له كبير الأثر في حسن فهمهم وتمام حفظهم، فأحياناً يوجه النبي - صلى الله عليه وسلم - السؤال لمجرد الإثارة والتشويق ولفت الانتباه، ويكون السؤال عندئذ بصيغة التنبيه (ألا)، فعن أبي هريرة أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: «ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟» قالوا: بلى يا رسول الله، قال: «إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطى إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذالكم الرباط، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط».

وأحيانا يسألهم النبي -صلى الله عليه وسلم- عما يعلم أنهم لا علم لهم به، وأنهم سيكلون علمه إلى الله ورسوله، وإنما يقصد إثارة انتباههم للموضوع، ولفت أنظارهم إليه، فعن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «أتدرون من المفلس؟» قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال: «إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار».

وأحيانًا يسأل فيحسن أحد الصحابة الإجابة، فيثني عليه، ويمدحه تشجيعاً له وتحفيزاً لغيره، كما فعل مع أُبي بن كعب، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: «يا أبا المنذر أتدري أيُّ آية من كتاب الله معك أعظم؟» قال: قلت: الله ورسوله أعلم، قال: «يا أبا المنذر أتدري أي آية من كتاب الله معك أعظم؟» قال قلت: (اللهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ) قال: فضرب في صدري، وقال: «ليهنك العلم أبا المنذر» أي ليكن العلم هنيئاً لك.

فهذا الاستحسان والتشجيع يبعث المتعلم على الشعور بالارتياح والثقة بالنفس، ويدعوه إلى طلب وحفظ المزيد من العلم وتحصيله.

 إلقاء المعاني المثيرة للاهتمام

ومن ألطف ذلك وأجمله، ما رواه جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- مر بالسوق، داخلاً من بعض العالية، والناس كنفته فمر بجدي أسك ميت، فتناوله، فأخذ بأذنه، ثم قال: «أيكم يحب أن هذا له بدرهم؟»، فقالوا: ما نحب أنه لنا بشيء وما نصنع به؟ قال: «أتحبون أنه لكم؟» قالوا: والله لو كان حيا كان عيبا فيه، لأنه أسك، فكيف وهو ميت؟ فقال: «فوالله للدنيا أهون على الله من هذا عليكم».

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم