للعمل في الإسلام مكانةٌ كبيرة ومنزلة رفيعة؛ حيث ينظر الإسلام إليه نظرةَ احتِرام وتكريم وإجلال، وجعَله الله سبحانه وتعالى من سنن أنبيائه ورسله بالرغم من انشِغالهم بالدعوة إلى الله مع أممهم وأقوامهم.
ويحفظ لنا التاريخ الكثير من المواقف التربوية الدالة على ذلك، منهم موقفين لاثنين من الرعيل الأول لجماعة الإخوان المسلمين، يدلاّن أشد الدلالة على مدى حرص الدعاة المخلصين على الإخلاص والجدِّ فى أعمالهم الدنيوية مثل الدعوية.
ذات يومٍ، تواعد أخوان للذهاب إلى الأستاذ محمد العدوي ليستشيراه في أمر من أمور الدعوة، فاتفقا أن يذهبا إليه في بيته صباحًا قبل خروجه إلى العمل – وكان يعمل موجهًا في التعليم الصناعي وكانت مدرسة الصنائع تبعد عن بيته ما لا يزيد عن خمسة دقائق – وذهبا فعلا قبل موعد بداية العمل بوقت كاف، ولكن قال لهما أهل بيته: إنه خرج إلى مدرسة الصنائع.
فذهبا إلى المدرسة فقيل لهما: نعم إنه حضر ولكن ذهب إلى الإدارة التعليمية؛ فسُقط في أيديهما وقررا الانصراف، وعند خروجهما من المدرسة وجداه عائدًا إلى المدرسة من الإدارة التعليمية، وعند رؤيته لهما سلّم عليهما وانصرف عنهما حتى أنهى بعض أعماله مع العاملين في المدرسة.
ثم التفت إليهما يسألهما عن حاجتيهما فأخبراه، فكأنه لم يجد فيما عرضاه عليه أمراً عاجلاً فطلب منهما بلطفٍ المرور عليه في البيت بعد انتهاء العمل وعودته إلى منزله، ثم تركهما ليباشر عمله؛ فكان درسًا في التزام الأخ وجديته في أداء العمل الوظيفي، وأن الإسلام يفرض علينا الاتقان والإحسان في العمل؛ لأنه سبيل إلى تقوية بلدنا ونهضة أمتنا.
والموقف الآخر كان بطله الحاج ابراهيم سلمو، حيث ذهب أحد الأخوة يسأل عنه في بيته فقيل له: إنه في العمل في "غيط فلان" فذهب إليه الأخ بسيارته ووقف على أول الحقل الزراعي يسأل عنه فخرج إليه الحاج ابراهيم في ملابسه مبللة بالماء وبها آثار الطين، فاحتضنه الأخ وقَبَّل رأسه، وطلب الأخ منه موعدًا لمحاضرة يلقيها، فأخبره الحاج إبراهيم بأنه وعد صاحب الزراعة بإتمام زراعة "الطماطم"، وهذا سيستغرق ثلاثة أيام فليكن الموعد بعدها.
وهكذا يعلمنا هؤلاء المربون الحرص وحسن أداء العمل المهني، والوفاء بالعهد واحترام كل صاحب مهنة أستاذًا جامعيًّا كان أو عاملاً زراعيًّا.
.