ترتكز التربية الإسلامية على عملية إيقاظ الإيمان، وتتميز عملية إيقاظ الإيمان بأنها وظيفة مستمرة لا تنتهي، إنها كسب مستمر لخبرات إيمانية تؤثر في الوجدان والسلوك، وتتميز التربية الإسلامية بالعديد من الخصائص التي تجعلها في مكانة رفيعة وتميزها عن غيرها من أنواع التربية غير الإسلامية، ومن هذه الخصائص:
التربية الإسلامية هي التي تعنى بإعداد الإنسان إعدادا يتناول كل جانب من جوانب حياته الروحية والعقلية والجسدية، وحياته الدنيا وما فيها من علاقات ومصالح تربطه بغيره، وحياته الأخرى وما قدم لها في حياته الدنيا من عمل يجزى عليه فينال رضوان ربه أو غضبه وذلك هو الشمول والتكامل الذي يميز الإنسان منهجاً ونظاما على سائر النظم والمناهج، فهو يتناول كل جانب من تلك الجوانب تناولا مفصلا دقيقا.
إن التربية الإسلامية وهى تعد الإنسان الصالح، تعنى فيه بأن يكون متوازنا في طاقاته وأهدافه ووسائله وأقواله وأعماله توازنا في كل شيء.
وتوازن الطاقات يعنى: ألا تطغى طاقة من طاقاته على أخواتها، أو تتجاهل طاقة لتظهر أخرى. وتلك من أبرز ميزات الإسلام في منهجه ونظامه.
توازن بين طاقة الروح وطاقة العقل وطاقة البدن، توازن بين معنويات الإنسان ومادياته، بين ضروريات الإنسان وكمالياته، توازن بين واقعه وما ينشده من كمال، توازن بين نزعاته الفردية ونزعاته الجماعية، توازن بين إيمانه بعالم الغيب وعالم الشهادة، توازن في طعامه وشرابه وملبسه ومسكنه ومنكحه، لا إسراف ولا تقطير وإنما هو توازن يؤدى إلى التوسط والاعتدال. {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا}[البقرة:143] وسطا في كل شيء.
بل إن التوازن نظام فرضه الله على كافة مخلوقاته، من إنسان وحيوان ونبات وجماد وكواكب وأفلاك، كلٌ يسير حسب منهج فطرى وضعه خالق الكون للكون.
ومما يمز التربية الإسلامية، أنها تدفع بالفرد إلى أن يكون دائما ذا حركة وفعالية في حياته كلها، مع نفسه ومع من يعايشهم، بل مع الكون نفسه ومكوناته، يعمر الأرض ويفيد من البحر والجو، والحيوان و النبات، والجماد؛ من منطلق أن هذا كله قد سخره الله له، فلا يستطيع أن يكون سلبيا متواكلا مع نفسه، أو مع المجتمع الذي يعيش فيه، أو الكون الذي سخره الله له، بل هي الإيجابية والتفاعل، في ظل هذا الدين العظيم وهذه الأخلاقيات الرفيعة القدر.
ولقد تميزت التربية الإسلامية بخاصية مسايرة الفطرة البشرية في واقعها البشرى الأرضي المادي، كما تساير قدرة هذا الإنسان على أن يكون مثاليا، يحقق لنفسه ولدينه ولمجتمعه ما يعود عليه بالنفع والخير، كل ذلك داخل في إطار ما أحل الله وما شرع، فيعترف الإسلام للإنسان بتلك الفطرة التي خلقها الله، وفيها ضعف للإنسان إزاء التكاليف والواجبات، كما فيها ضعفه إزاء الشهوات والمغريات، ولكي يواجه الإسلام الضعف البشرى إزاء التكاليف جاء قوله تعالى: {هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}[الحج:78]، ولمواجهته الضعف إزاء المغريات جاء قوله سبحانه: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ}[آل عمران:14]
الفرد المسلم الملتزم الحامل للدعوة مثله كمثل قطرة ماء الغيث أو المطر، إنه يشبهها في صفات من صفاتها وخصائص من خصائصها، فطهارته كطهارتها، ثم إنه طهور؛ لأن دوره في تطهير المجتمع مما خالف الإسلام كدورها في تطهير الأشياء من النجاسات، وماء المطر طهور؛ لأنه طاهر في ذاته مُطَهِّر لغيره.
قطرة ماء المطر الطهور إذا وقعت في مستنقع من الماء الآسن الراكد القذر فإنها تفقد طهارتها، ولا يكتسب الماء النجس الذي وقعت فيه القدرة على تطهير غيره لمجرد انضمام قطرة طهور إلى مجموعه، والفرد الطاهر هو كذلك، معرض لأن يفقد طهارته وقدرته على تزكية غيره إذا أحيط به في وسط أغلبية غير نظيفة، ولا سبيل للحفاظ على طهارة كل منا الفردية إلا بالحرص على التواجد وسط من يشاركنا صفة الطهارة نفسها؛ لذلك لابد من تجميع القطرات الطاهرة معًا، إذن فتربيتنا تربية تجميعية، فوقوع قليل من قطرات ماء المطر الطاهرة في ماء نجس يسلبها صفة الطهارة، إلا أن يتجمع من هذه القطرات كم كبير وقدر كثير ترجح معه كمية الماء الطاهر على كمية الماء الملوث القليلة.
من الناحية العملية ومن قراءة الواقع، فإن الوصول لأنْ نكون نحن أغلبية مطلب عزيز المنال، وقد يتبادر إلى الذهن أن لا أمل، وقد يتطرق اليأس إلى القلوب، لولا خاصية أخرى من خصائص تربيتنا تصمد بنا في مواجهة هذه الحقيقة وهذا الواقع، ألا وهي أن تربيتنا حركية، وعودة إلى مثال ماء المطر، فإن ماء المطر عندما يتحول إلى تيار يجري، فإنه يحتفظ بطهارته وبصلاحيته في تطهير غيره؛ لأن الماء الجاري لا ينجسه شيء،لذلك ترى ماء النهر يجري حاملاً ما حمل من مخلفات، ومازال الوضوء به صحيحًا؛ لأن الماء الجاري لا ينجسه شيء.
وتربيتنا تكون حركية، عندما تأخذ بالفرد منا فتحركه بإيجابية في المجتمع من حوله، فالتربية الحركية لا تُرَبَّى بين أربعة جدران، لكنها تعتني بإصلاح عمل الفرد وهو يتحرك بين الناس وتدفعه لإصلاحهم. التربية الحركية تجعل الفرد متحركًا بإيجابية في المجتمع من حوله، فالحركة تجعله طاهرًا في نفسه مطهرًا لغيره كالماء الجاري.
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المؤمنُ الَّذي يخالطُ النّاسَ ويصبرُ على أذاهم أعظمُ أجرًا منَ المؤمنِ الَّذي لاَ يخالطُ النّاسَ ولاَ يصبرُ على أذاهم" رواه ابن ماجه.
البعض يأخذ علينا مسألة أننا نربي من خلال نظام وتنظيم، والحقيقة أن تربيتنا منظمة، وهي في ذلك ليست بدعة، ففي بيعة العقبة الثانية يقال: إن أهل العقبة كانوا اثنين وسبعين رجلاً وامرأتين، أو ثلاثة وسبعين وامرأتين، فماذا قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال لهم: "أخرجوا منكم اثني عشر نقيبا" رواه أحمد، نعم نقيبًا، فإذا ما عددت المتبقي من أهل العقبة وجدتهم 72 - 12 = 60، الباقي ستون، فإذا قسمتهم على الاثني عشر نقيبًا علمت أن كل نقيب كان كفيلاً على خمسة، فقد قال صلى الله عليه وسلم للنقباء: "أنتم كفلاء على قومكم"، فما هذا؟ إنه النظام في العملية التربوية، إنه النقيب، وإنها الأسرة منذ بيعة العقبة أو قبلها.
نرتقي خطوةً خطوة في كل مجالات التربية ( إيماني , ثقافي , عبادي , اجتماعي , دعوى , ....... ) .
وبعد فتلك نقاط بارزة في خصائص التربية الإسلامية، تميزها عن كل تربية سواها، وتؤكد لدى المنصفين من الناس أنها التربية الوحيدة القادرة على إعداد الناس إعدادا يحقق لهم صالح المعاش والمعاد.
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
.