عملية البناء الحضاري لأي أمة من الأمم تتصل اتصالاً وثيقاً بالنظام التربوي الذي يطبقه المجتمع، ويتفق علماء التربية على أن لها تأثيرا كبيرا في تشكيل الحياة الاجتماعية والسلوك الإنساني للأفراد وفق مبادئ وعقيدة المجتمع الذي يوجهها، وقد أشار الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- إلى أثر التربية الهام في تنشئة الفرد منذ ولادته، وتنميته، وتشكيل سلوكه واتجاهاته بما يتفق ومبادئ عقيدة الأمة، حيث قال: (ما من مولود إلا ويولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه كما نتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء).
لذلك كان للتربية الإسلامية التي تقوم على رؤية شاملة ومتكاملة، والتي تقيم نظام الحياة وفق تشريع الله وحكمه أهمية في صياغة وتشكيل الفرد المسلم والمجتمع المسلم، وهذا كله يدعو للاهتمام والعناية بالفكر الذي يشكل تربية المجتمع المسلم. وهذا الفكر ينبغي أن يتلاءم مع أهداف العقيدة ورسالتها، وأن يستمد ذلك من الكتاب والسنة، وأن يسترشد بفكر المرنين المسلمين كإطار لتطوره مع طبيعة العصر ومتطلباته، وقد سعى الكثير من علماء المسلمين ومفكريه جاهدين لبلورة معالم الفكر التربوي والإسلامي، مستندين في ذلك على الكتاب والسنة باعتبارهما قاعدة أساسية للتربية والتعليم في المجتمع؛ ومن هؤلاء المفكرين برهان الدين الزرنوجي.
وتهدف الدراسة التى أعدها الباحث محمَّد زين الدِّين ناوي، لنيل درجة الماجستير من كلية أصول الدين والدعوة بالجامعة الإسلامية بالسعودية، إلى التعرف على الفكر التربوي عند برهان الدين الزرنوجي من خلال كتابه (تعليم المتعلم طريق التعلم )، الذي ترجم إلى اللغة اللاتينية وعدد من اللغات الأجنبية مثل الألمانية والإنجليزية، لما يحمله هذا الكتاب من قيم تربوية مفيدة.
التعريف ببرهان الدين الزرنوجى
ينسب برهان الدين الزرنوجي لبلدة زرنج وهي مدينة في بلاد فارس وهي العاصمة المقدسة السابقة لإقليم سجستان، ولم تذكر كتب التاريخ والطبقات والتراجم سنة ولادته؛ أما عن سنة وفاته فقد اختلف المؤرخون في تحديدها، فقد ذكرت بعض المراجع الحديثة أن وفاته كانت سنة 591هـ..
أغلب الظن أن نشأة (( برهان الدين الزرنوجي )) كانت في بلدة زرنوج. والأمر الذي لا شك فيه أن الزرنوجي طلب العلم أول ما طلبه في الكتّاب؛ شأنه شأن ما كان يتبعه سواد الناس في تعليم أولادهم، وكان معظم ما يفيد الصغير في هذا الكتّاب تعلم القرآن والخط العربي وأمور الدين الرئيسية وشيء من الحساب ومبادئ اللغة والنحو، واللغة الفارسية، وقليل من الشعر والأدب، وكان التردد على الكتاب هو البداية الطبيعية التي بدأ فيها كل أكابر علماء اللغة والفقه والأدب. وكان من الطبيعي بعد ختم القرآن أن ينقل طلاب العلم إلى حلقات الدرس في المساجد لتلقي العلوم المختلفة على أيدي مشايخ هذه الحلقات. والثابت أن الزرنوجي كان تلميذاً لصاحب (( الهداية ))، أخذ العلم على أستاذه برهان الدين المرغيناني في سمرقند وفي بخاري، وهما مدينتان كانت تعقد في مساجدهما مجالس العلم لهذا الأستاذ الكبير.
يمكن أن نقول أن الزرنوجي تثقف بالثقافة الإسلامية القائمة على القرآن الكريم والحديث الشريف والفقه وخاصة الفقه الحنفي واللغة والشعر والأدب بجانب الثقافة الفارسية بما فيها من أدب وحكمة وفلسفة ومنطق وفلك ونجم.
ومن خلال قراءة كتابه (تعليم المتعلم طريق التعلم) تتبين لنا ملامح تلك الشخصية، فهو فقيه حنفي متعصب لمذهبه، وتبعيته لهذا المذهب تظهر في مصنفه الذي أورد فيه العديد من الاستشهادات والأقوال السائدة في عصره، أغلبها لعلماء وفقهاء الأحناف، مع أن الكتاب لا يمت بصلة إلى أي مواضيع الفقه، ولا يتناول مذهب الإمام أبي حنيفة بأية دراسة، وتظهر أيضاً بتلميحه إلى بعض كتب الأحناف المختصرة في الفقه التي رأى أن المتعلم حفظها في بداية طريق التعلم، بل حتى إنه أوجب على المتعلم تقطيع الورق على ما كان يفعله الإمام أبي حنيفة.
برهان الدين الزرنوجي عاش في القرن السادس الهجري، الذي تميز بأحداث جسام ومظاهر اجتماعية بارزة من فتن وحروب وقلاقل، أدت إلى ضعف وتمزق كيان الأمة الإسلامية ولكن رغم ذلك فقد صاحب هذا العصر حياة علمية زاهية.
الفكر التربوي في كتاب "تعليم المتعلم طريق التعلم"
لما كان الزرنوجي قد عاش في أواسط القرن السادس الهجري وهو القرن الذي ضعفت فيه جبهة المسلمين الداخلية مما حرض الصليبيين على غزواتهم المتكررة على ديار الإسلام، ونظرا لظهور كثير من الفرق في عصره والتي تسربت إليها كثيرا من آراء غير الإسلامية، فقد رأى مثله مثل كثير من المخلصين في ذلك العصر ضرورة العودة إلى كتاب الله والسنة وذلك عن طريق التربية والتعليم وكان كتاب (تعليم المتعلم طريق التعلم) واحدا من الكتب التي أسهمت في تحقيق هذا الهدف.
يتضمن كتاب (( تعليم المتعلم طريق التعلم )) ثلاثة عشر فصلا؛ وهذه الفصول هي: ماهية العلم والفقه وفضله. النية حال التعلم. اختيار المعلم والأستاذ والشريك والثبات عليه، تعظيم العلم وأهله، الجد والمواظبة والهمة، بداية السبق وقدره وترتيبه، التوكل وقت التحصيل. الشفقة والنصيحة. الاستفادة. الورع في حال التعلم، في ما يورث الحفظ وما يورث النسيان. في ما يجلب الرزق وما يمنعه، وما يزيد في العمر وما ينقص.
للكتاب قيمته بين النتاج العلمي فقد ترجم إلى اللغة اللاتينية وعدد من اللغات الأجنبية مثل الألمانية والانجليزية لما يحمله من قيم تربوية مفيدة وكان معروفا ذائع الصيت مقدراً عند علماء المسلمين، يقول الدكتور عبد اللطيف محمد العبد عن كتاب الزرنوجي: (( إنه من أنفع الكتب التربوية النابضة بالحيوية دائما بالرغم أنه من كتب التراث)، وإن ترجمة الكتاب إلى اللغة اللاتينية لا يترك مجالا للشك أبداً في أنه قد أثر في تطوير مناهج التربية عند الغربيين.
وقد اعتمد الزرنوجي على التربية الدينية والخلقية التي هي أساس متين من أسس التربية العامة في الإسلام .
أهمية العلم عند الزرنوجي
تنبه الزرنوجي لأهمية العلم كوسيلة بناء وقوة، فكان تصنيفه لهذا الكتاب عن التعلم استجابة لحاجة أحسها في مجتمعه وعلاجاً لصعوبات لمسها من قبل المتعلمين.
ويرى الزرنوجي أن العلم هو الذي يميز الإنسان، ذلك أن سائر الخصال الأخرى من قوة وشجاعة وجرأة وغيرها يشترك فيها الإنسان والحيوان، أما العلم فهو يختص به الإنسان وحده، وذلك لما يتميز به من عقل، ويرى الزرنوجي أن أهمية العلم تتركز في النواحي التالية:
أولاً: هو وسيلة للتقوى التي ينال بها الإنسان مكانته عند الله سبحانه وتعالى، يقول في ذلك الزرنوجي: وإنما شُرّف العلم لكونه وسيلة إلى التقوى التي يستحق بها المرء الكرامة عند الله تعالى والسعادة الأبدية.
وإنما صار العلم وسيلة إلى التقوى لأن الاتقاء عما نهى الله تعالى موقوف على العلم به فلو لم يكن معلوما، فكيف يتقى عنه، وإذا حصلت التقوى عم ما حرم الله تعالى فاز بالسعادة الأبدية، والوصول إلى أعلى المراتب. قال تعالى: { ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) }، وفي حديث عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال في آخره: { من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة } .
ثانياً: وسيلة لتعلم الفضائل الأخلاقية وترك الرذائل، وفي ذلك يقول الزرنوجي: وكذلك سائر الأخلاق نحو الجود والبخل والجبن والجرأة، والتكبر، والتواضع والعفة والإسراف والتقتير وغيرها، فإن الكبر والبخل، والجبن والإسراف حرام، ولا يمكن التحرز عنها إلا بتعلمها وعلم ما يضادها، فيفترض على كل إنسان علمها.
ففي القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة ما يدلنا على الفضائل الأخلاقية، ويحثنا على تعلمها والتمسك بها؛ وينهانا عن الرذائل من الأخلاقيات، قال صلى الله عليه وسلم: {إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق}.
ثالثاً: هو وسيلة إلى المعارف الدنيوية. قال تعالى: { قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآَيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ (101) }.
الفكر التربوي عند برهان الدين الزرنوجي
1. التعلم المستمر ووجوب إخلاص النية لله.
2. إلزامية التعليم.
3. الاختيار ( الحرية ).
4. المشاورة.
5. التدرج.
6. مراعاة الفروق الفردية.
7. التأمل والفهم.
8. التكرار.
9. الاتصال بمصادر العلوم أو الرحلة في طلب العلم.
آداب المعلم والمتعلم عند برهان الدين الزرنوجي
أولاً: آداب تختص المعلم
1. آداب تهتم بشخصية المعلم:
أ_ المظهر اللائق: يؤكد الزرنوجي في كتابه على ضرورة المظهر الحسن للمعلم أمام متعلميه مستشهداً بقول أبي حنيفة رحمه الله لأصحابه: عظموا عمائمكم ووسعوا أكمامكم ، إنما قال ذلك لئلا يستخف بالعلم وأهله.
ب_العلم الورع: يقول الزرنوجي في اختيار المعلم: ينبغي أن يختار الأعلم والأروع والأسن.
ج_التواضع: يقول برهان الدين الزرنوجي: وينبغي للمعلم ألا يذل نفسه بالطمع في غير مطمع، ويتحرر عما فيه مذلة العلم وأهله، ويكون متواضعاً، والتواضع بين التكبر والمذلة والعفة.
د_الحلم والصبر: قال الزرنوجي: اختار أبو حنيفة رحمه الله تعالى حماد بن سلمان رحمه الله بعد التأمل والتفكير، وقال: وجدته وقوراً حليماً صبوراً .
2. آداب تختص بآداء المعلم:
أ_ إرشاد المتعلم وتوجيهه إلى العلوم المناسبة:
وفي ذلك يقول الزرنوجي: كان الشيخ الإمام الأجل الأستاذ شيخ الإسلام برهان الحق والدين رحمه الله يقول: كان طلبة العلم في الزمان الأول يفوضون أمورهم في التعليم إلى أستاذهم، فكانوا يصلون إلى مقاصدهم ومرادهم، والآن يختارون بأنفسهم فلا يحصل مقصودهم من العلم والفقه، وكان يحكي أن محمد بن إسماعيل البخاري رحمه الله كان بدأ بكتاب الصلاة على محمد بن الحسن المشتهر بالإمام الرباني من الأئمة الحنفية، فقال له محمد رحمه الله: اذهب وتعلم الحديث، لما رأى أن ذلك العلم أليق بطبعه فطلب علم الحديث فصار مقدماً على جميع أئمة الحديث " .
ب_مراعاة التدرج والفروق الفردية:
وقد أشار الزرنوجي إلى هذين المبدأين التربويين الهامين وفيهما يقول: " كان الإمام الأستاذ شرف الدين رحمه الله يقول: الصواب عندي في هذا ما فعله مشايخنا رحمهم الله، وكانوا يختارون للمبتدئ صغار المبسوطة، لأنه أقرب إلى الفهم والضبط، وأبعد عن الملالة، وأكثر وقوعاً بين الناس" .
ج_الشفقة والنصيحة:
يوجه المعلم لأن يكون شفوقاً على المتعلمين، وأن يجريهم مجرى بنيه، فلا يجعل بينه وبينهم سداً خاصة خارج الدرس، ولا يشعرهم بضيقه إذا ما أرادوا الاستفادة منه في أي وقت، وأن يكون قدوة لهم. قال صلى الله عليه وسلم: " إنما أنا لكم مثل الوالد".
ثانياً: آداب تختص بالمتعلم
- آداب المتعلم مع ربه:
أ_النية: يقول الزرنوجي: ينبغي أن ينوي المتعلم بطلب العلم إرضاء الله تعالى والدار الآخرة، ثم إزالة الجهل عن نفسه وعن سائر الجهال، وإحياء الدين وإبقاء الإسلام؛ وينوي به الشكر على نعمة العقل وصحة البدن. ولا ينوي به إقبال الناس إليه ولا استجلاب حطام الدنيا، والكرامة عند السلطان وغيره .
ب_التوكل: قال الزرنزجي: لابد لطالب العلم من التوكل في طلب العلم، ولا يهتم لأمر الرزق ولا يشغل قلبه بذلك. روي عن أبو حنيفة رحمه الله عن عبد الله بن الزبيدي رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم من تفقه في الدين كفاه الله تعالى همه؛ ورزقه من حيث لا يحتسب.
ج_الورع: قال الزرنوجي: روي بعضهم حديثاً في هذا الباب عن رسول الله صلى الله عليه السلام أنه قال: من لم يتورع في تعلمه ابتلاه الله تعالى بأحد ثلاثة أشياء: إما أن يمسته في شبابه، أو يوقعه في الرساتيق، أو يبتليه بخدمة السلطان".
د_الإكثار من الصلاة والسنن: ينصح الزرنوجي المتعلم أن يكثر من الصلاة، ويصلي صلاة الخاشعين يقول:" ينبغي لطالب العلم ألا يتهاون بالآداب والسنن فإن من تهاون بالسنن حرم الفرائض؛ ومن تهاون بالفرائض حرم الآخرة .
ذ_الشكر والذكر: يقول الزرنوجي: أنه سبب في زيادة العلم لأنه شكر على نعمة العقل والعلم. وقال أبو حنيفه رحمه الله تعالى إنما أدركت العلم بالحمد والشكر.
قال تعالى: { وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ (7) وَقَالَ مُوسَى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الأرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ (8) }.
ر _ الدعاء: يقول الزرنوجي: يدعو المتعلم الله تعالى ويتضرع إليه، فإنه يجيب دعاه ولا يخيب رجاه، قال تعالى: { وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ }.
2. آداب المتعلم مع نفسه:
أ_ شغل النفس بأعمال الخير
ب_ الاحتراز من الأخلاق الذميمة
ج_ تقليل العلائق الدنيوية
د_ألا يجهد نفسه حتى لا ينقطع العمل
3. آداب المتعلم مع غيره
أ_ آدابه مع المعلم
من الآداب التي ذكرها الزرنوجي في كتابه ( ص، 108 ) ألا يمشي أمامه، ولا يجلس مكانه، ولا يبتدئ الكلام قبله إلا بإذنه، ولا يكثر الكلام عنده، ولا يسأله عند ضجره وسأمه وأن يراعي الوقت، ولا يدق الباب بل يصبر حتى يخرج، ولا يجلس قرب الأستاذ. أي أن يفعل كل ما يجلب رضاه ويتجنب سخطه، ويتمثل أمره في غبر معصية لله، لأنه لا طاعة لمحلوق في معصية الله.
ب_ آدابه مع الشريك
يرى الزرنوجي أن على المتعلم أن يجالس الصلحاء ويتقرب منهم، لأن المجاورة مؤثرة لا محالة؛ وأن يغتنم عدوة أهل الخير، ويحترز من دعوة المظلوم. فعلى المتعلم في هذا المقام أن يلزم الرفيق الصالح الذي يتواصى وإياه بالحق، والصبر والإكثار من الذكر. ففي ذلك تزكو الروح، وتصقل النفس، ويصفو القلب، وتخالط كيانه بشاشة الإيمان .
أهم طرق وأساليب التعلم عند الزرنوجي
1. المناظرة والمطارحة، والمذاكرة والسؤال
أ_المناظرة: طريقة من طرائق التربية، ووسيلة من وسائل التعلم وهي عبارة عن محاورة بين فريقين حول موضوع معين؛ لكل منهما وجهة نظر تخالف وجهة نظر الفريق الآخر، الذي يحاول إثبات وجهة نظره وإبطال وجهة نظر خصمه، مع رغبته الصادقة في إظهار الحق والاعتراف به لدى ظهوره .
ب_المطارحة: هي طريقة تقوم على المناقشة المتبادلة بين طرفين، تتخللها أسئلة وإجابات هدفها تباين الحقيقة أو الواقع؛ وإزالة الأوهام عن العقول؛ وإزالة العقبات التي تعترض سبيل التعلم الصحيح.
ج_المذاكرة: مأخوذة من تذر الشيء إذا نسيه، والتذكر ضد النسيان؛ والتذكرة تستذكر به الحاجة.
د_السؤال: يقول الزرنوجي: قيل لابن عباس رضي الله عنهما: بم أدركت العلم ؟ قال: بلسان سئول وقلب عقول.
2. الفهم والتأمل والتفكير والتكرار
أ_الفهم: يرى مقداد يالجن أن الفهم الجيد هو أساس العلم؛ فبدون الفهم الجيد لا يمكن أن تكون القدرات العلمية صحيحة أو الروح العلمية مسيطرة.
ب_التأمل والتفكير: التأمل والتفكر جانبان هامان من جوانب عملية التعلم وفي ذلك يرى الزرنوجي أنه: ينبغي لطالب العلم أن يكون متأملاً في جميع الأوقات وفي دقائق العلوم وذلك فإنما تدرك الأمور بالتأمل.
ج_التكرار: إن التكرار يساعد على الفهم بشرط أن يكون التكرار على فترات متقاربة بدلاً من التكرار المتصل وإن تكرار مادة الحفظ والمراجعة في فترات متفاوتة يساعد على تثبيت المعلومات، وهذا التكرار هو أكبر مقاومة للنسيان.
3. الرحلة في طلب العلم
لقد اتخذ المسلمون السلف من الرحلات أسلوباً لزيادة علمهم؛ رغبة في نيل الفضل الذي نص عليه قوله صلى الله عليه وسلم: " ومن سلك طريقاً فيه علماً سهل الله به طريقاً إلى الجنة؛ وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضاً بما يصنع، وإن العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض والحيتان في جوف الماء وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا درهماً ولا دينارا فمن أخذه أخذ بحظ وافر.
4. الكتابة: جاء الإسلام وفي قريش سبعة عشر رجلاً يكتبون، فحث على العلم والتعلم، وجعل النبي صلى الله عليه وسلم شرطاً لفداء أسرى بدر بأن يعلم كل منهم عشرة من غلمان المسلمين، مما يساعد على انتشار القراءة والكتابة في عمليات التعلم والتعليم. وكان صلى الله عليه وسلم يدعو إلى الكتابة وتدوين العلم للحفظ ولمراجعته وتثبيته .
شروط التعلم عند برهان الدين الزرنوجي
1. تعظيم العلم وأهله: يقول الزرنوجي:
" بم ينال طالب العلم ؟ اعلم بأن طالب العلم لا ينال العلم ولا ينتفع به إلا بتعظيم العلم وأهله وتعظيم الأستاذ وتوقيره .
2. اختيار العلم والأستاذ والشريك:
أ_اختيار العلم الذي يدرسه: أن حرية التعلم لا يمانعها الإسلام؛ فللمتعلم أن يتعلم أي علم يرغب فيه بشرط أن يكون موافقاً للشريعة الإسلامية، ويحقق فيه العبودية الخالصة لله، ويعود بالنفع والفائدة على الأمة الإسلامية، وأن يعمل على نشر العلم لمن يجهله أو يحتاجه.
ب_اختيار الأستاذ الذي يتلقى منه: يرى الزرنوجي أنه ينبغي لطالب العلم أن يستخير الله فيمن يأخذ العلم عنه، ويكتسب منه حسن الأخلاق والآداب. قال بعض السلف وهذا العلم دين؛ فانظروا عمّن تأخذون دينكم وليجتهد على أن يكون المعلم ممن له بالعلوم الشرعية تمام الاطلاع.
ج_اختيار الزميل الذي يشاركه تعلمه: على طالب العلم ألا يخالط إلا من يفيده ويستفيد منه. وليكن صالحاً تقياً ديناً ورعاَ وذكياً كثير الخير قليل الشر حسن المداراة إن نسى ذكره، وإن ذكر أعانه، وإن احتاج واساه، وإن ضجر صبره.
3. الجد والمواظبة والهمة العالية: لابد لطالب العلم من الهمة العالية؛ فإن المرء بهمته كالطير يطير بجناحيه.
4. الصبر: قال الزرنوجي: قيل الشجاعة صير ساعة، فينبغي لطالب العلم أن يثبت ويصبر على أستاذ، وعلى كتاب حتى لا يتركه أبترا، وينبغي أن يصبر عما تريده نفسه وهواه.
5. وقت التحصيل: ذكر الزرنوجي: أن وقت التحصيل من المهد إلى اللحد، وأفضل الأوقات شرخ الشباب ووقت السحر وما بين العشاءين، وينبغي لطالب العلم أ يستغرق جميع أوقاته.
6. اقتران العلم بالعمل: وفي ذلك يستشهد الزرنوجي بمقولة أبو حنيفة رحمه الله يقول:" قال أبو حنيفه رحمه الله: (ما العلم إلا العمل به.
النتائج
1. إن كتاب تعليم المتعلم يمثل التفاعل بين عصر الزرنوجي وشخصيته.
2. إن الزرنوجي أفرد دراسة خاصة عن تعليم المتعلم بخلاف المؤلفات الأخرى في عصره.
3. اعتمد في فكره التربوي على مبادئ الدين واستشهد بالقرآن الكريم والحديث الشريف والحكم والآثار ذات المضون التربوي بعكس الأفكار التربوية الحديثة.
4. اعتمد على الاختصار مع الاستيفاء والوضوح.
5. اعتمد على التربية الدينية الخلقية التي هي أساس متين من أسس التربية العامة في الإسلام وتأكيده على ضرورة التمسك بها في العملية التعليمية.
6. اهتم بالطرق المساعدة على التعلم مثل الناظرة والمطارحة والمذاكرة والسؤال.
7. اهتم بالأوقات وأيها أجدى للتعلم.
8. اهتم بتوضيح الأسباب المؤدية للحفظ والأسباب المؤدية للنسيان.
9. التركيز على أهمية إخلاص النية لله في طلب العلم.
10. تحويل العلم إلى عبادة للمتعلم عن طريق تحقيق العبودية لله وحده لا شريك له.
11. مراعاته الفروق الفردية بين المتعلمين.
12. دعوته للتعلم المستمر الدائم.
13. مناداته بضرورة التدرج في التعلم حسب مراحل نمو وفهم المتعلم.
14. ركز على أهمية التكرار للمتعلم في عملية التعليم.
توصيات الدراسة
1. العمل المستمر على البحث في الفكر التربوي الإسلامي. ومحاولة إبرازه وإثبات هويته عن طريق توضيحه وتخليصه من الشوائب.
2. ربط الفكر التربوي الإسلامي بالأصول الإسلامية للتربية التي تشكل القاعدة السليمة لبناء الشخصية المسلمة الفعالة في المجتمع.
3. إجراء دراسة تربوية مقارنة بين اتجاه علماء المسلمين وبين اتجاهات التربية الحديثة تدعيما لعملية التأصيل للفكر التربوي الإسلامي.
4. الأخذ بآراء التربوية الحديثة الموافقة للمفاهيم والقيم الإسلامية.
.