الأم كلمة صغيرة وحروفها قليلة لكنها تحتوي على أكبر معاني الحب والعطاء والحنان والتضحية، وهي أنهار لا تنضب ولا تجف ولا تتعب، متدفقة دائمًا بالكثير من العطف الذي لا ينتهي، وعطاؤها لا نهاية له، ولا تنتظر المقابل، تداوي وهي تتألم، ولا تجد من يخفف عنها آلامها.
الأم هي التي وصى الله سبحانه وتعالى بها كما وصى النبي العدنان، بقوله حينما سأله أحد أصحابه – رضى الله عنهم: [يا رَسولَ اللَّهِ، مَن أحَقُّ النَّاسِ بحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قالَ: أُمُّكَ قالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: ثُمَّ أُمُّكَ قالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: ثُمَّ أُمُّكَ قالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: ثُمَّ أبُوكَ] (رواه البخاري عن أبي هريرة). وأجمع على طاعتها وحسن رعايتها السلف والخلف. وعن دورها عبّر الشاعر حافظ إبراهيم قائلا:
الأُمُّ مَدرَسَةٌ إِذا أَعدَدتَها أَعدَدتَ شَعبًا طَيِّبَ الأَعراقِ
الأُمُّ رَوضٌ إِن تَعَهَّدَهُ الحَيا بِالرِيِّ أَورَقَ أَيَّما إيراقِ
الأُمُّ أُستاذُ الأَساتِذَةِ الأُلى شَغَلَت مَآثِرُهُم مَدى الآفاقِ
والأم مدرسة حينما حوصرت المساجد، والأم مدرسة حينما غلقت المدارس، والأم مدرسة حينما غاب الدعاة، والأم مدرسة حينما تنعدم السبل.
لكن قد لا تتوفر مثل هذه الصفات في بعض الأمهات، وتنسى الجوانب التربوية نحو أبنائها، وقد تكون بيئتها لم تُعدها لتكون أمًا ناجحة، أو صعب عليها إعداد نفسها بنفسها، وسواء نجحت أو فشلت في الجانب التربوي فلا نُحملها كل الذنب، فإن الفشل يرجع لأكثر من سبب: بيئتها، ومستواها العلمي، وقلة مشاركة الزوج أو عدم المشاركة أصلًا؛ ولكن تظل الأم عظيمة فهي التي تحملت مشقّات الحمل والولادة، وأعطت الحب والحنان، وجاهدت في الجانب التربوي حسب قدراتها[كما تقول أريج السنان].
لكن قد يجول في أذهان الكثير من الأمهات أو الآباء سؤال، كيف استطاعت أمك أن تربي عشرة أبناء وأكثر من ذلك رغم صعوبة تربية الأطفال ورعاية الأسرة، ما سر قوة تحمّلهن؟
فتأتي إجابة من قبل الأستاذة فريدة العبيدلي عن ذلك الجانب التربوي المهم بقولها: تتلاقى الإجابات بينهن مُجمعة على أن الدافع هو إيمانهن النابع من قناعتهن بأهمية دورهن في تربية أبنائهن وأداء الأمانة المُلقاة على عاتقهن بأحسن وجه، ومع كل الصعوبات الحياتية التي كُن يواجهنها سعيدات وقنوعات بحياتهن، وتشكّل تربية أبنائهن ونجاحهم في حياتهم الدراسية والعملية والأسرية إنجازًا لهن يتفاخرن به في لقاءات أسرهن.
إن عاطفة الأم وحنانها إذا التحمت بالعلم والمعرفة والتربية الإسلامية، كانت ثمارها محمودة الصفات والأخلاق، لكن الكثير يريدون أنوثتها فقط ويعملون جاهدين من أجل ذلك، ومن ثم انهيار الأسر ودمار المجتمعات، يهجون عقلها وفكرها ووعيها بل ويخافونه! ويرون قيمتها في “اللاقيمة” لها، يفرغونها من كينونتها.
ولهذا فمن الواجب والضروري صناعة الوعي -لا سيما (الوعي التربوي)- لدى المرأة المقبلة على الأمومة لأنه سيمنحها شيئًا من التبصر والبصيرة في عملية تربية النشأ، ستدرك الأخطاء التي تقع في تربية السلف وتُقصيها، وستسعى بقدر الإمكان أن تربي أبناءها تربية سليمة، وسيخرج لنا جيل من الأسوياء، ولن تسمح لنفسها بأن تكن حلقة في سلسلة الهلاك التربوي، بل ستكون أداة قوية في تدعيم القيم التربوية، ولذا عليها:
-
تُؤمن لأفرادها بيئة صحية للحياة والنضج، فلا تتحيز لأحد على حساب الآخر، أو تهمل أحدًا من أفراده.
-
تدعم أفرادها وتكون سندًا لهم.
-
تؤهل أفرادها للتعامل مع معطيات الحياة.
إن عملية التربية ليست بالأمر السهل أو الهين، ولذا وجب على الأم أن تكون مستعدة وتتحلى بسلوك الأمومة القويم وتحرص على التعرف على التجارب الصالحة لتربية الأبناء وجعل بيتها لزوجها وأبنائها واحة من راحة البال.
.