تختلف أخلاقيات المغتربين من شخص لآخر بحكم البيئة التي نشئوا فيها والأسس التي تربوا عليها، كما تختلف بيئات الغربة وثقافتهم وتقاليدهم غير أن السمة المشتركة هي الغربة.
فكثير من المسلمين يسافر إلى بلاد الغربة سواء طلبا للعلم أو السعي خلف رزقه، حيث يرى واقعًا جديدًا لم يتعود عليه، فالكل يغترب ولا ضير في هذا الموضوع ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل يحافظ المسلم المغترب على أخلاقه؟ إننا نحن الشعوب الإسلامية نتكيف بسرعة البرق مع أجوائنا الجديدة تاركين خلفنا كل المبادئ والقيم التي تربينا عليها لننخرط سريعًا مع البيئة الجديدة مهما كانت سيئاتها؟
فسفينة المؤمن المغترب تجري بين الألغام، فلا بد أن يكون عنده علم يدفع به الشبهات، وبصيرة يدعو بها الناس، وأن يكون عنده دين وخشية يتحصن به عن الشهوات.
تقول سماح الطويل: الكثير يعتقد أنه يجب عليه التكيف مع كل ما هو جديد ومواكبته حتى وإن كان يتعارض مع ما نشأ عليه وتأسس عليه، لكن المبادئ مبادئ أينما وجدنا، لا تختلف باختلاف البيئة التي ننتقل إليها، وما يقدم عليه كثير من المغتربين أمر ينافي الفطرة والعقيدة السليمة التي تربوا عليها، ولا يجب أن ننسى من نحن، أو ننسى ما كنا عليه، أو ننسى الهدف الأساسي الذي أتينا لأجله إلى بلاد الغربة.
الغريب أن هذا الاستبدال الذي يحدث للمغترب في أخلاقياته وسلوكياته وتصرفاته يترك صورة سيئة في أذهان الغرب، حتى تصل بهم للنظر إلى المسلمين نظرة دونية لما رأوه من سلوكياتهم في بلادهم أثناء الغربة.
فلو فكر كل مغترب لماذا الغربي يحافظ على سلوكياته وأخلاقياته ودينه حينما يزور بلاد المسلمين، ليدرك كم نحن بعيدين عن سلوكياتنا الإسلامية التي أوجبها علينا ديننا الحنيف.
أخلاقيات لابد من الحفاظ عليها
لم يقل أحد للمغتربين بعدم الاندماج داخل المجتمع الذي انتقلوا إليه، أو الالتزام بقواعده وقوانينه، لكن جرس الإنذار الذي نطلقه هو ألا يأتي المغترب بتصرفات لم يتربَّ عليها أو تخالف عقيدة دينه، حتى ولو كانت منتشرة أو من الأمور الاعتيادية في بلاد الغرب، ولذا يجب:
-
الاستمساك بالدين في كل بيئة والخوف واللجوء إلى الله: يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: [اتق الله حيثما كنت] فتقوى الله تلازم العبد حيثما حل وأينما كان، فالعيش في البيئة الغربية لا يقتضي استحلال الحرام من الربا والقمار وأكل الخنزير والميتة وغيرها من المعاملات المحرمة، ولا التنازل عن عقيدة الولاء والبراء. ويؤكد على هذا المعني قول الإمام الشافعي: [ومما يعقله المسلمون، ويجتمعون عليه أن الحلال في دار الإسلام حلال في دار الكفر، والحرامَ في بلاد الإسلام حرام في بلاد الكفر].
-
كن إيجابيا لا سلبيا: نحو نصرة الضعيف والمظلوم وذلك بعد التعرف على قوانين البلد التي انتقلت إليها حتى لا تقع في بعض المشاكل، فكثير من المسلمين كانوا نموذجا طيبا في الأخلاق والعدل حتى قال جوستاف لوبون - المؤرخ الفرنسي: (ما رأى التاريخ فاتحاً أعدل ولا أرحم من العرب).
-
لا تغدر ولا تخون: من الأخلاقيات التي يجب على المغترب الاحتفاظ بها عدم الغدر والخيانة، حتى لا يترك بمثل هذه التصرفات انطباع سيء لدى أهل البلاد الأصليين مما يدفعهم لكره جميع المغتربين والتربص بهم والحذر منهم، فعن أنس رضي الله عنهم قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لكل غادر لواء يوم القيامة، يقال: هذه غدرة فلان) متفق عليه.
-
عدم الازدواجية: فأخلاقك كمسلم في المسجد هي أخلاقك مع الجيران – حتى ولو لم يكونوا مسلمين – هي أخلاقك في الشارع والعمل ومع أهل بيتك، يقول تعالى: (وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا).
-
كن رحيما حتى ولو مع الحيوان فالإسلام أمر المسلمين بالرحمة مع الجميع، وفي ذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: [في كل كبد رطبة أجر].
-
ويقول الشيخ حسين شعبان وهدان ملخصا بعض الأخلاقيات التي يجب على المغترب التمسك بها: ما أجملكم وأنتم في عفة الصديق يوسف، وقوة موسى، وفصاحة هارون، وحلم إبراهيم، وذكر يونس، وحنان يحيى، وسلام عيسى - عليهم السلام - ومجامع الخلق القويم لسيد الخلق - عليه من الله أفضل الصلاة وأتم التسليم.
وسائل مساعدة
هناك بعض الوسائل التي تعين المغترب على التكييف في البلاد التي حل بها ومنها:
-
من الضروري أن يتعلم المغتربين الجدد المعلومات والإرشادات عن طبيعة الحياة في بلاد الغربة من المجتمع المحلي لكل بلد حل بها.
-
من المهم تبادل ومشاركة المعلومات بين القادمين الجدد والناس الموجودة مسبقا في البلد التي حل بها؛ لأن ذلك يعزز معرفة الطرفين ببعضهم البعض وبالمجتمع المحيط بهم.
-
من المهم أن يُرتّب المغترب أموره الماديّة، وأن يضع بعض البنود من أجل الحفاظ على نقودهِ، والتصرّف بذكاء حيال هذا الموضوع لتجنّب الهدر وحتى لا يلجأ إلى التصرف بسلوكيات سيئة أو مهينة أو حرام من أجل الحصول على المال.
-
التواصل مع الأهل في بلده الأصل ليُخفف الإنسان من شعورهِ بصعوبة الغربة، فلقد ترسخت صورة نمطية في أذهان الغرب للمسلم الذي يذهب إلى بلادهم فهم ينظرون إليه كونه إرهابي أو شهواني أو مقيد لحرية النساء، وغيرها من الصور السلبية التي تنفخ فيها نار الحقد الذي يصورنا دائما بأننا متهمون بها.
-
الحرص على الصحبة الطيبة والصالحة والسكن قرب المساجد قد المستطاع.. فواجب على كل مسلم أن يحاول أن يغير الصورة السلبية التي ران عليها الكذب أحيانا، وشوهتها تصرفات بعض المسلمين المغتربين أحيانا أخرى، وأن يقدم ضرورية الدين على ما سواها إذا ما تعارضت أو تزاحمت مع غيرها.
.