Business

أهمية الطفولة في منظور أبي حامد الغزالي

الأطفال لبنات يقوم عليها بناء المستقبل، فهم يمثلون القوة التي يعتمد عليها في البناء الحضاري.

وتأتي إسهامات الغزالي التربوية لتؤكد أبعادًا تربوية جديدة في الفكر الإسلامي.. وشملت معالجته لقضية التربية مثل: المعرفة والإدراك والمناهج وأقسامها ومراحل التعليم وغيرها من القضايا التي تشغل الفكر التربوي المعاصر. وقد ضمن الغزالي آراءه التربوية في مؤلفه (إحياء علوم الدين).

وقد حاول عباس أرحيله أن يتناول الطفولة وتربيتها كما تصورها الإمام الغزالي من خلال نظراته إلى أهمية مرحلة الطفولة، وما لها من خطورة، وما يترتب عليها من مسؤولية في الوجود.

1- الطفولة معطى فطري يكتمل بالتربية:

يقرر الغزالي أن الطفل يولد صحيح الفطرة، يقول: (كل مولود يولد معتدلا صحيح الفطرة، إنما أبواه يهوّدانه أو ينصرانه أو يمجسانه، أي : بالاعتياد والتعليم تكتسب الرذائل، وكما أن البدن في الابتداء لا يخلق كاملا، وإنما يكمل ويقوى بالنشوء والتربية والغذاء، فكذلك النفس تخلق ناقصة، قابلة للكمال، وإنما تكمل بالتربية، وتهذيب الأخلاق، والتغذية بالعلم).

يعلق الدكتور زكي مبارك على هذا بقوله:

( وهذا يدل على أن الغزالي يرى أن الفطرة الإنسانية قابلة لكل شيء، وأنه ليس لها قبل التربية أي لون، فالخير إذن يكتسب بالتربية، والشر بالتربية، وليس للإنسان بفطرته ميل خاص لا إلى الشر، ولا إلى الخير، وإنما يسعد أو يشقى بما يقدمه إليه أبواه ومعلموه).

فالطفل مادة أولية قابلة للتشكيل في ضوء أي تصور تربوي ممكن، والتربية قيمة يرتبط بها الوجود البشري وجودا وعدما، قيمة يتحقق بها الكمال البشري.

2- الطفل جوهرة نفيسة، خالية من كل نقش، قابلة لكل نقش:

نظرا لأهمية الطفولة في مراحل تطور الكائن البشري، فإن لحظة الطفولة لحظة حاسمة في حياة الإنسان، بها يتقرر مصيره، وتتشكل حياته، إما سعادة، وإما شقاء في ضوء ما يعود عليه وينشأ.

كيف ينظر الإمام الغزالي إلى براءة الطفولة، إلى قلب الطفل؟

يقول أبو حامد : (وقلبه الطاهر جوهرة نفسية ساذجة خالية عن كل نقش وصورة، وهو قابل لكل ما نقش، ومائل إلى كل ما يمال به، فإن عود الخير وعلمه نشأ عليه، وسعد في الدنيا والآخرة، وشاركه في ثوابه أبوه، وكل معلم له مؤدب، وإن عود الشر وأهمل إهمال البهائم شقي وهلك، وكان الوزر في رقبة القيم عليه والولي له).

ويستفاد من هذه لقول جملة حقائق منها:

  • قلب الطفل جوهرة نفيسة خالية من كل نقش، ولكنها قابلة لكل نقش.

  • الطفل مادة قابلة للتغيير والتعديل، تتشكل في ضوء ما تتعود عليه.. ولتأكد هذا الرأي يقول في [الإحياء]: (لو كانت الأخلاق لا تقبل التغيير لبطلت الوصايا والمواعظ والتأديبات، ولما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: حسنوا أخلاقكم).

  • استعداد الطفل لتقبل التوجيه والتعلم، فالرجل المثالي- كما تتصوره- كامن في قلب الطفل، يمكننا أن نعمل على تشكيله في ضوء ما نتصوره.

يقول في بيانه لأنواع العقل:

(اعلم أن العقل ينقسم إلى غريزي، ومكتسب، فالغريزي هو: القوة المستعدة لقبول العلم، ووجوده في الطفل كوجود النخل في النواة).

3-الطفل أمانة ومسؤولية:

يقول الغزالي في بداية النص المذكور أعلاه:

(والصبي أمانة عند والده، فالأدب مدعو إلى صيانة تلك الجوهرة، وحفظها، ورعايتها، أيهمل الأب ابنه فليقي به في درك البهيمية، ويعرضه للشقاء؟ وكيف وإهماله خطر جسيم، وأبوه يتحمل وزر إهماله؟ ثم إن الأب يشارك ابنه الثواب، إن هو رباه وصانه ورعاه، وكيف يهمل الإنسان جزءا من نفسه؟).

4- الطفل جزء من نفس أبيه:

اعتبر الغزالي الطفل بعضا من أبيه، فهو يحفظه نفسه، ويخاف عليه كما يخاف على نفسه، فقد أورد قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُم وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} (التحريم: 6).

قال بعض العلماء: دخل في (أنفسكم) الأولاد، لأن الولد بعض من أبيه، فلم يفرد بالذكر إفراد سائر القرابات، يعلمه الحلال والحرام، ويجنبه المعاصي.

وعلق الغزالي على هذه الآية بقوله: (ومهما كان الأب يصونه عن نار الدنيا، فبأن يصونه عن نار الآخرة أولى، وصيانته بأن يؤدبه، ويهذبه، ويعلمه محاسن الأخلاق…).

5- التربية تكتسب بالمجاهدة:

يرى الغزالي أن الأخلاق تكتسب بحمل النفس على الأعمال التي يقتضيها الخلق المطلوب، أي أنها تكتسب بالمجاهدة في تربية النفس وتوجيهها.

(فمن أراد أن يحصل لنفسه خلق التواضع، وقد غلب عليه الكبر، فطريقه أن يواظب على أفعال المتواضعين مدة مديدة وهو فيها مجاهد نفسه، ومتكلف إلى أن يصير ذلك خلقا له، وطبعا فيتيسر عليه).

ويرى أن الأخلاق الجميلة يمكن اكتسابها بالرياضة، فالإنسان يتكلفها في بداية الأمر لتصير طبعا في نهايته.

(والأخلاق الحسنة تكون بالطبع والفطرة تارة، وباعتياد الأفعال الجميلة تارة، وبمساعدة أرباب الفعال الجميلة ومصاحبتهم، وهم قرناء الخير، وإخوان الصلاح تارة أخرى).

6- الطفل روح وعقل وجسم:

قدم الغزالي نظرة تكاملية لتربية الطفل، ووجد أن تلك التربية لا تقوم إلا إذا عنينا بروح الطفل وعقله وجسمه، وذكر أن إهمال أي واحد من هذه العناصر ينتج نقصا في التربية، قد ينتقل أثره إلى العنصرين الآخرين.

فوظيفة التربية عند الغزالي هي تقوية الروح حتى تتغلب على شهوات الجسد، وتسترد مكانتها وسيطرتها عليه.

يقول الدكتور أحمد فؤاد الأهواني:

(وقد جمعت التربية الإسلامية منذ ظهور أول الإسلام بين تأديب النفس، وتصفية الروح، وتثقيف العقل، وتقوية الجسم، فهي تعنى بالتربية الدينية، والخلقية والعلمية، والجسمية، ودون تضحية بأي نوع منها على حساب الآخر).

7-الطفل مجال لتشريح أخلاقه:

لقد قدم الغزالي نظرة عملية تشريحية شخص فيها أمراض النفس، وقدم لها العلاجات المناسبة، حيث لم يكن من الفلاسفة النظريين بل كانت له نزعة عملية، ظهرت في وضع الخطط، وتمهيد السبل ليصل بتلميذه وخريجه إلى ما يريد له من خلق حسن، وسعادة تامة. ويبدو أن خبرة الغزالي الواسعة جعلته يعطي للتجارب أهمية خاصة، جعلته ينظر إلى السلوك البشري نظرة تقعيدية، فكان أشهر من وضع قواعد سلوكية للمريدين وطلبة العلم، وهكذا نجد لديه نظرة تشريحية واقعية تعنى بالتعليم المنبثق من ملاحظة الوقائع اليومية.

8 -مراعاة الفروق بين الأطفال:

نجد أن الغزالي يدعو إلى استعمال الأسلوب الأنسب لكل متعلم، ونراه يهتم بأصناف المتعلمين، ويراعي الفروق ينهم، ويؤكد هذه الحقيقة كلما تناول ما يعتري النفوس من أحوال، وما يحدث للأشخاص من مواقف تترتب عنها أنواع شتى من السلوك.
 

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم