من مهارات المربي: القدرة على التنمية الذاتية للأفراد [1/3]

أولا: جوانب الذاتية:

   الذاتية هي الحافز الذي يدفع طاقات الإنسان لأداء عمل معين للوصول إلى غاية محددة، متحملا كافة الصعاب لتحقيق الهدف، فهي اندفاع من الداعية بمجرد إحساسه أن هذا النمط من الأعمال يحقق نمو شخصيته في شتى الجوانب، ويقوم بعمله هذا دونما تكليف أو متابعة، بل هو السعي لتحقيق الأجر والمثوبة من الله.

جوانب الذاتية

  • الذاتية الإيمانية:

ويتضح مرادنا من خلال الأمثلة التالية:

1- موقف سيدنا أبو بكر من الإسراع في دعوة بلال إلى الإسلام ليلا ولم ينتظر الصباح بعد أن وصلته الدعوة من رسول الله.

2- قال البخاري: حدثنا أبو نعيم: قال حدثنا مسعر عن زياد قال: سمعت المغيرة رضي الله عنه يقول: ((أن كان النبي r ليقوم حتى تتورم قدماه – أو ساقاه – فيقال له، فيقول أفلا أكون عبدا شكورا؟)) فالنبي r قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ومع ذلك نراه r بهذا الرقي في ممارسة النوافل.

من سير الحاضرين:

    إن الذاتية بالنسبة للشباب اليوم تعني عملية ذكية في كسب الأجر وتنمية الجذوة الإيجابية في النفس من خلال عمل عام فيه نفع للناس كما قال عبد الله بن عباس، ولوضوح الأمر سنذكر صورا من ذلك.

1- حدثنا فرد أنه كان في رحلة جهادية مع زملائه، وفي ليلة من الليالي استيقظ بعد منتصف الليل فتوجه للوضوء ليصلي ما يكرمه الله به، فإذا به يجد سلة المغسلة قد ملأت بملابس زملائه ولعدم وجود وقت للراحة كان هذا الكم من الملابس، فتحركت الذاتية بفضل من الله وقام الطالب بغسل ملابس زملائه، وقبل صلاة الفجر كان قد انتهي فصلى الوتر مكتفيا به عن قيام الليل ثم استيقظ زملاؤه لصلاة الفجر، ويقول محدثنا إنه قد وجد في نفسه سموا إيمانيا لم يكن يجده في تعبداته السابقة.

2- وحدثنا طالب أنه في ليلة من ليالي منى في موسم الحج كان هو ومجموعة من الطيبين يعيشون في مخيم من المخيمات المنتشرة في أرض منى وفي ليلة الأول من أيام التشريق والناس قد أعياها التعب من العبادات المتتالية – عرفات ثم يوم النحر – أيام حافلة بالمناسك المتتالية، يقول محدثنا: إنه في هذه الليلة وفق للقيام قبل صلاة الفجر فذهب للوضوء – وهذا الأمر قبل عشر سنوات ولم تكن هناك حمامات عامة – وإذا بالأباريق قد امتلأت تنتظر الحجاج ليتوضئوا منها لصلاة الفجر وإذا بطيف رجل يقوم بتصليح أماكن الخلاء يتخفى بظلام الليل ويبتغي بذلك التسهيل على زملائه في استعدادهم للصلاة فعرفته. شاب جديد في التزامه في سلك الدعوة أعرف أنه مدير شركة حكومية تحت إمرته ما لا يقل عن مائة موظف، فكبر في عيني وحمدت الله أنه وفقه لهذا العمل الذاتي الرائع وذهبت من غير أن يشعر بي لأتوضأ وأصلي وهذا قدري من الأجر فهنيئا أخي هذا التوفيق. والأمثلة كثيرة لمن عدها وتتبعها.

  •  الذاتية الحركية:

لتوضيح هذا الأمر نذكر هذه القصة:

قال الإمام البنا رحمه الله تعالى:

    وفي إحدى ليالي رمضان زرت منـزل فضيلة قاضي الإسماعيلية الشرعي واجتمع في هذه الزيارة مأمور المركز والقاضي الأهلي وناظر المدرسة الابتدائية ومفتش المعارف ولفيف من الأدباء والفضلاء والمحامين والأعيان وكانت جلسة سمر لطيفة.

    وطلب فضيلة القاضي الشاي فقدم إلينا في أكواب من الفضة وجاء دوري فطلبت كوبا من زجاج فقط، فنظر إلىّ فضيلته مبتسما وقال أظنك لا تريد أن تشرب لأن الكوب من الفضة؟ فقلت: نعم، وبخاصة ونحن في بيت القاضي. فقال إن المسألة خلافية وبها كلام طويل ونحن لم نفعل شيئا حتى نشدد في مثل هذا المعنى، فقلت يا مولانا إنها خلافية إلا في الطعام والشراب فالحديث متفق عليه والنهى شديد والنبي r يقول: (لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في صحافهما) ويقول: (الذي يشرب في آنية الذهب والفضة فكأنما يجرجر في بطنه نار جهنم) ولا قياس مع النص ولا مناص من الامتثال وحبذا لو أمرت بأن نشرب جميعا في أكواب من الزجاج فتدخل بعض الحاضرين في الأمر وأرادوا أن يقولوا بأن الأمر ما دام خلافيا فلا لزوم للإنكار، وأراد القاضي الأهلي أن يدلوا بدلوه في الدلاء فقال للقاضي الشرعي: يا فضيلة القاضي ما دام هناك نص فالنص محترم، ولسنا ملزمين بالبحث عن الحكمة وإيقاف العمل بالنص حتى تظهر، فعلينا الامتثال أولا ثم إن عرفنا الحكمة فبها، وإلا فذلك قصور منا والعمل على كل حال واجب، فانتهزتها فرصة وشكرت له وقلت له مشيرا إلى إصبعه: وما دمت قد حكمت فاخلع هذا الخاتم فإنه من ذهب خالص والنص يحرمه؛ فابتسم وقال: يا أستاذ أنا أحكم بقوانين نابليون وفضيلة القاضي يحكم بالكتاب والسنة وكل منا بشريعته، فدعني وتمسك بقاضي الشريعة! فقلت: إن الأمر جاء للمسلمين عامة وأنت واحد منهم فهو يتجه إليك بهذا الاعتبار؛ فخلع خاتمه، وكانت جلسة ممتعة حقا وكان لها صداها في جمهور يرى مثل هذا الموقف العادي أمرا بمعروف أو نهيا عن منكر ونصيحة في ذات الله (مذكرات الدعوة والداعية).

  • الذاتية الاجتماعية:

    إنها ذاتية الخير التي لا يمنعها تشابك الأعمال وكثرة تفرعاتها كما كان ابن عباس في الخير لم يمنعه طلب العلم والتعلم وهى حقيقة تكرر عند أصحاب العطاء، وأخرج الطبراني في الأوسط عن علي قال: والذي نفسي بيده ما استبقنا إلى خير قط إلا سبقنا إليه أبو بكر (تاريخ الخلفاء للسيوطي 59)، وأخرج أبو داود والترمذي: عن عمر بن الخطاب قال: أمرنا رسول الله r أن نتصدق فوافق ذلك مالا عندي: قلت اليوم أسبق أبا بكر فجئت بنصف مالي فقال رسول الله r ما أبقيت لأهلك؟ قلت: مثله، وأتى أبو بكر ما عنده فقال يا أبا بكر: ما أبقيت لأهلك؟ قال أبقيت لهم الله ورسوله. فقلت: لا أسبقه إلى شيء أبدا) وهكذا تكون أعمال البر الذاتية التي يقوم بها الموفق إلى الخير وهى أشبه بكرامات الأولياء منها بجهود العباقرة، تنم عن عزيمة تتضاءل دونها العزائم، تحملها همة لا تبلغها العصبة أولو القوة تستشعر من صاحبها أن يقوم بالعمل وكأنه هو وحده الذي أنيط به التكليف.

 
للاطلاع على الأجزاء السابقة: 
.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم