من مهارات المربي: تحقيق التزام الأفراد وضبط حركتهم بالشرع [2-3)

تحدثنا في المقال السابق عن الإيمان كأساس لالتزام الأفراد وانضباط حركتهم بالشرع الحنيف، وتحدثنا عن أسباب ضعف الإيمان ووسائل إيقاظه وتقويته، وتحدثنا كذلك عن الانضباط في العمل ومظاهره، وعرضنا بعض النماذج المتميزة للانضباط في العمل.

ونستكمل الحديث في هذا المقال عن بعض جوانب الالتزام الأخرى والتي تتضح مظاهرها فيما يلى:

القدرة على الكسب وتحري الحلال والبعد عن الحرام:

    -يقول رسول الله r: (إن الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام...)[1].

    - وها هو الصديق الورع أبو بكر رضي الله عنه يتقيأ ما فيه شبهة.

    - ويقول الحسن البصري: أدركنا أقواما كانوا يتركون سبعين بابا من الحلال خشية الوقوع في الحرام.[2]

    ويقول الإمام البنا: (أعتقد أن المسلم مطالب بالعمل والكسب وأن في ماله الذي يكسبه حقا مفروضا للسائل والمحروم وأتعهد: بأن أعمل لكسب عيشي وأقتصد لمستقبلي وأؤدي زكاة مالي وأخصص جزءا من إيرادي لأعمال البر والخير وأشجع كل مشروع اقتصادي إسلامي نافع وأقدم منتجات بلادي وبني وطني وألا أتعامل بالربا في شأن من شئوني ولا أتورط في الكماليات فوق طاقتي).[3]

    - ومن هنا فعلى الطالب أن يكون قادرا على الكسب ومتحريا للحلال وبعيدا عن الحرام وألا يقف مواقف الشبهات أبدا. وفي هذا يقول بعض السلف: من عرض نفسه للتهم فلا يلومن من أساء الظن به، كما أن على المربي أن يذكر طلابه بأن القدرة على الكسب مرتبطة مع مفهوم قوة الجسم فالجسم الصحيح القوي هو القادر على الكسب كما أن عليه تربيتهم على تحقيق التوازن بين العمل الحياتي والعمل الدعوي.[4]

    نموذج من السلوك المتميز في باب انضباط العمل:

    كان العامل (حسن مرسي) يعمل عند الخواجه (مانيو) ويخرج نموذجا ممتازا من صناديق الراديو وكان (مانيو) يثق في العامل وسلم له كل ما في الدكان من خامات وأدوات فجاء أحد أصدقاء مانيو وساوم العامل حسن على أن يصنع له بعض الصناديق بنصف القيمة على ألا يخبر بذلك (مانيو) ويستفيد هو بنصف القيمة فرفض العامل وألقى عليه درسا في الأخلاق فهدده هذا الخواجه بأنه سيخبر مانيو بأنه هو الذي عرض عليه ذلك – ونفذ الرجل وعيده وحقق مانيو في الحادث فظهرت الحقيقة فضاعف أجر العامل حسن وطرد صديقه الأجنبي من حياته.[5]

الانضباط في الناحية المالية:

    فعلى المربي أن يربي طلابه على العديد من الآداب في التعامل المالي مثل:

1-  أدب التعامل في البيع: بألا يشتري شيئا يساوم غيرنا لشرائه حتى ينتهي بشرائه أو يتركه  ففي حديث ابن عمر: (لا يبع بعضكم على بيع أخيه)[6].

2-  أدب التعامل مع الناس: فيتربى الطالب على الشكر على المعروف بأن يعيد الدين لصاحبه ومن الورع ألا يقبل الدائن سوى الدين الذي أخذ منه أما الهدايا التي تشترى أو المال الذي يقدم ففيه شبهة الربا. وقد روي عن رسول الله r: (من صنع إليه معروف فقال لفاعله جزاك الله خيرا فقد أبلغ في الثناء)[7].

3-  في احترام العقود: بأن نحترم عقودنا فلا نتراجع عن بيع تم أو انقضى زمنه ثم تفرقنا بعد جلسة البيع ففي الحديث: (البيعان بالخيار ما لم يتفرقا فإن صدقا وبيّنا بورك لهما في بيعهما وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما)[8].

4-  وفي الصدق: أن يصدق البائع منا في وصف بضاعته وإظهار عيبها الخفي – وأن يلتزم بالصدق في القول والعمل فلا يتظاهر بأنه مدين حتى لا يقصده أحد بدين وأن لا يتظاهر بأنه غير موجود حتى لا يطالب بدين وغيرها – وأن لا يحلف ليروج بضاعته فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله r يقول: (الحلف منفقة للسلعة ممحقة للكسب)[9].

5-  وفي الوفاء بالوعد: أن نفي بوعدنا في أداء الدين ورد العارية والتزام الدقة في المواعيد وفي الالتزام بالشروط والعقود والكفالة والمعاهدات وغيرها ففي الآية:

 ) وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ ( [ النحل: 91 ].[10]

 

[1] متفق عليه.

[2] محمد تاتاي: شرح معاني الأربعين النووية.

[3] حسن البنا: الرسائل.

[4] ماجد عدنان: الإصلاح التربوي بين النظرية والتطبيق.

[5] أحمد عيد: مواقف إيمانية.

[6] رواه البخاري.

[7] رواه الترمذي.

[8] رواه البخاري.

[9] متفق عليه.

[10] محمد سعيد مبيض: أدب المسلم في العادات والعبادات والمعاملات.

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم