Business

ظـاهرة انتشار الطلاق في المجتمعات الإسلامية

في دراسة بعنوان: «ظـاهرة انتشار الطلاق في المجتمعات الإسلامية»، للدكتورة نادية السعيد، تقول إن الإسلام يحرص على وحدة الأسرة وعدم تفككها، وشرع حلولًا عملية يستهدى بها كل من الزوج والزوجة في حالة استفحال الخلاف والشقاق بينهما، بل لقد أعطى حلولًا تدريجية تبدأ بالوعظ ثم الهجر ثم التأديب، أما الدرجة الثانية فإذا اشتد الخلاف بينهما فيختار كل منهما حكمًا لحل المشكلات الناشئة بينهما.

أما إذا استمر النزاع بين الزوجين على الرغم من المحاولات السابقة، فيكون الموقف أمام أمرين: استمرار الحياة الزوجية مع وجود الشقاق والخلاف وسوء التفاهم، أو انفصال يجد فيه كل من الزوجين راحته، وإذا كان الأمر كذلك فمن الذي يملك هذه السلطة ومن الذي له التقدير والقرار في ذلك، ولقد قرر الإسلام أن كل من الزوجين حق التفريق، كما أن القاضي يملك هذا الحق عن طريق فسخ النكاح بينهما بناء على طلب أحدهما. فكل من الزوجين يملك حق الطلاق بشروط معينة.

 

حجم مشكلة الطلاق في بعض المجتمعات الإسلامية

في المجتمع المصري، نجد أن نسبة الطلاق وصلت إلى 40% حتى عام 2000. وفى المملكة العربية السعودية أوضحت دراسة أجرتها وزارة التخطيط أن نسبة الطلاق ارتفعت في عام 2003 عن العوام السابقة بنسبة 20%، وفى دولة الكويت أظهر تقرير إحصائي عام 2003م، أن إجمالي المتزوجين في الكويت بلغ ما يقارب 976 ألف متزوج ومتزوجة حتى العام 2002، وإن إجمالي عدد المطلقين في الكويت حتى العام المذكور بلغ ما يقارب 36 ألف حالة طلاق. أما في مملكة البحرين: فقد ارتفعت نسبة المطلقات في البحرين مع نهاية عام 2002 لتصل إلى 30% مقابل 15% عام 1994م.

 

أسباب ظاهرة الطلاق

1- البعد عن الدين:

فكثير من شباب الجنسين لا يلتزم عند اختيار شريك حياته بالضوابط التي حثنا عليها رسولنا الكريم ﷺ، حيث يقول: «تُنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك» ويقول: «إذا جاءكم من ترضون دينه وأمانته فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير».

فقد اشترط الإسلام مصاحبة الدين في كلا الطرفين على أن يكون هذا الدين عند الرجل مرضيًا، ولا أي دين كان، ثم اشترط الأمانة، وهي مظهر الدين كله بجميع حسناته، وأيسرها أن يكون الرجل للمرأة أمينًا على عرضها وعلى كرامتها وفى معاشرتها، فلا يبخسها حقًا، ولا يسيء إليها ولا يعنتها، بل إن أحبها أكرمها، وأن أبغضها لم يبخسها حقها.

2- غياب الدور التوجيهي للآباء والأمهات:

يظن بعض الآباء والأمهات أن دوره التربوي أو التوجيهي ينتهي بزواج ابنه أو ابنته، ناهيك عن بعض التوجهات الخاطئة التي تهدم أو تدمر، وتحرض أحد الطرفين على مشاكسة الآخر، خلافا لما أمرنا به ديننا من توجيه النصح وفق منهج الإسلام وشرعته، وقد كان سلفنا الصالح والعقلاء من أمتنا إذا زفّو امرأة إلى بيت زوجها أمروها برعايته وحسن القيام بحقه وتعهدوها بالنصح والرعاية، وأوصوها دائمًا بالحفاظ على استقرار أسرتها، فهذا جعفر بن أبى طالب يوصى ابنته قائلًا: «إياكِ والغيرة فإنها مفتاح الطلاق، وإياك وكثرة العتاب فإنه يورث البغضاء، وعليك بالكحل فإنه أزين الزينة، وأطيب الطيب الماء».

3- وسائل الإعلام:

فالإعلام ينقل في كثير من الأحوال صورًا خيالية غير واقعية للحياة الزوجية، فالزوج شاب وسيم أنيق غني مترف مغداق للهدايا بمناسبة وبلا مناسبة، والزوجة امرأة جميلة حسناء فاتنة جذابة متفرغة للعواطف، والحفلات والنوادي هي وزوجها وكأن هذه المرأة لا تعرف حملًا ولا وضعًا ولا رضاعًا ولا تربية أبناء ولا ترتيب شئون المنزل، فهي فقط للشهوة واللذة فحسب فترسم صورة حالمة واهمة للحياة الزوجية من خلال هذه المشاهد الخيالية أو الهلامية، وسرعان ما يصطدم الخيال بالواقع فلا يصمد الواقع أمام الخيال، ويخر السقف على رؤوس حامليه، ومن ثم نوجه نداء للحريصين على أمن واستقرار هذا المجتمع أن يتقوا الله فيه، وفى شبابنا بخاصة فينزلوا إلى أرض الواقع بعيدًا عن الخيالات والأوهام، وأن يعملوا على تنقية وسائل الإعلام من كل ما يضر بأمن المجتمع وسلامته ويتنافى مع ديننا وقيمنا وأخلاقنا العربية الإسلامية بعيدًا عن المظاهر الزائفة، والمجون والخلاعة التي ينبذها الدين والعرف والعقل السليم، مؤكدين أن شبابًا خليعًا لا يحمي وطنا، ولا يدافع عن أمة.

4- الأزمات الاقتصادية الطاحنة:

لا يستطيع أحد أن ينكر أن الأزمات الاقتصادية لها دور كبير في الشقاق الأسرى الذي يصل ببعض الأسر إلى الطلاق، حيث لا تقف متطلبات بعض النساء عند حد، وتدعو المباهاة والمظاهر الكاذبة بعضهن إلى إجهاد الزوج بما لا قبل ولا طاقة له به، ومن ثم علينا أن نرشد هؤلاء إلى السيرة العطرة لأمهات المؤمنين، والصحابيات والتابعيات وتابعاتهن، وسائر النماذج الصالحة من نساء آمتنا الإسلامية، كيف كن يصبرن على خشونة الحياة.

 

آثار ظاهرة الطلاق

  • على المرأة

تعاني الزوجة من ضغط نفسي قوي بعد الانفصال نتيجة ظروف الطلاق وبسبب وجود أبناء، حيث تتحول المطلقة لعائل وحيد، فضلًا عن توقف أسرتها من عملية الطلاق، حيث تخضع في المجتمعات الشرقية لرقابة اجتماعية ظالمة، وبخاصة من والديها وأخواتها وأقربائها، وكذلك سنها، فإذا فوق سن الأربعين يصعب زواجها مرة أخرى خاصة، أن اغلب الشباب لا يفضلون الزواج من امرأة مطلقة.

وتعاني المطلقة من نظرة المجتمع إليها، حيث يلقى عليها اللوم في فشل العلاقة الزوجية، فتلاحقها التهم والهمسات الظالمة والنظرات المملؤة بالشك والربية، وتكون محاصرة من الرجال والنساء اللواتي يخشين على أزواجهن منها.

  • على الرجل

ليس من شكٍّ أن الآثار المدمرة للطلاق لا تقتصر على المرأة، وإنما تشمل الرجل أيضًا، فقد كشفت أحدث الدراسات عن تزايد نسبة الرجال المطلقين الذين يعانون أمراضًا جسدية ومشكلات نفسية بعد الطلاق مقارنة بحالاتهم قبل وقوعه.

فالرجل غالبًا ما يجد نفسه بعد الطلاق وحيدًا، نتيجة طبيعة العلاقات الاجتماعية التي يبينها حوله والتي تتسم عادة بالسطحية، فهو يشعر بالخيبة لفقدان دوره كأب وزوج، ويصدم نتيجة شعوره بالمسؤولية إن انهارت العائلة، إضافة إلى عدم السماح له قانونًا بحضانة الأولاد في معظم الأوقات إلا في سن متأخرة للأبناء.

  • على الأطفال

 أجمع الخبراء على أن الأطفال هم أصحاب الضرر الأكبر من انهيار العلاقات الزوجية، حيث يؤثر سلبًا على عملية تنشئتهم النفسية والاجتماعية وفى بناء الشخصية السوية ويفقدون الشعور بالأمان، ولا يحصلون على حاجتهم الطبيعية من الشعور بالراحة والاستقرار والطمأنينة التي هي عصب عملية التنشئة النفسية للطفل، ما يفقد المثل الأعلى.

  • على المجتمع

لخص علماء الاجتماع الآثار الخطيرة الناجمة عن انهيار العلاقات الزوجية في عدد من المخاطر، لعل من أبرزها: خروج جيل حاقد على المجتمع بسبب فقدان الرعاية الواجبة له، وتزايد أعداد المشردين وانتشار، جرائم السرقة والاحتيال والنصب والرذيلة، وزعزعة الأمن والاستقرار في المجتمع فضلًا عن تفككه، وانتشار ظاهرة عدم الشعور بالمسؤولية، فضلًا عما يصيب القيم الأخلاقية والأعراف الاجتماعية السائدة فيه من مظاهر التردي والانحطاط نتيجة عدم احترامها.

 

نحو حل موضوعي لظاهرة الطلاق في بعض المجتمعات الإسلامية

لا شك أن الحل الموضوعي لظاهرة الطلاق في المجتمعات الإسلامية إنما يكمن في اتباع منهج الإسلام وهديه، ومعرفة أن الإسلام إنما أباح الطلاق في الحالات التي تستحيل فيها مواصلة الحياة الزوجية، ويكون الطلاق أخف الضررين، ويمكن الحد من ظاهرة الطلاق في بعض المجتمعات الإسلامية من خلال ما يلي:

  1. حسن الاختيار: عن طريق إلقاء المحاضرات للمقبلين على الزواج عن كيفية اختيار شريك الحياة، حيث أثبتت الدراسات أن معظم حالات الطلاق بسبب سوء الاختيار، والتسرع في اتخاذ قرار الزواج، خاصة لدى الفتاة العربية المسلمة التي تخاف من شبح (العنوسة) الذي يطاردها.
  2. التوعية والثقافة الأسرية: لدى الشباب المقبل على الزواج، حيث أثبتت الإحصاءات أن معظم حالات الطلاق تقع في السنوات الأولى، مما يدل على أن التوعية والثقافة الأسرية لدى المقبلين على الزواج لا زالت مفقودة وسطحية لا تؤهلهم لمواجهة أعبائه وإجراءاته.
  1. إعادة التوافق النفسي للمطلقة: العمل على دمج المطلقة في المجتمع وتشجيعها على إكمال دراستها وممارسة هوايتها والانضمام إلى العمل الاجتماعي والجمعيات الخيرية.
  2. تطوير مكتب التوجيه والاستشارات الأسرية: ففي العصر الحديث ونتيجة التقدم الحضاري والتغيرات الاجتماعية زادت حدة المشاكل الاجتماعية والنفسية التي تؤثر في وظائف الأسرة بصفة خاصة والحياة الأسرية بصفة عامة. وعلاجًا للمشاكل والأزمات الأسرية التي أصبحت تتعرض لها الأسرة وتهدد أمنها وسلامتها واستقرارها خاصة في بعض المجتمعات الإسلامية.
  3. تأسيس صندوق للنفقة: فرعاية المطلقة بعد الطلاق وضمان العائد لها ولأولادها، أمر واجب.
  4. بوليصة تأمين للمرأة ضد مخاطر الطلاق: تجرى حاليًا دراسة مشروع (بوليصة تأمين المرأة ضد مخاطر الطلاق) في بعض البلدان الإسلامية من قبل شركات التأمين بالتعاون مع إحدى الشركات الغربية العالمية، وأكد القائمون على هذا المشروع أنه يستهدف تحقيق الاستقلالية المادية للمرأة العربية المسلمة، دون أن يُستغل هذا المشروع في تفكيك الأسرة، وأن يكةن وفق ضوابط الشريعة الإسلامية.

 

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم