وجود الأسرة هو امتداد للحياة البشرية، وسر البقاء الإنساني، فكل إنسان يميل بفطرته إلى أن يظفر ببيت وزوجة وذرية، وأهمية دور الأسرة في رعاية الأولاد، من أَجل الأمور، التي يجب أن تتضافر جهود الآباء والأمهات، وأهل العلم، والدعاة، والتربويين، والإعلاميين.. للمحافظة على بناء الأسرة الصالحة في المجتمع.
فالأسرة هي الخلية الأولى، والمنزل هو المصنع الأول التي ينشأ فيها الطفل ولذا كانت الضوابط التي تحكم أركان هذا المنزل هي الضابطة لكل ما يجري فيه وما يفرزه.
ولذا– كما تذكر ولاء رفاعي– لابد أن يدخل الطفل المسلم حقل الدعوة منذ الصغر؛ وهو ما يصنع منه جيلا رائدا يقود ولا يقاد، يرى الحق ولا يرى له، فمن الأخطاء الفادحة التي تقع فيها الأسرة هي إخراج الطفل من الحجرة بمجرد دخول الضيف إليها، بل على العكس فإن حضور الطفل لحوارات الكبار وسماع القضايا العامة يثير في حسه روح التفكير والتفاعل مع الواقع بما يكسبه شخصية تختلف عن غيره من الأطفال، لأن كثرة التجارب التي تمر على الطفل تكسبه خبرات متراكمة تجعله يتعامل مع المواقف بسرعة بديهة بخلاف الطفل الذي ينعزل في عالمه الطفولي والذي يجد من يحل مشاكله دائما، أو يقوم بكل أعماله، أو يواجه المخاطر عنه دون إعطائه الفرصة للتفكير فيما يجري وما ينبغي أن يحدث.
فالطفل الذي نسمح له بالجلوس مع الكبار بأدب، وسماع المناقشات، بل وإشراكه في مشكلات البيت بما يتناسب مع سنه وطلب الحل منه، يجعله قادرا على التمييز بين الصالح وغيره ، ولا أحسب سيدنا عمر بن الخطاب رضى الله عنه عاتب ابنه عندما لم يجب عن سؤال الرسول في حديث النخلة قائلا له: «لو قلت لكان أحب إلى من كذا وكذا»، لا أحسبه -رضي الله عنه- أراد التباهي بابنه وإنما أراد لابنه التفاعل مع الكبار فترنو نفسه أن يصبح مثلهم.
كما أن مشاركة الطفل والأخذ برأيه في معالي الأمور يكسبه ثقة بالنفس تؤهله لتحمل تكاليف الدعوة فيما بعد. فيكون قد تعود منذ صغره على أن يقول ما يراه صوابا، فإذا ما سمع التكليف بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كانت الاستجابة أسهل وأسرع؛ فلا نراه يخاف في الله لومة لائم.
كما أن مشاركة الطفل والأخذ برأيه في معالي الأمور يُنشئ داخله روح الريادة بما يحميه فيما بعد من اتباع كل ناعق، أو أن يكون إمعة إن أحسن الناس أحسن، وإن أساءوا أساء.
وحماية لهذا الطفل من خطر الغرور والكبر أو حتى الثقة الزائدة بالنفس التي قد تطرأ عليه نتيجة لهذه المعاملة يلزم المربي أن يزرع في نفسه أن قيمته ومكانته مرهونة بما يقدمه للإسلام والمسلمين.
فالطفل يولد ولديه هذه المهارة بالفطرة؛ متمثلة في حبه لاكتشاف الأشياء وتحمل المسئولية، ولكن للآباء دور كبير في تنمية هذه الصفة الإيجابية في نفوس الأبناء من خلال:
- قراءة وفهم آيات القرآن الكريم منذ الصغر، فالقرآن ينمي اللغة ويكسب الطفل البلاغة والحجة في الحوار.
- تشجيع الطفل ومنحه الثقة بالنفس؛ فتعليم القيادة بالنسبة للطفل كتعليمه للمشي.
- تعويد الطفل على تحمل المسئولية، بدءًا من إعطاءه الحرية في اختيار ملابسه، ومشاركة الأم في إعداد المائدة، وترتيب غرفته، كل هذا من شأنه تعويد الطفل على تحمل المسئولية.
- كونوا قدوة لأبنائكم؛ فالطفل ينظر لوالديه باعتبارهما قدوة في حياته.
- الهمة العالية والطموح؛ فالقائد لا يعرف الكسل والمماطلة، مع مساعدته في تحقيق ذلك.
- إكساب الطفل المهارات الاجتماعية؛ كصلة الرحم والتي تجعل الطفل يندمج مع الآخرين، فيكتسب مهارة التواصل واللباقة في الحديث، أيضًا تعويد الطفل على إبداء رأيه مع احترام آراء الآخرين.
- تنمية صفة العطاء لدى الطفل من خلال الإنصات له وتشجيعه على إبداء رأيه واحترامه.
- غرس الصفات الحميدة في شخصية الطفل، كقول الصدق، واحترام الآخر، وحب العلم والعمل؛ وذلك من خلال القصص التي تبني القيم، وتوسع خيال الطفل، ومن خلال دور القدوة في حياة الطفل.
- القائد المثقف؛ فينبغي على الأسرة تخصيص وقت للقراءة ولو نصف ساعة يوميًا؛ فالأسرة التي تقرأ تنتج أجيالًا محبةً للعلم، لديها مهارة النقد والتحليل؛ من خلال مناقشة ما يتم قراءته.
- لا بد أن نعرف الفرق بين القيادة والسيطرة؛ فالقائد الملهم يتعاون مع الآخرين، ويدعم نجاحهم، أما السيطرة؛ فهي دليل على الأنانية، وضعف الشخصية.
ومع ذلك يجب ألا ننسى أننا نتحدث أولا وآخرا عن طفل؛ بمعنى أنه يجب أن يعيش طفولته بكل ما تحمله الكلمة من معنى. فلا يتعارض ما ذكرناه مع أن يلهو الطفل ويلعب مع غيره من الأطفال؛ أي أن إشعاره بالمسئولية مجرد تدريب وتأهيل لمرحلة التكليف، وليس العبء النفسي والضغط الذي يحمله ما لا يطيق، وإلا انقلب الأمر وتحول إلى نفور.
.