الزراعة مهنة الإنسان منذ القدم، ومارسها بعض الأنبياء، وحتى الرعي يعتمد على الزراعة.. والعمل بالزراعة ليس عيبا كما هي الصورة النمطية السائدة اليوم، بل إنها مهنة عظيمة مهمة لا تقوم الحياة بدونها، ولا يمكن للإنسان العيش بلا نتاج هذه المهنة، والأمن الغذائي والاقتصادي اليوم يعتمد على الزراعة.
وفي هذه الدراسة، ترى د. آندي حجازي، أنه من الجميل الخروج مع ابنك أو ابنتك من أجل زراعة نبتة في حديقة البيت أو حديقة عامة، أو أرض قاحلة، الاهتمام معه بما زرعت ومتابعتها بالرعاية والسقاية والتقليم، فمن الجميل والمميز أن تعلم ابنك أهمية الزراعة وكيفية الزراعة، خاصة في زمن عمّ به الاهتمام بالأجهزة التكنولوجية والإلكترونية بشكل لافت فائق، وفقد الاهتمام بالنشاطات الخارجية والحركية وخارج البيوت.
فكرة
ومن الجميل جدا أن تخصص الدولة أياما معينة من العام تنظمها وتشجع بها جميع المواطنين على الخروج لأماكن عامة جرداء من أجل زراعتها بنباتات متنوعة، كنباتات حرجية أو زينة أو مثمرة، فعندما تنمو تلك الأشجار بعد عدة سنوات ستصبح لدينا مزارع وحدائق وبساتين وغابات.. وهذا ليس خيالا، بل حقيقة كما يحدث في الدول المتقدمة ذات الطبيعة الخلابة، فلا تأتي من فراغ، بل من اهتمام سكانها وحكوماتها بالزراعة والتشجير.
ومن الجميل أن تساهم الأسر والمدارس في الزراعة، وتخصص أيام من العام الدراسي من أجل زراعة المدرسة وحولها، أو زراعة أراض عامة يسمح بزراعتها، مع تعاهدها بالسقاية.
لماذا الزراعة؟
- أولًا: تعليم الأبناء أن الزراعة هي من طرق عمارة الأرض التي حث عليها الدين الإسلامي، فإعمار الأرض هدف أساسي لوجوده على هذه الأرض بعد عبادة الله وحده، وإعمار الأرض لا يكون بالعمران والبناء والصناعة فقط، بل بالزراعة والإنتاج أيضا.
- ثانيًا: تعليم الأبناء الاهتمام بالزراعة والنباتات معناه الاهتمام بالطبيعة وبجمالها وبمخلوقات الله تعالى الكثيرة والمتعددة، مما يزيد من إيمان الإنسان وتفكره في الكون، وحمد الله تعالى على نعمه الكثيرة التي لا تعد ولا تحصى. قال تعالى في سورة يس: {وَآيَةٌ لَّهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ (33) وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ (34) لِيَأْكُلُوا مِن ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ (35)} (يس33-35).
- ثالثًا: تعليم الأبناء الزراعة هو تطبيق للسنة النبوية، حيث حث رسول الله ﷺ على ذلك بقوله: «إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة فاستطاع ألا تقوم حتى يغرسها فليغرسها؛ فله بذلك أجر» (رواه البخاري، والإمام احمد). والفسيلة: النخلة الصغيرة، وكأنه ﷺ يقصد: ليس عليكم ثمرة الجهد، ولكن عليكم الجهد وحده، ابذلوه ولا تتطلعوا إلى نتائجه. وقد قال رسول الله ﷺ : «لا يزرع مسلم زرعا ولا يغرس غرسا فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة»، وفي حديث آخر: «ما من رجل يغرس غرسا إلا كتب الله من الأجر قدر ما يخرج من ثمر ذلك الغرس». فأي حث أعظم من ذلك! وهناك أحاديث أخرى تشجع على الزراعة وإحياء الأرض غير الصالحة، من ذلك قوله ﷺ : «من كانت له أرض فليزرعها، فإن لم يستطع وعجز عنها فليمنحها أخاه المسلم ولا يؤاجرها إياه».
- رابعًا: تعليم الأبناء الزراعة ينمي لديهم الحس الوطني والقومي للاهتمام بالجمال في بيوتهم وبلادهم، وبزراعتها وبالحفاظ عليها خضراء منعشة جميلة.
- خامسًا: تعريف الأبناء أن الزراعة مصدر دخل قومي مهم وأساسي للكثير من البلاد، سابقا واليوم ومستقبلا، وقد يعمل الطفل الذي تعوّد الزراعة وأحبّها مشروعا اقتصاديا في المستقبل قائما على الزراعة، فيسهم في تقدّم بلاده وإعالة نفسه وأهله.
- سادسًا: توجيه الأبناء إلى أن الزراعة تسهم في حل الكثير من المشكلات اليوم كالاحتباس الحراري، لأن الأشجار تنتج الأكسجين وتمتص ثاني أكسيد الكربون، وحل مشكلة المجاعات والفقر والبطالة والتزايد في عدد البشر مع نقص الغذاء، وحل مشكلات اقتصادية قومية كثيرة لو تم التركيز على المشروعات الزراعية.
- سابعًا: مزاولة الزراعة تعلم الأبناء الصبر، فالمزروعات لا تكبر بين يوم وليلة، بل إنها من النشاطات التي تتطلب الصبر والمتابعة والاهتمام بالآخر.
- ثامنًا: الزراعة مع الأبناء تعلمهم أن نأكل مما نزرع، ونلبس مما نصنع، لا أن نعتمد على الآخر وعلى استيراد كل شيء، فانظر اليوم إلى التحكم الغربي والأجنبي في البلدان العربية نتيجة إهمالها في الصناعات والاختراعات والمشروعات الزراعية، فأصبحت أمة مستهلكة لا منتجة، تقع تحت رحمة الأمم الأخرى بل وتحت أطماع الدول ذات الطموحات التوسعية والاستعمارية.
- تاسعًا: ممارسة الزراعة مع الأبناء تورث السعادة والمتعة لقيامهما بنشاط مشترك مفيد وممتع، ويجعل بينهما اهتمامات مشتركة، وهذا الاهتمام يبدأ منذ الصغر، فلا ينتظر الأب ابنه كي يكبر ليشاركه في الزراعة، فجميع الأبناء قادرون عليه، صغارا وكبارا، ذكورا وإناثا.
- عاشرًا: تشجيع الأبناء على الزراعة في البيت يعني أن نأكل منتجات نباتية صحية من الفواكه والخضار، خاصة مع انتشار الهرمونات في المزروعات التجارية اليوم، ما جعلنا نأكل الكثير من الثمار المهجنة والممتلئة بالهرمونات والكيماويات التي تسبب عبر الزمن الكثير من الأمراض في الجهاز الهضمي والعصبي، والتي لا يعرف سببها.
- الحادي عشر: تعليم الأبناء الاهتمام بالزراعة معناه تشجيعهم الاهتمام بالثروة الحيوانية، لأن جميع الحيوانات تعتمد على النباتات في استمرار حياتها، والثروة الحيوانية مهمة لبقاء الإنسان على قيد الحياة، فهي سلسلة مستمرة.
- الثاني عشر: تشجيع الأبناء على الزراعة هو تشجيع لهم على العطاء وعلى محبة الآخرين، ومساعدتهم والبعد عن الأنانية، لأنه ليس من الضرورة أن ما نزرعه اليوم سوف نأكل منه غدا، فقد نأكل منه نحن أو غيرنا، وقديما قالوا: «زرعوا فأكلنا، ونزرع فيأكلون»، فهذه ضمن دورة الأجيال.
.