ما ترك الإمام البنا مناسبة من المناسبات الإسلامية إلا طاف حولها بقلمه مذكرا بمعانيها التربوية التي اشتملت عليها وبمضمونها الحقيقي، ومن هذه المناسبات مولد النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، فلم يكتب مذكرا بالمناسبة فحسب بل كتب مربيا بمعانيها التربوية.
ففي مقال بعنوان [ذكرى مولد الرسول الأعظم] يقول: إن المسلمين اليوم فى حاجة شديدة إلى أن يتذكروا محمدًا رسول الله الذى احتمل الآلام، وصابر المشقات فى سبل بناء الإسلام وإقامة صرحه الشامخ حتى يكون لهم أن يقتدوا اقتداءً عمليًا يزلزل الأوهام فى نفوسهم والاستعمار فى أوطانهم، وإذا كان لهم أن يذكروا محمدًا الطفل الفقير اليتيم الذى لم يتلق فى مدرسة علمًا، ولم يدرك من عطف أبويه حظًا؛ فذلك لكى يستعينوا بهذه الذكرى على اليأس الذى ملأ النفوس؛ فهدّ العزائم، وضلل العقول من حيث يكون لهم أن يذكروا أن يتيمًا قِلا فى المال قد استطاع بالصبر والإيمان ليس غير أن يُنهض أمته، وأن يدفع بها إلى العالم كله، حاملة إليه النور منبعثًا من كتاب الله وهدى نبيه لكى يحمله على الهدى والفلاح.
إن مبادئه صلى الله عليه وسلم ترتكز على الربانية والتسامي بالنفس الإنسانية، وتأكيد وحدة الأمة، والقضاء على كل مظاهر الفرقة وأسبابها، مع إلزام الأمة الجهاد فى سبيل مبادئ الحق التي جاء بها هذا النظام، واعتبار الدولة ممثلة للفكرة الإسلامية، وقائمة على حمايتها، ومسئولة عن تحقيق أهدافها فى المجتمع وإبلاغها للناس جميعًا.
وفي مقال بعنوان [يوم العالم] يقول: «ولو كان بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم رسول؛ لكان للمقصرين شبه عذر فى التراخي عن إحياء هذه الذكريات فى نفوسهم، أَمَا ورسول الله صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين وآخر المرسلين انتهى الوحى إليه، وخُتمت النبوة برسالته؛ فذكرياته صلى الله عليه وسلم نبراس المهتدين ودليل السارين، انتهت إليها الهداية ووقف عندها الإرشاد؛ فلا محيص عنها لسواها، ولا معدل إلى غيرها، والله -تبارك وتعالى- يقول: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رَّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [الأحزاب: 40].
لقد علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نقول الحق للحق، وأن تخالط قلوبنا بشاشة الإيمان، وأن ندع الناس حتى يروا من آيات الله ما يحملهم على التسليم والإذعان.
أيها المسلمون، اذكروا عظمة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى يوم مولده وفى كل وقت، واستمدوا من هذه الذكرى روح العظمة الصحيحة، والعزة القويمة، واذكروا أنكم بخير أمة تُوصَفون، وإلى أفضل نبي تُنسبون؛ فلا تستنيموا إلى مذلة، ولا تركنوا إلى هوان، ودعوا هذه المهازل الصغيرة التي لا تدل على غير العبث والمجون واللهو والفضول والغفلة والصغار، فى يوم شرف العالم فيه بظهور أسمى رمز للعزة والفخار، وبمولد رسول الله صلى الله عليه وسلم».
وفي مقال بعنوان [الاحتفال بذكرى المولد النبوي الكريم] يقول: «يدور الفلك دورته، ويشرق وجه الكون بذكرى اليوم الذى شرف فيه العالم كله بطلعة سيدنا محمد صلى الله عليه وآلة وصحبه وسلم؛ فتخفق قلوب الأمة المحمدية فرحًا وسرورًا، وتهتز جوانحهم بالعواطف الكمينة من حب النبي صلى الله عليه وسلم وإجلاله وإعظامه، والحنين إلى ذكرياته، والشوق إلى رؤيته، والاعتراف بفضله على الإنسانية جميعًا».
ثم حدد المعايير التربوية لكيفية الاحتفال بذكرى المولد فيقول: «وإذا أردنا أن نبين وجه الحق فى هذا الحكم؛ فعلينا أن نتذكر الدافع الذى دفع المحتفل إلى احتفاله، والمظهر الذى أعرب به عن شعوره؛ فإن كان الذى حدا به إلى الاحتفال هو الحب والتعظيم، وكانت مظاهر الاحتفال درس علم ينتفع به، أو صدقة تعود على فقير، أو عبادة خالصة لوجه الله، أو نحو ذلك مما يُجيزه الدين، ويحصل به ثواب الله تعالى؛ فالاحتفال حينئذ قربة إلى الله تبارك وتعالى».
وإن كان الذى حدا بالمحتفل إلى عمله عادة ورثها عن أبيه وقومه، أو ولعًا بالفخر والظهور ليتحدث الناس بعمله، وكانت مظاهر حفله لا تتفق مع ما شرع الله -تبارك وتعالى- لعباده، ولا تخرج عن اللهو والعبث والطبل والزمر والصريخ فى غير طائل، والاشتغال بهذا الحفل حتى عن الفرائض، وضياع الأوقات فى غير فائدة، وحشد الناس فى صعيد واحد يختلط فيه النساء بالرجال، وتكثر فيه الموبقات والمناكر، وتنتهك حرمات الله تبارك وتعالى؛ فلا ترى إلا غفلة مستحكمة، وسخرية مخزية، ومناظر يندى لها جبين الإنسانية، ويتقطع فؤاد المسلم حسرة وأسفًا، ويبرأ منها الإسلام؛ فهذا حفل منكر وإثم كبير على صاحبه والمشارك فيه، وهو أشد ما يؤلم النبي صلى الله عليه وسلم ويؤذيه.
المصادر
- مقال بعنوان ذكرى مولد الرسول الأعظم: مجلة الإخوان المسلمين – السنة الخامسة – العدد 137 – صـ3 – 10ربيع الأول 1366هـ / 1فبراير 1947م.
- مقال بعنوان يوم العالم : مجلة الإخوان المسلمين – السنة الثالثة – العدد 9 – صـ3 : 5 – 10ربيع الأول 1354هـ / 11يونيو 1935م.
- مقال بعنوان الاحتفال بذكرى المولد النبوي الكريم: مجلة الإخوان المسلمين – السنة الأولى – العدد 4 – صـ5 – 13ربيع الأول 1352هـ / 6يوليو 1933م.
.