تعالوا نرى كيف كان النبي ﷺ يتعامل مع الصغار والغلمان من الصحابة رضي الله عنهم حتى أنشأ لنا ذلك الجيل الرباني الذهبي، الذي ملك من الثقة ما جعله يقود جيوشا فتحت العالم بأسره.
وفي هذه الدراسة، تأخذنا الباحثة آمال حسناوي، لننهل من معين النبوة الصافي قطرات تربوية، نروي بها ظمأ قلوبنا لتنشئة جيل يقود الأمة إلى النصر والعزة، وذلك من خلال هذه الومضات السبع:
إن أول خطوة يخطوها المربي العاقل لغرس الثقة في نفس طفله تعليمه مبادئ الإيمان بالله تعالى، والخوف منه دون سواه؛ ففي سنن ابن ماجه عن جندب بن عبدالله -رضي الله عنه- قال: كنا مع النبي ﷺ ونحن فتيان حزاورة (جمع الحزور، وهو الغلام إذا اشتد وقوي وحزم)، فتعلمنا الإيمان قبل أن نتعلم القرآن، ثم تعلمنا القرآن فازددنا به إيمانا»، والشاهد هنا أهمية غرس قيم الإيمان بالله في سني الطفولة الأولى، وأن لها الأولوية على كل شيء، لأن لها ما بعدها من التربية والخلال الصالحة.
المربي الناجح هو الذي يجعل الطفل يشعر بأهميته كإنسان مسلم؛ فعند مخاطبته يوجه إليه من الخطاب ما يشعر به الطفل أنه محترم مهم، قل له: من فضلك، لو سمحت، استأذنه فيما يخصه، وخذ برأيه وشاوره.
إن هذه الأساليب السهلة الميسورة تجعل الطفل يشعر بأهميته الاجتماعية، وقيمته الذاتية؛ فيدفعه ذلك إلى ارتقاء المعالي وركوب الغايات الجليلة؛ ففي صحيح البخاري عن سهل بن سعد "رضي الله عنه" أن رسول الله ﷺ أتي بشراب، وعن يمينه غلام، وعن يساره أشياخ، فقال للغلام: «أتأذن لي أن أعطي هؤلاء؟»، فقال الغلام: لا والله لا أوثر بنصيبي منك أحدا، فتله في يده. الشاهد أنه ﷺ استأذن الغلام وأخذ برأيه وأعطاه حقه، وهذا من صميم غرس الثقة في نفسه.
مشاركة الطفل في أموره الخاصة، والاهتمام بأسئلته، حتى وإن كانت شؤون الطفل في نظرنا تافهة؛ فقائد هذه الأمة ﷺ وله ما له من القضايا المهمة للأمة، أوجد وقتا ليسأل أخا أنس "رضي الله عنه" عن طائره؛ ففي صحيح البخاري عن أنس بن مالك "رضي الله عنه" قال: إن كان النبي ﷺ ليخالطنا، حتى يقول لأخ لي صغير: «يا أبا عمير، ما فعل النغير؟»؛ فيا ترى ما شعور ذلك الطفل والنبي الكريم ﷺ يهتم به ويسأله عن طائره؟ إنه غرس الثقة في نفس الطفل منذ الصغر.
مما يؤثر في نفس الطفل ويرفع من همته وذوقه، اصطحابه إلى مجالس الكبار النافعة، ففي تلك المجالس العامرة بالفائدة ما يغرس في نفس الطفل معاني جميلة، ويتعلم منها ما يجعله يحسن مواجهة صعوبات الحياة بثقة، ولنا في رسول الله ﷺ وصحابته الكرام القدوة الحسنة؛ ففي صحيح البخاري وغيره عن ابن عمر "رضي الله عنه" قال: قال رسول الله ﷺ : «إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها، وإنها مثل المسلم، فحدثوني ما هي؟» فوقع الناس في شجر البوادي؛ قال عبد الله: ووقع في نفسي أنها النخلة، فاستحييت، ثم قالوا: حدثنا ما هي يا رسول الله؟ قال: «هي النخلة»، فابن عمر كان أصغر الجالسين وهم كبار الصحابة، وفيهم رسول الله ﷺ ؛ ومع ذلك أكبروه وجبروا خاطره، ولم يستهينوا بصغر سنه، بل سمحوا له بمجالسة الكبار ومخالطتهم والإفادة منهم.
الرفق بالطفل وعدم استعمال أسلوب التهديد الذي يخلق منه شخصية هشة، يسهل كسرها وتوهين عزيمتها، في مقابل أسلوب التجاهل والتغاضي عن بعض الأمور؛ فهو من أنجع وسائل التربية؛ وقد ثبت في صحيح البخاري عن أنس "رضي الله عنه" قال: «خدمت النبي ﷺ عشر سنين، فما قال لي: أف! ولا: لم صنعت؟ ولا: ألا صنعت».
إظهار محبة طفلك من أبرز ما يشيع الطمأنينة في نفسه، والثقة في عطائه، وإظهار الحب شعور جميل، ولكنه لا يكفي وحده؛ بل علينا أن نشعرهم بهذا الحب؛ ففي صحيح البخاري عن البراء "رضي الله عنه" قال: رأيت النبي ﷺ والحسن بن علي على عاتقه، يقول: «اللهم إني أحبه فأحبه»؛ أخبر ابنك أنك تحبه، وضمه بعطف ولطف إلى صدرك؛ وسيعطيه ذلك مخزونا هائلا من الثقة لمواجهة عراك الحياة، ومن صميم الحب أن تمدح طفلك أمام الغير إذا قام بما يستحق عليه المدح.
أوكل إلى طفلك مهمة يقوم بها، وحمله مسؤولية أمر ما، على حسب سنه وقدراته، وتجنب تحميله من العبء ما لا يطيق، واترك له فسحة في اتخاذ قرارات تخصه، وشاركه أمرا يكون بينكما، وعلمه كتمان السر، وبين له أنك ما خصصته بهذا الأمر إلا لأنه أهل لتحمل الأمانة.
جاء في مسند أحمد عن ثابت البناني عن أنس "رضي الله عنه" قال: خدمت رسول الله ﷺ يوما، حتى إذا رأيت أني قد فرغت من خدمته، قلت: يقيل رسول الله ﷺ ؛ فخرجت إلى صبيان يلعبون؛ قال: فجئت أنظر إلى لعبهم، قال: «فجاء رسول الله ﷺ فسلم على الصبيان وهم يلعبون، فدعاني رسول الله ﷺ ، فبعثني إلى حاجة له، فذهبت فيها، وجلس رسول الله ﷺ في فيء حتى أتيته»، واحتبست على أمي عن الإبان (الحين والوقت) الذي كنت آتيها فيه، فلما أتيتها، قالت: ما حبسك؟ قلت: بعثني رسول الله في حاجة له، قالت: وما هي؟ قلت: هو سر لرسول الله ﷺ ، قالت: فاحفظ على رسول الله ﷺ سره.. قال ثابت: قال لي أنس: «لو حدثت به أحدا من الناس أو: كنت محدثا به، لحدثتك به يا ثابت».
.