موقف الإسلام من الطب والمرض

إن الإسلام ينطلق في مسألة العلاج والتداوي والجوانب الصحية بصورة عامة من منطلق أن الحفاظ على النفس والبدن والعقل والفكر من الضروريات الأساسية التي جاءت الشريعة لأجل الحفاظ عليها، وحمايتها وتنميتها، ولذلك أمر الله تعالى رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم بالتداوي، فقال: (وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) وقوله تعالى: (وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا).

وكذلك الأحاديث النبوية الشريفة أمرت بالتداوي مثل حديث أسامة بن شريك قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كأنما على رؤوسهم الطير، فسلمت، ثم قعدت، فجاء الأعراب من ههنا وههنا، فقالوا: يا رسول الله أنتداوى؟ فقال: تداووا فإن الله تعالى لم يضع داءً إلاّ وضع له دواء غير داء واحد الهرم.

وفي هذه الدراسة، تناول أ.د. علي محيي الدين القره داغي، موقف الإسلام من الطب والمرض، وخلاصة المنهج الإسلامي فى العلاج، والعلاقة المتبادلة بين الطب والفقه، وآداب الطبيب، وموقف الإسلام من الأمراض المعدية.

 

موقف الإسلام من الطب والمرض

فالإنسان في نظر الإسلام أعظم وأكرم وأشرف مخلوق على وجه الأرض، فقال تعالى: (لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَ-انَ فِى أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ)، وهو عجيب في تكونيه الجسماني، وغريب في تكوينه الروحاني، وفيه من الأسرار العظيمة ما لا تعدّ ولا تحصى حتى قال الشاعر: «وتزعم أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر».

ولذلك أمرنا الله تعالى بالنظر إلى أنفسنا فقال تعالى: (وَفِى أَنفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ) بل إن الله تعالى بيّن بأنه سيُري الناس آياته في الآفاق والأنفس حتى يتحقق لهم اليقين بأن رسالة محمد صلى الله عليه وسلم حق فقال تعالى: (سَنُرِيهِمۡ ءَايَٰتِنَا فِي ٱلۡأٓفَاقِ وَفِيٓ أَنفُسِهِمۡ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمۡ أَنَّهُ ٱلۡحَقُّۗ أَوَ لَمۡ يَكۡفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُۥ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ شَهِيدٌ).

ونجد في القرآن الكريم مجموعة كثيرة من الآيات الكريمة تتحدث عن الإنسان والجوانب الخاصة به من حيث النشأة والتكوين، ومن حيث المسيرة الطويلة التي تبدأ بالحياة بعد تلقيح البويضة (مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ) إلى الموت، والحياة البرزخية، ثم إلى البعث والحشر والحساب، فالجنة أو النار.
فالآيات المتعلقة بعلم الأجنة ومراحل خلق الإنسان لا شك أنها معجرزة، لأن فيها أوصافًا دقيقة لم تكشف إلاّ في عصر الحديث من خلال التقنيات العلمية الدقيقة المعاصرة، فقال تعالى: {وَلَقَدۡ خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ مِن سُلَٰلَةٖ مِّن طِينٖ (12) ثُمَّ جَعَلۡنَٰهُ نُطۡفَةٗ فِي قَرَارٖ مَّكِينٖ (13) ثُمَّ خَلَقۡنَا ٱلنُّطۡفَةَ عَلَقَةٗ فَخَلَقۡنَا ٱلۡعَلَقَةَ مُضۡغَةٗ فَخَلَقۡنَا ٱلۡمُضۡغَةَ عِظَٰمٗا فَكَسَوۡنَا ٱلۡعِظَٰمَ لَحۡمٗا ثُمَّ أَنشَأۡنَٰهُ خَلۡقًا ءَاخَرَۚ فَتَبَارَكَ ٱللَّهُ أَحۡسَنُ ٱلۡخَٰلِقِينَ (14)} (المؤمنون)، حيث ذكرت مراحل وأدوار وتطور الجنين، من النطفة إلى العلقة، ثم إلى المضغة، ثم العظام، ثم طور إكساء العظام لحمًا، ثم طور الحركة الذاتية للجنين، ثم تطوره بأمر الله إلى الخلق المتكامل إضافة إلى الدخول في تفاصيل النطفة الأمشاج التي تتكون من الحيوان المنوي، والبويضة وغير ذلك.
وإذا قمنا بنظرة فاحصة نجد أن الآيات الصريحة في هذا المجال أو التي يمكن استنباط ما يتعلق بالطب منها يبلغ عددها في الطب النفسي 130 آية، وفي وظائف الأعضاء 59 آية، وفي علم الأجنة 36 آية، وفي ما يخص النساء 21 آية، وفي العيون 10 آيات، وفي طب المجتمع 43 آية، وفي التشريح 19 آية، وفي الأنف والأذن والحنجرة 15 آية، وفي علم الوراثة 15 آية، وفي الطب الغذائي 18 آية، وفي العناية بالمريض 10 آيات، وفي الجلدية 9 آيات، وفي الطب العلاجي 8 آيات، وفي الجراحة 8 آيات، وفي الشيخوخة 6 آيات، والأطفال 5 آيات، وفي الطب الشرعي 4 آيات، فالمجموع النهائي لعدد الآيات التي تناولت هذه القضايا بصورة مفصلة، أو إجمالية، وبصورة واضحة، أو أنها يفهم منها هي 416 آية مع المكرر.
ومن الضروري التنبيه عليه أن القرآن الكريم ليس كتاب طب، وإنما هو كتاب هداية، ولكنه تناول هذه الموضوعات من خلال الاستدلال على عظمة الله تعالى وعلمه وقدرته، أو من خلال ذكر القصص أو من خلال بيان خصائص الإنسان، أو نحو ذلك، كما أن هذه الآيات ليست جميعها على سنن واحد من حيث الدلالة على الموضوعات الطبية، وإنما غالبها يؤخذ منها بالاستنباط في الأمور الطبية.
 

خلاصة المنهج الإسلامي في العلاج
نستطيع أن نلخص المنهج الإسلامي في الطب والعلاج في النقاط الآتية:
أولًا: العلاج من خلال الإيمان بالله تعالى وبالقضاء والقدر، وإرجاع الأمر كله إلى الله تعالى مع الأخذ بجميع الأسباب المتاحة لدفع المرض، والأخذ بالحيطة والوقاية قبل الوقوع والإصابة، ثم الأخذ بجميع الأسباب المتاحة للعلاج والشفاء.
ثانيًا: يغرس الإسلام في نفوس أتباعه الرضا والقناعة، والصبر والمصابرة على ما أصابه.
ثالثًا: يأمره الإسلام بالوقاية والحماية، سيأتي تفصيله في الطب النبوي والوقائي.
رابعًا: يأمر الإسلام بعد ذلك المسلم بالتداوي -كما سبق.
خامسًا: يوسع الإسلام دائرة التداوي بالأدوية والعلاج الطبي والعمليات ونحوها.
سادسًا: يبين الإسلام للناس جميعًا بأن لكل داء دواء ولكل مرض شفاء علمه من علمه، وجهله من جهله، يختلف ذلك حسب العصور والأزمان وتطور الأدوية والعلاج والوسائل الطبية، حيث يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: «إن الله لم ينزل داءً -أو لم يخلق داءً- إلاّ أنزل -أو خلق- له دواء، علمه من علمه، وجهله من جهله إلاّ السام، قالوا: يا رسول الله، وما السام ؟ قال: الموت».
وهذ الحديث الصحيح يعطي أملًا -ما بعده أمل- لكل مريض حيث قضى بأنه لكل داء دواء، ولكل مرض شفاء، وبذلك لا يفقد الأمل مهما كان مرضه خطيرًا على عكس ما هو الحال اليوم حيث تصنف بعض الأمراض على أنه لا شفاء لها.
وأخيرًا فمنهج الإسلام منهج قائم على الزوجية (أي الطب الروحي والنفسي والطب المادي) وليس على الأحادية أي الاعتماد على الجانب المادي فقط، أو الجانب الروحي فقط، وهكذا الإسلام في كل شيء حيث يجمع بين الدين والدنيا، وبين المادة والروح، وفي ذلك وغيره ذلك جمع للخيرين.
​​​​​​​

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم