Business

المنفقون كالشهداء.. لا خوف عليهم ولا هم يحزنون

خلق الله سبحانه العباد لترسيخ معاني العبودية في نفوسهم ومنهم من يسعد بعبوديته لله وحده ومنهم من يتكبر، وبين هؤلاء وهؤلاء صفات تربوية كبيرة يجد في العمل بها من عبد الله وحده حتى يصل للمراد وهو رضوان الله، وسكن الفردوس الأعلى دون سابقة عذاب، وهم الذين وصفهم الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله:  «إِنَّ لِلَّهِ عِبَاداً يَفْزَعُ إِلَيْهِمُ النَّاسُ فِي حَوَائِجِهِمْ، أُولَئِكَ هُمُ الْآمِنُونَ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ».

ولقد وقف الكثيرين حول آيات الرحمن التي قال فيها: { لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}، فوجدوا أنها ذكرت في أصناف عدة، رغم أن بعض الناس ظنت أنها تخص الشهداء دون غيرها من الأعمال الصالحة، لكنهم وجدوا أن الانفاق في سبيل الله قد تساوى مع الشهادة في سبيل الله بعدم الخوف وعدم الحزن.

وفي قصة تربوية تداولها الكثيرين على مواقع التواصل الاجتماعي واستوقفتنا حول معانيها العظيمة التي أكدت أبواب كثيرة للخير، ومنها الانفاق في سبيل الله حيث ذكر ذلك بقوله:

قلت له: ألست خائفًا بعدما أعطيته الأموال فالأزمة قد تطول.. وأنت ربما تحتاج لهذه الأموال؟!

توقعت منه أن يأتي جوابه: ما نقص مال من صدقة، وأنفق يُنفق عليك.

لكني وجدته قال لي: المُنفقون كـالشهداء.. {لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}.

وحينما عدت وبحثت وجدت أن لا خوف عليهم ولا هم يحزنون قد جاءت فعلا في حق الشهداء والمُنفقين.

حيث جاءت مرتين في حق المُنفقين في سورة البقرة، منها الآية 274 {الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}.

والآية 262 {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُون}.

وجاءت في حق الشهداء في الآية 170 من سورة آل عمران: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}.

وهذه أول مره يلفت نظري هذا التشبيه.. المُنفقون كـالشهداء {لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}.

 

أثر الانفاق على الفرد والمجتمع

والإنفاق في سبيل الله له أثر كبير على الفرد والمجتمع، ففي "الصحيحين" عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: كان أبو طلحة أكثرَ الأنصار بالمدينة مالًا من نخل، وكان أحبَّ أمواله إليه بَيْرَحاءُ، وكانت مستقبلةً المسجدَ، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يدخلها ويشرب مِن ماءٍ فيها طيِّب، قال أنس - رضي الله عنه -: فلما أنزلت هذه الآية: ﴿لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ﴾ [آل عمران: 92]، قام أبو طلحة إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، إن الله - تبارك وتعالى - يقول: ﴿لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ﴾، وإن أحبَّ أموالي إليَّ بيرحاء، وإنها صدقةٌ لله، أرجو بِرَّها وذُخرها عند الله - عز وجل - فضعْها يا رسولَ الله حيث أراك الله، قال: فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((بَخ! ذلك مال رابح، ذلك مال رابح)).

فالإنفاق في سبيل الله طريق للحب والتأخي والتآلف والتكافل بين جميع أفراد المجتمع، فلا يرى فيها محتاج أو جائع، كما تعمل على بث روح التعاون والمؤاخاة بين أفراد المجتمع وتزيل الحسد بين الناس.

كما أن الإنفاق في سبيل الله يهذب الأخلاق ويزكي النفس، ويربي الروح على معالي الأخلاق وفضائلها، فتجد صفات الرحمة والعطف والشفقة وجبر الخواطر تطوف بين القلوب فينعم المجتمع بحياة متماسكة ومتآلفه.

بل تسمو بالعبد وأخلاقه وتصبح عاملًا قويًا لانتصاره على نفسه الأمارة بالسوء، وإلجام لشيطانه، وإعلاء لهمته؛ إذ تعلق العبد بربه وتربطه بالدار الآخرة، وتزهده بالدنيا.

لكن للإنفاق في سبيل الله ضوابط ومحارم، ومنها: أن يكون من مال حلال، وأن يكون خالصا لوجه الله سبحانه، ألا يتبعه منّ أو أذى.

 

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم