خلق الله الإنسان وعلمه البيان، ولم يتركه سدى، بل هيّأ له من يشرف على تهذيبه وتعليمه، لاسيما في مراحل الطفولة حيث يكون ألين عريكة، وأنقى فطرة، وأصدق تأثرًا بكل من يحيط به، ويكون الوالدان مسؤولين بالدرجة الأولى عن تنشئته وإحاطته بالرعاية والحماية والتوجيه.
ويتضمن هذا البحث الذى أعدّته الدكتورة سناء هدلة، كلية الشريعة- جامعة دمشق، نظرة سريعة حول مسؤولية التربية، وهدفها في حياة الطفل، ثم عرض أنواع التربية وجوانبها المختلفة التي ينبغي الإحاطة بها لإعداد المواطن الصالح، يليه الكلام عن الأساليب التربوية في الإسلام، وينتهي بالحديث عن السياسات التربوية الخاطئة في تربية الطفل في المنظور الإسلامي، ومزايا الأسلوب التربوي الإسلامي.
أهمية التربية والعوامل المؤثرة في سلوك الإنسان
خلق ﷲ تعالى الإنسان وزوده بغرائز وميول وعواطف، وجعل لديه القابلية للخير والشر معًا، ومهما اختلف الزمان والمكان فهو يبقى بحاجة إلى التربية والتهذيب والتعليم.
فالنشاط الآلي والحركي والعقلي والفكري لدى الإنسان يخضع لتأثير عوامل مختلفة، تتمثل فيما يأتي:
- الوراثة: فالصفات الخيرة تنتقل بالوراثة، وكذلك السيئة.
- الجبلة أو الطبيعة: فالإنسان مجبول على صفات معينة، كالعجلة والضعف والهلع.
- البيئة: فسلوك الإنسان شديد التأثر بالبيئة بمختلف أبعادها الجغرافية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية.
- العوامل الغيبية: فالله تعالى هو المتصرف في شؤون الخلق، كل شيء يجري وفق تقديره ومشيئته، كما أن الإنسان يخضع لتأثير الملائكة بالحفظ والتأييد، وتأثير الشيطان في الغواية والإضلال.
وسائط التربية في الإسلام
تتعدد الوسائط والجهات المسؤولة عن التربية عموما، ولعل من أهمها:
- البيت: يعتبر البيت من أهم الجهات المسؤولة عن تربية الطفل، ويستأثر وحده بالتربية في المرحلة الأولى من الطفولة، وقد تتابعت النصوص الشرعية في بيان مسؤولية الوالدين في تربية الأولاد وغرس العقيدة السليمة والتوجيه السديد والإعداد الصحيح.
- المجتمع (البيئة): يعد المجتمع عاملًا من عوامل التربية، وهو يمثل البيئة الواسعة التي تتمثل فيها العقيدة والأخلاق والقيم والمبادئ.
- المؤسسات التعليمية: يقصد بها المساجد والكتاتيب.
أنواع التربية
- التربية الإيمانية: وهي ربط الولد منذ نعومة أظفاره بأصول الإيمان وأركانه، وترسيخها في خوالج نفسه، ابتداء بوجود ﷲ تعالى وصفاته، مرورًا بعظمة كلام ﷲ وإعجازه وبيانه بالسنة المشرفة، وانتهاء بالاعتياد على تطبيق أركان الإسلام، وتمثل مبادئ الشريعة الغراء حتى تتسامى روحه إلى الأفق الأعلى، بإيمان صادق، ويقين ليس بعده كفر.
- التربية الخلقية: وهي تنشئة الفرد على المبادئ الخلقية والفضائل السلوكية والوجدانية.
- التربية البدنية: ويتم من خلالها تنمية قدرات الفرد البدنية، وزيادة كفاءته الحركية.
- التربية العقلية: وهي تنمية المدارك الفكرية والقدرات العقلية لدى الطفل، وذلك من خلال توجيهه نحو اكتساب المعارف الشرعية والعلمية والثقافية والحضارية.
- التربية الوجدانية: وهي تربية المشاعر الإنسانية لدى الفرد من فرح وحزن وقلق واطمئنان، وتوجيه الأحاسيس الداخلية من لذة وألم، وضبط العواطف والانفعالات الوجدانية من حب وكره.
- التربية الاجتماعية: تربية الطفل منذ نعومة أظفاره على التكيف مع المجتمع بمختلف مؤسساته، والالتزام بالآداب الاجتماعية، والفضائل الخلقية التي ترتئيها العناصر الراشدة فيه.
- التربية المهنية: تدريب الطفل على الكسب الضروري وتعليمه الصنائع التي تليق به من أجل تأمين المتطلبات المادية للحياة.
- التربية الأدبية: تتجلى في إتقان علوم اللغة العربية، لتقويم لسانه، وإصلاح بيانه، ومن الشعر ما انطوى على فضل الأدب ومكارم الأخلاق، وأركان علوم اللسان العربي تتمثل في اللغة، والنحو، والبيان، والأدب، وبحفظ القرآن الكريم حفظت اللغة العربية، ولولاه لاندثرت منذ زمن بعيد.
- التربية الجمالية: إيقاظ شعور الفرد بجمال الكون، والتعبير عن ذلك بإحساس مرهف، يبعث فيه الشعور بالارتياح والسرور ويتذوق الجمال ويسعى للحفاظ عليه والعناية به، فيرتقي وجدانه وتتهذب انفعالاته، لتنعكس على نفسه بمتعة ذات طابع خاص.
- التربية الجنسية: وتعني تعليم الولد وتوعيته ومصارحته بالقضايا المتعلقة بالجنس والمتصلة بالزواج حتى يكون على بينة من الحلال والحرام، ومن كل ما قد يؤدي إليهما، فيتحكم بذاته ويضبط نوازعه بعيدًا عن الانسياق وراء الشهوات، والتخبط في سبل الغواية والانحلال.
أساليب التربية
تتنوع الأساليب التربوية لتحقيق الهدف العام للتربية، ويمكن إجمالها فيما يأتي:
- القدوة الحسنة: تعتبر من أهم الأساليب التربوية التي ينعكس تأثيرها على شخصية الفرد بشكل واضح، ولها دور بارز في تعديل السلوك وفق القيم والفضائل الخلقية.
- الوعظ والإرشاد: يعتبر النصح والتوجيه المباشر أسلوبًا هامًا في التربية، ويختلف تأثيره باختلاف حال النفوس في الإقبال والنفور، والسهولة والعناد، ومن المعلوم أن نفس الطفل أكثر مرونة، وألين عريكة وأسرع اعتيادًا من الكبير.
- العادة: وهي تكرار الشيء دائما أو غالبا على نهج واحد من غير علاقة عقلية.
- إثارة العاطفة: وذلك من خلال إيقاظ المشاعر الوجدانية، وتحريك العواطف الداخلية تجاه الشيء المتعلم بحيث يكون رديفًا للفرد نحو الالتزام به والثبات عليه.
- التربية بالتعليم: يعتبر التعليم وسيلة خادمة للتربية، وجزءًا هامًا منها، وهو في الغالب يقترن بالدليل العقلي والبرهان المنطقي، ويراعى فيه التدرج مع استخدام الوسائل الحديثة والحسية بغية تقريب المعنى.
- الترغيب والترهيب: هذا الأسلوب له أهميته، لاسيما في مراحل الطفولة الأولى، وهو مستقى من الفطرة الإنسانية.
- الثواب والعقاب: حظي هذا الجانب باهتمام علماء التربية المسلمين كما اعتمده علماء النفس في الغرب.
السياسات التربوية الخاطئة في تنشئة الطفل:
- الأسلوب التسلطي
- الإهمـال
- الإفراط في الحماية
- الإفراط في الشدة
- التفرقة والتمييز
- التوبيخ المستمر
- التذبذب في المعاملة
مزايا الأسلوب التربوي الإسلامي
النظام التربوي الإسلامي مستقى من تعاليم الشرع الإسلامي القويم، وهو يهدف إلى إعداد الفرد الصالح السوي الذي يسعى إلى الكمال في جوانب حياته كافة، كما يمتاز عن غيره من الأنظمة بعدة مزايا، يمكن إجمالها فيما يأتي:
- المربي قدوة
- الوسطية والاعتدال
- اعتماد الحوار البناء
- سياسة التشجيع والتحفيز للطفل
- الثواب والعقاب التربوي
- استخدام التقنيات التربوية الحديثة
- التكامل والشمول
التربية وأساليبها في التشريع الإسلامي
http://montdatarbawy.com/upload/17p1qyjrm0ask84cgw.pdf
.