ورغم أن الهجرة من مكة إلى المدينة قد انتهت بقوله صلى الله عليه وسلم: «لا هجرة بعد الفتح ...» إلا أنه أبقى أصل الهجرة وهي الهجرة النفسية فقال في تمام الحديث: «... ولكن جهاد ونية وإذا استنفرتم فانفروا» صحيح الجامع .
وأكد النبي صلى الله عليه وسلم بقاء مبدأ الهجرة وديمومته فقال صلى الله عليه وسلم: «إن الهجرة لا تنقطع ما دام الجهاد» صحيح الجامع .
فالهجرة سنة كونية وفريضة شرعية وهي باقية إلى يوم القيامة..
الهجرة أوسع مدلولا، وأعمق مفهومًا، من الانتقال بين الأمكن فهي تبدأ من الذات، وتنطلق من النفس، وهي مقتضى قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ}.
وحقيقة الهجرة النفسية: التوبة بأفقها الواسع. ومجالها الشاسع وقد ربط بينهما صلى الله عليه وسلم فقال: «لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها» صحيح الجامع .
وتظهر الهجرة النفسية "توبة وتغييرا" في أعمال الجوارح قال صلى الله عليه وسلم: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه» (صحيح).
وهذه الهجرة النفسية هي أدنى مراتب الإيمان قال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ» [صحيح مسلم]
الهجرة النفسية توطئة للهجرة البدنية
الهجرة النفسية شرط للهجرة البدنية وقد بدأ بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فهجر الشرك نفسيا قبل أن يهجره بدنيا وكان من ذلك تبتله الليالي ذوات العدد في غار حراء.
ومن هاجر ببدنه قبل أن يستكمل هجرته النفسية فلربما انتكس، وقد جاء رجل إلى أحد كبار السلف يقول له: علمني؛ فلقد سافرت إليك من مكان بعيد. فأجابه العالم: «إن هذا الأمر لا ينال بقطع المسافات. فارق نفسك شبرا يحصل لك مقصودك».
وحين هاجر عبيد الله بن جحش إلى الحبشة قبل أن تكتمل هجرته النفسية، انتكس فارتدَّ وتنصر هناك ومات نصرانيا والعياذ بالله.
.