خطأ البشر حقيقة لا يمكن إنكارها أو تجاهلها، ولكن كثيرًا ما ترتكب أخطاء تحت اسم علاج الأخطاء، أو باسم التقويم أو التصحيح. وربما يكون خطأ من يدعي التصحيح أسوأ من الخطأ الذي يدعي أنه يسعى لعلاجه، هذا إذا كان ادعاؤه صحيحًا. فالمختلف عليه (ما يراه من يدعي التصحيح بأنه خطأ) قد لا يكون خطأ. والأسوأ أن بعض من يدعي التصحيح لا يتيح فرصة للنقاش والحوار وتبادل الآراء وتلاقح الأفكار، والتعامل مع الآخرين بذهن منفتح، وبمرونة للوصول إلى حلول حول المختلف عليه. لأنه يرى أن رأيه صحيح وما عداه خطأ (رأيه صحيح لا يحتمل الخطأ. ورأي غيره خطأ لا يحتمل الصواب). فالجهل وعدم العلمية المنضبطة من أهم أسباب الأخطاء التي تُرتكب باسم التصحيح.
وفى دراسة بعنوان: «أخطاء التقويم التربوي.. رؤيـة تأصيلية»، للدكتور عمر إبراهيم عالم، يرى أن وقوع الأخطاء لا يعني الفشل أو قصد الشر، وليس كل حديث عن الأخطاء يقترن بسوء النية، بل إن وقوع الأخطاء دليل على حدوث فعل، أو صدور قول. فالخطأ يدل على حدوث شيء لم يوفق صاحبه فيه. أي أن صاحبه لعب دورًا إيجابيًا في فعل أو قول. فمن لا يفعل فعلًا أو يقول قولًا لا تصدر عنه أخطاء. فوقوع الأخطاء مؤشر على إيجابية من نظن أنه أخطأ.
أسباب الخطأ
1- الجهل:
هو نقيض العلم، والجهالة: أن تفعل فعلًا بغير علم. والمعروف في كلام العرب: جَهِلْتَ الشيءَ إذا لم تَعْرِفْهُ، وَاجْتَهَلَتْهُ الحَمِيَّةُ أي: حَمَلَتْهُ الأَنَفَةُ والغضبُ على الجهل.
عليه فالجهل هو عدم إدراك الحق، أو إدراك شيء على وجه يخالف حقيقته. كمعرفة المظهر ليس الجوهر، يقول المثل الدارج: المظاهر خداعة. ويقول الإنجليز: It is very hard to judge by appearanceهذان القولان لا ينطبقان دائمًا، ويخالفان تعاليم الإسلام. فرسول الله ﷺ يقول: إِذَا رَأَيْتُمْ الرَّجُلَ يَعْتَادُ الْمَسْجِدَ فَاشْهَدُوا لَهُ بِالْإِيمَانِ».
الجهل جهلان: جهل يعذر صاحبه، كالجهل بدقائق العلوم البشرية من طب وهندسة وزراعة وغيرها من العلوم، بينما هناك جهل لا يعذر صاحبه، كالجهل بالفروض العينية: من صلاة وزكاة وصوم وغيرها من الواجبات العينية. وذلك لأن الجهل ناتج عن تفريط وإهمال. وكذلك من يتصدى لقيادة قوم أو يصدر حكمًا كالقضاة. لهذا قال الرسول ﷺ: «الْقُضَاةُ ثَلَاثَةٌ وَاحِدٌ فِي الْجَنَّةِ وَاثْنَانِ فِي النَّارِ، فَأَمَّا الَّذِي فِي الْجَنَّةِ فَرَجُلٌ عَرَفَ الْحَقَّ فَقَضَى بِهِ، وَرَجُلٌ عَرَفَ الْحَقَّ فَجَارَ فِي الْحُكْمِ فَهُوَ فِي النَّارِ، وَرَجُلٌ قَضَى لِلنَّاسِ عَلَى جَهْلٍ فَهُوَ فِي النَّارِ».
وقد حذر الله تعالى من خطورة إصدار الأحكام بجهل، فقال جلّ وعلا: {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولًا (36) وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا} (الإسراء: 36-37). كما حرّم القول على الله تعالى بغير علم فقال جلّ ثناؤه: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} (الأعراف: 33).
2- الغضب:
أورد ابن منظور (صاحب معجم لسان العرب): أن الغضب نقيض الرضا، قال ابن عرفة: الغضب، من المخلوقين شيء يُدَاخِلُ قلوبهم، ومنه محمود ومذموم، فالمذموم ما كان في غير الحق، والمحمود ما كان في جانب الدين والحق.
عرّفه الغزالي فقال: خلق الله طبيعة الغضب من النار، وغرزها في الإنسان وعجنها بطينته. فمهما صد عن غرض من أغراضه ومقصود من مقاصده اشتعلت نار الغضب وثارت ثورانًا يغلي به دم القلب وينتشر في العروق ويرتفع إلى أعالي البدن، كما ترتفع النار وكما يرتفع الماء الذي يغلي في القدر، فلذلك ينصب إلى الوجه فيحمر الوجه والعين، والبشر لصفائها تحكي لون ما وراءها من حمرة الدم كما تحكي الزجاجة لون ما فيها. وإنما ينبسط الدم إذا غضب على من دونه واستشعر القدرة عليه، فإن صدر الغضب على من فوقه وكان معه يأس من الانتقام تولد منه انقباض الدم من ظاهر الجلد إلى جوف القلب وصار حزنًا، ولذلك يصفر اللون، وإن كان الغضب على نظير يشك فيه تردد الدم بين انقباض وانبساط فيحمر ويصفر ويضطرب.
فالغضب قد يكون محمودًا، وقد يكون مذمومًا. يكون محمودًا إذا كان غضبًا لانتهاك حرمات المولى عزّ وجلّ، وهناك كثير من المواقف في حياة الرسول ﷺ تؤكد ذلك لحدوث فعل أو قول يخالف ما جاء به من الهدي (يخالف ما يرضاه الله ورسوله). ومن الشواهد على ذلك غضبه ﷺ عندما شفع أسامة بن زيد (حِبُّ رسول الله) في المرأة المخزومية التي سرقت. وبدأ ﷺ حديثه بقوله: «أتشفع في حد من حدود الله؟!» والقصة وردت في البخاري.
أما الغضب المذموم فهو ما كان إشباعًا لشهوات النفس وإرضاء لأهوائها وتقلباتها. لهذا نهى الدين الإسلامي عن ذلك
لهذا يوصي علماء التقويم التربوي والنفسي بأن يتم التقويم في وضع مريح دون توتر أو أي أثر نفسي يجعل المقوم يحس بعدم الراحة. وفي حالة تصحيح كراسات إجابة الطلاب أن تكون في جلسة واحدة حتى لا تتدخل الظروف الخاصة بالمصحح في منح الدرجات.
والغضب يجعل الفرد يتفوه بعبارات غير دقيقة. مثال لذلك، عن سعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس: إن نوفًا البِكَالِيّ يزعم أن موسى صاحب الخضر ليس هو موسى صاحب بني إسرائيل. قال ابن عباس: كذب عَدُوّ الله. فقَالَ الْعُلَمَاء: (كذب عدو الله) هُوَ عَلَى وَجْه الْإِغْلَاظ وَالزَّجْر عَنْ مِثْل قَوْله، لَا أَنَّهُ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ عَدُوّ اللَّه حَقِيقَة، إِنَّمَا قَالَهُ مُبَالَغَة فِي إِنْكَار قَوْله لِمُخَالَفَتِهِ قَوْل رَسُول اللَّه ﷺ، وَكَانَ ذَلِكَ فِي حَال غَضَب اِبْن عَبَّاس لِشِدَّةِ إِنْكَاره، وَحَال الْغَضَب تُطْلَق الْأَلْفَاظ وَلَا تُرَادُ بِهَا حَقَائِقهَا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ
وللجهل علامات وصفات تظهر على الفرد كما قال محمد بن منصور: ست خصال يعرف بها الجاهل: الغضب في غير شيء، والكلام في غير نفع، والعظة في غير موضعها، وإفشاء السر، والثقة بكل أحد، ولا يعرف صديقه من عدوه.
3- الحسد:
الحسد لغةً تعنى: تمني زوال نعمة المحسود إلى الحاسد. وقي تهذيب اللغة: فهو أن يبغيه الغوائل على ما أوتي من النعمة والغبطة ويجتهد في إزالتها عنه بغيًا وظلمًا. وأورد صاحب معجم الفقهاء: الحسد: مصدر حسد، تمني زوال النعمة عن الغير.
يرى ابن تيمية: أن البغض والكراهية لما يراه الحاسد من حسن حال المحسود.
عرّفه صمويل رزقي بأنه: شعور بالاستياء على ما يمتلكه الآخرون من مراكز وامتيازات أو علاقات أو أي شيء آخر.
وعند العامة: تمني زوال نعمة المحسود ولو لم يستفد الحاسد.
بعض الأسباب التي تؤدي إلى الاتصاف بالحسد:
- العداوة والبغضاء اللذان يولدان الحقد.
- استصغار المنعم عليه والتكبر عليه.
- المنافسة: المنافسة مقصد شريف مطلوب بين النظراء لكنها قد تتحول إلى حسد بدلًا عن مزاحمة خوفًا من ضياع مقصد من المقاصد.
- استنكار من تميز القرناء.
- حب القيادة والزعامة.
- خبث النفس.
- العجز: قد يعجز الحاسد عن شيء حَصَّلَهُ المحسود هِبَةً أو اكتسابًا لذلك يكره تقدمه واختصاصه به فيثير ذلك حسده.
ويصل إلى الحاسد خمس عقوبات قبل أن يصل حسده إلى المحسود:
أولها: غمّ لا ينقطع.
الثانية: مصيبة لا يُؤجَر عليها.
الثالثة: مذمة لا يحمد عليها.
الرابعة: سخط الرب.
الخامسة: يغلق عنه باب التوفيق.
وقال بعض الحكماء: بَارَزَ الحاسدُ ربَّهُ من خمسةِ أوجهٍ:
- قد أبغض كل نعمة قد ظهرت على غيره.
- سخط لقسمته. يعني، يقول لربه: لم قسمت هكذا؟
- أنه ضَنَّ بفضله، يعني أن ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
- خَذْلُ ولي الله. لأنه يريد خذلانه، وزوال النعمة عنده.
- أعان عدوه ـ يعني إبليس- لعنه الله-.
4- الهوى:
من معانيه السقوط من مكان عالٍ. أما هوى النفس هو ميلها إلى ما تحبه سواء كان خيرًا أم شرًا. لهذا قال ﷺ: «لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به».
الهوى ليس كله مذمومًا. فمنه المحمود ومنه المذموم. فالمحمود يشمل المباحات وفضائل الأعمال. والمذموم يشمل المحرمات والمكروهات. لكن عادة عند ذكر الهوى أو هوى النفس يتبادر إلى الذهن المعنى المذموم. والمذموم غالبًا ما يكون مصاحبًا للشهوات والمحرمات والشبهات.
قال ﷺ: «ثلاث منجيات، وثلاث مهلكات، فأما المنجيات: فتقوى الله في السر والعلانية، والقول بالحق في الرضا والسخط، والقصد في الغنى والفقر؛ وأما المهلكات: فهوى متبع، وشح مطاع، وإعجاب المرء بنفسه، وهي أشدهن».
وقال الإمام على رضى الله عنه: إنما أخاف عليكم اثنتين: طول الآمل، وإتباع الهوى، فإن طول الآمل يُنسِي الآخرة، وإن اتباع الهوى يصد عن الحق وإن الدنيا قد ترحلت مدبرة، وإن الآخرة مقبلة ولكل واحدة منهما بَنَون فكونوا من أبناء الآخرة، فإن اليوم عمل ولا حساب، وغدًا حساب ولا عمل.
5- التكبر والتعالي:
ورد في لسان العرب: الكِبر (بالكسر) هو العظمة، والاستكبار: الامتناع عن قبول الحق معاندة وتكبرًا.
التكبر من الصفات المذمومة. وقد ذمه الله تعالى في كثير من الآيات. نأخذ منها على سبيل المثال، قوله تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ} (البقرة: 34).
التكبر هو عدم الخضوع لأحد أو تقديم تنازلات، وإذا جاوز الحد سُمِّيَ طغيانًا. أخذ ذلك من قوله تعالى: {كَلاَّ إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى} (العلق: 6). والطغيان هو مجاوزة الحد. وللكبر أسباب معظمها ناتج عن خلل في النفس وقصور العقل. من ذلك الطموح غير المحدود حتى لو أدى ذلك إلى سحق الآخرين، أو فقدان أعز ما يملكون. وإذا تعذر ذلك يظهر سلوك الاستعلاء، وينقل للآخرين بأنه أفضل منهم، أو يمجد نفسه بصورة مبالغ فيها، ويمدحها بما فيها وما ليس فيها.
يرى ابن القيم أن الكبر: أثر من آثار العجب والبغي من قلب قد امتلأ بالجهل والظلم، ترحلت عنه العبودية، ونزل عليه المقت، فَنَظَرُهُ إلى الناس شَزَرٌ، ومِشْيَتُهُ تَبَخْتُرٌ، ومعاملته لهم معاملة الاستئثار لا الإيثار، ولا يرى لأحد عليه حقًا. ويرى حقوقه على الناس، لا يزداد من الله إلا بعدًا، ومن الناس إلا صغارًا، أو بغضًا.
وَكَذَلِكَ قَالَ الْإِمَامُ الْحَافِظُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: اعْلَمْ أَنَّ مِنْ أَسْبَابِ الْكِبْرِ الْعُجْبَ، فَإِنَّ مَنْ أُعْجِبَ بِشَيْءٍ تَكَبَّرَ بِهِ.
أسباب الكبر:
أولهما: ديني، وهو إعجاب الفرد بعلمه. فيكون مدعاة للاستكبار على من يعتقد أنه أقل منه في العلم. وكذلك الطاعات أو العمل الصالح إذا أعجب به صاحبه، فيتكبر به على من يظن أنه لا يعمل مثله. قالوا: ما أسرع الكبر إلى العلماء، كما أنه لا يخلو العباد منه. لهذا أدرجه بعض علماء العقيدة مع أنواع الشرك. فذكروا النوع السادس من الشرك فقالوا: شرك أغراض: وهو الرياء بالأعمال الصالحة. وإن كان الرياء بالأعمال الصالحة موجبًا للكفر، ولكن نسبة لسماجته وقبحه عُدّ من أنواع الشرك الأصغر.
الثاني: دنيوي، وهو الداعي لاحتقار الناس، فالجمال من أكثر أسباب التكبر بين النساء، وكذلك المال، والقوة المتطاول بها على ذوي الضعف، وكثرة الأتباع والأنصار.
قال الإمام الغزالي: ويجري ذلك بين الملوك في المكاثرة بالجنود، وبين العلماء في المكاثرة بالمستفيدين.
6- العجلة والتسرع:
أحيانًا قد ينتج الخطأ عن عدم التروي والتثبت. فقد يندفع الإنسان حبًا في الخير ليصدر أحكامًا غير دقيقة وقد يحاول إلزام الآخرين بها. مثال ذلك الإعرابي الذي بال في مسجد رسول الله ﷺ، واندفاع الصحابة رضوان الله عليهم لمنعه من إكمال بوله، حبًا في منع تلوث المسجد ونجاسته. لكن ضرر عدم إكمال البول أكثر من ضرر تلوث جزء محدود من المسجد النبوي، وتلوث الإعرابي ببوله، وقد يصل إلى آخرين من الصحابة الكرام. لهذا ظهرت القاعدة الـأصولية درء المفاسد مقدم على جلب المصالح. في الأمور كلها ومن باب أولى التعامل بين الناس والأشياء التي ليس فيها نص صريح. والعجلة والتسرع قد تنتج غاليًا عن الغضب لهذا شرحت معه. وسقنا الأدلة والشواهد على ذلك.
7- السهو والنسيان والغفلة:
السهو من الأشياء التي تلازم الإنسان. لهذا عقد له الفقهاء في أهم شعيرة في الإسلام ألا وهي الصلاة؛ باب كامل يتحدثون فيه عن السهو وأحكام الساهي. وكيفية تدارك ذلك. إذا كان السهو في الصلاة يمكن تداركه بعد وقت محدد بشروط محددة. فالسهو في غير الصلاة كذلك يمكن تداركه في وقت محدد وفق ضوابط بشرية يتفق عليها. لكن هل يمكن للساهي أن يعترف بالخطأ في حق غيره؟
يعرف بعض الفقهاء السهو بأنه: الذهول عن الشيء مع قابلية العودة إليه بأقل تنبيه. أو هو زوال الشيء من المدركة مع بقائه في الحافظة. بينما النسيان هو: الذهول عن الشيء مع عدم العودة إليه. أو هو زوال الشيء من المدركة والحافظة معًا. بينما الغفلة هي الانشغال بأمر دنيوي عن أوامر المولى عزّ وجلّ. وهذه الأحوال الثلاث يمر بها البشر، لكن المهم هو عدم القيام بالتقويم والإنسان في هذه الحالات، وإذا قام به عليه أن يرجع إلى الحق إذا ثاب إلى رشده، أو نبهه غيره إلى عدم دقة أمر ما.
8- الاستهتار وعدم الجدية:
بعض من يقومون بالتقويم لا يهيئون أنفسهم لهذه العملية بحجة أنها عملية مكررة ولا جديد فيها، فهي عمل ميكانيكي (آلي) يمكن القيام به بالعادة مثل قيادة السيارة، وغيرها من العادات الراتبة. وهنا يتم تجاهل أن الخطأ قد يتوقف عليه مصير شخص أو حياته. فخطأ الطبيب قد يكون قاتلًا. وخطأ لجنة المعاينة قد تحطم حياة شخص، وخطأ منفذي الحروب قد تدمر ملايين البشر. لهذا فرّق بعض العلماء بين الخطأ في حق النفس والخطأ في حق الغير.
9- اختيار غير الأولى:
عندما ترد كلمة اختيار، فذلك يعنى أن هناك عدة بدائل فاضل الفرد بينها ثم اختار بعد تمحيص وتدقيق. مع ذلك قد لا يصيب الهدف. أو قد يجد من يخالفه في اختياره. وقد يكون الاختيار صحيحًا ولكنه ليس الأصح أو الأصوب. أو يبنى الاختيار على تفسير غير دقيق. من الأمثلة على ذلك قصة آدم عليه السلام، فقد نُهِيَ أن يأكل من الشجرة. أوردت كتب التفاسير: أنه نسى وأكل من الشجرة نفسها وهذا خطأ. وهناك من يرى بأنه لم يأكل من الشجرة نفسها ولكنه أكل من نوعها، لأنه عليه السلام فهم أن النهي هو منع عين الشجرة وليس نهيًا عن الكل. وهناك من يرى بأنه عليه السلام لم يأكل من نوعها، لكنه أكل من جنسها. ويرى أصحاب هذا الرأي: بأنه عليه السلام اجتهد لكنه لم يوفق في الاختيار الأصوب.
وكذلك أيضًا ذهب أهل التفسير في قوله تعالى: {إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ} في قصة نوح عليه السلام عندما غرق ابنه- ذهبوا مذاهب شتى وكلٌ يسوق ما يراه مناسبًا من الشواهد والأدلة التي تدعم وتعضد رأيه. وتكررت نفس الظاهرة في تفسير قوله تعالى: {فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ}.
هذه أمثلة؛ فكل منا تواجهه كثير من مواقف الحياة يفاضل بينها ثم يختار أحدها وينفذه أو يتبعه. وقد لا يكون الاختيار هو الأفضل أو الأصوب.
إذن الخطأ واقع محتم على المستوى الفردي والجماعي. لهذا لا يمكن تجاهله، أو التغاضي عنه. فهو ليس ظاهرة عارضة. وعليه لا بد من الانتباه لها. والتعامل معها، ومعرفة أسبابها لتفاديها ما أمكن ذلك، أو التقليل منها، للوصول إلى أقل قدر ممكن من النتائج السالبة، وتحقيق أفضل النتائج بأقل جهد وتكلفة، في أقل زمن، بكفاءة عالية، ومهنية واحترافية، بمنهج منضبط.
10- غياب الدليل ونقص المعلومات:
يقول علماء الإدارة: القرار الصحيح يُبنى على معلومات صحيحة ودقيقة. فأي خلل في دقة المعلومات أو صحتها تؤدي إلى اتخاذ قرارات غير دقيقة، وقد تكون خطأ.
بعض من يقوم بالتقويم يتخذ قراراته بناء على خبرته دون تحرٍّ أو جمع دقيق للمعلومات. فمهما كانت قراراته تقترب من الصواب فهي قاصرة لعدم استيفاء الموضوع حقه من الدراسة، والتمحيص الدقيق للمعلومات. فيكون التقويم مزاجيًا ويفتقر للمنهج العلمي. وهذا سبب من الأسباب التي تجعل الدرجات التي تُعطى لعمل واحد تتباين تباينًا كبيرًا باختلاف المصحح.
والإسلام يحذرنا من التقويم في حالة غياب المعلومات أو نقصها، أو عدم دقتها. قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} (الحجرات: 6)، فهنا المعلومات متوفرة ولكنها غير دقيقة؛ لأن ناقل النبأ غير مؤتمن، وذلك يدعو للشك في دقة المعلومة.
وكذلك مما يُروى أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- وزَّع على الناس أثوابًا، وكان الثوب يكفي الرجل حتى ساقيه، ولا يغطِّي سائر بدنه، وأخذ عمر ثوبًا مثل عامة الناس، وصعد المنبر فرآه الناس في ثوب طويل، ولما افتتح خطبته قال: أيها الناس، اسمعوا وأطيعوا. فقام أحد الحاضرين، وقال: لا سمع ولا طاعة. فسأله عمر: ولماذا؟
فأجاب الرجل: لأنك أعطيتنا تلك الثياب القصيرة، واستأثرت لنفسك بهذا الثوب الطويل، فأمر عمر بن الخطاب ابنه عبد الله أن يرُدَّ على هذا الرجل ويبين له الحقيقة، فقام عبد الله بن عمر- رضي الله عنه- ليعلن أنه قد تنازل عن ثوبه لأبيه حتى يُكمل به جلبابه، فقال الرجل: الآن قل، نسمع ونطع. (موسوعة الأسرة المسلمة الشاملة/ج1/ص303). هذا القول صدر نتيجة لنقص في المعلومات (إذا صحت الرواية). وعالج خليفة رسول الله ﷺ الموقف بحكمة ووضوح. فأخبرهم عبد الله ابن عمر- رضي الله عنهما- ببقية المعلومة التي كانت ناقصة. وهنا لا يوجد خطأ إنما سوء فهم. وإذا كان خليفة رسول الله ﷺ تتم مراجعته واستفهامه.
لهذا تجد أن بعض القرارات الخطأ نتجت عن نقص في المعلومات. عليه فالتقارير الدقيقة المفصلة تعين متخذ القرار في التفكير في البدائل واتخاذ القرار الصائب.
هناك كثير من المواقف التي انبرى فيها الصحابة الكرام للذود عن الإسلام الصحيح، وانتقاد كل من ابتدع وخالف المنهج الرباني والنبوي. ويجب أن يكون هذا ديدن كل مسلم غيور على الإسلام، وإتباعًا لسنة الرسول ﷺ: عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَوْمًا صَلَاةَ الْعَصْرِ بِنَهَارٍ ثُمَّ قَامَ خَطِيبًا فَلَمْ يَدَعْ شَيْئًا يَكُونُ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ إِلَّا أَخْبَرَنَا بِهِ حَفِظَهُ مَنْ حَفِظَهُ وَنَسِيَهُ مَنْ نَسِيَهُ، وَكَانَ فِيمَا قَالَ إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ وَإِنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا فَنَاظِرٌ كَيْفَ تَعْمَلُونَ، أَلَا فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا النِّسَاءَ.. وَكَانَ فِيمَا قَالَ: أَلَا لَا يَمْنَعَنَّ رَجُلًا هَيْبَةُ النَّاسِ أَنْ يَقُولَ بِحَقٍّ إِذَا عَلِمَهُ. لهذا سنورد بعض الأمثلة للأخطاء.
أمثلة لبعض الأخطاء في التربية
لا تتم التربية بين يوم وليلة، فهي في حاجة لعمل شاق، وجهد مُضْنٍ، والتربية تعنى تنشئة الفرد وإعداده إعدادًا كاملًا من جميع جوانبه، هذه أمثلة فقط لبعض الأخطاء في التربية سنذكر بعضها إجمالًا ونُفَصِّلُ في بعضها.
- عدم التوازن بين الجوانب المختلفة في شخصية الفرد: كثير منا يركز في التربية على جانب أو جوانب بعينها ويتناسى الجوانب الأخرى؛ فيظهر الخلل في الجوانب التي لم تُعطَ العناية الكافية. أو قد يبدو عدم العطاء في جميع الجوانب بدرجات متقاربة، فالفرد لا يمكن له أن تتساوى مهاراته وعطاؤه في كل جوانب الحياة لتداخل عوامل كثيرة؛ مثل ميله أو عدم ميله للنشاط المعين، الظروف البيئية أثناء القيام بالنشاط وغيرها من الجوانب.
- الاستعجال في الحصول على النتائج: فلا يراعى التدرج في التربية، وفي هذا خلل كبير؛ فالطبيب لا يعطي المريض الدواء جرعة واحدة إنما يتدرج معه وفق أسس معينة، وكذلك يجب أن تكون التربية. هناك مَن يعرف أن التدرج سُنّة كونية فيستمر على حاله التي هو عليها، ولا ينتقل إلى مرحلة تليها. ومن هنا يحدث التثبيت في مرحلة معينة؛ فكثير من الآباء يتعاملون مع أبنائهم وكأنهم ما زالوا أطفالًا، حتى بعد زواج الأبناء وإنجابهم للأطفال؛ فعدم التدرج خطأ، وترك التطور بحجة التدرج خطأ أيضًا، كذلك طلب إنجاز العمل دون أخطاء؛ فكل ابتكار يصحب بمحاولات فاشلة. وكذلك تنفيذ الأعمال، قد لا ينجح المتعلم أو المتدرب من المحاولة الأولى فيما يوكل إليه من عمل، فتجد بعض المعلمين يغضب إذا فشل المتعلم في تحضير درس أو برنامج ثقافي مثلًا، وقد لا يكرر هذه التجربة معه أبدًا، ويريد أن ينجح الجميع من أول مرة.
- معاداة كل جديد: كثير من الآباء يريد كل منهم أن يكون الأبناء نسخة مكررة منه، أو أن يطبق ما طبقه أبواه عليه، متناسيًا تغير البيئة والظروف والزمن. ومن مبادئ التربية المأثورة عن السلف: لا تحملوا أولادكم على أخلاقكم فإنهم خُلِقُوا لزمان غير زمانكم. والمراد بالأخلاق العادات التي تقبل التغيير، أما أصول الأخلاق فثابتة. (فتاوى الأزهر/ج8/ص396). ومن الأخطاء أيضًا: عدم السعي لاكتشاف المواهب. فلكل فرد موهبة في مجال معين.
واكتشاف الموهبة لدى الإنسان يشجعه على الاستمرار لأن رغبته أشبعت في مزاولة الموهبة؛ لكن أحيانًا تكون الموهبة ظاهرة لا تحتاج إلى اكتشاف، أو اكتشفت ونقلت إلينا المعلومات عنها عن طريق سجل الطالب، أو ولي الأمر، أو غيرهما، لكن لا نحافظ عليها، فتضيع.
- عدم الاعتراف بالخطأ: قد تجد من يبرر موقفه الخطأ، ويجادل ويناقش لكيلا يقال: إنه أخطأ، وربما تذرع بأن الآخرين لا يفهمونه، أو لا يفرقون بين الخطأ والصواب.
- عدم غض الطرف عن الهفوات والزلات الصغيرة التي تحدث من البعض. فالقصور في معالجة الخطأ قد يقود إلى خطأ أكبر.
- سوء الظن واتهام الآخرين: كثير من الناس يظن بالناس سوءًا إلى أن يثبتوا غير ذلك. والمطلوب شرعًا أن تظن بالناس خيرًا إلا إذا ثبت غير ذلك. فإذا تغيَّب فرد مثلًا عن برنامج أو درس أو موعد، يظن أنه تغيب بسبب عدم المبالاة، أو بسبب متابعته لمباراة كرة قدم، قد لا يكون الاتهام صحيحًا، أو قد يكون في غير محله في أحيان كثيرة. فقد يكون المانع عذر قاهر. كما أن كثرة التقريع والتوبيخ والاتهام بالتقصير، تجعل الأفراد لا يبالون بالنتائج، ولا يسعون للجدية والمثابرة والاجتهاد. فالتربية على نقد كل شيء سواء كان نقدًا بنّاء أم لا؛ يُعدُّ ثمرة من ثمار سوء الظن. بل بعض من يقوم بالتقويم لا يرى محاسن الأعمال، ويضع عينه فقط على السلبيات متناسيًا عن قصد أو سهو الإيجابيات.
- إهمال الظروف النفسية والاجتماعية وعدم مراعاة الفروق الفردية: فالرسول ﷺ كلّف أصحابه حسب مقدراتهم: فَكَلَّفَ بلال بالآذان، وخالدًا بقيادة الجيوش، ومعاذًا بالدعوة والقضاء على أهل اليمن. وأيضًا يجب مراعاة المرحلة العمرية فلا يكون التكليف قبل النضج.
- تفضيل بعض الأبناء أو الطلاب: وهذه من المسائل التي نهى عنها الدين الإسلامي. فلا بد من إتاحة الفرص لكل الأشخاص من أبناء وطلاب ومتعلمين دون تمييز. فالتمييز يولد بينهم الغبن والحسد، لكن لا مانع من تحفيز البعض تشجيعًا لهم، وحث الآخرين على التميز. فالاعتماد المستمر على البعض وإهمال البقية مع استمرار عدم الثقة يجعلهم يهملون ما يوكل إليهم من أعمال. ولا يسعون للمبادرة والتمييز والابتكار. لهذا لا بد من توزيع العمل بين الأفراد دون إهمال لأحدهم، مع تربيتهم على تحمل المسؤولية حتى مع حدوث الخطأ. والشخص المفضل عادة ما تتم مجاملته ولا تتم مصارحته في حالة تقصيره.
- عدم العلمية: تظهر عدم العلمية في عدة أشياء منها: عدم التخطيط والتنظيم، والارتجال في القيام بالأعمال. بل أحيانًا قد لا توجد أهداف واضحة يراد تحقيقها. أو توجد أهداف لكنها غير واقعية. فعدم التحضير الجيّد لأداء أي عمل مؤشر لفشل العمل، ومهما يحققه من نجاح فمرده للصدفة.
- التعسف في استخدام السلطة: بعض الذين بيدهم السلطة يصدرون أوامرهم، ولا يتيحون فرصة للنقاش أو الاعتراض، يل قد يميل للسخرية وغيرها من أساليب التهكم المغطاة بغطاء النصح والإرشاد.
- ازدواجية التوجيه: بعض من يقوم بالتقويم يصدر رأيًا معينًا لطالب، ورأيًا مخالفًا في نفس الموضوع لطالب آخر. أو أحيانًا يصدر الأب أمرًا أو توجيهًا وتصدر الأم رأيًا أو أمرًا مخالفًا له، مما يربك الطفل ويصبح محتارًا، كيف يتصرف؟
- تولي غير المؤهلين عملية التقويم: عندما يتولى غير ذوي الاختصاص عملية التقويم تنتج الأخطاء وتكثر، وربما أدت هذه الأخطاء إلى نتائج خطيرة، وهذا أمر ينبغي الانتباه له.
.