الأسئلة مفتاح من مفاتيح المعرفة، يطرحها الكبار والصغار على من هم أعلى وأكثر خبرة في شؤون الحياة. وتكثر هذه الأسئلة عند الصغار، لاسيما في مراحلهم الأولى من الحياة، ويوجهون هذه الأسئلة إلى أقرب الناس إليهم كالوالدين والإخوة والأقارب والمعلمين والمشرفين. وتشكل الأسئلة الدينية النسبة الكبيرة من أسئلة الأطفال، ويكون بعضها محرجًا.
تأتي الإجابات من أفراد الأسرة وغيرهم متفاوتة، وقسم منها لا يكون مناسبًا للطفل، ومن الآباء من يتهرب من الإجابة أو لا يحسن الإجابة، مما يؤثر على الطفل.
هذا ما دفع الباحث أحمد حسن الخميسي، للوقوف على أسئلة الأطفال الدينية والإجابة الناجعة عنها، لكي نساعد أطفالنا على التعرف على دينهم، ونقدم لهم ما يشفي غليلهم من حب للمعرفة والاطلاع.
لماذا يسأل الأطفال أسئلة دينية؟
يولد الأطفال على الفطرة، فما إن تنطلق ألسنتهم بالكلام، حتى يبدأوا بالأسئلة والاستفسار عن حياتهم وعن خالقهم وعما يسمعونه من أهليهم ورفاقهم ومن وسائل الإعلام عن الملائكة والجان، وعن العبادة كالصلاة والصيام وعن رسول الله والأنبياء عليهم السلام، وعن المعاملات.. إلخ، كل ذلك ليشبعوا حب الاستطلاع والمعرفة التي فطروا عليها، فالله -سبحانه وتعالي- جعل هذا الدافع للسؤال في داخل الطفل ليزداد معرفة، فمن واجب الوالدين أن يجيبا عن أسئلته إجابات واضحة ومقنعة تريحه وتزيد ثقته بنفسه وبوالديه وبمعلمه إن كان له معلم.
فما الطريقة المناسبة للإجابة عن أسئلة الأطفال الدينية؟
إن الرد على تساؤلات الأطفال، يجب أن يتصف بالصحة والدقة والوضوح والإقناع، فلا نقدم للطفل إجابة خاطئة أو غامضة أو غير مقنعة، وهذا لا يعني أن نطيل في الإجابة حتى تتحقق الصفات السابقة، بل نقدمها بشكل مناسب بين الإيجاز والإطالة، وتلائم عمر الطفل، فالإجابة على أسئلة ابن السادسة يجب أن تكون أقصر من الإجابة عن أسئلة ابن العاشرة وهكذا، هذا في الأسئلة التي يحتاج الجواب فيها إلى إفاضة وتوسع وتقديم أدلة وبراهين كما في الأسئلة عن الغيبيات، والأسئلة الحرجة، أما بعض الأسئلة فتكون الإجابة عنها محدودة تقدم لأعمار الأطفال جميعها كسؤال: كم هي عدد ركعات الفرض في صلاة الظهر؟ فالإجابة واحدة: أربع ركعات.
ويستحسن أن نفتح آفاقًا واسعة للطفل كي يسأل، ونشجعه على ذلك، ونمنحه مزيدًا من الثقة والمحبة، ونجيبه عن جميع أسئلته حتى الحرجة منها فورًا، وإذا كان الأمر يتطلب مراجعة الكتب أو سؤال أهل العلم، فعلينا أن نمهله إلى وقت آخر للإجابة على سؤاله، ونحرص على إجابته ولو بعد حين، لكيلا يبقي في حيرة وشك، فالمماطلة في الإجابة، تثير لدى الطفل أسئلة أخرى، وربما يبحث عن الإجابة من مصادر ثانية، قد لا تقدم له الإجابة الصحيحة الشافية، بل تقدم له الإجابة المشوشة الخاطئة، فيزداد حيرة وشكا.
وكي نوسع وسائل المعرفة والتعامل والاتصال عند الأطفال، نطلب منهم أن يراسلوا وسائل الإعلام كبرامج الأطفال في التلفزيون وصحافة الأطفال التي تخصص في برامجها مكانًا للإجابة على أسئلة الأطفال.
هذا في الأسرة، أما في المدرسة فالمعلم الواعي هو الذي يترك للأطفال فرصًا ليسألوا عما يخطر ببالهم عن الأمور الدينية، فيجيبهم بشكل مناسب ومقنع، ويبدي لهم سروره بأسئلتهم ويشجعهم على ذلك.
وعندما يتلقى الأطفال أجوبة شافية كافية عن تساؤلاتهم الدينية، ولا يجدون لدى معلمهم غضاضة في الإجابة عنها، يزدادون في طرح الأسئلة ويسألونه أسئلة حرجة قد يترددون في طرحها على أهليهم وذويهم.
ولن أذهب بعيدا عن هذا الميدان، وسأقدم إليكم ما جرى معي خلال قيامي بتأدية رسالة التربية لعدة عقود خلت، ليطلع الآباء والأمهات والمعلمون على نماذج من أجوبتي عن أسئلة الأطفال التلاميذ الدينية.
نماذج من الأجوبة عن أسئلة التلاميذ الدينية
1- في درس من دروس التربية الإسلامية، قال أحد التلاميذ: لقد حدثتنا عن الله تعالى فأجبناه، فلماذا لا نراه كي نتكلم معه؟
فقلت للسائل: اخرج وقف عند باب الغرفة، وانظر إلى الشمس وهي في رابعة النهار، وحدق النظر فيها دون أن تغمض عينيك، ففعل ما أمرته به، وبعد قليل ارتد بصره، ووضع يده على عينيه وقال: لم أعد أحتمل النظر إلى الشمس فنورها شديد.
فقلت: إذا كنا لا نستطيع أن ننظر إلى أشعة الشمس، فكيف نستطيع أن نرى نور الله إذا تجلي لنا.
فاقتنع التلميذ ورفاقه، وعززت إجابتي بالحديث عن سيدنا موسي عليه السلام، عندما طلب من ربه أن يراه فلما تجلى الله للجبل خر موسي صعقا (مغشيا عليه) وهو القوي الأمين.
2- سألني أحد التلاميذ وهو في العاشرة من عمره أنت تقول: إن الله على كل شيء قدير، فلماذا يأمر الملائكة بالقيام بأعمال كثيرة؟ لماذا لا يفعلها هو بنفسه؟
قلت للطفل ابن العاشرة: انظر للثلاجة -وكانت على بعد أمتار من مجلسنا- إذا عطشت أنا، فإما أن أطلب منك أن تحضر لي منها كوبا من الماء البارد (وأنت تفعل ذلك بكل سرور) وإما أن أقوم بنفسي فأشرب، هل إحضارك الماء لي يدل على عجز مني؟
قال: لا. قلت (ولله المثل الأعلى) كذلك الله تعالى عندما يطلب من جنوده القيام ببعض الأعمال، لا يعني ذلك أنه لا يقدر على القيام بها، بل هم بعونه وقدرته يتحركون ويعملون، فاقتنع التلميذ والسامعون.
3- سأل تلميذ في الثامنة من عمره، لماذا لا نرى الشياطين؟ فقلت: تصور أنك عندما تريد أن تنام على السرير تبدأ الشياطين تقفز حولك في غرفة نومك وأنت تراها أو تدخل عليك من الباب أو من أسفلك أو من أعلاك وهي حرة الحركة طليقة ومنظرها مخيف، فصرخ التلميذ ومن معه "يا ويلي!" لا لا.. لا يمكن أن أنام، هذا شيء يخيف ويرعب، قلت: فهل عرفت لماذا لم يظهر الله لنا الشياطين؟
.