أضحية بلا حج في عيد هذا العام!

مجال عظمة شريعة الإسلام وشعائره كثيرة لا حدود لها، وهي ليست في كمال هذه الشريعة وشمولها، أو في عدالتها وقسطها وبرها، أو في سماحتها ويسرها فقط؛ بل إن النظام والتنظيم الدقيق في رسم دوائر التكليف بين الفردي والجماعي يعد من أسرار خلودها وصلاحها.

ولم يجعل الله هذه الشعائر هدفا لذاتيها لكنها قربة ودليل امتثال كل مسلم لأوامر الله -سبحانه وتعالى-، فقد وقف عمر بن الخطاب - رضى الله عنه وأرضاه - أمام الحجر الأسود مقبلا له وقائلا: [أما والله إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك] (أخرجه مسلم).

والأضحية إحدى الشعائر التي سنها الله على سيدنا إبراهيم عليه السلام، بعدما نجى الله ولده النبي إسماعيل وبقيت شعيرة في أمم الإسلام حتى يرث الله الأرض ومن عليها.

غير أنها جاءت هذا العام في ظل وقف رحلات الحج من خارج السعودية في محاولة للتصدي لوباء كورونا الذي أصاب البشرية بالموت.

وقد تحدث البعض حول المحاولات لمنع الأضحية، غير أن معظم العلماء اتفقوا أنها لا خطر منها حول انتشاء الوبار، وأنها تزكية للنفس وفرحة للفقراء فلا يجوز منعها.

 

ما هي الأضحية؟

الأضحية شعيرة أهل الإسلام تذبح أيام عيد الأضحى من بعد صلاة العيد إلى آخر ساعة من نهار آخر أيام التشريق، وينتهي وقتها بمغيب شمس يوم الثالث عشر من ذي الحجة، وهي سنة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من بعده وبها أمر رب العالمين حين قال (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) (الكوثر: 2)

 

الحكمة من الحرص عليها

الأُضْحِيَّة شرعت لِحِكَم كثيرة منها:

أولًا: شكر الله سبحانه وتعالى على نعمه المتعددة، والأضحية صورة من صور الشكر لله سبحانه وتعالى، حيث يتقرب العبد فيها إلى ربه بإراقة دم الأضحية؛ امتثالا لأمره سبحانه وتعالى، حيث قال جلَّ جلاله: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ}.. [الكوثر: 1-3].

ثانيًا: إحياء سنة سيدنا إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام حين أمره الله عز وجل بذبح الفداء عن ولده إسماعيل عليه الصلاة والسلام في يوم النحر، فإذا تذكر المؤمن ذلك اقتدى بهما في الصبر على طاعة الله وتقديم محبته عز وجل على هوى النفس وشهوتها.

ثالثًا: التوسعة على النفس وأهل البيت، وإكرام الجيران والأقارب والأصدقاء، والتصدق على الفقراء. وقد مضت السنة منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم في التوسعة على الأهل وإكرام الجيران والتصدق على الفقراء يوم الأضحى.

 

الأضحية بين الفقهاء

اختلف الفقهاء في حكم الأضحية على قولين:

القول الأول: وهو المختار للفتوى: أنها سنهٌ مؤكدهٌ في حق الموسر، وهذا قول جمهور الفقهاء، ومنهم الشافعية والحنابلة، وهو أرجح القولين عند الإمام مالك وإحدى روايتين عن القاضي أبي يوسف، وهو كذلك قول أبي بكر وعمر وبلال وأبي مسعود البدري وسويد بن غفلة وسعيد بن المسيب وعطاء وعلقمة والأسود وإسحاق وأبي ثور وابن المنذر.

واستدل الجمهور على السنية بأدلة: منها قوله عليه الصلاة والسلام: «إذَا دَخَلَت الْعَشْرُ وَأرَادَ أحَدُكُمْ اَنْ يُضَحِّيَ فَلا يَمَسَّ مِنْ شَعَرِهِ وَبَشَرِهِ شَيْئًا». [رواه مسلم في صحيحه].

القول الثاني: أنها واجبه، وذهب إلى ذلك الإمام أبو حنيفة، وهذا المذهب هو المروي عن صاحبيه الإمام محمد بن الحسن والإمام زفر وإحدى الروايتين عن القاضي أبي يوسف، وبه قال من أئمة الفقهاء: ربيعة، والليث بن سعد، والأوزاعي، والثوري، ومالك في أحد قوليه.

واستدل الحنفية على ذلك بقوله تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: 2]؛ فقد قيل في تفسيره: صلّ صلاة العيد وانحر البُدن، ومطلق الأمر للوجوب، واستدلوا أيضا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من كان له سعة ولم يضح فلا يقربن مصلانا. [أخرجه ابن ماجة].

عن من تجزئ الأضحية؟

وتجوز أضحية الواحد عن أهل البيت ولو كثروا وتجزئ عن الجميع لفعله صلى الله عليه وسلم ولفهم الصحابة إذ لم يذبح أحد من آل بيته عن نفسه لاكتفائهم بأضحية النبي صلى الله عليه وسلم وقوله (هذا عن محمد وآله) رواه عبد الرزاق وابن ماجه من حديث أبي هريرة. ويجوز أن يشترك سبعة أشخاص فِي الإبل والبقر.

 

شروط الأضحية

ويشترط في الأضحية شروط:

الشرط الأول: أن تكون من بهيمة الأنعام فلا تصح من الطيور والأسماك وغيرها قال تعالى: (لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ) (الحج: من الآية34).

الشرط الثاني: أن تبلغ السن المقدرة شرعًا بأن تكون جذعة من الضأن وهو ما تم له نصف سنة أو ثنية إبل وهو ما تم له خمس سنين أو الثني من البقر وهو ما تم له سنتان أو الثني من الماعز وهو ما تم له سنة يدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم (لا تذبحوا إلاّ مسنة (يعني ثنية) إلاّ أن تعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن) رواه مسلم.

 

الشرط الثالث: أن تخلو من العيوب وهي أربعة:

العيب الأول: العور البين وهو انخفاس العين أو بروزها أو ابيضاضها ومن باب أولى العمياء.

العيب الثاني: المرض البين وهو الذي يظهر عرضه على البهيمة كالحمى والجرب الظاهر المفسد للحم والجرح العميق حتى يزول المرض، ومثلها التي تعسرت ولادتها حتى يزول الخطر.

العيب الثالث: العرج البين وهو ما يمنع مسايرة السليمة ومن باب أولى مقطوعة اليد أو الرجل.

العيب الرابع: الهزال المزيل للمخ ومثلها العاجزة عن السير لعاهة.

 

أفضل الأضاحي

وأطيب الأضاحي على القول الراجح المخصي من الكباش لفعل النبي صلى الله عليه وسلم ثم البدن أي الإبل لسوقه صلى الله عليه وسلم لها في حجة الوداع وقد بلغت المائة سنام.

 

ما يسن للمضحي

ويسن لمن عزم على الأضحية أن يمسك عن شعره وأظافره وبشرته قبل دخول العشر أو من حين عزمه ولو بعد دخولها لحديث أم سلمة رضي الله عنها قالت: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخلت العشر وأراد أحدكم أن يضحي فلا يمس من شعره وبشرته شيئا) رواه مسلم

 

الأضحية وسعادة الفقراء

في توزيع الأُضحية يُستحَبّ للمُضحّي أن يجعل أُضحيته ثلاثة أجزاءٍ؛ جزءٌ للفقراء، وجزءٌ للإهداء، وجزءٌ للأكل؛ استدلالًا بقَوْل الله -تعالى-: (فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ)، ولا يجوز للمُضحّي أن يبيع الأُضحية، أو يبيع أيّ جزءٍ منها، كالجِلْد، ولا يجوز إعطاء شيءٍ من لحم الأُضحية للذابح مقابل عمله إلّا إن كان من باب الصدقة، أو المُبادلة بما يُنتفَع به.

 

آداب الذبح

للذبح آداب ينبغي مراعاتها فمنها:

1 ـ استقبال القبلة بالأضحية حين تذكيتها.

2 ـ الإحسان في تذكيتها بحيث تكون بآلة حادة يمرها على محل الذكاة بقوة وسرعة.

3 ـ أن تكون الذكاة في الإبل نحرًا، وفي غيرها ذبحًا فينحر الإبل قائمة معقولة يدها اليسرى، فإن صعب عليه ذلك نحرها باركة. ويذبح غيرها على جنبها الأيسر، فإن كان الذابح أعسر يعمل بيده اليسرى ذبحها على الجنب الأيمن إن كان أريح للذبيحة وأمكن له. ويسن أن يضع رجله على عنقها ليتمكن منها.

وأما البروك عليها والإمساك بقوائمها فلا أصل له من السنة، وقد ذكر بعض العلماء أن من فوائد ترك الإمساك بالقوائم زيادة انهيار الدم بالحركة والاضطراب.

4 ـ قطع الحلقوم والمريء زيادة على قطع الودجين.

5 ـ أن يستر السكين عن البهيمة عند حدها فلا تراها إلا عند الذبح.

6 ـ أن يكبر الله تعالى بعد التسمية.

7 ـ أن يسمي عن ذبح الأضحية أو العقيقة من هي له بعد التسمية والتكبير، ويسأل الله قبولها فيقول: بسم الله والله أكبر، اللهم منك ولك عني إن كانت له، أو عن فلان إن كانت لغيره. اللهم تقبل مني إن كانت له، أو من فلان إن كانت لغيره.

فالأضحية لم تسن على الحاج فحسب بل سنت على كل مسلم مقتدر في كل مكان تنزيها للنفس وامتثالا لأوامر الله ولإدخال السرور على الفقراء والمحرومين.

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم