يحتل الفكر التربوي الإسلامي مكانة مرموقة، فلم تقتصر قائمة العظماء على الحكام والأدباء المشهورين بل احتوت على فئات عديدة، ومن هذه الفئات المعلم الذي كاد أن يبجل فى جميع الثقافات، والمعلم فى إطار نظام التعليم الإسلامي يمثل القلب والروح من هذا النظام، وهو عضو ملتزم نشط فى المجتمع المسلم.
والمعلم يلعب دورًا كبيرًا فى بناء الحضارات كأحد العوامل المؤثرة فى العملية التربوية، إذ يتفاعل معه المتعلم ويكتسب عن طريق هذا التفاعل الخبرات والمعارف والاتجاهات والقيم، ومن هنا أدرك الغرب خطورة التربية فى الفكر التربوي الإسلامي فى مواجهة الاستعمار القديم والحديث، فكانت الهجمة على كل العملية التعليمية وعلى أهم مرتكزاتها وهو المعلم.
وفى دراسة للباحثين: د. ناهض صبحي فورة و د. طلال محمد خلف، بعنوان: (إعداد المعلم في ضوء أخلاقيات الفكر التربوي الإسلامي) -2009-، هدفت إلى معرفة دواعي الحاجة إلى معلم ينهج أخلاقيات الفكر التربوي الإسلامي وكذلك الكشف عن المصادر الملائمة لإعداد المعلم فى ضوء أخلاقيات الفكر التربوي الإسلامي فى ضوء تحديد الاحتياجات التكوينية اللازمة لإعداده.
أولا: دواعي الحاجة إلى معلم ينهج أخلاقيات الفكر التربوي الإسلامي
- الاستفادة وتوظيف كل التجربة التربوية الإسلامية في إعداد المعلم:
حيث امتازت هذه التجربة المستمدة من القرآن الكريم والسنة والتي حددت أسس التربية وأهدافها وميادينها، ومناهجها، وأساليبها، ووسائلها، بحيث تتدرج فى إعداد الإنسان المسلم إعدادا فكريَا ونفسيا، ووظيفيا، مراعية فى ذلك استعداداته وقدراته، وحاجات المجتمع الذي يعيش منه، وهي أصول مرنة تتفتح على تجارب الآخرين، وتراعي ظروف التطور فى الزمان والمكان، ثم إن مصادر الفكر التربوي الإسلامي هي الكتاب والسنة، فالكتاب تنزيل من الله سبحانه خالق الإنسان ويعلم ما يصلحه ويصلح له على مدار الزمان والمكان، والسنة هي الترجمة العملية للقرآن الكريم، والمعلم فى هذه التربية هو رسول الله ﷺ، فالمعلم الذي ينهج هذه الأخلاقيات فى الفكر التربوي الإسلامي، يكون قدوته بالتأكيد هو رسول الله المعلم الأول، ورصيده هو التجربة التربوية الإسلامية على مدار خمسة عشر قرنًا من الزمان، وقد أثبت التاريخ أن هذه التجربة قامت بإعداد جيل قرآني فريد ليس له مثيل على مدار التاريخ، وتربية فذة نقلت الحفاة العراة الأميين إلى قادة وسادة التربية البشرية، ونقلتهم من ظلمات الجهل والتخلف إلى قمة الحضارة والمدنية عندما تمسكت بهذه التجربة التربوية الرائدة، وهذه التجربة نفسها تصنع من المعلم المعاصر أيضا معلما ربانيا يحمل أعباء العملية التعليمية بأمانة.
- إعداد المعلم على مستوى المرحلة والتحديات
يواجه العالَم الإسلامي بشكل عام وفلسطين بشكل خاص تحديَات عظيمة وهجمة شرسة على العملية التربوية، فى كل جوانبها، وتأخذ هذه الهجمة أبعادا عقائدية وفكرية، سواء من أمريكا حيث يحكمها الفكر اليميني المتطرف وهم صهاينة أكثر من اليهود أنفسهم، ويقودون حروبا صليبية تحرق الأخضر واليابس فى بلاد المسلمين وتستهدف حضارتهم وفكرهم ومناهج التربية لديهم والعملية التعليمية برمتها وخصوصا المعلم، أما الصهاينة فالحرب التي يخوضونها ضد العملية التعليمية مكشوفة خصوصا المعلم؛ فقد عمد الاحتلال على تخريب العملية بإحباط المعلم سواء باستهدافه بالاعتقال أو الطرد أو تقليل راتبه حيث كان العامل البسيط داخل الكيان يتقاضى فى الشهر أضعاف راتب المعلم، حتى يقلل من عطاء ودافعية المعلم، ويعمل على زيادة التسرب لدى الطلبة ويجعلهم يرون أن العمل أفضل من التعليم، ويكون المنهج بعيدا عن الواقع الإسلامي والفلسطيني.
وعلى سبيل المثال طالب رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق مناحيم بيغن السادات عند زيَارته لمصر تغيير المناهج حيث قال للسادات أنهم لن يرضوا أن يستمر الطلبة فى مصر يدرسون كتب التاريخ التي تتحدث عن اغتصاب إسرائيل لفلسطين، وكتب التربية الإسلامية التي تحتوي على آيَات تندد باليهود وتلعنهم كما نشرت وكالة الأنباء فى حينه؛ بل ذهبت إلى ذلك وأكدته وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيفي لفني فى مؤتمر الدوحة بتغيير المناهج التربوية، كما تناقلت ذلك كل وسائل الإعلام، وعندما يتزود المعلم بهذا المنهج الأخلاقي المستمد فى الفكر التربوي الإسلامي يكون أهلا لمواجهة المرحلة والتحديَات التي تحدق بالامة وتحيط بها وتستهدفها من كل جانب.
أما المعلم البعيد عن هذه الأخلاقيات فلن يكون مخلصا فى عمله ولا يخاف ربه، ولا يؤدي واجبه وما هو مطلوب منه، إذا كان مفرغا من أي مبدأ، وإذا ما تم إنصافه فى حقوقه فلن يؤد أيَا من واجباته، لاسيما إذا كان راتبه لا يتناسب وجهده، فلا يقتصر عطاؤه وأداؤه، أو يربطه براتبه المتدني، أو غير المرتبط بجدول غلاء المعيشة، فيفقد الدافعية للعطاء، ولا يعني ذلك ألا يطالب بحقوقه واستحقاقاته، بل يشعر المرسلين، وخير المربين عليه الصلاة والسلام.
إن الناظر فى حال المجتمع الفلسطيني يلمح بوضوح أنواعا من الخلل في كافة مناحي الحياة، فالخلل واضح والقصور فاضح سواء كان على الأداء السياسي، أم على الأداء الاجتماعي وكذلك على الاقتصادي والتعليمي، حيث تدني مستوى التعليم والذي يرجع إلى ضعف القائمين على التعليم بشكل عام والمعلم بشكل خاص، فدور المعلم خطير حيث أنه حلقة الوصل بين المتعلم والكتاب، ويجب أن يكون قدوة، مربيا، مدربا، موجها، مرشدا، فالتعليم واحد من مؤسسات مجتمعاتنا التي أصابها الخلل نتيجة الأفكار التي يحملها المعلمون.
ومن مظاهر الخلل:
1- غياب الإعداد المسبق
فدخولهم الفصل فى هذه الحالة بفقدهم السيطرة على الطلاب وعلى المادة الدراسية كما أن عدم كفاءة بعض المعلمين للتدريس فى المستوى الذي وضعوا فيه وعدم اجتهادهم في إثبات أنفسهم فى هذا المستوى وقصور النمو الأكاديمي للمعلم الذي يخضع للعشوائية والذاتية بالإضافة إلى قلة الاطلاع ولاسيما فى الموضوعات التربوية.
2- عدم امتلاك المعلمين المهارات الأساسية كالتمهيد واستخدام تقنيات التعليم وطرح الاسئلة وتوظيف مهارة التعزيز، وإتقان مهارة إدارة الفصل والتركيز على إتقان فن التلخيص، كلها تجمعت وساعدت على ضعف العملية التعليمية لذا كان لا بد من بيان منزلة المعلم فى الفكر التربوي الإسلامي، فإن متطلبات إعداد المعلم فى ضوء أخلاقيات الفكر التربوي الإسلامي.
ومن مظاهر الإصلاح:
1- النية الخالصة فى أداء واجبه، عن جابر بن عبد الله أن النبي ﷺ قال: «لا تتعلموا العلم لتباهوا به العلماء، ولا لتماروا به السفهاء، ولا تخيروا به المجالس فمن فعل ذلك فالنار النار»، أي أنه لا يقصد المعلم دنياه فحسب بل والآخرة أيضا، يضع التعليم كرسالة لا مجرد وظيفة. يحمل هم أمة، فالمعلم الإسلامي يتفاعل مع قضايَا أمته.
2- أن يكون المعلم المسلم قدوة لغيره لما له من تأثير على غيره.
3- أن يراعى الفروق الفردية وتخصصه، حيث لا نجد ذلك فى باقي الفلسفات والثقافات الأخرى وهناك الكثير من سمات المعلم المسلم الذي يحمل الفكر التربوي الإسلامي حيث نلاحظ اهتمام الإسلام المتوازن الشامل الكامل فى شتى جوانب شخصيته والتي أدت إلى الحاجة لمعلم ينهج الفكر الإسلامي ويقوم بإحياء هذه الأمة والتي سبق وأن أوضحت أهمية مهنة التعليم فى بناء الحضارات والثقافات ومواجهة التحديَات التي تتكالب على العرب والمسلمين وضربهم فى عقر دارهم وما نلاحظه من سياسات تغيير المناهج وضرب المعلم فى شتى بقاع المسلمين لإخراج جيل غير واعٍ بما يدور حوله وإنتاج شعوب تابعة مستهلكة لا تعرف لماذا تحيا بل كيف تأكل.
ويدلل ابن جماعة في كتابه (تذكرة السامع والمتكلم) على أن تحقيق أهداف التعليم منوطة بحسن اختيار المعلم بقوله: «وإذا سبرت أحوال السلف والخلف لم تجد النفع يحصل غالبا والفلاح يدرك طالبا إلا إذا كان للشيخ (المعلم) من التقوى نصيب وافر، وعلى شفتيه ونصحه دليل ظاهر».
لذا فليس كل أحد يصلح للتعليم، إنما يصلح من تأهب له وأُعِد إعدادا طيبا، فالإنسان لا ينتصب للتدريس إلا إذا كان أهلا لذلك، يقول الرسول ﷺ: «المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور».
وتعتبر هذه دعوة صريحة لاختيار أفضل المعلمين للتعليم وبخاصة الذين تتوفر إليهم غزارة المادة العلمية وحسن إلمامه بها وسيطرته على مختلف مهاراتها، وتوافر حد من الثقافة العامة لديه لكي يعينه على توجيه المتعلمين ورعاية مصالحهم، كما يعينه على إرشادهم إلى مصادر المعرفة المختلفة ثم معرفته الكاملة بخصائص المتعلمين وصفاتهم
كما أن من دواعي ضرورة إيجاد معلم ينهج الفكر التربوي الإسلامي التحديات التي تواجهها المجتمعات الإسلامية.
إن العصر الذي نعيشه مليء بالتحديات، فكل يوم يظهر على مسرح الحياة معطيات جديدة وتحتاج إلى خبرات جديدة وفكر جديد وأساليب جديدة ومهارات جديدة وآليات للتعامل معها بنجاح، أي أنها تحتاج إلى إنسان مبتكر ومبدع، بصيرته نافذة، قادرة على التكيف مع البيئة وفق القيم والأخلاق والأهداف المرغوبة.
ثانيًا: ما المصادر الملائمة لإعداد المعلم في ضوء أخلاقيات الفكر التربوي الإسلامي
1- المصدر الاعتقادي:
يعد هذا المصدر أهم مصادر أخلاقيات مهنة التعليم فى نظام التعليم الإسلامي الذي يتخذ من الوحي الإلهي أساسا لها.
إن الدين الإسلامي هو مقوم أساسي من مقومات الحياة فى المجتمع المسلم وأخلاقيات مهنة التعليم فهي تستند إلى الفكر التربوي الإسلامي الذي يعتبر مهنة التعليم رسالة وعملا دينيا قبل أن تكون مهنة، وإذا كان الالتزام بأخلاقيات المهنة ضرورة لكل فرد من أفراد المجتمع، فإنه يكون أشد التزاما على العاملين فى حقل التربية والتعليم، ولخطورة المهنة ذاتها التي تسعى إلى تكوين الفرد وبناء المجتمع المسلم وفق القيم الأخلاقية المتعارف عليها.
وتمثل الأخلاق مكانة متميزة فى الدين الإسلامي لدرجة أن مفهوم الأخلاق ليس فقط جزءا من النظام الإسلامي بل إن الأخلاق هي جوهره، فالإسلام فى أساسه دعوة ذات طبيعة أخلاقية، ولهذا فإن القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة تدعو الناس إلى الخير وتحذرهم من الشر وقد ورد فى القرآن الكريم (ألف وخمسمائة وأربع آيَات) تتصل بالأخلاق سواء فى جانبها النظري أو فى جانبها العملي، وهذا يمثل ما يقرب من ربع عدد آيات القرآن الكريم.
2- المصدر العلمي:
إن صفة العلمية تميز التربية الحديثة فى المجتمع المسلم، والإسلام فى لبه دعوة صريحة للعلم والتعليم وإلى استخدام منجزات العلم فى شتى جوانب الحياة فى التربية والطب والهندسة بشرط أن يأتي هذا وذاك ضمن الإطار العام للإسلام وغاياته ومقاصده، لذا يمكن القول: إن العلمية والواقعية هما من أهم سمات المعرفة والنظريات والمفاهيم العلمية التي تعطي الفرصة للعاملين فى هذه المهنة لفهم وتحليل المشكلات المهنية وتحديد الحلول المناسبة لها.
لذا فإن أنظمة التعليم الإسلامية تعتبر التربية الخلقية الأساس فى عمل المعلم، فالمعلم ومن خلال تدريس مقررات العلوم الطبيعية يمكن أن يستثمرها فى تنمية الجانب الخلقي فى شخصية المتعلم، كما تهتم بشكل كبير فى تعميق الإيمان بالله من خلال الأدلة والبراهين المستمدة من الحياة العامة كما أن المواد الطبيعة تسهم فى بناء الاتجاهات العلمية الأخلاقية لدى المتعلم مثل: الأمانة والموضوعية والقدرة على النقد كما تنمي الرغبة لتحصيل المعرفة والاستفادة منها وتطبيقها.
3- المصدر الاجتماعي:
المقصود بهذا المصدر هو قيم المجتمع التي يعمل فيها الفرد الممارس المهنة بكل ما فيها من قوانين ولوائح وأنظمة، فأخلاقيات المعلم المسلم تتأثر بالقيم والعادات والتقاليد السائدة فى المجتمع، وهذه القيم لا بد أن تنعكس بشكل أو بآخر على المعلم وسلوكه المهني.
والأصل فى المجتمع المسلم أن تستند قيمة وأخلاقياته وأعرافه وعاداته وتقاليده إلى أصل فى الشرعية الإسلامية ولا تخالفها، لذا فأخلاقيات مهنة التعليم عندما تتأثر بعادات وتقاليد وأخلاقيات المجتمع وأعرافه إنما تتأثر بذلك كله فى إطار أعم وأشمل وهو الإطار الاجتماعي، لذا فهناك علاقة قوية بين مهنة التعليم وأخلاقياتها وبين المجتمع بأوضاعه الثقافية والاجتماعية والاقتصادية ونظرته للمعلم.
ولا شك أن مكانة المعلم الاجتماعية وثقة المجتمع به تتطلب أن يكون الحكم فى صلاحية من ينتمي إلى المهنة من اختصاص المهنيين أنفسهم؛ لأنهم وحدهم القادرون على تقدير إنجازات أي فرد فى حياتهم، ولو سمح لغيرهم بممارسة المهنة فإن الضرر لا يقتصر على أفراد المجتمع، بل ينعكس على المهنيين المختصين، لأن المجتمع يفقد ثقته بهم، ولا يعترف بهم بوصفهم مهنيين وبالتالي لا يمنحهم المكانة اللائقة بهم، وتعاني مهنة التعليم فى أنظمة التعليم فى البلدان العربية والإسلامية عامة وفلسطين خاصة، من مشكلة الاعتراف الاجتماعي بمهنة التعليم، وقد يعزي ذلك إلى الاختلاف فى إعداد المعلمين وتنوع مؤهلاتهم، وممارسة عدد كبير من المعلمين لمهنتهم دون إعداد تربوي، ومثل هذا نادر الحدوث فى المهن الأخرى، لذا تحتل قضية الارتقاء بالتعليم إلى مستوى المهنة مكانة هامة فى إصلاح نظم التعليم فى الدول المتقدمة والنامية على حد سواء.
4- المصدر الاقتصادي:
يقصد بالمصدر الاقتصادي الظروف الاقتصادية التي يعمل فى ظلها الممارس لمهنة التعليم، فمما لا شك فيه أن الظرف الاقتصادي يؤثر على غيره من الجوانب الاجتماعية، وبالتالي على مهنة التعليم بشتى مدخلاتها ومخرجاتها، وأنظمة التعليم قد عانت من عزوف الشباب عن الالتحاق بمهنة التعليم لفترة طويلة وذلك نتيجة للتحولات الاقتصادية والاجتماعية التي شهدتها المجتمعات العربية والإسلامية والفلسطينية خاصة فى العقدين الأخيرين مما أثر سلبا على مهنة التعليم، فقد ظهرت فرص وظيفية جيدة فى سوق العمل، وصحيح أن الوضع قد تغير إلى حد كبير الآن إلا أن مهنة التعليم لا تعد من المهن المرغوبة اجتماعيا، كما كانت من قبل.
إن المعلم المسلم الذي يعيش فى وضع اقتصادي مقبول يمكنه من العيش بكرامة من السهل أن تتوقع منه أخلاقيات رفيعة والتزام أكيد بقواعد وأسس المهنة، أما إذا كان وضعه الاقتصادي متدنيًا لا يمكنه من الوفاء بالتزاماته، فيتوقع منه الانحراف مما يسيء إلى مهنته.
5- المصدر التنظيمي:
يقصد بالمصدر التنظيمي البناء التنظيمي الذي يعمل فيه الممارس لمهنة التعليم بكل ما فيه من قوانين ولوائح وأنظمة وقيم وتقاليد تحدد سلوك المعلمين فيه وتوجه مسارهم.
إن الارتقاء بمهنة التعليم من أهم القضايَا التي تواجه أنظمة التعليم فى المجتمعات العربية والإسلامية والفلسطينية فوزارات التربية والتعليم العالي بصدد استكمال كافة الشروط التي تجعل من التعليم مهنة مرموقة مثل الطب، والهندسة، الأمر الذي يُشعر المعلمين بأنهم أرباب مهنة ذو استقلالية ومكانة فى المجتمع، مما يزيد دوافعهم نحو العلم ورفع مكانتهم الاجتماعية والاقتصادية، كما يسعى بعضها إلى إنشاء نظام تراخيص لممارسة مهنة التعليم حيث يطلب من المعلمين بعد كل فترة تجديد تراخيصهم مما يضطرهم إلى المحافظة على مستوى مهني عال.
إن أنظمة التعليم مطالبة بمواصلة البحث فى كافة السبل التي من شأنها سن الأنظمة والتشريعات واللوائح التي من شأنها الرفع من مستوى المعلم المسلم ومن ثم مهنة التعليم. وليس الغرض من التربية والتعليم حشو أذهان الطلاب بالمعلومات، بل الغرض تهذيب الأخلاق مع العناية بالتربية البدنية والعقلية والوجدانية وإعداد الطالب للحياة الاجتماعية.
إن مهنة المعلم لا تقتصر على التعليم والتربية فقط، وإنما مهمته قيادة طلابه نحو ترجمة الأهداف والسياسات التربوية المبنية على تعاليم الدين الإسلامي الحنيف إلى واقع عمل سلوكي يهتم بالنمو المتكامل للطالب روحيا وعقليا واجتماعيا لكي يكون عضوا صالحا فى المجتمع.
إن دور المعلم المسلم المؤثر خلقيا، فى تنظيم الخبرات التربوية واستغلال المواقف التعليمية للاستفادة منها فى استثمار المقررات الدراسية لتنمية الجانب الخلقي لدى طلابه، ولكي يستطيع تحقيق ذلك لا بد أن يعرض تلك المقررات بطريقة مشوقة تجعل طلابه يميلون ويرغبون فى ممارسة الفضائل الخلقية التي تدعو إليها تلك المقررات.
كما أن المعلم المسلم مطالب بنقل المعرفة والخبرات التعليمية ودمج طلابه فى إطار ثقافة المجتمع لاتصاله الدائم بهم من خلال التربية والتعليم والتوجيه داخل المدرسة وخارجها، ففاعلية المعلم وتأثيره فى تنمية الجوانب الخلقية لدى طلابه إنما تنطلق أساسا من دوره فى نقل المعرفة وثقافة المجتمع إليهم، فالمعلم المسلم من خلال دوره المعرفى والثقافي يمكن أن يؤثر تأثيرا فاعلا فى تنمية الجوانب الخلقية لدى طلابه، وإكسابهم قيم المجتمع الدينية والاجتماعية والأخلاقية، فالمعلم يعد عنصرا فاعلا فى الموقف التعليمي من خلال تفاعلاته الإيجابية من الطلاب، فلا يكتفي أن يقدم الإطار المعرفي لموضوع ما ولكنه مطالب إلى جانب ذلك بترجمة هذا المفهوم إلى مواقف سلوكية يمر بها طلابه ويعيشونها ويتأثرون بها على نحو يدعم هذا المفهوم فى تكوينهم الشخصي.
ثالثًا: أهم الحاجات التكوينية اللازمة للمعلم في ظل الفكر التربوي الإسلامي:
1. مواكبة التغيرات الحادثة:
فالتغير سمة من سمات الكون، وناموس التغير وارد فى القرآن الكريم، قال تعالى: {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} (الرحمن: 29)، فالثورة التكنولوجية الحادثة حاليا جعلت هناك تدفقا هائلا للمعرفة الدقيقة وإرسال كميات هائلة من المعلومات، يجب على المعلم فى ضوئها أن يحسن استخدامها، ويسخرها داخل عمليته التعليمية لمواكبة التطورات الاقتصادية، والاجتماعية والثقافية، مما يساعده على محاربة جميع التحديات التي باتت تغزو بلاد المسلمين.
لقد أصبحت الثقافة العامة الآن بعدا مهما من الأبعاد الأساسية الإعداد المعلم والتي تزيده سعة وتعمقا فى الفهم وميولا عقليا تدفع بصاحبها إلى البحث والاستزادة من العلم وقدرته على متابعة الجديد وتفسير الاتجاهات وتفهمها.
ومن هنا كان توجيه ابن جماعة للمعلم: «بأن لا يدع فنا من الفنون أو علما من العلوم إلا نظر فيه، فإن ساعده القدر وطول العمر على التبحر فيه فذاك، وإلا فقد استفاد منه ما يخرج به من عداوة الجهل بذلك العمل، ويعتني من كل علم بالأهم فالأهم».
2. تحديد مصادر برامج إعداد المعلمين وفق الفكر الإسلامي:
الآن التعليم ينمو ويترعرع فى ظل فكر فلسفي يغذيه، ويتم تحديد الأهداف لتكوين المعلم فى ضوئها مما يساعد المعلم على الحكم السلمي فى معالجة المشكلات، ومن المصادر التي يجب أن ينبثق عنها إعداد المعلم:
- القرآن الكريم والسنة المطهرة: لما لها من أصالة فى توجيه المعلم والاقتداء بالرسول المعلم والمربي عليه أفضل الصلاة والسلام بحيث يصبح مثله الأعلى فى بناء شخصيته.
- التراث العربي الإسلامي: فعلى المعلم أن يجتهد فى الانفتاح على ثقافات العرب والمسلمين الغنية فى شتى المجالات وضرورة الاستفادة من القيم والعادات والتقاليد الاجتماعية الصالحة لمواكبة العصر.
- نتائج الدراسات العربية والإسلامية السابقة.
- الانفتاح غير المطلق على ثقافات الآخرين.
- الجمع بين التربية المستمرة والنمو الذاتي للمعلم: فمهنة التعليم فى ظل الإسلام تتطلب نموا متميزا، لمواكبة التطور العلمي والتكنولوجي، والزيَادة المتراكمة فى مجال المعرفة.
إعداد المعلم الباحث:
- ذلك بامتلاك المعلم وسائل المعرفة العلمية والتقنية، ويتم ذلك من خلال تنمية المهارات العلمية ومحو الأمية التكنولوجية لدى المعلم، وفى مقدمتها التعامل مع الحاسوب لمواجهة المشكلات وحلها بطرق علمية صحيحة.
- من يتوفر لديه الشعور بالمسئولية ويتفانى فى أداء واجبه.
- هو الذي يعيش فى مجتمعه بكل كيانه ومقوماته.
- الذي يستجيب لتطورات الحياة من حوله.
- هو الذي يشعر تلاميذه نحوه بالتقدير والاحترام.
- هو القدوة الحسنة لتلاميذه فى مظهره وهندامه وتصرفاته.
- أن يكون متمتعا بصحة جسمية ونفسية.
- أن يكون مجيدا لمادة تخصصه وأن يلم بطبيعتها.
- أن يكون متعاونا.
لذا فقد اقترح البوهي بوضع برنامج تدريبي أثناء الخدمة وذلك لـ:
- رفع مستوى أداء المعلمين فى المادة وطريقة تحسين اتجاهاتهم وتطوير مهاراتهم التعليمية ومعارفهم وزيَادة قدراتهم على الإبداع والتجديد.
- زيَادة إلمام المدرسين بالطرق والأساليب الحديثة فى التعليم وتعزيز دورهم ومسئولياتهم فى ذلك.
- الحاجة إلى البناء الروحي (العقدي).
وتستنبط من بناء هذا الجانب فى المعلم، ثمار طيبة تتجسد فى جملة من الممارسات التربوية السلوكية:
- الاستقامة لكونها مرتبطة بالإيمان الصادق.
- الحرص على العلم الجاد والتفاني فى أداء واجبات المهنة.
- التصدي للمذاهب والأيديولوجيات الهدامة والخرافات والبدع.
3. تربية المواطنة الصالحة:
تتطلب تربية المواكبة الصالحة لدى المعلم المسلم فى ضوء الفكر الإسلامي تحقيق ما يلي:
- تبصيره بواجباته نحو أسرته، ومدرسته ومجتمعه وأمته العربية والإسلامية والفلسطينية.
- تنمية مهارات التفاعل الاجتماعية لديه والقائمة على الاحترام المتبادل بين الأفراد.
- المشاركة الفاعلة الاجتماعية منها والسياسية والتعليمية لتحقيق الصالح العام.
- توعية المعلم بالتحديات والأخطار التي تواجه مجتمعه الفلسطيني وأمته العربية والإسلامية ومواجهتها بقوة.
4. محو الأمية التكنولوجية لدى المعلم المسلم:
كشفت دراسة عسقول عن انخفاض مستوى مهارات استخدام المعلمين والمعلمات للتقنيات التكنولوجية، وأوصى بعقد دورات تدريبية فى ميدان استخدام التقنيات التكنولوجية والوسائل التعليمية بهدف تنمية مهارات المعلمين والمعلمات فى هذا المجال ويكون ذلك أيضا من خلال برنامج تعليمي يساعد المعلم على فهمه وكفاءته فى التصميم واستخدام النظم التكنولوجية.
5. الثقافة الدينية:
إن الثقافة الدينية تمثل عنصرا أساسيا من عناصر الاستقرار وقد حثت السنة النبوية على دراسة الدين وفهمه: «من يرد الله به خيرا يفقهه فى الدين»، ويتمثل فى الآتي:
- دراسة العقيدة الإسلامية بطريقة مبسطة والتأكيد على ربطها بالسلوك الإنساني فى واقع الحياة.
- التعرف على حقيقة الدين ومفهومه كمنهج حياة وليس مجرد شعائر يقوم بها الإنسان.
- اكتساب مهارات التعامل مع القرآن الكريم والسنة النبوية قراءة وفهما وحفظا وممارسة.
- التعرف على الأحكام الفقهية الضرورية فى حياة الإنسان المسلم فيما يخص (العبادات – المعاملات).
- الاطلاع على قدر واف من السيرة النبوية العطرة بما تحمل من قيم واتجاهات وممارسات سلوكية يقتدي بها
6. الثقافة العامة:
أكد ابن جماعة على أهمية الثقافة العامة للمعلم واعتبرها وسيلة تعينه على توجيه المتعلمين ورعاية مصالحهم وحسن إرشادهم، إلى مصادر المعرفة المختلفة.
أهم الاتجاهات الحديثة المناسبة لتربية المعلم للمجتمع المسلم:
- التأكيد على تأهيل المعلم لتربية تلاميذه تربية إسلامية:
وهذه العبارة تعني فى جوهرها توجيه سلوك المتعلم بمساعدة المعلم على أن ينمو بشكل كامل وشامل ومتوازن، ومنها اكتساب الخبرات الخاصة بالقيم الإلهية والخبرات البشرية مما يجعل سلوكه قولا وعملا وفق منهج الله. قال تعالى: {وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} (الأعراف:129)، ويقول أيضا: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} (الزلزلة: 7-8).
- العناية بتزويد المعلم بالثقافة الإسلامية:
فالثقافة الإسلامية هي الأساس التي يبني عليها نظام المجتمع ويقوم عليها البناء التعبدي، وهي منطلق تحرر النفس الإنسانية من العبودية لغير الله، ولذا فهي تستنفر المعلم لتربية تلاميذه وتوجيههم وإرشادهم وحفز هممهم نحو دفع الأمة إلى الانطلاق الحضاري تحت راية دين الله الحنيف وتعريفهم بماضي أمة الإسلام وحاضرها.
- العناية بالتوجيه الإسلامي للعلوم وبإسهامات العلماء المسلمين فيها:
تمكين المعلم من مهارات التعبير باللغة العربية الفصحى ومن التعليم بها، ويدخل فى إطار هذا البند الاتجاه نحو تعريب جميع المعلومات ورفع مستوى المعلم فيها، وتقوية المعلم فى التحدث باللغة العربية لما لها من إسهامات فى تقوية المعلم وانعكاسها على شخصية الطالب فى اللغة.
- الأخذ بمبدأ التعليم مدى الحياة والنظر إلى تربية المعلم في إطار نظام موحد:
وذلك لكي يبقى المعلم متصلا بعالم التربية والعلم، ومطلع على التجديدات الحديثة.
- رفع مستوى برامج تربية المعلم وتكاملها وتنوع خبراتها:
وإن برامج إعداد المعلم هي الركيزة الأساسية لنواة تكوين المعلم، لذلك من الضروري على الجامعات والجهات المختصة أن تقوم بتعديل خطة إعداد المعلم والاهتمام به فى جميع الجوانب المهنية، العلمية الاجتماعية، الأخلاقية.
- الأخذ بالتطورات المعاصرة في التقنية التربوية ومحو الأمية التكنولوجية:
الآن عصرنا الحاضر هو زمن التقدم العلمي والتكنولوجي، تطورت معها طرق تدريس المواد، وتقدمت أساليبها لمراعاة تغيرات العصر كما أسلفت آنفا.
لذلك كان من الضروري تنمية قدرات المعلمين على الأخذ بالتطورات الحاصلة فى العالَم شريطة ألا يتنافى ذلك مع الشريعة الإسلامية.
- التأكيد على البحوث وتطبيقاتها الميدانية:
وذلك لما لها من أهمية فى تقدم العلوم والارتقاء بشخصية المعلم. وبعد مراجعة الأدبيات المتعلقة ببرامج إعداد المعلم فى ضوء الفكر التربوي الإسلامي.
- العناية بأداء المعلم المسلم داخل حجرة الدراسة باتباع: أسلوب الكفايَات.
- العناية بأداء المعلم المسلم داخل حجرة الدراسة باتباع خطوات التعليم المصغر.
- اتساع قاعدة المشاركين فى اتخاذ القرارات الخاصة بتربية المعلم.
- تعلم اللغات الأجنبية ما أمكن.
- الإلمام بظروف المجتمع الفلسطيني الثقافية والعوامل المؤثرة فيها.
توصيات الدراسة
- أن ينطلق تكوين المعلم المسلم، من الثوابت الإسلامية (القرآن والسنة النبوية).
- إخضاع برامج المعلمين إلى التقويم المستمر القائم على أسس إسلامية مع الاستفادة من نتائج الدراسات فى تطويرها.
- تكثيف التعاون بين الجامعات الفلسطينية فى إعداد المعلم المسلم عن طريق تبادل الخبرات والكفاءات.
- العمل على تلاحم اللحمة الفلسطينية بين وزارات التربية والتعليم فى شطري الوطن.
- الأخذ بمبدأ الكفاءة الشاملة للمعلم المراد انضمامه لمهنة التعليم (علما وخلقا وثقافة).
- بث عقيدة مهنة جديدة فى عروق المعلمين الجدد، تنهض بها نقابة مهنية.
- منح المعلمين مزيدا من الحرية للتعبير عن آرائهم تجاه العملية التربوية.
.