إن من أعظم النعم أن جعلنا الله من أمة خير البشر محمد صلى الله عليه وسلم، فالإسلام ديننا: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمران: 85]، ودستورنا القرآن: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء: 9]، ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4]، والقبلة الكعبة: {وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة: 144].
ها نحن نتابع عودة الحجيج إلى بيوتهم بعد أن أكرمهم الله بالطواف حول بيته الحرام مهللين ومكبرين ومتعبدين، بميلاد جديد، وذنب مغفور، وسعي مشكور وعمل متقبل، وحج مبرور والذي جزاؤه الجنة.. أبعد هذا يعود إلى ما كان يرتكبه من معاصي؟ وهل بعد هذه التضحيات التي قدمها كل حاج والأخطار التي أحاطت الحج هذه العام أن يعود لما كانوا عليه من انغماس في الدنيا وملذاتها؟
إن من أهم أسرار الحج أنه يربطنا بقدوتنا العظيم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، كما أنه يعطي صورة رائعة للوحدة التي يجب على المسلمين أن يسعوا إلى تحقيقها، هذا غير تربية النفس على العفاف والأدب العالي، فإن الله تعالى يقول: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ} [البقرة: 197]، ولذا فمن علامات قبول الحج أن تكون بعده أحسن حالاً تائبًا منيبًا مجتهدًا في كل خير، بعيدًا عن كل شر، داعيًا إلى الله، مجاهدًا لإقامة دينه وشرعه بما تستطيع، ساعيًا بجدٍّ في أسباب الرقي لأمتك.
ولذا وجب عليك:
1- الشكر لله على إتمام هذه الفريضة المباركة {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم: 7].
2- ليكن الحج نقطة تحوُّل وتغير في حياتنا {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد: 11].
3- لا تنس {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: 10].
4- كم رفعت يديك داعيًا ربك وخالقك في تلك الأيام الحسان! فلا تنقطع؛ فـ«الدعاء هو العبادة».
5- جميل اتباعك لسُنَّة النبي صلى الله عليه وسلم وحرصك عليها، فليكن هذا ديدنك في حياتك كلها: «وما زال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه...» الحديث.
6- رجعت محسنًا الظن بربك، وقد خرجت من ذنوبك كيوم ولدتك أمك، فلا تطفئ نور قلبك بوحل الذنوب.
7- لعلك عاهدت ربك وخالقك على التوبة، فحذاري من النكوص {رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا} [آل عمران: 8].
8- حذار من العودة إلى الأفعال المخزية، والمسالك المردية، والأعمال الشائنة، فما أحسن الحسنة تتبعها الحسنة! وما أقبح السيئة بعد الحسنة!
9- واظبنا في رحلة الحج على كثرة الذكر، والاستغفار، والدعاء والتضرع إلى الله، فهل نستمر نستشعر حاجاتنا وفقرنا إلى الله تعالى، ونسأله دائمًا وندعوه، ونتذلل بين يديه؟
10- هيَّأنا لفريضة الحج بالمال الحلال، وأطبنا المطعم والملبس، وشعرنا بركة التمسك بالحلال، فهل نتمسك به في سائر الأيام؟
لا أحد يتقين أنك ستكون ملائكيا في أفعالك أو تصرفاتك، فالقاعدة أن كل ابن خطاء لكن هل محوت خطأك بتوبة واستغفار دائم لله، وعدم اقتراف الكبائر والظلم والبغي، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون» [رواه الترمذي].
ويامن لم يحج البيت الحرام، وحج بقلبه بالطاعات، وسعد مع أهله بالعيد والأضاحي، لا تنس نفسك في زحمة الأحداث، ولا تضيع سعادتك بطاعتك لربك وسط انتشار الملاهي والملذات، فمن نوى الحج بصدق، وسلك مسالك الحجاج الصالحين بلغه الله أجر الحجيج ولو حالت بينه وبين الحج الظروف.
فسلوك الحج بعد عودته من البيت الحرام كسلوك من لم يحج فالكل يسعى إلى رضى الله.
.