لبيان أهمية الوقت، أقسم الله تعالى في مطالع سور عديدة من القرآن المكي بأجزاء معينة منه، مثل الليل والنهار والفجر والضحى والعصر، فيقسم الله عز وجل بالعصر: (وَالعَصْرِ * إِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ لَفِي خُسۡرٍ) وبالفجر: (وَالفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ) وبالضحى (وَالضُّحَى وَاللَّيلِ إِذَا سَجَى) ومن المعروف لدى المفسرين وفي حس المسلمين أن الله إذا أقسم بشيء من خلقه، فذلك ليلفت أنظارهم له وينبههم على جليل منفعته وآثاره (كتاب الوقت في حياة المسلم، د. القرضاوي).
السنة المطهرة تبين أهمية الوقت
وجاءت السنة النبوية تؤكد قيمة الوقت وتقرر مسئولية الإنسان عنه بين يدي الله يوم القيامة، حتى إن الأسئلة الأربعة الأساسية التي توجه إلى المكلف يوم الحساب يخص الوقت منها سؤالان رئيسيان: فعن معاذ بن جبل أن النبي r قال: (لن تزولا قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع خصال: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين أكتسبه، وفيما أنفقه، وعن علمه ماذا عمل به)، (رواه البراز والطبراني).
وهكذا يسأل الإنسان عن عمره عامة، وعن شبابه خاصة، والشباب جزء من العمر ومرحلة القوة بين ضعفين، ضعف الطفولة وضعف الشيخوخة، ويقول r: (اغتنم خمسا قبل خمس، شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك)، (أخرجه البخاري).
وفي هذا الحديث يؤكد الرسول r على أهمية الوقت في ثلاثة مواضع (شبابك – فراغك – حياتك) ويقول r: (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ) أي لا يغتنمهما ثم لا يعرف قدرهما إلا بعد زوالهما).
وكان الحسن يقول في موعظته: (المبادرة؛ فإنما هي الأنفاس لو حبست انقطعت عنكم أعمالكم التي تتقربون بها إلى الله عز وجل، رحم الله امرأً نظر إلى نفسه وبكى على عدد ذنوبه ثم قرأ الآية: ) فَلَا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا ( [مريم: 84]، يعني الأنفاس، آخر العدد خروج نفسك، آخر العدد فراق أهلك، آخر العدد دخولك قبرك).
أهمية الوقت في المبادرة إلى الطاعات
وتزداد أهمية الوقت إذا كان يقضى في الخيرات والمبادرة إلى الطاعات، ولذلك نجد توجيه رسول الله r لعبد الله بن عمر بن الخطاب يقول: (أخذ رسول الله r بمنكبي فقال: كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل وعد نفسك من أهل القبور) والمراد من الحديث هو الحث على المسارعة بالأعمال الصالحة، فالمستقبل مجهول، وفي الحديث: (من خاف أدلج ومن أدلج بلغ المنـزل) والإدلاج يفيد معنى السير أول الليل وهو يعني المبادرة بعمل الطاعات قبل فوات الأوان.
ويقول الإمام القشيري حينما يتحدث عن قوله تعالى: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِن رَّبِّكُمْ...) فيقول: (الناس في المسارعة على أقسام، فالعابدون يسارعون بقدمهم في الطاعات، والعارفون يسارعون بهممهم في القربات، والعاصون يسارعون بندمهم في تجرع الحسرات، فمن سارع بقدمه وجد مثوبته، ومن سارع بهمته وجد قربته، ومن سارع بندمه وجد حرمته).
ولأن الوقت هو وعاء العمل الصالح، نجد أن الرسول r يدلنا على ما يصير به الوقت مباركا في قوله (من أراد أن ينسأ له في عمره ويبارك له في رزقه فليصل رحمه) بل يوجهنا إلى أن نتوجه بالدعاء لله عز وجل كي تكون الحياة خيرا للإنسان (اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي).
من صفات المربي
أولًا: أن يعرف ضرورة الالتزام بالموعد
¡ جاءت فرائض وشعائر الإسلام وآدابه تثبت هذا المعنى الكبير فالصلاة لها وقتها المحدد ) إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا ( [ النساء: 103 ] والساهي عن الصلاة أعد الله له الويل ) فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ ( [ الماعون: 5 ].
والله عز وجل فضل بعض الأوقات على بعض، فوقت السحر يقوم فيه عباد الرحمن الذين يبيتون لربهم سجدا وقياما، وصلاة الضحى وصلوات النوافل في أوقات شتى من اليوم والليلة. والجمعة ميزان للأسبوع، ومطلع كل شهر يسن لنا رسول الله r دعاء (اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان و....) وشهر رمضان شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النار.
وقد روى الترمذي عن عبد الله بن الحمساء قال: (بايعت رسول الله r ببيع قبل أن يبعث، وبقيت له بقية، فوعدته أن آتيه بها في مكان فنسيت، ثم ذكرت بعد ثلاثة أيام، فجئت فإذا هو مكانه، فقال: يا بني لقد شققت على، أنا هاهنا منذ ثلاث أنتظرك) ويقول صاحب منهاج المسلم (مثل هذا الذي حصل لنبينا r قد حصل لجده الأعلى إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام حتى أثنى الله تعالي عليه في كتابه ) وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا ( [ مريم: 54 ].
ثانيًا: أن يعرف ضرر الخلف في الموعد
1- الخلف في الموعد من صفات المنافقين، فاحذر أن تقع في هذا الخطأ، كما سبق الإشارة إليه في الحديث الشريف.
2- الخلف في الموعد قد يحدث نتيجة التسويف وعدم المسارعة بعمل ما وعدنا به وتنفيذه في حينه ولسرعة انقضاء الوقت واستحالة عودته، فقد يفوتنا كثير، فالوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك، فاحرص على إنجاز وعدك في الموعد المحدد، فقد ينتهي أجلك ويضيع عليك الخير الذي كنت تنويه وهى خسارة كبيرة.
3- خلف الموعد يفقد الثقة بين المتعاقدين.
4- خلف الموعد يربك العمل ويؤثر على النتيجة المرجوة منه، بل قد تكون النتيجة عكسية.
5- خلف الموعد يضيع وقتا كان المفروض أن يستثمر في إنجاز ما يفيد ويتضاعف الوقت المفقود بتضاعف أعداد الأفراد الذين تأثروا بخلف الموعد، وتعويضه مستحيل فهو ضياع جزء من عمرهم.
6- ضياع حقوق الآخرين وتأخير مصلحتهم بخلف الموعد في سداد دينهم، وقد يكون ذلك مدعاة إلى عدم إقراض المحتاج، فتسوء حالته، وهو صد عن فعل الخير.
- أهمية الوقت والحرص على الانتفاع به:
الوقت هو جزء من عمر الإنسان وما مضى منه لا يعود ولا يعوض، فكل لحظة تمر ليس في الإمكان استعادتها، وبالتالي لا يمكن تعويضها، وهذا ما عبر عنه الحسن البصري بقوله البليغ (ما من يوم ينشق فجره إلا وينادي: يا بن آدم أنا خلق جديد، وعلى عملك شهيد، فتزود مني، فإني لا أعود إلى يوم القيامة).
وبعض الشعراء يصور لنا تمني العودة إلى الشباب بعد المشيب:
ألا ليت الشبـاب يعود يومـا فأخبـره بما فـعل المشيـب
- التفريط بأنفس ما يملك الإنسان
لما كان الوقت سريع الانقضاء وما مضى منه لا يعود كان أنفس ما يملكه الإنسان. إنه ليس من ذهب فقط كما يقول المثل الشائع، بل هو أغلى حقيقة من الذهب واللؤلؤ والماس ومن كل جوهر نفيس وحجر كريم، إنه كما قال الإمام (الوقت هو الحياة) وفي هذا يقول الحسن البصري (يا ابن آدم إنما أنت أيام مجموعة، كلما ذهب يوم ذهب بعضك).
والحق أن السفه في تضييع الأوقات أشد خطرا من السفه في إنفاق الأموال.
ثالثًا: نماذج من السيرة والتاريخ الحديث
لقد كان السلف يحافظون على أوقاتهم وبالتالي يوفون بوعدهم أكثر مما يحافظ التاجر على ماله، فقد كانوا أعرف الناس بهذه القيمة وهذا الخلق، وفي سيرة عمر بن عبد العزيز عبرة بالغة، ففي أقل من ثلاث سنوات يصحح مسار الدولة ويقيم العدل ويجري الله الخير على يديه.
ويقول الحسن البصري: (أدركت أقواما كانوا على أوقاتهم أشد منكم حرصا على دراهمكم ودنانيركم).
وكانوا يقولون من علامات المقت: إضاعة الوقت، وكانوا يحاولون دائما الترقي من حال إلى حال أحسن منها، بحيث يكون يوم أحدهم أفضل من أمسه وغده أفضل من يومه، ويقول في هذا قائلهم: من كان يومه كأمسه فهو مغبون، ومن كان يومه شر من أمسه فهو ملعون. ويقول ابن مسعود رضي الله عنه: ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت شمسه، نقص فيه أجلي، ولم يزد فيه عملي. وكان السلف يكرهون من الرجل أن يكون فارغا لا هو من أمر دينه ولا هو من أمر دنياه، ولذلك نجد أن السابقين من الطلاب ينهجون هذا النهج القويم، فيقول الإمام في وصاياه:
(الواجبات أكثر من الأوقات، فعاون غيرك على الانتفاع بوقته، وإن كان لك مهمة فأوجز في قضائها) ويضع الأستاذ عمر رحمه الله في مكتبه بدار الدعوة بالسيدة زينب عبارة يقول فيها (وقت الدعوة لها لا لغيرها، فدعه لها).
ويتفق بعض الطلاب مع الأستاذ مصطفى على موعد قبل سفره إلى الخارج، ويصل الخبر إليهم في يوم الموعد أنه ما زال مسافرا، ويفاجئ الطلاب أنه وصل في الموعد المحدد، فقد توجه من المطار مباشرة إلى مكان الموعد، ويروي أحد الطلاب عن الحاج أحمد البس رحمه الله أنه كان يرتب جدول أعماله لليوم التالي قبل نومه.
ولذلك يجب على الطالب أن يغتنم الفراغ ويسارع إلى الخيرات، ويعتبر بمرور الأيام، وينظم وقته، ويعلم أن لكل وقت عمله، ويتحرى الأوقات الفاضلة، فالأمة التي تعمل أمة منصورة رائدة.
الجانب العملي
- استدعاء (غير دوري) مهدف.
- معايشة عملية مع الدارس لتحديد نواحي الخطأ ونقاط القصور ووضع برنامج لعلاج الأخطاء.
- أن يقدم الدارس برنامجا يوميا وأسبوعيا لنفسه.
- طرح وسائل عملية لاستثمار الوقت ومتابعتها.
.