إن سنة الأخذ بالأسباب جعلت الفاروق (رضي الله عنه) لم يترك بابًا من الأبواب إلا سلكه دفعًا بالأزمة وتخفيفًا لحدتها، لذلك أخذ بأهم هذه الأسباب ألا وهو اللجوء إلى الله تعالى والتذلل إليه بالاستغفار والدعاء.
عن السائب بن يزيد عن أبيه قال: «رأيت عمر بن الخطاب يصلي في جوف الليل في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، زمان الرمادة وهو يقول: اللهم لا تهلكنا بالسنين وارفع عنا البلاء، يردد هذه الكلمة). وعنه أيضًا قال: (رأيت على عمر بن الخطاب إزارًا في زمن الرمادة فيه ست عشرة رقعة، ورداؤه خمس وشبر، وهو يقول: اللهم لا تجعل هلكة أمة محمد على رِجليَّ).
وعن سليمان بن يسار قال: (خطب عمر بن الخطاب الناس في زمان الرمادة فقال: أيها الناس اتقوا الله في أنفسكم، وفيما غاب عن الناس من أمركم، فقد ابتليت بكم وابتليتم بي فما أدري السُّخْطةُ عليّ دونكم أو عليكم دوني أو قد عمتني وعمتكم، فهلموا فلندع الله يصلح قلوبنا وأن يرحمنا وأن يرفع عنا المحل. قال فرئي عمر يومئذ رافعًا يديه يدعو الله ودعا الناس وبكى وبكى الناس مَليًّا، ثم نزل).
وبعد ذلك كتب إلى عماله وحدد لهم موعدًا لأداء صلاة الاستسقاء وخرج هو لذلك اليوم وعليه بردة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فانتهى إلى المصلى فخطب الناس متضرعًا إلى الله تعالى فألح وألح الناس بالدعاء، وقبل أن ينصرف رفع يديه، ومدهما وحوّل رداءه فجعل اليمين على الشمال والشمال على اليمين وبكى طويلاً حتى اخضَّلت لحيته.
فقد روى الشعبي أن عمر (رضي الله عنه) خرج يستسقي فصعد المنبر فقال: (اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا (11) ويُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وبَنِينَ ويَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ ويَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا (12).استغفروا ربكم إنه كان غفارا، ثم نزل فقيل له: يا أمير المؤمنين، لو استسقيت، فقال: لقد طلبت بمجاديح السماء التي يستنزل بها القطر).
ولاستحباب الاستسقاء بالصالحين والأخيار وخاصة من أقرباء رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، لأنه أقرب إلى إجابة الدعاء، لذلك استسقى عمر (رضي الله عنه) بالعباس عم النبي (صلى الله عليه وسلم).
وبعد استجابة دعاء عمر (رضي الله عنه) والمؤمنين الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فتحت أبواب السماء بماءٍ منهمر، فتحولت الأراضي القاحلة الجدبة –بعد مدة– والتي كانت تغطيها الرمال والأتربة إلى أراضٍ مخضرة نضرة، فلم يعد للأعراب الذين قدموا إلى المدينة حجة لاستمرار البقاء والإقامة فيها، ظنًا منهم أنها أرغد حياةَ وألين عيشًا، لذلك نظَّم عمر عملية إخراج هؤلاء الأعراب، فوكل بكل ناحية من المدينة عمالاً له يخرجون هؤلاء الذين وفدوا إلى المدينة، يخرجونهم إلى البادية محملين بالأقوات والأطعمة تحملهم العير إلى منازلهم ليمارسوا حياتهم التي كانوا عليها قبل عام الرمادة، وكان الفاروق يخرجهم بنفسه ويحمل الضعيف منهم حتى لحقوا ببلادهم.
.