بقلم: د. همام سعيد
هذا ما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم على بن أبى طالب عندما أعطاه الراية يوم خيبر، فقال علىّ: (علام أقاتل الناس، نقاتلهم حتى يكونوا مثلنا؟ فقال: (على رسلك حتى تنزل بساحتهم ثم ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم، فوالله لأن يهدى الله بك رجلًا واحدًا خير لك من حمر النعم).
وذلك لأن هُدى الله هو الهدى، وأنه ليس بعد الهدى إلا الضلال، وعندما يوفق الله تعالى داعية من دعاة الإسلام فيهيئ له من يقبل دعوته فإن نتائج هذا القبول عظيمة جليلة، نذكر منها:
أ- إن في ذلك استنقاذًا لهذا المهتدي من النار، وصيانة له من سعيرها ولظاها، وما صرف عنه من النار إنما كان بعد فضل الله بجهد الداعية وعنايته، واستبدال مقام خالد في النار بمقام خالد في الجنة أمرٌ لا يدانيه شيء من أصناف المعروف، ولا تصل إليه رتبة من رتب الإحسان والجود، فالداعية يقدم الجنة هدية للناس من حوله ويدلهم على مقامات السعادة، وأي أجر يكتب للداعية عند ربه إلا الأجر الذي يليق بجلال المعطي سبحانه ويتناسب مع قدر العطية.
ب- إن كل حركة وسكنة يتحركها المهتدي، وكل تسبيحة أو تكبيرة ينطقها، وكل ركعة وسجدة يفعلها، وكل إحسان يجريه الله على يديه، فإنما كان الداعية سبب كل ذلك وطريقه الدال عليه، وإن له مثل أجر فاعله لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الدال على الخير كفاعله)، ولقوله صلى الله عليه وسلم أيضًا: (من سنَّ في الإسلام سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها من غير أن ينقص من أجورهم شيء).
وهذا باب من الأجر لا يغلق، وهو يتنامى يومًا بعد يوم، وإن جهد أبى بكر وعمَّار وبلال وخديجة وأسماء وغيرهم وغيرهنّ، إنما هو أساس في إقبال كل إنسان على الله تعالى إلى قيام الساعة، وإن جهد المصطفى صلى الله عليه وسلم هو مبدأ كل جهد طيب بذله مسلم أو يبذله، ولرسول الله صلى الله عليه وسلم - بعد الله تعالى- منَّةٌ وأي منة في عنق كل مسلم.
ج- إن من يهتدي على يد الداعية يكون عونًا للداعية على أداء رسالته ويضم جهده إلى جهد الداعية.
وهكذا فإن الدعوة لا تتكاثر إلا عن طريق الدعوة ولا تتقوى إلا بالعناصر الجديدة الرافدة، وما تغير حال المسلمين من السر إلى العلن إلا يوم أن دخل عمر بن الخطاب وحمزة بن عبد المطلب في دين الله، وما تغير حالهم من الجماعة إلى المجتمع إلا يوم أن دخل الأنصار في دين الله تعالى.
د- وإن الهداية أسلوب من أساليب النصر المادي، ولكنه يتحقق لا في معركة ذات جرح وقرح ولا عن طريق السيف والسهم، وإنما عن طريق: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}[النحل:125].
هـ- وإن من يهديه الله على يديك أيها الداعية إنما هو كلبنة فكت من بناء الجاهلية ووضعت في بناء الإسلام، وسيكون هذا على حساب الكفر والضلال، وهو خسارة للشيطان وأعوانه وكسب للرحمن وأنصاره.
وفى كل مرة يهتدي فيها من يهتدي فإنما يسقط ركن من الأركان، وهكذا كان أمر الجاهلية في مكة.
ففي كل صباح لهم حديث، الكفار يتكلمون عن الصابئين المفارقين الخارجين، والمسلمون يفرحون بالداخلين المؤمنين، وكأني ببناء الكفر يتصدع كل يوم ويفقد من بنائه ما يفتح ثغرة بعد ثغرة فيه.
للاطلاع على السلسلة: د. همام سعيد يكتب: قواعد عامة في الدعوة إلى الله
.