تخيم فترات من الظلام على حياة الأفراد والأمم يعم فيها الظلم ويعلو فيه الباطل حتى يظن البعض أنه الحق – وما أيامنا التي نعيشها الآن ما هي إلا جزء من هذا الظلم والظلام.
يقول عمر عبيد حسنه: أن إشكالية الظلم وما يتولد عنها من الاستبداد والاستعباد والتأله والاغتصاب والإكراه والتسلط والهيمنة وبطر الحق وغمط الناس.... إلخ، كانت ولا تزال الأصل والمحور الأساسي للشر، بكل أشكاله، وشقوة الإنسان وإهدار كرامته وإلغاء إنسانيته، لذلك جعل الإسلام المسؤولية عن وقوع المظالم مسؤولية تضامنية شاملة لكل أفراد الأمة، ولنا نموذج حي في فرعون وموسى عليه السلام، في صورة جسدها القرآن الكريم في آيات محكمات ميسرة وبسيطة أجملت الصورة الظلامية والوسائل القمعية التي تتلاشى على صخرة التربية الحقيقة على معاني العبودية لله.
ولو أسقطنا ما سلكه فرعون من أساليب وألفاظ نعيشها في عصرنا الحالي لوجدنا أن الوضع يكاد يكون نموذج واحد – رغم آلاف السنين بينهم وكما ذكرها البعض - ففرعون اتهم موسى بأنه (حزبي) فقال: "إِنَّ هَٰٓؤُلَآءِ لَشِرۡذِمَةٞ قَلِيلُونَ وَإِنَّهُمۡ لَنَا لَغَآئِظُونَ"
ولعب على وتر (الدين) فقال: "إِنِّيٓ أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمۡ أَوۡ أَن يُظۡهِرَ فِي ٱلۡأَرۡضِ ٱلۡفَسَادَ"
وصرح بوجود (مؤامرة دولية) على بلاده فقال "قَالَ فِرۡعَوۡنُ ءَامَنتُم بِهِۦ قَبۡلَ أَنۡ ءَاذَنَ لَكُمۡۖ إِنَّ هَٰذَا لَمَكۡرٞ مَّكَرۡتُمُوهُ فِي ٱلۡمَدِينَةِ لِتُخۡرِجُواْ مِنۡهَآ أَهۡلَهَاۖ فَسَوۡفَ تَعۡلَمُونَ".
واتهم موسى (بالتخابر) للدول الأجنبية فقال "إِنۡ هَٰذَآ إِلَّآ إِفۡكٌ ٱفۡتَرَىٰهُ وَأَعَانَهُۥ عَلَيۡهِ قَوۡمٌ ءَاخَرُونَ".
وطلب من عبيده (التفويض) بقتل موسى فقال "وَقَالَ فِرۡعَوۡنُ ذَرُونِيٓ أَقۡتُلۡ مُوسَىٰ".
وقاد (حملة إعلامية) شرسة واتهامات فقال "إِنَّ هَٰذَا لَسَٰحِرٞ مُّبِينٌ".
واستعان (بالبلطجية) واشترطوا عليه "وَجَآءَ ٱلسَّحَرَةُ فِرۡعَوۡنَ قَالُوٓاْ إِنَّ لَنَا لَأَجۡرًا إِن كُنَّا نَحۡنُ ٱلۡغَٰلِبِينَ"
ووافق على الفور وعرض عليهم (أعلى المناصب) فقال "قَالَ نَعَمۡ وَإِنَّكُمۡ لَمِنَ ٱلۡمُقَرَّبِينَ"
وكعادة هؤلاء المرتزقة (فعنتريّتهم) تكون على النساء والأطفال فقال "قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبۡنَآءَهُمۡ وَنَسۡتَحۡيِۦ نِسَآءَهُمۡ وَإِنَّا فَوۡقَهُمۡ قَٰهِرُونَ".
لكن التربية الحقيقية تجلت حينما صدع من وسطهم من قال: أَتَقْتُلُونَ رَجُلا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ".
ثم برز حسن الصبر وقوة الحجة حينما خر السحرة وبلطجية فرعون سجدا وصدعوا بقول الحق: {قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَىٰ}.
فهل استسلم الباطل؟ لا.. بل ظل يحاول إطفاء هذا النور الذي بدأ يتسرب في قلوب الناس فقال: { فَلأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ}، وما الفرق بين ما فعله وما يفعله الطغاة الآن.
لكن كان لابد من نهاية لمحور الظلم حيث جاء الانتقام من الله سبحانه، فبعدما استنفد الظالم كل وسائله كان لابد أن يشن حملة إبادة على الجميع فقال: { إِنَّ هَؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ* وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ}، فهل نفعتهم قوتهم وأسلحتهم وأموالهم؟ فحينما أراد الله أن تعلو قيم التربية والعدل كان لابد من التغيير والتمكين، حتى ولو لفترة حتى يتيقن أهل الحق أنهم يأوون إلى ركن شديد.. إلى ركن الله سبحانه وتعالى، فكانت النهاية.
فبعد كل هذا التضليل يبقى موسى عليه السلام هو موسى وفرعون الطاغية هو فرعون، ولا بد للقصة من نهاية سواء طالت أم قصرت ونهاية الظلم معروفة: "... عَسَىٰ رَبُّكُمۡ أَن يُهۡلِكَ عَدُوَّكُمۡ وَيَسۡتَخۡلِفَكُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَيَنظُرَ كَيۡفَ تَعۡمَلُونَ".
وأخيرًا: {وَأَنجَيۡنَا مُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُۥٓ أَجۡمَعِينَ * ثُمَّ أَغۡرَقۡنَا ٱلۡأٓخَرِينَأجمعين}.
وهكذا يجب أن نتترس بسلاح اليقين والثبات والاستعانة بالله في مجابهة طوفان الظلم الكاذب، الذي ربما ينال من الأجساد غير أنه لن يغير القلوب المؤمنة التي توقن بنصر الله وبوعده.
.