قدرة المربي على جمع القلوب (2)

2- نماذج عملية للقدوة

   في السيرة النبوية وحياة الصحابة العديد من المواقف التي تحمل التطبيق العملي لمفهوم القدوة، يمكن أن نشير إلى بعض منها، ويمكن الرجوع إلى كتب السيرة للتعرف على جوانب القدوة في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم ومنها:

    أ- بناء المسجد النبوي:

    وأول خطوة خطاها النبي بعد ذلك هو إقامة المسجد النبوي، ففي المكان الذي بركت فيه الناقة أمر ببناء هذا المسجد واشتراه من غلامين يتيمين كانا يملكانه وساهم في بنائه بنفسه فكان ينقل اللبن والحجارة ويقول:

                   اللهـم لا عـيش إلا عـيش الآخـرة      فـاغفـر للأنصـار والمهـاجـرة

وكان يقول:      هذا الحـمـال لا حـمـال خيبـر           هـذا أمـر ربـنا وأطـهــر

    ب- موقف عمر بن الخطاب في عام الرمادة:

    - قال الطبري: أصابت الناس في إمارة عمر سنة بالمدينة وما حولها، فكانت تسفي إذا ريحت – أصابتها الريح – ترابا كالرماد، فسمى ذلك العام عام الرمادة، فآلى عمر أن لا يذوق سمنا ولا لبنا ولا لحما حتى يحيا الناس من أول الحيا، فكان – بذلك – حتى أحيا الناس من أول الحيا، فقدمت السوق بمكة من سمن ووطب من لبن فاشتراهما غلام لعمر بأربعين ثم أتى عمر فقال: (يا أمير المؤمنين قد أبر الله عينك وعظم أجرك، قدم السوق وطب من لبن، وعكة من سمن، فابتعتهما بأربعين، فقال عمر: أغليت بهما، فتصدق بهما، فإني أكره أن آكل إسرافا، وقال عمر: كيف يعنيني شأن الرعية إذا لم يمسسني ما مسهم).

    - وأخرج أحمد من حديث زيد بن أسلم عن أبيه قال: (أصاب الناس سنة غلا فيها السمن، وكان عمر يأكل الزيت فيقرقر بطنه فيقول: قرقر ما شئت، فوالله لا تأكل السمن حتى يأكله الناس، ثم قال: اكسر عنه حره بالنار، فكنت أطبخه له فيأكله).

    - هكذا كان الخليفة القدوة يحيا كما يحيا الناس ويعيش كما يعيشون ويشاركهم ما يقع بهم، فلا حواجز بينه وبينهم، ليضع يده على كل ما يعانيه الناس، ويسارع بحل المشكلات التي تعترض طريق حياتهم.

    ج- مواقف القدوة من رجالات الجماعة الذين تربوا في مدرسة الرسول صلى الله عليه وسلم نذكر منها:

1- عندما اقترح أحد الطلاب بناء دار خاصة بالمدرسة في الإسماعيلية، وبجانب الدار مسجد لقلة المساجد في البلد، ولضمان مساعدة الجمهور ماديا، وتحمس الحاضرون للفكرة، وعندما سألوا الإمام الشهيد وماذا ترى في هذا الشأن ؟ فقال: أما المبدأ فجميل وأما التنفيذ فيحتاج إلى شروط:

    أولها: إخلاص النية لله ثم توطين النفس على المشقة والصبر، ثم الكتمان ودوام النشاط، وأن نبدأ بأنفسنا في البذل والتضحية، فإذا كنتم صادقين فيما تتحمسون له الآن فعلامة ذلك أن تكتتبوا أنتم فيما بينكم أولا بخمسين جنيها توزعونها على أنفسكم ويدفعها كل منكم خلال أسبوع، ثم نجتمع بعد أسبوع في مثل هذه الليلة، فإذا كنتم قد أكملتم الاكتتاب فثقوا بأن مشروعكم سيتم إن شاء الله.

    وفي الليلة المحددة اجتمع الطلاب مرة أخرى وكان مبلغ الخمسين جنيها قد تم جمعها بالكامل. (كتاب مذكرات الدعوة والداعية – بتصرف بسيط).

2- في عام 1957م قررت لجنة من أطباء مسيحيين أن حالة الأستاذ حسن –رحمه الله– تنذر بالهلاك وأفرج عنه صحيا، لكن المدير الذي يدرك بوعي تبعات الإدارة تجاه الطلاب أخذه الحنين إلى طلابه وأبنائه المسجونين، ولم تطاوعه نفسه أن يكون في نظر الطغاة ذلك الواهن الذي ينتهز مثل هذه الفرصة لينعم بحياة الترف متميزا على رفقاء الجهاد فلا يستأثرون بالأجر من دونه، فلم يكد يحس بالعافية حتى كتب إلى السلطات بأنه قد عوفي بحمد الله مما عرض له، وأنه باستطاعته العودة لقضاء باقي المدة المحكوم عليه بها (من كتاب رحلتي مع الجماعة الصامدة، أحمد أبو شادي).

    ويمكن الرجوع إلى كتاب مواقف إيمانية على طريق الدعوة للأستاذ أحمد عيد، للتعرف على العديد من مواقف القدوة في الجامعة.

    الترهيب من أن يقول ما لا يفعل:

    - والقرآن الكريم يذخر بتهديد ووعيد من يخالف فعله قوله والذين يقولون ما لا يفعلون في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} [ الصف: 2 ]. {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} [البقرة: 44].

    - وفي كتب الحديث عشرات الروايات التي تحض على تطابق الظاهر مع الباطن كما تنذر وتحذر المعرضين عن ذلك بالعواقب الوخيمة.

عن أسامة بن زيد أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (يجاء بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتابه فيدورها كما يدور الحمار برحاه، فتجتمع أهل النار عليه فيقولون: يا فلان ما شأنك، ألست كنت تأمرنا بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ فيقول: كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه، وأنهاكم عن الشر وآتيه، قال وإني سمعته يقول – يعني النبي صلى الله عليه وسلم: مررت ليلة أسرى بي بأقوام تقرض شفاههم بمقاريض من نار: قلت: من هؤلاء يا جبريل، قال خطباء أمتك الذين يقولون ما لا يفعلون).

    - وروى عن الوليد بن عقبة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن أناسا من أهل الجنة ينطلقون إلى أناس من أهل النار فيقولون: بم دخلتم النار؟ فوالله ما دخلنا الجنة إلا بما تعلمنا منكم، فيقولون إنا كنا نقول ولا نفعل).

    - وعن لقمان – يعني بن عامر قال: كان أبو الدرداء –واسمه عويمر بن زيد بن قيس الأنصاري الخزرجي. وقيل: عويمر بن عامر- يقول: إنما أخشى من ربي يوم القيامة أن يدعوني على رؤوس الخلائق فيقول لي يا عويمر فأقول لبيك رب، فيقول ما عملت فأقول لبيك رب، فيقول ما عملت فيما علمت؟

    وعن جندب بن عبد الله الأزدي (صاحب النبي) عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (مثل الذي يعلم الناس الخير وينسى نفسه مثل السراج يضيء للناس ويحرق نفسه).

 

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم