إن من العبادات العظيمة التي شرعها الله عز وجل لعباده، وبينها النبي ﷺ لأمته: ذكر الله عز وجل، الذي يتضمن كل الأدعية والأذكار التي ثبتت عنه ﷺ؛ ليؤديها المسلم في ليلة، ونهاره، حلة وترحاله، صحته ومرضه، وفي كل شأن من شئونه.
ويأتي هذا البحث الذي أعدّه عثمان عبد الماجد السوداني، كلية التربية بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية، ليعرف بعبادة ذكر الله، وأهميتها، وما تضمنته من جوانب التربية، وأنواع الأساليب التي تستخدم لتربية الطفل عليها، مع بيان البرامج العملية، والخطوات التطبيقية لهذا الغرض، وأسأل الله أن يكتب فيه النفع والفائدة.
عبادة الذكر
إن الذكر بمعناه العام يطلق ويراد به: جميع أنواع العبادات القلبية والبدنية مع أعمال اللسان، فيشمل بعمومه التوحيد، والصلاة، والزكاة، والحج، وقراءة القرآن، والدعاء، والتسبيح والتهليل، والتحميد، والتمجيد، والاستغفار، ومدارسه العلم الشرعي وغيرها من أنواع الطاعات التي تقرب العبد إلى ربه.
وأما الذكر بمعناه الخاص: فيطلق على ما يجري على قلب العبد ولسانه، من الألفاظ المتضمنة الثناء على الله عز وجل بجميل أوصافه، وأسمائه، وأفعاله، وآلائه، وتمجيده، وتحميده، وتهليله، وتسبيحه، وتكبيره، وتلاوة آياته، ونحو ذلك مما ورد الترغيب فيه، والحث عليه بالآيات القرآنية، والأحاديث النبوية على اختلاف الأحوال والمناسبات من غير غفلة ولا نسيان.
الأساليب التربوية
الأسلوب الأول: القدوة
يعد مبدأ القدوة من أهم المبادئ التي تقوم عليها العملية التربوية بشكل عام، وهو يكتسب أهمية بالغة حين يتعلق الأمر بتربية الأطفال، وتنشئتهم
ولتحقيق معنى القدوة الحسنة؛ فإنه لا بد من توفر أصول ثلاثة فيها، وهي:
أولًا: الصلاح والاستقامة.
ثانيًا: حسن الخلق.
ثالثًا: موافقة القول العمل.
دور القدوة في تربية الطفل على الأفكار النبوية
أولًا: أن يحرص الأبوان، والمعلمون على التلفظ بالأذكار النبوية المتنوعة، وإسماعها للأطفال ليقتدوا بهم ويقلدوهم، وخاصة الأذكار المتكررة يوميًا، كأذكار الصباح والمساء، وأذكار دخول المنزل والخلاء، والخروج منهما، وعند دخول المسجد، وأذكار الأكل والشرب، والسلام، والعاطس، والنوم والاستيقاظ، وغيرها ممًا يتكرر كثيرًا.
ثانيًا: أن ينتبه المربون، ومن كان في محل القدوة للأطفال للأذكار العارضة التي لا تتكرر كثيرًا، وإنما تشرع في مناسبات، وأحوال مخصوصة: كأذكار السفر، والتهنئة، والتعزية، وزيارة المقابر، وحال الكرب، والغضب، وعند رؤية الهلال، ونزول الغيث، وعيادة المريض، وغيرها مما ورد الشرع بمشروعية الذكر فيه مما يعمق في الأطفال أمر الصلة بالله عز وجل، والمداومة على ذكره رغم تغير الأحوال، والأزمان، والأمكنة، وهذا مقصد تربوي جليل، وهو من ثمرات تربية الأطفال على ذكر الله عز وجل.
ثالثًا: أن يتوجه المربون، وأهل القدوة إلى أذكار الصلاة بمزيد العناية والاهتمام عند تعليمها الأطفال؛ وذلك لعظم شأن الصلاة، وجليل قدرها.
رابعًا: توجيه الأطفال إلى أعظم الذكر، وأفضله، وهو القرآن الكريم، فينبغي أن يخصص الأبوان والإخوة الكبار ومن يقتدي بهم الطفل نصيبًا من أوقاتهم لتلاوة القرآن الكريم وحفظه وتسميعه؛ حتى ينشأ الأطفال في بيئة تعظم كتاب الله، وتهتم بحفظه، وتلاوته، وتطبيقه.
الأسلوب الثاني: التدرج
يمر التدرج التربوي بثلاث خطوات رئيسة هي: أولًا: التلقين، ثانيًا: التعليم، ثالثًا: التقويم.
وممًا يمكن به تحقيق التدرج في تربية الطفل المسلم على الأذكار النبوية ما يأتي:
أولًا: أن يراعي المربي في تعليمه الأذكار النبوية المتنوعة مبدأ التدرج، بحيث يبدأ بالأذكار التي تتميز بالقصر والاختصار.
ثانيًا: أن يتدرج المربي في تعليم الأطفال القرآن الكريم، وهو أفضل الذكر، فينبغي أن يبدأ بتعليمهم قصار السور، وآية الكرسي، وخواتيم سورة البقرة ليحفظوها ويتحصنوا بها كما هو ثابت في أحاديث أذكار اليوم والليلة، تم يترقى بهم لإتمام جزء عم، وهكذا يتم حفظ الطفل للقرآن الكريم وإتقانه بسلاسة وتدرج.
التلقين
أولا: ينبغي أن يحرص المربون على تلقين الطفل منذ نهاية مرحلة الرضاعة وابتداء مرحلة الحضانة بعض ألفاظ الذكر؛ لاستغلال الفترة التي يبدأ فيها الطفل في الكلام والحوار، وممًا يمكن تلقينه إياه في هذه المرحلة: شهادة الإسلام (لا إله إلا الله)، ومن قبلها لفظ الجلالة، وبعض ألفاظ الذكر القصيرة الجمل، مثل: (بسم الله، والحمد الله).
ثانيًا: أن يعتني المربون بتلقين أعظم الذكر وأشرفه، ألا وهو القرآن الكريم.
ثالثًا: أن يهتم المربون- وخاصة الوالدين- بنوعي التلقين: المباشر وغير المباشر.
ويدل للنوع الأول ما قد ثبت في (الصحيحين) من حديث عمر بن أبي سلمه رضي الله عنه قال: كنت غلامًا في حجر رسول الله ﷺ، وكانت يدي تطيش في الصفحة، فقال لي رسول الله ﷺ: «يا غلام! سم الله، وكل بيمينك، كل مما يليك».
رابعًا: أن يحرص المربون للطفل على أن يمزجوا مع أسلوب التلقين ما يقويه من الأساليب التربوية المتنوعة سواء بتطبيق مبدأ القدوة الحسنة، والتدرج، واستخدام الحوار، والحوافز بأنواعها، والقصص التربوية المؤثرة، وغيرها من الأساليب والوسائل التربوية المفيدة التي تشكل مع التلقين أساسًا قويًا.
.